التقويم العبري


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


يعتبر التقويم العبري علامة فارقة ومشرقة في موكب الحضارة العبرانية في ارض اسرائيل.. بل ينظر اليه الكثيرون بوصفه التقويم الاروع والادق في العالم منذ خرج الانسان من غياهب المجهول وحتى زمننا الحالي.. المكان هو ارض اسرائيل والزمان يعود بنا الى الاف السنين حين بدأ الشعب العبراني يشكل تقويما خاصا به لتنظيم الحياة العامة والمواقيت والاعياد والمناسبات.. فبعد تحديد عدد ايام الاسابيع والشهور طفق الحاخامات والقضاة يجتمعون في دار القضاء من خلال جلسات دورية لتحديد السنوات الكبيسة والاشهر المضافة مستعينين بحسابات رياضية وفلكية دقيقة ومواعيد التعادل الربيعي والخريفي ومراقبة المواسم الزراعية ونضوج الغلال والثمار الخ .. ويجمع المؤرخون اليوم ان الحسابات الفلكية ظلت تشكل القاعدة الاساس لتحديد التقويم العبري فيما شهدت الحقبة التي تسمى في التاريخ اليهودي حقبة بيت المقدس الثاني التي كانت بدايتها قبل نحو 2500 عام شهدت هذه الفترة تقليدا اضافيا تمثل بشهادة شاهدان عادلان على رؤية الهلال زيادة في مراعاة الدقة والحرص.. ظل هذا الوضع قائما حتى القرون الاولى للميلاد حيث تم اعتماد تقويم نهائي يراعي الدورة الشمسية والقمرية معا ويتم تحديد السنوات الكبيسة وفق هذا التقويم طبقا لدورة فلكية مدتها 19 عاما ...

فيما يلي نشرح باقتضاب ماهية التقويم العبري ومقاصده ...

قصارى القول إن عدد ايام السنة الشمسية 365 يوم. ومدة الشهر القمري حوالي 29 يوم ونصف اليوم. شهران قمريان = 59 يوم. 59 × 6 = 354 يوم هو عدد ايام السنة القمرية. النتيجة هي وجود فارق 11 يوم بين السنة الشمسية والقمرية. لتعديل هذا الفارق تقرر اضافة شهر واحد كل بضعة سنوات اي اضافة 29 يوم ونصف في السنة الكبيسة. من خلال حساب بسيط يظهر انه كل 3 سنوات سيتكون فارق مجموعه 33 يوم. في هذه الحالة سنحصل كل 4 سنوات على سنة عدد اشهرها 13 شهر قمري. وعليه تم تحديد شهر أدار الاول على اعتباره شهر مضاف في حال سنة كبيسة. لماذا أدار؟ لانه الشهر الخاتم للشهور العبرية يبشر ببداية اعياد الربيع. وعليه يكون أدار الاول هو الشهر الكبيس او المضاف يليه شهر أدار الثاني.

مما سبق يظهر ان السنة الميلادية المسيحية هي سنة شمسية عدد ايامها 365 يوم. والسنة الهجرية الاسلامية هي سنة قمرية عدد شهورها 12 شهر. واما السنة العبرية فهي سنة شمسية وقمرية في آن واحد. كيف؟

اولا لا بد من السؤال ما هي مدة دوران القمر حول الارض؟

ورد في التلمود، فصل رأس السنة، على لسان ربان جمليئيل، ان التوراة الشفوية المتوارثة من السلف الى الخلف تفيد بان ظهور الهلال يسبقه 29 يوم ونصف وثلثي الساعة و 73 جزء من الساعة.. بمعنى :

29.5 يوم + 3/2 ساعة + 73 جزء من الساعة

2/3 ساعة = 720 جزءا .. علما ان أسلافنا كانوا يقسمون الساعة الى 1080 جزء، بخلاف 60 دقيقة المتبع اليوم..

>> 720 + 73 = 793 جزء

>> 793/1080 اجزاء الساعة = 0.734259 ساعة

>> 0.734259/24 عدد ساعات اليوم = 0.03059 يوم

>> 29.5 يوم + 0.03059 يوم = 29.53059

>> ينتج اذاً ان مدة دوران القمر حول الارض = 29.530590 يوم طبقا للحساب التلمودي

تبين الابحاث التي أجرتها وكالة الفضاء NASA ان المدة التي يحتاجها القمر ليكمل دورة واحدة حول الارض = 29.530588 يوم

اي ان الفارق بين التلمود ووكالة ناسا = جزئين من الف من الثانية !!

وقد اجريت ابحاث متقدمة اكثر في برلين اسفرت عن النتائج التالية :

مدة دورة واحدة للقمر حول الارض = 29.530589 يوم

اي ان الفارق بين حسابات التلمود وحسابات برلين = 0.000001

بمعنى ان الفارق الحسابي بين ما سطره اسلاف العبرانيين قبل 2000 عام وبين ما توصلت اليه آخر الابحاث العلمية = جزء من الف من الثانية !!!

وما زالت هذه النتيجة المذهلة تصيب علماء الفلك بالحيرة... كيف استطاع اسلافنا ان يصلوا الى هذه الدقة المتناهية بوسائل رصد بدائية..!!!؟

وبرغم كل ما بلغه علماءنا اليوم من سمو علمي وحصد لجوائز نوبل في شتى المجالات العلمية كان آخرها جائزة نوبل للكيمياء 2010 للباحثة الاسرائيلية في معهد وايزمان عادا يونات ، الا اننا ما زلنا نحني هاماتنا ونرفع قبعاتنا ونخلع نعالنا اجلالا واكبارا واعجابا بما وصل اليه علماءنا السلف من رقي علمي في شتى المجالات ...

اما خبر ظهور هلال الشهر الجديد ابان حقبة بيت المقدس الذي كان يتحدد استنادا الى شهود عيان وانسجاما مع الحسابات الفلكية ، فكانت "السنهدرين" دار القضاء في أورشليم تزف هذا الخبر الى القرى والمدن بايقاد المشاعل ليلا على رؤوس الجبال في مشهد احتفالي بهيج لينتقل الخبر بهذه الطريقة من بلدة الى اخرى..

الا ان اشكالية اخرى برزت هنا حيث طبقا للنتائج اعلاه فان اليوم ينتهي حينا في وضح النهار فيما ينتهي احيانا خلال الليل.. علما ان الاعلان عن بداية الشهر وما يرافقه من ادعية يكون في الليل مع الملاحظة ان اليوم العبري يبدأ مساء مع غروب الشمس وينتهي مع غروب الشمس وظهور النجوم في اليوم التالي.. لهذا السبب تقرر ان بعض الشهور العبرية تكون 30 يوما وبعضها الآخر 29 يوم بمعنى ان النصف يوم المتبقي يضاف الى الشهر التالي ليصبح 30 يوما..

لم ينتهي الموضوع بعد.. السؤال المطروح الان ما هي مدة دوران الارض حول الشمس؟؟

الجواب هو : 365 يوم وربع اليوم..

ورد في التوراة سفر بريشيت (التكوين): وقضى الله ان تكون منارات في السماء للتفريق بين الليل والنهار وان تكون مواقيت ومواعيد وايام وسنين..

معنى ذلك ان الاشهر تتحدد حسب القمر بحيث يتجدد الشهر مع ظهور القمر من جديد ومن هنا اصل كلمة حودش العبرية ومعناها شهر من الجذر حدش اي جديد واما كلمة شهر العربية فالمقابلة لها هي كلمة سهر العبرية ومعناها هلال.. من هنا ايضا عبارة سهر العربية بمعنى سهر الليالي تحت ضوء القمر..

لنكمل..

عدد اشهر السنة القمرية = 12

12 × 29.530590 = 354.36708 يوم

عدد ايام السنة الشمسية = 365.25 يوم

>> الفارق بين العام الشمسي والعام القمري = 10.88292 يوم

>> هذه هي المدة الزمنية التي تفصل بين الارض واتمام دورتها حول الشمس

ومع مرور السنين يتزايد هذا الفارق تباعا ..

ورد في التوراة سفر الاسماء (الخروج) ان موعد عيد الفطائر (الفصح) هو موسم الربيع ..

فلو احتفلنا في عيد الفصح طبقا للسنة القمرية وحدها حينذاك سيدور موعد عيد الفصح بين مواسم السنة ..

في هذه الحالة سيضاف كل 3 اعوام 30 يوم تقريبا

بمعنى اننا سنخسر شهرا تقريبا كل 3 اعوام ..

>> وعليه يتوجب علينا اضافة شهر واحد كل 3 اعوام للموازنة بين العام القمري والعام الشمسي . حتى نحتفل بعيد الفصح في الربيع.

بعد رصد طويل ومضني استمر لقرون توصل اسلافنا الى نتيجة مفادها :

لو اخذنا الفارق الزمني الدقيق بين الدورة الشمسية والدورة القمرية وهو 10.88292 يوم.

وضربناه في دورة فلكية مدتها 19 سنة :

>> 10.88292 × 19 = 206.77548 يوم

>> بمعنى انه كل 19 عام سنحصل على 207 ايام اضافية

واذا قسمناها على 30 يوم هو عدد ايام شهر أدار الاضافي سنحصل على نتيجة تقريبية هي (7) ..

بمعنى انه يتوجب علينا اضافة شهر أدار الاول 7 مرات كل 19 عام.

لكن الرقم 19 لا يقسم على 7 وعليه قرر حكماءنا السلف ان السنوات الكبيسة ستكون على النحو التالي :

3 ، 6 ، 8 ، 11 ، 14 ، 17 ، 19

يكون هذا في كل دورة فلكية مدتها 19 عام حيث يكون التوزيع متعادلا ..

لكن الفارق 207 ايام ما زال يزيد عن مجموع 7 شهور بـ 3 ايام

على اعتبار ان 7 × 30 (عدد ايام أدار الاول) = 210 ايام

>> وعليه تقرر اضافة هذه الايام الثلاثة الباقية الى اشهر حشوان وكسليو كل بضعة سنوات لموازنة التواريخ.

بحيث يصبح عدد ايام هذه الاشهر 30 بدلا من 29

انتهى ..

الان يمكننا ان نحتفل بعيد الحصاد (الاسابيع) ايضا، في موسم الحصاد كما أقرت التوراة..

وان نحتفل بعيد جمع الغلة والثمار (المظال) في موعده ايضا..

وان نحصي ايام الحصاد في موعدها كما نفعل في هذه الايام..

هكذا يراعي تقويمنا العبري دورة الشمس والقمر ومواسمنا الزراعية ومواعيدنا الدينية والتاريخية في ارض اسرائيل من خلال التوفيق بينها جميعا..

كون المناسبات والاعياد اليهودية تحمل معاني زراعية وتاريخية ودينية في آن واحد ...

والخلاصة ان التقويم العبري وان لم يكن دقيقا مائة بالمائة الا انه يعتبر التقويم الادق والاروع في العالم ..

بقي ان نذكر ان اليوم هو اول ايام شهر أيار العبري احببت ان اقدم لكم في هذه المناسبة تعريفا موجزا بالتقويم العبري..

كل عام وانتم بخير........"مقتبص"