معركة دمشق الرهيبة


المكان: دمشق - الشام.
الموضوع: نور الدين محمود وجيوشه يمنعون الفرنج من الاستيلاء على دمشق.

الأحداث: منذ أن وطئت أرجل الفرنج النجسة بلاد المسلمين في سنة 491هـ، وذلك عندما احتلوا أنطاكية على سواحل الشام، وهم يعملون على تحقيق حلمهم الأكبر بالاستيلاء على بلاد المسلمين كلها، ثم ازدادت ثقتهم عندما استولوا على بيت المقدس سنة 492هـ، وثبتوا أقدامهم في الشام، وشرعوا في الاستيلاء على بلاد الشام، وكان لا مراغم لهم ولا ممانع؛ لانتشار الفساد والرفض في تلك المناطق، وكثرة تغيير الولاة، مما سهل مهمة الفرنجة في الشام.
وعلى الرغم من شراسة الحملة الصليبية على الشام، ظلت مدينة دمشق حصنًا منيعًا على الصليبيين، لوجود أمير قوي في المدينة، هو الأمير "ظغتكين" الذي وقف بالمرصاد لهم، ودخل معهم في معارك كبيرة، حفظ خلالها دمشق من السقوط، وساعده في ذلك الأمير الكبير "مودود" صاحب الموصل.
بعد وفاة "ظغتكين" واغتيال مودود على يد الباطنية ظن الفرنجة أن الجو قد خلا لهم، ولكن الله تعالى قيض لبلاد المسلمين رجلاً فذًّا حمل راية الجهاد ضد الفرنج، وكان له ولذريته من بعده الأثر الكبير في جهاد الفرنج، وذلك الرجل هو عماد الدين زنكي، الذي وحّد بلاد الشام والجزيرة، وتفرغ لقتال الفرنج، وحرر كثيرًا من الحصون التي كانت في أيديهم، وعادت الثقة مرة أخرى للمسلمين..
وتغيرت سياسة الفرنج في الشام بعد محاولة التوسع وضم بلاد جديدة، أصبح همهم حفظ ما هو في أيديهم، واستطاع عماد الدين زنكي أن يستعيد مدينة "الرها" سنة 539هـ بعد أن حاصرها فترة قصيرة، وكانت هذه المدينة عندهم من أشرف المدن عند الفرنج، وكان هذا العمل من أعظم أعمال عماد الدين زنكي.
لما اشتدت أصابع الإثم والبغي والشر، واغتالت عماد الدين زنكي أثناء حصاره لقلعة جعبر تنفس الفرنج الصعداء، وظنوا أن الجو قد خلا لهم مرة أخرى، ولكن الأسد قد خلف وراءه أسودًا! فعند موت عماد الدين زنكي, حمل الراية من وراءه ولداه سيف الدين غازي ونور الدين محمود.
كانت أول بوادر الصحوة الصليبية ورد فعل الفرنج, أن مدينة "الرها" أعلنت العصيان، وحاول الفرنج احتلالها مرة أخرى، ولكن نور الدين وقف لهم بالمرصاد، وعندها شعر الفرنج أنهم لن يقووا على حرب نور الدين وسيف الدين، فأرسلوا إلى ملك الألمان يستدعونه إلى الشام.
لبى ملك الألمان نداء الصليب! وجاء من بلاده في جمع عظيم، عازمًا على قصد بلاد الشام والمسلمين، وهو لا يشك في ملكها بأيسر قتال لكثرة جموعه وأمواله، فلما وصل إلى الشام قصده كل من فيها من الصليبيين، وخدعوه وأطاعوه، ومن غرور هذا الصليبي أنه قرر أن يبدأ بمدينة دمشق حصن الإسلام ومعقل الشام الحصين الذي لم يقع قط في أيديهم، وكانت دمشق تحت ولاية "معين الدين إنز"، فجمع المقاتلين، ونظم صفوفه، وقرر الصمود أمام الصليبيين، ولكنه لما أحس بكثرة جموع الصليبيين أرسل مستغيثًا بسيف الدين غازي ونور الدين محمود.
تقدم ملك الألمان بجيوشه الجرارة حتى نزل بالميدان الأخضر على بعد نصف فرسخ من دمشق، وأيقن الجميع أنه سيملك دمشق، ولكن كان لوصول جيوش سيف الدين غازي ونور الدين محمود الأثر الطيب في معنويات المسلمين, ودارت رحى حرب طاحنة هائلة جدًّا, حمد المسلمون فيها صمودًا عجيبًا واستمالوا في الدفاع عن المدينة، وطموح كل كبير وصغير لجهاد الصليبيين..
وكان فيمن خرج للقتال حجة الدين يوسف بن ذي باس الغندلاوي المعزي شيخ المالكية، وقد جاوز التسعين من عمره! فلما رآه معين الدين وهو خارج للقتال قال له: "يا شيخ! إنك معذور لكبر سنك", وطلب منه العودة؛ فقال حجة الدين: "لقد بعت واشترى مني، فوالله لا أقلته ولا استقلته!", يعني قول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } [التوبة:111], فتقدم فقاتل حتى قُتل شهيدًا رحمه الله، وقد رآه بعض العلماء في المنام يتقلب في نعيم الجنة.
وأخرج مصحف عثمان وسط صحن الجامع، واجتمع الناس حوله يدعون ويبكون ويتضرعون إلى الله أن ينصرهم على الفرنجة، ولما دخلت جيوش سيف الدين غازي ونور الدين محمود حلبة القتال استطاعت أن تحقق النصر على الأعداء الصليبيين، وقتلوا منهم جمًّا غفيرًا، وكان ممن قتلوا قسيسًا معهم اسمه "إلياس" وهو الذي أغراهم بدمشق، وذلك بأنه افترى منامًا عن المسيح أنه وعده فتح دمشق، فقتل لعنه الله، ورد الله تعالى الصليبيين خائبين خاسرين..
ومدينة دمشق لا سبيل للأعداء عليها من الكفرة؛ لأنها المحلة التي أخبر الرسول تعالى أنها معقل الإسلام عند الملاحم والفتن، وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام.

المراجع:
1 - الكامل 9/353.
2 - البداية والنهاية 12/242.
3 - الروضتين في تاريخ الدولتين 1/190.
4 - شذرات الذهب 2/136.
5 - الطريق إلى بيت المقدس 1/68.

المصدر مفكرة الإسلام
عن موقع قصة الإسلام