Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمد عبد الله عروج
    تاريخ التسجيل
    06/01/2011
    العمر
    37
    المشاركات
    185
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

    عمـادة الـــدراســـات العلــــــيا

    اللغـــــــة العــربيــــة وآدابهــــــا

    بحث بعنوان :


    إعداد الطالب :
    محمد عبد الله عروج
    إشراف الدكتور :
    جمال غيظان
    الفصل الثاني
    2011


    قائمة المحتويات
    الموضوع رقم الصفحة
    __________________________________________________ __________
    قائمة المحتويات
    المقدمة
    الفصل الاول
    الفصل الثاني
    الخاتمة
    قائمة المصادر والمراجع























    م-2012
























    المقدمة
    إن أحسن ما يوشح به صدر الكلام ، وأجمل ما يفصّل به عِقد النظام ، حمدُ الله ذي الجلال والإكرام ، والإفصاح والإنعام ، ثم الصلاة على خير الأنام ، المبتعث عنصر الكرام ، وعلى اله أعلام الإسلام ، وأصحابه مصابيح الظلام .
    فالحمد لله الذي بدأ خلق الانسان من طين ، وجعله ذا غور بعيد ، يستنبط الكامن من بديع صنعته بذكاء فطنته ، ويستخرج الغامض من جليل فطرته بدقيق فكرته .

    لقد جاء هذا البحث المتواضع ، كدراسة متعمقة لقضية "اللفظ والمعنى" كقضية من قضايا النقد الادبي ، فمن الوهلة الأولى يدرك القارئ لقضايا النقد بأن لم تنل أي قضية نقدية ما نالته هذه القضية من إتمام وشدة جدل ، فقد فرغ لها جهابذة النقد العربي واوسعوها تحليلاً وتقنينا ، منذ الجاحظ حتى عبد القاهر الجرجاني مروراً بابن قتيبة ووابن طباطبا وقدامة بن جعفر وعدد من جمهور القرن الخامس للهجري وعلى رأسهم المرزوقي وابن رشيق وغيرهم ، وهذا التتبع جاء منسجما مه توجيهات الدكتور جمال غيظان ،الداعي الى دراسة هذه القضية دراسة واعية متعمقة كي ندرك ابعاد ودلالات وجوانب هذه القضية ، ولا سيما جهود السابقين .

    وقد استظلت فصول هذه الدراسة تحت ظل المنهج التكاملي ، حيث كان النصيب الوافر للمنهج التاريخي في تتبع جوانب هذه القضية ، علاوة على المنهج الوصفي الذي خدم هذا العمل في جوانب مختلفة من فصوله .

    وقد عمدتُ على تقسيم بحثي الى فصلين ، ومقدمة وخاتمة ، وقد تحدثتُ في الفصل الأول،الذي جاء تحت عنوان "اللفظ والمعنى عند النقاد والشعراء منهم " على تقديم تعريف لغويا وأخر اصطلاحياً للمصطلحين ، ثم جعلتُ اراء كل من تكلم وخاض غبار هذه المعركة الى الى فريق،فقد زكى الفريق الاول اللفظ على المعنى وكان منهم الجاحظ وابو هلال العسكري ، وأما الفريق الثاني القائل بالجمع بين المصطلحين ومن اتباعه ابن قتيبة ، وقدامة بن جعفر ، وثم الفريق الثالث الذي جاءت اقواله على عدم الفصل بين المصطلحين ، ومن اتباعه ابن رشيق وابن الاثير ، واخيرا الفريق الرابع المؤكد على العلاقة القائمة بين المصطلحين ومنهم الجرجاني وغيره .

    ثم انبنى الفصل الرابع على عرض راء المتكلمين جاء تحت عنوان "اللفظ والمعنى عند بعض المتكلمين "فقد تجاوزتُ في هذا الفصل القرن الثالث الى القرن الخامس، وعرض بعض اراء علمائه وجاء على رأسهم "الشريف المرتضى وابن رشيق" ، والملاحظ بأن هؤلاء المتكلمون بلورو مبادئ سابقة وأخرجوها في إطار نظري شامل ، كنظرية عمود الشعر عند المرزوقي،وجاء معظمهم ميالاً الى التوفيق بين اللفظ والمعنى فلم يزكوا جانباً على جانب.

    وفي الصفحات الاخيرة من هذا البحث تطرقتُ وبإسهاب الى جهود عدد من العلماء في هذه القضية وكان منهم على سبيل الذكر لا الحصر "الجاحظ" و" عبد القاهر الجرجاني وأشكال اللفظ والمعنى عنده " " وبشربن المعتمر" وما جاء في صحيفته ، وابن طباطبا وشوقي ضيف .
    وهذا البحث في ما عرضه من معلومات اعتمد على عدد من مصادر ومراجع التراث الادبي العربي وكان منها " الصناعتين في الكتابة والشعر" للعسكري و"الشعر والشعراء"لابن قتيبة و"دراسات في نقد الادب العربي من الجاهلي الى غاية القرن الثالث "لبدوي طبانة و" البلاغة تطور وتاريخ " لشوقي ضيف، وبعض المعاجم مثل : لسان العرب لابن منظور، والمحيط للفيروز أبادي وغيرهم .

    ومهما يكن من أمر هذا البحث الذي اتسمت به رؤية العلماء العرب القدامى لعلاقة اللفظ بمعناه،فإن القارئ المنصف للتراث العربي الإسلامي، لا يسعه إلا أن ينظر بإجلال إلى ما تركه هؤلاء العلماء، من دراسات لغوية تتصل بهذه الثنائية، فقد نظروا إلى الألفاظ والمعاني وطبيعة العلاقة القائمة بينهما من زوايا مختلفة، وأبعاد متنوعة، مما يدل على أن هؤلاء العلماء الأفذاذ،كانوا يمتلكون وعيا نظريا كاملا عنهما، وكان من نتائج هذا الوعي أن تركوا لنا "مفاهيم ومصطلحات لغوية ونقدية، يقف الإنسان أمامها بكثير من الإعجاب. فالإعجاب لأن البلاغي العربي ابتداء من الجاحظ في القرن الثالث الهجري، بل ابتداء بسيبويه في القرن الثاني، وانتهاء بالسكاكي في مطلع القرن السابع، لم يغتفل جانبا واحدا من جوانب علم اللغة الحديث .


    وفي الختام ، الشكر موصول لكل من مد يد الدعم والعون والمساندة ، وللأستاذ الفاضل د.جمال غيظان الذي وجهني _كما هم جميع تلاميذه _الى العودة الى مصادر التراث العربي ومراجعه بشكل ترك أثراً طيباً وعلماً مفيداً ما كان ليكون لولا توجيهاته الكريمة ، وكذلك الشكر موصول الى مدير مدرستي العزيز الاستاذ الفاضل احمد سويلم "ابو مصعب "لإما اظهره من تعاون ومرونة في تسهيل وصولي الى الهدف المنشود .













    1 - اللفظ والمعنى عند اللغويين(تعريفاتهم)لهذين المصطلحين.

    2- أبعاد هذه المعركة النقدية .

    3- الفريق الأول : تفضيل الألفاظ.

    4- الفريق الثاني : الجمع بين اللفظ والمعنى .

    5- الفريق الثالث : وحدة اللفظ والمعنى .

    6- الفريق الرابع : العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى .







    التعريفات اللغوية والاصطلاحية
    اللفظ في –أصل اللغة– مصدر للفعل بمعنى الرمي، ويتناول ما لم يكن صوتا وحرفا، وما هو حرف واحد وأكثر، مهملا كان أو مستعملا، صادرا من الفم أولا، ثم خص في عرف اللغة بما صدر من الفم، من الصوت المعتمد على المخرج حرفا واحدا أو أكثر، مهملا أو مستعملا(1).
    وفي لسان العرب: لفظت الشيء من فمي ألفظه لفظا رميته. يقال أكلت الثمر ولفظت النواة أي رميتها(2).
    وفي القاموس المحيط: لفظ بالكلام نطق كتلفظ . (3)
    أما المعنى لغة: فهو ما يقصد بشيء، ولا يطلقون المعنى على شيء إلا إذا كان مقصودا، وأما إذا فهم الشيء على سبيل التبعية فيسمى معنى بالعرض لا بالذات، ومعنى كل كلام، ومعناته ومعنيته، مقصده . (4)
    فالمفهوم اللغوي للفظ أنه ما يتلفظ به الإنسان من الكلام، وللمعنى أنه المقصود باللفظ، فالقصد شرط في اللفظ والمعنى، إذ لو لم يعتبر القصد لا يسمى الملفوظ كلاما.
    واللفظ في الاصطلاح هو ما يتلفظ به الإنسان أو في حكمه، مهملا كان، أو مستعملا .
    وعلى مصطلح أرباب المعاني: هو عبارة عن صورة المعنى الأول الدال على المعنى الثاني على ما صرح به الشريف الجرجاني ، حيث قال: "إذا وضعوا اللفظ بما يدل على تفخيمه لم يريدوا اللفظ المنطوق، ولكن معنى اللفظ الذي دل به على المعنى الثاني"(5)

    ____________________

    (1) الكفوي، الكليات ،795.
    (2) لسان العرب، مادة لفظ:7/ 461.
    (3) الفيروز آبادي ، القاموس المحيط، ، مادة :(لفظ) ، 902 .
    (4) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة (عنا) ، 15/106.
    (5) الشريف الجرجاني ، التعريفات ، 192.




    أما المعاني فهي الصورة الذهنية إذ وقع بإزائها اللفظ من حيث إنها تقصد منه، وذلك ما يكون بالوضع، فإن عبر عنها بلفظ مفرد سمي معنى مفردا، وإن عبر عنها بلفظ مركب سمي معنى مركبا.
    والمعاني: هي الصورة الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ والصور الحاصلة في العقل فمن حيث إنها تقصد باللفظ سميت معنى، ومن حيث إنها تحصل من اللفظ في العقل سميت مفهوما ، والمعنى هو المفهوم من ظاهر اللفظ الذي نصل إليه بغير واسطة .
    يتضح إذن من خلال هذه التعريفات، أن طبيعة اللفظ والمعنى هو التلازم، فلا وجود للفظ بدون معنى، ولا وجود لمعنى بدون لفظ. فإذا كان المعنى صورة ذهنية فقد وضع بإزائه لفظ هو القصد من تلك الصورة أو هويتها.
    وقد أدرك العلماء على نحو جيد قوة الترابط بين اللفظ والمعنى، وأدركوا قيمة المعنى في التعبير ومكانة الألفاظ حين تنضم إلى بعضها، فالمعنى لا يقوم بغير لفظ، كما لا تقوم الروح بغير جسد،فهما متلازمان تلازم الروح والجسد في الأشخاص يقول العتابي "الألفاظ أجساد والمعاني أرواح، وإنما تراها بعيون القلوب، فإذا قدمت منها مؤخرا، أو أخرت منها مقدما، أفسدت الصورة وغيرت المعنى، كما لو حول رأس إلى موضع يد، أو يد إلى موضع رجل، ولتحولت الخلقة وتغيرت الحلية" (1).





    ____________________
    (1) العسكري ، الصناعتين في الكتابة والشعر، 179.







    أبعاد هذه المعركة النقدية :

    من المسائل الكبرى عند النقاد القدامى ، مسألة اللفظ والمعنى ، فقد قامت المعركة بينهم على أشدها في تحديد دور كل منهما في إعطاء النص الأدبي قيمته الفنية ، ومن ثم في تقويم شخصية كل منهما في السيادة والأولوية.

    ولعل المحفز لهذه المعركة الإعجاز القرآني ، أو لفكرة الإعجاز في القرآن وارتباط الفكر النقدي والبلاغي بمضامينها ، باعتباره عريباً إسلامياً ، فكان النزاع محتدماً في أين يكمن الإعجاز ، في اللفظ وتأليفه ، أوالمعنى
    ودلالته ، أو بهما معاً ، أم بالعلاقة المتولدة بين ذا وذا .



    ويمكن حصر أبعاد هذه المعركة بأربعة فرقاء :


    1- فريق اللفظ : ويمثله الجاحظ ، وأبو هلال العسكري .


    2- فريق اللفظ والمعنى : ويمثله ابن قتيبة ، وقدامة بن جعفر .


    3- فريق لم يفصل بين اللفظ والمعنى : ويمثله ابن رشيق وابن الأثير .


    4- فريق جرد اللفظ والمعنى : وقال بالعلاقة القائمة بينهما ، ويمثله عبد القاهرالجرجاني .










    أ_ الفريق الأول :

    ما من شك أن الجاحظ ( ت 255 هـ ) هو أول من ألقح شرارة هذه المعركة ، تعلقاً منه بمذهب الصيغة ، وتعصباً للفظ ، ومشايعة للصياغة سواء فيما رآه وقرره ، أو بما نقله وأقحمه من آراء العلماء والأدباء والنقاد ، وهو في كل ذلك يضع الأناقة والجودةوالجمال في الألفاظ ، فالمقياس عنده للقيمة الأدبية إنما يتقوم في جزالة اللفظ ، وجودة السبك،وحسن التركيب لأن « المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والقروي،والبدوي والقروي،إنما الشأن في إقامة الوزن،وتخير اللفظ ، وسهولة المخرج ،وفي صحة الطبع وجودة السبك » (1)

    وتبعه على هذا الرأي أبو هلال العسكري ، فحذا حذوه ، وسلك منهجه حتى تقاربت الألفاظ،وتشابهت العبارات ، فنراه في فصل يعقده لذلك ، وهو الفصل الأول من الباب الثاني من الصناعتين ، يقول :

    الكلام ـ أيدك الله ـ يحسن بسلاسته ، وسهولته ، ونصاعته ، وتخير ألفاظه ، وإصابة معناه،وجودة مطالعه ، وليس مقاطعه ، واستواء تقاسيمه ، وتعادل أطرافه ، وتشابه بواديه،وموافقة أخيره فباديه ، حتى لا يكون في الألفاظ أثر ، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه ، وجودة مقطعه ، وحسن رصفه وتأليفه ، وكمال صوغه وتركيبه ، فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقاً ، وبالتحفظ خليقاً . (2)


    فعيار سلامة الكلام عنده تنحصر في سلامة اللفظ وسهولته ونصاعته ، وجودة مطالعه،ورقة مقاطعه ، وتشابه أطرافه ، وما نسجه على هذا المنوال وفي هذا الهدف ، أما إصابة المعنى(فليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا ) . (3)






    ___________________________________

    (1) الجاحظ ، الحيوان 3/131.
    (2) العسكري، الصناعتين ،61 .
    (3) المصدر نفسه ،64 .






    ثم يعزز رأيه بشواهد وأمثلة يختارها تعنى بالصياغة اللفظية ، تاركاً وراءه المعاني،عازفاً عن قبولها قبولاً حسناً ، فهي مبتذلة يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي ـكما عبر عن ذلك الجاحظ بالنص ـ فيقول : وليس الشأن في إيراد المعاني ، لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي ، وإنما هو جودة اللفظ وصفائه ، وحسنه وبهائه،ونزاهته ونقائه ، وكثرة طلاوته ومائه ، مع صحة السبك والتركيب ، والخلو من أود النظم والتأليف »(1)

    فالعسكري معني بالهيكل وأناقته ، ومفتتن بالألفاظ وإطارها باعتبارها الوسائل التي يتفاضل بحسن اختيارها الأدباء ، وهو يحكي ما قرره الجاحظ ويتناوله بالكشف والإيضاح، ولا جديد عنده عليه ، فهما إذن يصدران عن قاعدة واحدة تشكل هذا الرأي الخاص ، ولعل مرد هذا الرأي في تعصبهما الظاهر للفظ إنما يرجع إلى دوافع نفسية وسياسية وعصبية قبلية ، وإن صح هذا فهذه الدوافع لا تشكل حكماً علمياً مجرداً ، ولنقف عندها قليلاً:

    أ ـ الدافع النفسي :

    لا شك أن اللفظ الرقيق ، والجرس الناغم ، والتركيب الناصع ، مظاهر تسيطر على النفوس فتنجذب نحوها انجذاباً ، وجزالة الأسلوب تهيمن على القلوب فتبهر بها وتنساق إليها ، سيراً وراء هذا المظهر البراق ، ولعل الجاحظ والعسكري قد افتتنا بهذا فسيطر عليهما نفسياً ، حتى عاد ذلك قناعة ورأياً ، فكانت أراؤهما تعبيراً عما يعتقدان .

    ب ـ الدافع السياسي :

    كانت السلطة الزمنية في الفترة ما بين عصري الجاحظ والعسكري فترة مزدهرة بالترجمة والتأليف والكتابة وصولة البيان ، وكان الخط السياسي معنياً بتقييم الكتاب ، فعليهم تقوم أركان الدولة ، وبهم ينهض مجد الحكم ، ومنهم يخرج عطاء الناس،وبهم تتفاخر الأمراء والوزراء والولاة ، والكتاب إنما يتميزون بالأداة الصالحة والمهارة الفنية ، وهما يستقيمان باللفظ والتحكم فيه ، وإخضاع تلك المهارة لأغراض الدولة ومتطلبات السلطان ، وليست أغراض الدولة أغراضاً علمية فتحتاج إلى عميق المعاني وموضوعية البيان ، وإنما هي أغراض سياسية تحققها قعقعة الألفاظ وزبرجة الهياكل ،فإذا أضفنا إلى هذا مكانة الجاحظ وشخصية العسكري وما يقتضي مركزهما من التريث والتدبر حفاظاً على النفس ، وقضاء للمصالح ، فما المانع أن يندفعا هذا الاندفاع إرضاء لأولئك الكتاب ، أو حذراً من ولاة الأمور ، ولكن هذا التعليل يقضي بأن الجاحظ والعسكري وأنصارهما قد تجاهلوا كيانهم الحضاري ومجدهم العلمي ، وفرطوا بذوقهم الأدبي وتراثهم العقلي راغبين أو راهبين. (2)


    __________________________

    (1) العسكري ، الصناعنين ،63-67.
    (2) المصدر نفسه . 70.



    ج ـ الدافع القومي :

    ومرده في إعطاء هذا الرأي وبخاصة من قبل الجاحظ هو محاولة دحض مزاعم الشعوبيين الذين حاولوا تفضيل نصوصهم الأدبية على النصوص العربية بكثرة معانيها ، وتدفق أغراضها ، و تعدد موضوعاتها ، فكان رد الفعل لدى النقاد العرب هو التقليل من قيمة المعاني وإعطاء القيمة للصناعة اللفظية.

    ب ـ الفريق الثاني :

    وذهب الفريق الثاني وفي طليعته ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) إلى القول بالجمع بين اللفظ والمعنى مقياساً في البلاغة ، وميزاناً للقيمة الفنية ، فرأى أن الشعر يسمو بسموهما وينخفض تبعاً لهما ، وقد قسم الشعر إلى أربعة أضراب :

    1. ضرب حسن لفظه وجاد معناه .
    2. ضرب منه حسن لفظه وحلا ، فإذا فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى.
    3. ضرب منه جاد معناه ، وقصرت ألفاظه.
    4. ضرب منه تأخر معناه ، وتأخر لفظه (1)

    فاللفظ والمعنى عند ابن قتيبه يتعرضان معاً للجودة والقبح ، ولا مزية لأحدهما على الآخر،ولا استئثار بالأولوية لأحد القسيمين ، فقد يكون اللفظ حسناً وكذلك المعنى وقد يتساويان في القبح ، وقد يفترقان .

    ولم يعدم ابن قتيبة الموافقين له على رأيه ، وفيه من الوجاهة ما يدعمه ، فقد سار على منهاجه قدامة بن جعفر في نقد الشعر وتحدث عن اللفظ والمعنى ، وجعلهما قسيمين في تحمل مظاهر القبح وملامح الجودة فيما أورده من آراء في عيوب الالفاظ والمعاني .(2)







    (1) ابن قتيبة ، الشعر والشعراء ،7-9/ بدوي طبانة ،دراسات في نقد الادب العربي من الجاهلي الى غاية القرن الثالث ،220-234.
    (2) قدامة ، نقد الشعر ،3/19



    وإذا وافقنا ابن قتيبة في تقرير الموضوع الأصل وهو سليم جداً ، فإننا نخالفه في طبيعة فهمه، وتطبيق الحكم على النماذج التي أختارها دليلاً على صحة دعواه . ولا سيما في الضرب الثاني الذي حسن لفظه وقصر معناه ، فإنه يستشهد بهذه الأبيات (1(

    ولما قضينا من منى كل حـاجة ومســــح بالاركـان مــن هو ماسـح
    وشدت علـى حـــدب المــــــــهاري رحالنا ولا ينظر الغادي الذي هو رائح
    أخـذنا بأطــراف الأحـــــــــــــاديث بينا وسالت بأعنـــــاق المطي الأباطـح

    ثم يعقب عليها ناقداً ومعلقاً بقوله « هذه الألفاظ كما ترى أحسن شيء مخارج ومطالع ومقاطع ، وإن نظرت إلى ما تحتها من المعنى وجدته : ولما قطعنا أيام متى ، واستلمنا الاركان ، وعالينا إبلنا الانضاء ، ومضى الناس لا ينتظر الغادي منهم الرائح ، ابتدأنا في الحديث وسارت المطي في الأبطح (2)

    فابن قتيبة ببساطة يحكم على سذاجة المعنى ، ويدعي في الألفاظ سلس العبارة ، وجودة المخارج ، وحسن المقاطع ، ولكنني ألمس مخالفته في الموضعين:

    أ ـ

    اعتبر الألفاظ في سياقها جيدة المخارج والمقاطع والمطالع ، وقد يكون بعضهما كما رأى،ولكن أقل ما قبح البعض الآخر مجتمعاً توالي حروف الحلق في حاءاتها وهاءاتها والعين والغين مما يمنع تقاطرها في النطق وانصبابها في التحدث إلا بتكلف،وهي على وجه الضبط: حاجة ، ومسح ، هو ، ماسح ، على ، حدب المهارى رحالنا ، الغادي ، هو ، رائح الأحاديث ، أعناق ، الأباطح ، فما رأيك في أبيات عدة ألفاظها ثلاثون لفظاً اشتمل منها أربعة عشر لفظاً على حروف مخرجها واحد لا يتعداه وهو الحلق أو أقسى الحلق ؟ فأين حسن المخارج والمقاطع يا ترى ؟ (3)



    ___________________

    (1) أمالي المرتضى، 1/458.
    (2) ابن قتيبة، الشعر والشعراء ، 8.
    (3) العمده في محاسن الشعر وآدابه ونقده , 1/124.







    ب ـ

    أما المعاني وقد عابها ، ونثرها نثراً سوقياً ، فلا حاجة إلى بيان ما اشتملت عليه من رقة وزهو وسلاسة لا سيما في البيت الثالث منها ، ويكفي أن أحيلك على عبد القاهر في كشف جمالها وبيان روعتها ، فقد تناولها بالتعليق في قوله : إن أول ما يتلقاك من محاسن هذا الشعر أنه قال : ( ولما قضينا من منى كل حاجة ) فعبر عن قضاء المناسك بأجمعها والخروج من فروضها وسنتها من طريق أمكنه أن يقصر سعة اللفظ وهو طريقة العموم:ثم نبه بقوله : ( ومسح بالأركان من هو ماسح ) على طواف الوداع الذي هو آخر الأمر،ودليل المسير الذي هو مقصوده من الشعر ، ثم قال ( أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا) فوصل بذكر مسح الأركان ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان ، ثم دل بلفظة (الأطراف ) على الصفة التي يختص بها الرفاق في السفر من التصرف في فنون القول وشجون الحديث ، أو ما هو عادة المتطوفين من الإشارة والتلويح والرمز والإيماء ، وأنبأ بذلك عن طيب النفوس ، وقوة النشاط ، وفضل الاغتباط ، كما توجبه إلفة الأصحاب،وأنسة الأحباب ، وكيف يليق بحال من وفق لقضاء العبادة الشريفة ورجا حسن الإياب.. ثم زان ذلك كله باستعارة لطيفة طبق بها معضل التشبيه ... فصرخ أولاً بما أومأ إليه في الأخذ بأطراف الأحاديث من أنهم تنازعوا أحاديثهم على ظهور الرواحل ، وفي حالة التوجه إلى المنازل وأخبر بعد بسرعة السير ، ووطأة الظهر ، إذ جعل سلاسة سيرها بهم كالماء تسيل به الأباطح ، وما أبديناه بالنسبة للألفاظ ، وما قرره عبد القاهر بالنسبة للمعاني ، كان سبب مخالفتنا لابن قتيبة في التطبيق ، وموافقتنا له في الحكم وعموم الأصل (1)

    ج ـ الفريق الثالث:

    ويتمثل بابن رشيق ( ت 456 هـ ) فقد اعتبر اللفظ والمعنى شيئاً واحداً متلازماً ملازمة الروح للجسد ، فلا يمكن الفصل بينهما بحال ، قال :

    "اللفظ جسم ، وروحه المعنى ، وارتباطه كارتباط الروح بالجسم : يضعف بضعفه ،ويقوى بقوته، فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه .. فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتاً لا فائدة فيه " ويبدو لي أن هذا النوع من التعقيد والتقرير أقرب إلى القصد والاعتدال منه إلى التمحل والتعقيد ، فالصورة عند ابن رشيق لا تكون واضحة الرؤية خصبة التخطيط إلا من خلال عنايتها باللفظ لتجعله الوسيط الدال على المعنى المراد لأكيد الصلة ووشيج النسب بينهما ، لأن التفكير في اللفظ والمعنى تفكير جملي يفكر فيه الأديب مرة واحدة وبحركة عقلية واحدة ، فإذا رتبت المعاني في الذهن ترتيباً منطقياً . (2)

    _____________________


    (1) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، 1/126.
    (2) إبراهيم سلامة ، بلاغة ارسطو بين العرب واليونان : 151 /152.



    __________________________________________________ __

    وإذا تحددت في الفكر تحديداً يجمعه ترابط المعاني وتداعيها ، هذا الترابط وهذا التداعي الذي يرضاه المنطق أو يرضاه حسن الأديب،انحدرت هذه المعاني على اللسان بألفاظها الملائمة بها خطابة ، وانحدرت على القلم بألفاظها المطاوعة لها كتابة وشعراً من غير تهذيب واختيار لهذه الألفاظ .

    وهذا المنهج الذي اختطه ابن رشيق تكاد تنجذب له نفوس قسم من النقاد القدامى والمعاصرين،ففي طليعة القدماء ابن الأثير ، الذي يرى أن عناية العرب بالفاظها إنما هو عناية بمعانيها ، لانها أركز عندها وأكرم عليها ، وإن كان يسوغ بل يعترف أن عناية الشعراء منصبة على الجانب اللفظي ، ولكنها وسيلة لغاية محمودة وهي إبراز المعنى صقيلاً ، فإذا رايت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها ، ورققوا حواشيها ، وصقلوا أطرافها ، فلا تظن أن العناية إذ ذاك إنما هي بألفاظ فقط ، بل هي خدمة منهم للمعاني (1)

    ولا تفسر هذه المحاولة من ابن الأثير بالاقتداء بخطوة ابن رشيق وهي وإن لم تصرح بمزج اللفظ والمعنى في قالب واحد ، ولكنها تشير إلىقيمة المضمون والشكل معاً في صقل الصورة ، وتلمح إلى طبيعة التلاؤم بينهما.

    وقد لاقى هذا الاتجاه سيرورة وانتشاراً عند كثير من النقاد المحدثين ـ وإن لم يثبت اطلاعهم عليه، لأنهم لا يشيرون إلى مصدره وكأنهم مبتكرون ـ فربطوا بين اللفظ والمعنى حتى ليخيل إليك أنهما شيء واحد ، وحدبوا على تطوير نظرتهم هذه وصعدوا بها إلى مستوى الحقائق الثابتة من خلال إشباع البحوث استدلالاً لها ، ونسجاً على منوالها ، حتى أخذت طريقها إلى مستوى النظريات والصيغ النهائية.

    يرى الناقد الفرنسي دي جورمون « أن الأسلوب والفكر شيء واحد ، وإن من الخطأ محاولة فصل الشكل عن المادة » (2)

    وطبيعي أنه ينظر إلى الألفاظ بأنها أساليب وإلى المعاني بأنها أفكار ، ثم يخطئ القائلين بفصل تلك الألفاظ عن هذه المعاني



    ______________________


    (1) ابن الأثير ، المثل السائر ، 1/353
    (2) وليم فان أوكونور ، النقد الأدبي ، 102





    ويقول ( دونالد استوفر ) باتحاد الشكل والمحتوى ، ويرى فيهما شخصية واحدة لا يمكن أن ينظر إلى أجزائها في استيعابها وتحديد النظرة الفاحصة إليها فيقول : إن القصيدة تتمتع بشخصية متماسكة حية ، وأنها وحدة تتألف من عناصر مختلفة كثيرة ، وهي متماسكة ومتوازنة ، من حيث الشكل والمحتوى بل يتداخل فيها الشكل والمحتوى على نحو لا يمكن معه تصور كل منهما على حد » (1)


    ويعتقد الناقد الأمريكي « كلينث بروكس » باستحالة فصل المادة عن الشكل وبالعكس في أي حال من الأحوال لأن تركيبها قد اتحد فلا يبرز إلا كلا موحداً فيقول « إن جوهر القصيدة لا يبرز إلا كلاً موحداً ، أي يستحيل علينا تجريد الجوهر وصياغته في شكل آخر ، لأن الجوهر في هذه الحالة هو المركب الجديد من بناء لا ينفصل عن موسيقاه ، والصور والدلالات المتشابكة والمواقف المعينة ، أي القصيدة ذاتها » (2)


    هكذا كانت النظرة بالنسبة للنقاد الغربيين ، فإذا استقبلنا النقاد العرب المعاصرين وجدنا الفكرة أعمق رسوخاً ، وأصلب عوداً ، والنظرة أفحص إمعاناً ، وأكثر ذيوعاً،تارة بالاتحاد بينهما ، وأخرى بعدم الانفصال ، وثالثة بوحدة المؤدى بين الشكل والمحتوى .

    يرى الأستاذ أحمد الشايب عدم إمكانية فصل القيمة الفنية بين اللفظ والمعنى ويرى كلاً منهما انعكاساً للآخر بسبب « شدة الارتباط بين المادة والصورة أو بين اللفظ والمعنى ، أو بين الفكرة والعاطفة من ناحية ، والخيال واللفظ من ناحية ثانية ، إذ كان هذان صورة لذينك ،وأي تغيير في المادة يستتبع نظيره في الصورة والعكس صحيح » (3)








    __________________________

    (1) حياة جاسم ، وحدة القصيدة في الشعر العربي حتى نهاية العصر العباسي ،151
    (2) محمد محمد ،النقد التحليلي ،114.
    (3) أحمد الشايب ، أصول النقد الأدبي , 246





    ويرى الدكتور بدوي طبانة أن اللفظ والمعنى حقيقتان متحدتان ، ومنزلتهما واحدة لا تمايز بينهما ، والعناية بأحدهما عناية بالطرف الآخر ، والاهتمام يجب أن يقسم عليهما بالتساوي لأنه اهتمام بالعمل الأدبي وزنة للقيمة الفنية فيقول : « وليست منزلة المعنى دون منزلة اللفظ في تقدير القيمة الفنية للعمل الأدبي ، ولا شك عند المنصفين أن وجوب مراعات جانب المعنى لا يقل شأناً عن وجوب الاهتمام بالالفاظ» (1)

    وقد أبدى الدكتور شوقي ضيف اهتماماً كبيراً بالمسألة ، ووجه لها عنايته الفائقة،وأعار لها الصفحات العديدة في كتابه « النقد الأدبي » وتوصل إلى أن الفصل بين اللفظ والمعنى ، أو الشكل والمضمون أمر مستحيل ... « فليس هناك محتوى وصورة، بل هما شيء واحد،ووحدة واحدة ، إذ تتجمع في نفس الأديب الفنان مجموعة من الأحاسيس ويأخذ تصويرها بعبارات يتم بها عمل نموذج أدبي ، وأنت لا تستطيع أن تتصور مضمون هذا النموذج أو معناه بدون قراءته ، وكذلك لا تستطيع أن تتصور صورته أو شكله أو لفظه،دون أن تقرأه ، فهو يعبر عن الجانبين جميعاً مرة واحدة، وليسا هما جانبين ، بل هما شيء واحد،أو جوهر واحد ممتزج متلاحم ، ولا يتم نموذج فني باحدهما دون الآخر ... وإذن فلا فارق بين المعنى والصورة أو اللفظ في نموذج أدبي ... ومعنى ذلك أن مادة النموذج الأدبي وصورته لا تفترقان فهما كل واحد .

    وهو كل يتألف من خصائص جمالية مختلفة ، قد يردها النظر السريع إلى الخارج أو الشكل،ولكننا إن أنعمنا النظر وجدناها ترد إلى الداخل والمضمون ، فهي تنطوي فيه ، أو قل تنمو فيه وإذن فكل ما نلقاه في كتب البلاغة من وصف اللفظ إن تأملنا فيه وجدناه في حقيقته يرد إلى المعنى ، حتى الجناس وجرس الألفاظ ، فضلاً عما توصف به الكلمات من ابتذال أو غرابة ، والمضمون بهذا المعنى يتحد مع الشكل ، فهو البناء الأدبي كله وهو الحقائق والأحاسيس النفسية الكامنة فيه » (2)









    ____________________

    (1) بدوي طبانة ، دراسات في نقد الأدب العربي من الجاهلية إلى نهاية القرن الثالث ، 138 / 139.
    (2) شوقي ضيف ، النقد الأدبي ، 163 / 165 .





    وهذه اللقطات مما خطط له شوقي ضيف ، وعزاه إلى أصحاب الفلسفة الجمالية يفتح آفاقاً جديدة في مفهوم الصورة الأدبية ودلالتها ، إذ يتخطى بها الشكل إلى المضمون ، فيعتبرها وحدة متماسكة الأجزاء ، متناسقة الأعظاء . والطريف فيه أن يعود بالمحسنات البديعية وأجناس التصنيع على المعنى في خلق الصورة ، ويرتبط بين موسيقية اللفظ وجرس الكلمة وبين إرادة المعنى في بناء الهيكل الأدبي للنص .

    ومن هنا ـ ويتحدد انطلاقنا مع الصورة الأدبية في أبعادها ـ كان لزاماً علينا أن نبحث بناء القصيدة في شكلها الخارجي باعتباره الإطار التكويني لمادة القصيدة ، ومادة القصيدة باعتبارها المحتوى الذي ازدحمت ـ نتيجة له ـ الأشكال والرسوم الأولية لهيكل القصيدة العام الذي يتبلور به الجمال التخطيطي لها ، بغية أن تكون معالم الرؤية بينة السمات للصورة الأدبية من خلال هذا التلاحم العضوي والاتصال الفعلي بين الصيغة الظاهرية والقيم الكامنة في المعاني التي جسدت حقيقتها الألفاظ .

    وقد يبدو هذا بعيداً عن مجال الصورة الأدبية ، باعتبارها الشكل الناطق والمعبر،ولكن نظرة فاحصة لبناء القصيدة ـ في هذا الشكل الناطق والمعبر ـ تغني عن الأطناب ، وتكفي دلالة في التأكيد أن هذا الشكل نطق وعبر بما احتوى من مادة ولم يكن هيكلاً فارغاً عقيم الاصداء،وإنما استقام سوياً متكاملاً بهذه العلاقة واللحمة الطبيعية بينه وبين المضمون فعاد متجاوب الأجراس. (1)

    وامر آخر يقرب من الموضوع ويتابع من خطوه ، هو أن الإيقاع الموسيقي والميزان العروضي ، ليسا من المعاني والألفاظ في شيء فهما خارجان عن هاتين الحقيقتين،ولكنهما متداخلان معهما ، وملازمان لهما ، ولا ينعدمان في الدلالة على الصورة في القصيدة ، وإن كانا شيئاً والقصيدة في محتواها شيئاً آخر .

    والحق أن إدراك هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى ، واعتبارهما وحدة متجانسة في دلالتها على الصورة ، يمكن اعتباره امتداداً منطقياً لجزء مهم من رأى الفريق الرابع من فرقاء المعركة.(2)

    ____________________

    (1) شوقي ضيف ،النقد الادبي ،163/168.
    (2) المصدر نفسه ،171.








    د ـ الفريق الرابع :

    وهذا الفريق يتمثل في عبد القاهر الجرجاني ( ت 471 هـ ) في كتابيه « دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة » فقد هذب عبد القاهر من المفاهيم المرتجلة لدلالة الألفاظ والمعارف وأقامها على أصل لغوي وعلمي رصين ، وأدرك مسبقاً سر العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى ، ورفض القول بإيثار أحدهما على الآخر ، واعتبرهما بما لهما من مميزات وخصائص واسطة تكشف عن الصورة ، فقال بالنظم تارة ، وبالتأليف تارة أخرى ، مما لم يوفق إليه الفرقاء في النزاع،والملاحظة عنده أن النظم عبارة عن العلاقة بين الالفاظ والمعاني ، وأنها تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل (1)

    وقد يخيل للبعض أن عبد القاهر من أنصار المعنى دون اللفظ نظراً لتهجمه على القائلين بأولوية اللفظ ، وليست الألفاظ عنده « إلا خدم المعاني » (2) ، ولكن عبد القاهر يشن هذه الحملات،ويصول ويجول في قلمه وما يضربه من أمثلة وشواهد ، وما يقرره من قواعد ، لا انتصاراً للمعنى ، وإنما هو تفنيد لآراء القوم وتدليل على مفهوم الصورة عنده بالنظم ، ولا نظم في الكلم وترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ، ويبنى بعضها على بعض ، وتجعل هذه بسبب من تلك » (3)

    ويعود عبد القاهر بالنظم إلى أصل قائم على أساس من علم النحو ، وطبيعي أن النحو يعني ببناء الكلمة وإعرابها ، ومعرفة هذه الصيغة ـ وإن كانت منصبة على اللفظ ـ فإنها ترتبط بمعنى اللفظ في وضعه بمكانه من المعنى المراد ، لأن المعاني لا يحل إبهامها ما لم يقصد إليها من خلال الألفاظ ، والألفاظ لا يفهم مؤداها مالم تضبط صياغة وتصريفاً ونحواً بناء وإعراباً على حد سواء، وهما متعاونان معاً على كشف العلاقة التي عبر عنها بالنظم و « ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه على النحو ، وتعمل على قوانينه وأصوله ، وتعرف منهاجه التي نهجت فلا تزيغ عنها ، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء » (4)

    ___________________


    (1) الجرجاني ، دلائل الإعجاز ،40.
    (2) الجرجاني ، أسرار البلاغة ، 5.
    (3) دلائل الإعجاز ،43.
    (4) الجرجاني ، أسرار البلاغة ، 6 .






    متخذاً بالإضافة إلى هذا التشبيه والمجاز والاستعارة مضماراً لشرح آرائه ، وميداناً لاستدراكاته على أصحاب اللفظ ، وأن النظر إلى هذه المقومات اللفظية بأقسامها وأنواعها لا يعود لألفاظها فحسب ، وإنما للمعاني وما تضفيه على الألفاظ مما يكون حسن النظام وجوده التأليف ، وهو العلاقة المترتبة على فهم القسيمين اللفظ والمعنى (3)

    وحقاً إنك لتجد عبد لقاهر قوي الحجة ، عجيب المناظرة ، في جولته النقدية هذه ، فلا تكاد تنتهي من فصل سفرية حتى تقع في فصل مثله ، يزيدك سخرية بأولئك جرحاً وتقويماً ، وإرجاعاً بآرائهم إلى ما اعتادوه دون روية وتمييز من شغف بالبديع وتعلق بالصناعة ، حتى ليصعب فهم ما يقصدون من الكلام ، فالسامع يخبط في عشواء ، من كثرة التكلف وشدة التمحل ، وهو يقرر هذا المعنى بقوله : إن في كلام المتأخرين كلاماً حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع ، إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ، ويقول ليبين ، ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء ، وأن يوقع السامع من طلبه خبط عشواء،وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على المعنى وأفسده كمن يثقل العروس بأصناف الحلي حتى ينالها من ذلك مكروه في نفسهم .

    والحملة على المحسنات البديعية لا تقلل من أهمية اللفظ ، ومنزلته في تقويم المعنى ،ولكن الإغراق بأصناف البديع يجعل اللفظ فارغاً إلا من جمال الهيئة الذي قد يعود وبالاً على اللفظ،كما تعود أشتات الحلي ثقلاً على الحسناء يوردها التلف .

    ومن خلال ما تقدم تتضح أبعاد المعركة النقدية بين اللفظ والمعنى ، وقد تجلى فيها أن الجاحظ والعسكري معنيان بحسن الصياغة وجزالة الألفاظ وقد عللنا هذا الرأي بصدوره عن دوافع نفسية وسياسية وقومية ، انتهت بأناقة اللفظ وجرس الكلمة . (2)

    ولا حظنا بعد ذلك المقاييس النقدية عند ابن قتيبة بإرجاعها القيمة الفنية إلى القسيمين اللفظ والمعنى ، واتفقنا معه في أصل الحكم والموضوع وناقشنا عن صحة تطبيقه لهذا الحكم .


    _____________________

    (1) الجرجاني ،اسرار البلاغة ، 23.
    (2) الجرجاني ،دلائل الاعجاز ، 45.




















    اللفظ والمعنى وجانب البلاغة والفصاحة فيهما
    لم يكن قصدنا مقاربة تصور الذهن العربي الإسلامي لإشكال اللفظ والمعنى من منظور تاريخي يتنامى فيه الرصد وفق تتابع الفكرة، إنما هدفنا تحسّس هذا التصور لدى الطوائف التي نخصها بالبحث وفق ما يستوجبه منطق منهجه الذي يقتضي أن نخص كل فئة أو تيار بوقفة أو وقفات، فكان أن انتهت دورة النقاد الأولى بقدامة بن جعفر، وبه اكتمل رأي في النص الأدبي ينوع في أشكال معالجته له بدءاً من الإلحاح على ضرورة التشاكل والتطابق بين المعنى واللفظ التي ستصل إلى نضوجها في المصادرة على فكرة صورة المعنى المطروحة من أيام الجاحظ، إلى فكرة الائتلاف الضام لعناصر النص المختلفة كما رأينا ذلك عند قدامة بن جعفر.


    والواقع أن النقاد الذين نخصهم بهذه الوقفة بدءاً من أصحاب الموازنات، ثم بعض البلاغيين كأبي هلال العسكري وابن سنان الخفاجي اللذين تزاوج الطرح عندهما في بحث إشكال اللفظ والمعنى بإشكال الفصاحة والبلاغة، إلى فئة من نقاد القرن الخامس الهجري كالمرزوقي والشريف المرتضى وابن رشيق، دون أن نجزم بانفصال حقل البلاغة عن حقل النقد لدى هؤلاء ولدى غيرهم أيضاً، كان بين أيديهم وواكبهم نتاج وافر في الميدان، تجسّده إنجازات النقاد السابقين، وتمثّل أيضاً في أعمال متفلسفة في الإسلام في مجال النقد الأدبي والبلاغة انطلاقاً من مختصرات الكندي إلى آراء الفارابي مع الإشارة إلى طروحات أبي حيان التوحيدي واجتهادات مسكويه وتشعبات آراء فلاسفة القرن الرابع في الأدب نثره وشعره عامة، وفي معضلة اللفظ والمعنى خاصة كما تبلوره أيضاً طائفة المتكلمين التي استقطب نتاجها مبحث إعجاز القرآن كحال الجاحظ في مؤلفه الذي لم يصلنا.


    وما يمكن أن يكون قد بثّه الواسطي في الموضوع مما تضمنه كتابه في إعجاز القرآن أيضاً، إلى المعالجة المتقدّمة كما يجسدّها الرماني والخطابي فالباقلاني وغيرهم، هذه الفئات المتعاصرة والمتداخلة كان يمكن أن تتيح للنقاد الذين ندرسهم في هذا الموضع مزيداً من تعميق البحث في إشكال اللفظ والمعنى، إلا أن هؤلاء ظلوا في الأغلب- أمناء لطروحات السابقين وخاصة الجاحظ وقدامة- فيما يخص قضيتنا طبعاً- ولم يتمكنوا من إضافة الجديد الحق باستثناء بعض التفريعات والتشقيقات أحياناً، دون أن ننسى محاولة هذا الناقد أو ذاك تنزيل عمله في إطار عام كالإشكال الذي انطلق منه الآمدي والقاضي الجرجاني المتمحورة حول قضية الموازنة والوساطة التي ستشكل بدايتنا في قراءة آراء هؤلاء النقاد والبلاغيين.






    ثنائية اللفظ والمعنى
    عند نقاد القرن الخامس الهجري
    من نقاد القرن الخامس الهجري الذين نتوقف عندهم والذين أولوا قضية اللفظ والمعنى أهمية: المرزوقي والشريف المرتضى وابن رشيق، ومع الإقرار بأن بعضهم بلور مبادئ سابقة وأخرجها في إطار نظري شامل كنظرية عمود الشعر العربي لدى المرزوقي، فإن في قضيتنا لا نكاد نجد جديداً عند هؤلاء باستثناء تفريعات تدلّل على أصول سابقة لم تكن في منجاة من بعض الاضطراب أيضاً.
    وأغلب نقاد هذا القرن "يميلون إلى التوفيق بين اللفظ والمعنى"(1)، غير أن أشكال هذا التوفيق تساير منطلقات كل ناقد وتلتحم بأصوله. فالمرزوقي يقابل بين كل من الألفاظ والمعاني والأوعية والأمتعة، ذلك أن من مبادئ عمود الشعر عنده تحقيق المشاكلة بين اللفظ والمعنى، والتحام أجزاء النظم والتئامه، في حين يستقطب هذه المشاكلة موقفان: موقف طلاب المعاني، وموقف أرباب الألفاظ(2).
    وتبدو صياغة الكلام لدى أصحاب الألفاظ مراتب يستقيم لكل مرتبة درجة من التّشكيل الفني حسب خواصّ فنيّة في هذا التّشكيل نفسه: "فمن البلغاء من يقول: فقر الألفاظ وغررها، كجواهر العقود ودررها، فإذا وسم أغفالها بتحسين نظومها وحلي أعطالها بتركيب شذورها، فراق مسموعها ومضبوطها وزان مفهومها ومحفوظها وجاء ما حرر منها مصفى من كدر العي والخطل، مقوماً من أود اللحن والخطأ، سالماً من جنف التأليف، موزوناً بميزان الصواب، يموج في حواشيه رونق الصفاء لفظاً وتركيباً، قبله الفهم والتذّ به السمع"(3)، والتركيز في هذه المرتبة يكون على التركيب الذي يضيف إلى الوحدات حسناً بضمها إلى غيرها مع الإلحاح على تجنب الخطأ واللحن. أما في المرتبة الثانية فيقوم النص على الانتقاء الدقيق في اختيار الدال المطابق لمدلوله، وتحقيق قدر أعلى من تناسب أقسام النص في مراتبه المختلفة، ويكون ذلك بتتميم "المقطع، وتلطيف المطلع، وعطف الأواخر على الأوائل، ودلالة الموارد على المصادر، وتناسب الفصول والوصول، وتعادل الأقسام والأوزان، والكشف عن قناع المعنى بلفظ هو في الاختيار أولى، حتى يطابق المعنى اللفظ، ويسابق فيه الفهم السمع"، لينتهي الأمر في آخر مرتبة إلى إثقال النص بأشكال "من الترصيع والتسجيع، والتطبيق والتجنيس، وعكس البناء في النظم، وتوشيح العبارة بألفاظ مستعارة، إلى وجوه أخَرْ تنطق بها الكتب المؤلفة في البديع"(4).
    _____________________
    (1) إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي، 370.
    (2) ) المرزوقي، شرح الحماس، 5.
    (3) المصدر نفسه ،9- 7.
    (4) المصدر نفسه ،5-6.
    .



    وتتكاثف مستويات الصياغة بشكل لافت في المرتبتين السابقتين خاصة، مما يجعل خصائص النص الأسلوبية في النص مرتدّة إلى نفسها –إن صح الوصف- في أشكال من البناء المركّز على تناسق الأصوات والتركيب. أما قصد أصحاب المعاني فيتجسد في تحقيق قدر أعلى من التأمل لدى المتلقي إذ "طلبوا المعاني المعجبة من خواص أماكنها، وانتزعوها جزلة عذبة حكيمة ظريفة أو رائقة بارعة وجعلوا رسومها أن تكون قريبة التشبيه، لائقة الاستعارة، صادقة الأوصاف، لائحة الأوضاح... مستوفية لحظوظها عند الاستهام من أبواب التصريح والتعريض والإطناب والتقصير، والجد والهزل... مبتسمة من مثاني الألفاظ عند الاستشفاف، محتجبة في غموض الصيان، لدى الامتهان"(1).
    ويتلخص الموقف العام في ضرورة تحقيق التشاكل والتوافق بين الألفاظ والمعاني حيث تكون دلائل ذلك "حسن التباس بعضها ببعض، لا جفاء في خلالها ولا نبو، ولا زيادة فيها ولا قصور، وكان اللفظ مقسوماً على رتب المعاني: قد جعل الأخص للأخص، والأخس للأخس، فهو البريء من العيب".
    ودعوة الائتلاف هذه لا جديد فيها، فأصولها تعود إلى الجاحظ، تماماً كموقف المرزوقي مما أسماه بالتحام أجزاء النظم والتئامه المتولّد من انسجام الفصول والأبنية إذ يقوم على استغلال أصول قديمة كمفهوم "القران" الجاحظي وشواهده الشعرية أيضاً.
    وللمرزوقي رأي في بنية النص الشعري أدته إليه مقارنته بين النثر والشعر وتحسّسه خواص الشعر الشّكلية القائمة على الوزن والقافية ووحدة البيت الذي ينتج عنه حصر المعنى الشعري في حدود المدى الذي يسع بنيته، مما مكّنه من الوعي بتلازم خاصيتي التكثيف والغموض في الشعر "لذلك وجب أن يكون الفضل في أكثر الأحوال في المعنى، وأن يبلغ الشاعر في تلطيفه، والأخذ من حواشيه، حتى يتسع اللفظ لـه، فيؤديه على غموضه وخفائه، حداً يصير المدرك لـه والمشرف عليه، كالفائز بذخيرة أغتنمها، والظافر بدفينة استخرجها"(2).
    ولعل ما يضيف إلى المرزوقي وزناً بالإضافة إلى هذه النظرات التي كانت خلاصة للاستيعاب العميق لنتاج سابقيه من النقاد، صياغته نظرية عمود الشعر العربي الصياغة النهائية.
    أما أمر اللفظ والمعنى مع الشريف المرتضى فيشينه بعض الاضطراب، فإذا كان الحديث عن المعنى متعلقاً بصياغة المتداول المعروف، فلا يضير –في رأيه- المعبر ترداده هذا المألوف مادام يحسن العبارة عنه إذ إن "حظ العبارة في الشعر أقوى من حظ المعنى" ذلك أن تفرد الصياغة وحسنها يشفعان للشاعر اشتراكه مع غيره في المعاني، ومع هذا الاشتراك "إنما يقع الإحسان في حسن النسج، وسلامة السبك، وأن تكون العبارة عن ذلك المعنى ناصعة، وفي القلوب متقبّله"(3).
    _______________
    (1) المرزوقي ،شرح الحماسة ،7.
    (2) المصدر نفسه ،11- 19 .
    (3) الشريف المرتضى ،طيف الخيال ،168.

    ثم يعود إلى القضية من منظور مغاير لكنه مؤكد للسابق أيضاً حيث يقابل بين الشيء في وضعه الأصلي، واستحالته محتوى في صياغة فنية، فيرى أن التغيير الطارئ على الشيء المصور بتقديمه في صورة تخالف أصله لا يحط من قيمة الصورة الراسمة للشيء، ليخلص إلى قاعدته التي تنص "على أن حظ الألفاظ في الكلام الفصيح - منظوماً ومنثوراً- أقوى من حظ المعاني"(1).
    لكن البحث عن تميّز الشاعر بمعنى ضمن المشترك يضطره إلى اعتبار المعاني الأصل في التقديم، إذ يعرض بيتيه الآتيين:
    فحب به من باذل لي حلاله
    وفاد بذاك البذل مني حرامه

    ومن ملتقى عذب المذاق ربحته
    فلم يرض لي حتى ربحت أثامه

    ثم قول الفرزدق:
    إذا ما نأت عني حييت وإن دنت
    فأبعد من بيض الأنوق كلامها

    وتمنع عيني وهي يقظى حلالها
    ويبذل لي عند المنام حرامها

    ثم يعلق بقولـه: "فليس لـه بالمعنى الذي اختصصت به شبه، وإن كان قد أتى بلفظ التحريم والتحليل وليس المعول على الألفاظ، وإنما المعول على المعاني... وكل منّا قصد مقصداً صحيحاً، لأنّي أردت أن التمتّع الذي نلته في النوم حلالاً، لو كان في اليقظة لكان حراماً. والفرزدق أراد به أنه تمتع في اليقظة -من كلام وما أشبهه- حلالاً، وتبذل له عند المنام ما هو حرام. وإنما يريد أنه حرام لو كان في اليقظة، فأما ما يكون في النوم لا يكون حراماً، فبان هذا الشرح خلاف المعنى الذي قصدته لمعنى الفرزدق"(2). فأدى اعتبار الاختلاف في المعاني والتدليل على الخصوصية إلى اعتمادها الأصل في الجودة، لكن مما يقلل من حدّة التعارض بين هذا الرأي وما سبقه من آراء، كون المعنى مستخلصاً من صياغته. أما نفيه أن تكون المسألة في إيراد ألفاظ بعينها، كالتحريم والتحليل فلا يعني إزاحة اللفظ عن كل مزية إذ إن القصد –كما بدا لنا- هو الطريقة التي تتضام بها الألفاظ لأداء معنى معيّن.
    ولعلّ رأيه الحاسم يظهر في إقراره توزيع الجودة بين الاثنين معاً، إذ تبدو خلاصة ذلك في اعتباره ديوانه وديوان أخيه ثم ديواني الطائيين جامعة لأجود ما قيل في موضوع الشّيب، ذلك أنها ضمت "محاسن القول في الشيب والتصرف في فنون أوصافه وضروب معانيه حتى لا يشذ عنها في هذا الباب شيء يعبأ به، هذا حكم المعاني، فأما بلاغة العبارة عنها وجلاؤها في المعاريض الواصلة إلى القلوب بلا حجاب والانتقال في المعنى الواحد من عبارة إلى غيرها مما يزيد عليها براعة وبلاغة أو يساويها أو يقاربها حتى يصير المعنى باختلاف العبارة عنه وتغيّر الهيئات عليه وإن كان واحداً كأنه مختلف في نفسه فهو وقف على هذه الدواوين مسلم لها مفوض إليها "لينتهي إلى اعتماد العنصرين معاً في تحليلاته الشعرية، كوصفه بيتاً لأبي تمام بقوله: "جيد المعنى مليح اللفظ"(3).
    _______________
    (1) الشريف المرتضى ،طيف الخيال ، 39.
    (2) نفس المصدر ،148-149.
    (3) الشريف المرتضى، الشهاب في الشيب والشباب، 3.
    ولقد اشتهر ابن رشيق برأيه الداعي إلى ائتلاف اللفظ والمعنى، واستطاع مع ذلك أن يجمع في بعض المواقف بين مسائل نقدية متعددة منها ما يبحث في بنية النص، أو يعرض لمشكلات الصنعة وأدوات التثقيف المحققة لها. يقول في نص جامع لكثير من هذه المبادئ النقدية: "والبيت من الشعر كالبيت من الأبنية: قراره الطبع، وسمكه الرواية، ودعائمه العلم، وبابه الدّربة، وساكنه المعنى، ولا خير في بيت غير مسكون، وصارت الأعاريض والقوافي كالموازين والأمثلة للأبنية، أو كالأواخي والأوتاد للأخبية، فأما ما سوى ذلك من محاسن الشعر فإنما هو زينة مستأنفة، ولو لم تكن لاستغنى عنها"(1).

    ونقول: إن أدوات الثقافة المحققة للصنعة لا تهمنا، وإنما المهم أن نجاعة البيت الذي يكون نتاجاً لهذه المواد الخام تكمن في احتوائه معنى، والمعنى غير مفارق لأشكال إخراجه، فالحديث عنه حديث عن صورته اللفظية التي تشكّل بنيتها الصوتية في تناسبها الإيقاعي ميزان الكلام واعتداله، أما التحسينات فهي طارئة ثانوية لا كبير جدوى من إلحاقها بالبيت.
    وينم تشبيه بنية البيت الشعري بالبناء عن فهم لشكل من أشكال تلاحم عناصره يجعل كماله غير متأت بغياب أحدها، إلا ما قد يعكّر ذلك من تشبيهه المعنى بالساكن إذ له أن يغيب فيبقى البناء قائماً. غير أنه قد يفهم أن القصد من هذا التشبيه تأكيد ضرورة قيام البيت على معنى يؤديه، بل ستستحيل علاقات العناصر إلى كيان متلاحم يكون المعنى في إطارها شبه تابع حتمي للخواص اللفظية، ذلك أن ابن رشيق يعتقد أنه غير خاف "أن الصانع إذا صنع شعراً في وزن ما وقافية ما وكان لمن قبله من الشعراء شعر في ذلك الوزن وذلك الروي وأراد المتأخر معنى بعينه فأخذ في نظمه أن الوزن يحضره والقافية تضطره وسياق اللفظ يحدوه حتى يورد نفس الكلام الأول ومعناه حتى كأنه سمعه وقصد سياقته وإن لم يكن سمعه قط"(2).
    وهذا الفهم السابق هو الذي كان خلف تبني ابن رشيق المقولة السابقة المشبهة للمعنى واللفظ بالروح والجسد، والمقولة تعالج من منظور نظري عام صلة العنصرين حيث تقوم هذه الصلة على التسليم بالتأثر المتبادل بينهما ضعفاً وقوّة.
    ولم يهتم ابن رشيق بتفريع أحوال التأثر المتبادل بينهما في حالة القوة، ولو فعل لربما أدته المقارنة إلى بحث كيفية هذا التفاعل بين العنصرين في الحالة المجسّدة لأرقى درجاتها، مما كان يمكن أن يوصله إلى خلاصة أكثر عمقاً في بحث دقائقه وأبعاده. إلا أنه ربما وجد أن من السهولة تشخيص رأيه في حالة الضعف التي تقوم أولاً على تبيان أثر الخلل النسبي في أحد الطرفين على الآخر، ذلك أنه "إذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه، كما يعرض لبعض الأجسام من العرج والشلل والعور وما أشبه ذلك، من غير أن تذهب الروح، وكذلك إن ضعف المعنى واختل بعضه كان اللفظ من ذلك أوفر حظّاً كالذي يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح"(3).
    ____________________
    (1) ابن رشيق، العمدة 1/ 121.
    (2) ابن رشيق ،قراضة الذهب ،86.
    (3) . ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5/ 394.

    وهذا الإقرار المتكرر دفعته إليه القسمة الثنائية ورغبة التدليل على الصلات بين العنصرين، إلا أن المقارنة رغم تأكيدها النهائي انتقاء طرف بانتقاء آخر أو فساده "فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتاً لا فائدة فيه... وكذلك إن اختل اللفظ جملة وتماشى لم يصح له معنى فإنها تظل مشدودة في مباشرة علاقة الطرفين إلى الانطلاق من أحدهما مما(1)
    ؤكد انحصار النظرة في الأساس الثنائي دائماً رغم الإشارة إلى العلائق "الوجودية" بين العنصرين.
    والمهم أن الموقف السابق سيفرز لدى ابن رشيق تصنيفاً للشعراء إلى لفظيين معنويين، وفي اللفظين من يذهب الفخامة والجزالة دون أن يتصنع، كبشار، وفرقة، منهم ابن هانئ أصحاب جلبة وقعقعة بلا طائل معنى إلا القليل، كما يصفهم، ومنهم من يقصد تسهيل اللفظ ولم ينج من الركاكة وإفراط اللين كأبي العتاهية. أما من يؤثر المعنى على اللفظ فيقصد صواب المعنى ولا يبالي بصورته اللفظية فمنهم مطبوعون كابن الرومي والمتنبي، ومنهم متصنعون.
    وهذا التصنيف لا يعني تجاهل أحد قطبي الدلالة إنما يقوم على التنويه بالخاصية التي تميز كل فئة وتلفت النظر إلى طريقة بنائها الكلام، فبشار الذي عُدّ من اللفظيين زاد وأصحابه "معاني ما مرت قط بخاطر جاهلي ولا مخضرمي ولا إسلامي، والمعاني أبداً تتردد وتتولد والكلام يفتح بعضه بعضاً"(2).
    وهذا الموقف التصنيفي المرتد إلى الأساس الثنائي دفع ابن رشيق إلى حشد آراء متباينة بدءاً من ترداد مقولة الجاحظ في المعاني المطروحة، إلى اعتماد الفكرة المشبهة للمعنى بالصورة واللفظ بالكسوة، فإن لم تقابل الصورة الحسناء بما يشاكلها ويليق بها من اللباس فقد بخست حقها، إلى الاستشهاد بكلام لعبد الكريم النهشلي يرى فيه مرة أن: الكلام الجزل أغنى عن المعاني اللطيفة من المعاني اللطيفة عن الكلام الجزل، ويرى في أخرى أن: المعنى مثال، واللفظ حذو، والحذو يتبع المثال، فيتغيّر بتغيّره، ويثبت بثباته، وهي آراء وإن بدا فيها بعض الاضطراب في الموقف، إلا أنها بالقدر الذي تلح على الصورة المبرزة للمعنى وتدعو إلى تحسينها، لا تغفل أساس المشاكلة بين المعنى واللفظ أيضاً يدعمها ما يورده لبعض النقاد كالثعالبي الذي يرى أن البليغ هو الذي "يخيط الألفاظ على قدور المعاني" أما ما ورد في وصية أبي تمام للبحتري في قوله: "كن كأنك خيّاط يقطع الثياب على مقادير الأجسام"(3).
    على أية حال يظل هذا المنظور الثنائي الذي سيزدوج برأيه في الصنعة أساس كثير من آرائه النقدية، فهو يسند رأي أبي الفتح عثمان بن جني في قوله: "المولّدون يستشهد بهم في المعاني كما يستشهد بالقدماء في الألفاظ"(4).
    __________________
    (1) ابن رشيق، العمدة 2/ 124.
    (2) نفس المصدر ، 2/238
    (3) نفس المصدر ،2/115.
    (4) نفس المصدر ، 2/256


    الجاحظ وقضية اللفظ والمعنى
    ولعل أول من أثار قضية اللفظ والمعنى بطريقة مكثفة هو الجاحظ فى كتابيه الحيوان
    والبيان والتبيين فهو يتحدث عن هذه القضية فى إطار نظريته عن البيان إذ يرى فى
    مقدمة كتابه البيان والتبيين أن هناك عيبان يلحقان بالكلام :
    الأول : سماه "السلاطة والهذر"
    والثانى: أطلق عليه "العى والحصر"
    ويقصد بالسلاطة والهذر :كثرة الكلام بلا فائدة، ويقصد بالعى والحصر: عجز الكلام عن أدا المعنى.(1)
    فالأول زيادة فى الألفاظ والثانى عجز فى الألفاظ عن أداء المراد، والحد المتوسط الذى تؤدى فيه الألفاظ المعانى المرادة تأدية كاملة فقد أطلق عليها الجاحظ اسم " البيان" والجاحظ يفرق بين عنصرين :
    1- عنصر الألفاظ :وهى أصوات يجرى بها اللسان.
    2- وعنصر المعانى : تصور وتخيل فى الخواطروالأذهان.

    ويقسم الجاحظ درجة قيام الألفاظ بالمعانى إلى ثلاثة أقسام
    أ‌- هذر : وهو سلاطة وزيادة وتشدق ومحاولة تأثير بالألفاظ.
    ب‌- بيان : قيام اللأفاظ بأداء المعانى تامة دون نقص.
    ت‌- حصر فينشأ عن نقصان آلة الكلام أو عدم التمييز أو انعدام الترتيب.

    فالمعانى كما يقول الجاحظ : محدودة مبسوطة إلى غير غاية ويعرفها كلاً من العربى والعجمى والحضرى والبدوى. والمفاضلة عند الجاحظ تكون فى اللأفاظ لأنها محدودة محصورة،ويوضح الجاحظ بأن أحسن الكلام "ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه فى ظاهر لفظه"-

    __________________
    (1) بدوي طبانة ،دراسات في نقد الادب العربي من الجاهلي الى غاية القرن الثالث، 191- 194.
    (2) نفس المصدر.198-210
    ويذهب الجاحظ إلى تقسيم اللفظ والمعنى تقسيماً جديداً فيقول:
    اللفظ : منه الحقير ومنه الشريف.
    والمعنى: منه الساقط ومنه الكريم.
    وهنا يظهر لنا أربعة أنواع من الكلام عند الجاحظ وهى
    1- فاسد اللفظ ساقط المعنى .
    2- شريف اللفظ كريم المعنى.
    3- شريف اللفظ ساقط المعنى.
    4- ساقط اللفظ كريم المعنى
    وفى نهاية الحديث عن الجاحظ أورد لكم مثالاً اورده هو عن فساد اللفظ إذ يقول :
    فهذا رجل نحوى يروى عنه الجاحظ أنه ذهب يشكو رجلاً للأمير فى دين ٍ كان عليه :
    فقال نحوى :أصلح الله الأمير لى عليه درهمان ، فقال خصمه لا والله أيها الأمير إن
    هى ثلاثة دراهم لكنه أراد أن يتشلدق بالإعراب فجعلها مثنى وترك حقه، وهوفي كتاب الحيوان يجعل البيان على اربع اقسام ،هي اللفظ والخط والعقد والاشارة ، وعقب عليها بأن الاجسام الخرس الصامتة ناطقة من جهة الدلالة .(1)
    ومثال أورده عن فساد المعنى :
    يحكى أن رجلاً يقال يسمى أبا السرايا ذهب إلى الغداء على مائدة سليمان بن عبد الملك الأمير الأموى المعروف فقبيل له وهو جالس يأكل بجوار سليمان: كل من كلية الهذا الجدى فإنه يزيد الدماغ ، فقال أبو السرايا: لوكان هذا هكذا لكان" رأس الأمير مثل رأس البغل"(2)

    ________________________

    (1) بدوي طبانة ،دراسات في نقد الادب العربي من الجاهلي الى غاية القرن الثالث، 196-206.
    (2) نفس المصدر، 210- 220.






    وقد ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان أن أبا عمروالشيباني كان يستحسن قول الشاعر:
    لا تحسبنّ الموتَ موتَ البلى وإنما الموتُ سؤالُ الرجــــــــــالْ
    كـــــــــــــــــــــلاهما موتٌ ولكـــــــــنَّ ذا أفــــــــظعُ من ذاك لذلّ السؤالْ
    وقد بلغ من استجادته لهذين البيتين أنه ، وهو في المسجد يوم الجمعة ،كلف رجلاً أحضره دواة وقرطاساً حتى كتبهما له ، وكان اعجاب أبي عمرو بالبيتين قائما على استحسان ما تضمناه من المعنى.
    أما الجاحظ فانه يرفضهما ، ويزعم أن صاحبهما لا يقول شعراً أبداً ، ولا عبرة باستحسان ابي عمرو لمعانيهما ،لأن "المعاني مطروحة في الطريق ، يعرفها العربي والعجمي ، والبدوي والقروي ،وانما الشأن في إقامة الوزن ، وتمييز اللفظ وسهولته ، وسهولة المخرج ،وفي صحة الطبع ،وجودة السبك ، فأنما الشعر صناعة وضرب من الصبغ ، وجنس من التصوير ، وقد قيل للخليل بن احمد :مالك لا يقول شعرا؟ قال: الذي يجيئني لا ارضاه ، والذي أرضاه لا يجيئني! "

    _________________

    (1) انظر: بدوي طبانة ،دراسات في نقد الادب العربي من الجاهلي الى غاية القرن الثالث ، 192-193.












    عبد القاهر وإشكال اللفظ والمعنى
    يمكن أن نسلّم مبدئياً بأن نظرية عبد القاهر في النص الأدبي لها أساسها العقائدي المتجذّر في قناعات دينية وحضارية، ملتبسة بعلوم ومعارف أصيلة تقوم على سند مكين من اللغة والنحو،وأن تحديد مواصفات الكلام البليغ انطلاقاً من هذا الإطار، وبحسب ماكان يعتبر آنذاك سنة جمالية وأدبية يستدعي العناية بقضية اللفظ والمعنى، هذه القضية التي تمثل أساساً قارّاً في كل محاولة عرفها النقد العربي القديم تبتغي تأسيس رأي في بنية النص الأدبي. من هنا يصبح لزاماً الانطلاق من فكرة عبد القاهر في اللفظ و المعنى للوفاء بشروط تقصي رأيه في النظم.

    ويمكن اعتماد مستويين في تحديد نظرته إلى المسألة، مستوىً لغوي عام، ومستوىً أدبي. ففي المستوى الأول يمكن الإقرار بأن تصور عبد القاهر للغة يقوم على التمييز بين المعاني والألفاظ، إذ تتحدد العلاقة بينهما في صلة إشارية، تختزل في مواضعة تشير إلى شيء سابق معروف، مما يجعل عبد القاهر يتساءل مندهشاً "كيف والمواضعة لا تكون ولا تتصور إلا على معلوم، فمحال أن يوضع اسم أو غير اسم لغير معلوم، ولأن المواضعة كالإشارة فكما أنت إذا قلت: خذ ذاك: لم تكن هذه الإشارة لتعرف السامع المشار إليه في نفسه ولكن ليعلم أنه المقصود من بين سائر الأشياء التي تراها وتبصرها، كذلك حكم اللفظ مع ما وضع له. ومن هذا الذي يشك أنَّا لم نعرف الرجل،والفرس، والضرب، والقتل إلا من أسمائها؟ لو كان لذلك مساغ في العقل لكان ينبغي إذا قيل:زيد، أن تعرف المسمى بهذا الاسم من غير أن تكون قد شاهدته أو ذكر لك بصفة"، وهذا الرأي أملاه تصور كيفية حدوث المواضعة، إذ تقتضي سبق الوعي بصورة المدلول الذهنية المنعكسة عن مرجع، لتنتهي العلاقة إلى دال يأتلف مع الصورة، ومادامت وظيفة اللفظ تختزل في الإشارة إلى المعلوم، فلن يكون لـه في هذا المنظور أكثر من وظيفة السمة الملحقة بالمعنى، إذ لم تكن "الألفاظ إلا من أجل المعاني وهل هي إلا خدم لها، ومصرفة على حكمها؟ أو ليست هي سمات لها؟"، من هنا تكون العلاقة بينهما علاقة الوعاء بالشيء الموعى فالألفاظ "أوعية للمعاني".(1)
    ويستتبع ذلك أن يكون العلم باللفظ لاحقاً للعلم بالمعنى. ويستقيم هذا التدرج وفق فكرة الكلام النفسي، إذ "العلم بمواقع المعاني في النفس، علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق". (2).

    وإذا كان هذا الفهم يؤول إلى ضرورة تطابق بنية الدوال الخارجية مع بنية المدلولات النفسية الداخلية، فإن دور اللفظ يظل مركّزاً في الشفوف عن المعنى، ويفقد بذلك "فعاليته الجمالية أو أن تلك الفعالية لا تتعلق به أصلاً ولا تقتصر عليه"، ما دمنا نحمل الفعالية الجمالية هنا على كل تركيز يولي اللفظ في ذاته ميزة، ذلك أن قاعدة التحرك التي ستضبط لعبد القاهر مساره المتقصي بنية النص، ستتحدد بمنطقة الصياغة التي هي خلاصة تفاعل بين المعنى واللفظ مما سيمكنه من تجاوز الثنائية التي علقت بهما طويلاً. (3)
    _________________
    (1) الدلائل،416.
    (2) نفس المصدر ،43-44.
    (3) حمادي صمود، التفكير البلاغي، 466.
    فالانتقال من الشق اللغوي العام إلى المستوى الفني سيتأسس في بناء جدالي ينبسط في حجج متتالية، يتعقب فيها عبد القاهر حجج اللفظيين المغالين في التمسك بشكلية تولي اللفظ العناية الأولى، وكذا حجج المعنويين الذين يقدّمون القول بمعناه المرادف للفائدة المستخلصة من الخطاب التي لا يكون التركيز عليها إلا إقراراً بالنجاعة الأخلاقية للمعنى دون تبيان فصاحته أو بيانه.(1).
    من مسلّمات رأيه المؤسس على فكرته في النظم القائمة على الأساس النفسي يكون الحكم في الترتيب بين المعاني والألفاظ على مستوى المتكلم متمشياً مع فكرة سبق الكلام النفسي اللفظ الدال عليه "فإن الاعتبار ينبغي أن يكون بحال الواضع للكلام والمؤلف له، والواجب أن ينظر إلى حال المعاني معه لا مع السامع، وإذا نظرنا علمنا ضرورة أنه محال أن يكون الترتيب فيها تبعاً لترتِّب الألفاظ ومكتسباً عنه، لأن ذلك يقتضي ان تكون الألفاظ سابقة للمعاني، وأن تقع في نفس الإنسان أولاً ثم تقع المعاني من بعدها وتالية لها بالعكس مما يعلمه كل عاقل إذا هو لم يؤخذ على نفسه".
    ومصداق ذلك فعل الفكر نفسه الذي هو فعالية في رأي عبد القاهر لا تتم إلا بالمعنى، حيث تتبدى محصلته في الدلالة المؤسسة على العلاقات المعنوية الشاملة للألفاظ الدالة. من هنا لا يتأتى اعتماد الفصاحة إلا على مستوى معنوي، ويستتبع ذلك أن تشكل الألفاظ صورة المعاني المتفاعلة، فمعلوم "أن الفكر من الإنسان يكون في أن يخبر عن شيء بشيء، أو يصف شيئاً بشيء، أو يضيف شيئاً إلى شيء، أو يشرك شيئاً في حكم شيء، أو يخرج شيئاً من حكم قد سبق منه لشيء، أو يجعل وجود شيء شرطاً في وجود شيء، وعلى هذا السبيل. وهذا كله فِكَرْ في أمور معلومة معقولة زائدة على اللفظ"، فمحصلة عملية التعبير بأنواعها إنما هي فعل العقل الواعي في المعاني وفق منطق النحو، وطبيعة الفعل المؤسس للدلالة تفرض خصائصها على مستوى التلقّي. من هنا يكون إدراك الخطاب فعلاً عقلياً متدبراً، وفعل التدبر نفسه لا يقوم إلا على معانقة المعنى بالعقل، إذ "لو كان القصد بالنظم إلى اللفظ نفسه دون أن يكون الغرض ترتيب المعاني في النفس ثم النطق بالألفاظ على حذوها لكان ينبغي أن لا يختلف حال اثنين في العلم بحسن النظم أو غير الحسن فيه لأنهما يحسَّان بتوالي الألفاظ في النطق إحساساً واحداً(2)

    من كل ما سبق يبدو تسلط المعاني على الألفاظ واضحاً وتحكمها في رقابها بيّناً، وتكاد مزية اللفظ تختزل في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى غيرها في السياق.
    وهذا يؤكد نسبية الحسن الذي يمكن أن يعلق بأي لفظة "فقد اتضح إذن اتضاحاً لا يدع مجالاً للشك أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلم مفردة، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر. (3).
    _______________________
    (1) درويش الجندي، نظرية عبد القاهر في النظم، 91.
    (2) الدلائل ، 315- 322.
    (3) نفس المصدر ،38.

    وما دامت البلاغة عالقة بالمعنى وكل وصف للفظ بالمزية إنما يكون تبعاً لموقعه في سياق دال، أمكن اعتبار ثبات الصورة اللفظية الدالة وتغير المعنى دليلاً أسلوبياً آخر يؤكد سبق المعنى وأولويته "ذلك أنه لو كانت المعاني تكون تبعاً للألفاظ في ترتيبها، لكان محالاً أن تتغيَّر المعاني والألفاظ بحالها لم تزل عن ترتيبها، فلما رأينا المعاني قد جاز فيها التغيير من غير أن تتغير الألفاظ وتزول عن أماكنها علمنا أن الألفاظ هي التابعة والمعاني هي المتبوعة".

    فثراء المعنى وإمكانات فهمه متعددة بقدر ما تؤكد كون البلاغة في المعنى تزيح اللفظ عن أن يكون له أهمية أكثر من اعتباره حاملاً لهذا المعنى المتعدد الصور، وفي السياق نفسه يؤكد انتفاء المعارضة من الألفاظ المجردة عن المعاني ترسيخاً لمنحى عبد القاهر نفسه في تأكيد كون البلاغة ومترادفاتها، إنما هو في المعنى "لأنه إذا لم يكن في القسمة إلا المعاني والألفاظ، وكان لا يعقل تعارض في الألفاظ المجردة إلا ما ذكرت لم يبق إلا أن تكون المعارضة معارضة من جهة المعنى، وكان الكلام يعارض من حيث هو فصيح وبليغ ومتخيّر اللفظ حصل من ذلك أن الفصاحة والبلاغة وتخير اللفظ عبارة عن خصائص ووجوه تكون معاني الكلام عليها وعن زيادات تحدث في أصول المعاني وأن لا نصيب للألفاظ من حيث هي ألفاظ فيها بوجه من الوجوه"(1)
    ويترتّب على ما سلف أن يكون اعتبار وجوه كالجناس والسّجع من فصاحة اللفظ خطأ رغم ارتباطها بالمستوى الصوتي للألفاظ، فقد "يتوهم في بدء الفكرة، وقبل إتمام العبرة، أن الحسن والقبح فيها لا يتعدى اللفظ والجرس.... وعلى الجملة فإنك لا تجد تجنيساً مقبولاً، ولا سجعاً حسناً، حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه".
    ثم يقصد عبد القاهر آراء في التراث تبدو ظاهراً في نصرة اللفظ، فيُخضعها لتأويل يساير رأيه في اللفظ والمعنى خاصة أن فهمها الحرفي الظاهري قد يشوش مسار نظريته ويجد فيه "اللفظيون" دعماً تراثياً لمقولاتهم، فمن الصفات "التي تجدهم يجرونها على اللفظ ثم لا تعترضك شبهة ولا يكون منك توقف في أنها ليست لـه ولكن لمعناه كقولهم: لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه، ولا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك.
    وقولهم: يدخل في الأذن بلا إذن، فهذا مما لا يشك العاقل في أنه يرجع إلى دلالة المعنى على المعنى وأنه لا يتصور أن يراد به دلالة اللفظ على معناه الذي وضع له في اللغة"،والأساس الذي يعتمده في التدليل على وجهة نظره في اعتبار المقصود من العبارة غير دلالة اللفظ على معناه الوضعي، أصل أسلوبي تنبني الدلالة فيه والمقصد من القول على ما أسماه "معنى المعنى"(2)
    _____________________
    (1) الدلائل ،200.
    (2) ـ عبد القاهر، الأسرار، 5 /10



    أذ يستحيل المدلول المباشر للفظ دالاً للمدلول المقصود، ويكون التسابق بين المدلول الأخير وداله الذي هو مدلول أول، وتنزع من اللفظ في مستواه الصوتي كل قيمة في إحداث أثر ما في المتلقي، ومصداق ذلك رأيه في التذوق الفني إذ يقول "إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً، ثم يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ، فيقول: حلو رشيق، وحسن أنيق،وعذب، سائغ، وخلوب رائع، فاعلم أنه ليس ينبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف، وإلى ظاهر الوضع اللغوي بل أمر يقع في المرء في فؤاده، وفضل يقتدحه العقل من زناده"(1).

    وفي المسار نفسه يكون كل تخصيص للفظ بالحديث أو الوصف إنما هو من باب النيابة عن المعنى دون أن يمتد بالذهن الظن بأن المراد اللفظ في ذاته، فقولهم: "لفظ ليس فيه فضل عن معناه، محال أن يكون المراد به اللفظ، لأنه ليس ههنا اسم أو فعل أو حرف يزيد على معناه أو ينقص عنه. كيف وليس بالذرع وضعت الألفاظ على المعاني، وإن اعتبرنا المعاني المستفادة من الجمل فكذلك... وإنما يختلُّ اللفظ عن المعنى أن تريد الدلالة بمعنى على معنى، فتدخل في أثناء ذلك شيئاً لا حاجة بالمعنى المدلول عليه إليه، وكذلك السبيل في السبك والطابع لا يحتمل شيء من ذلك أن يكون المراد به اللفظ من حيث هو لفظ"(2).

    ثم يقصد تكييف بعض الأقوال السابقة، مع أصول نظريته لتستوعب هذه الأصول قصد ترسيخ المسار نفسه المستدل بالتراث وتعميق هذه الأصول نفسها، وتصحيح سوء الفهم الذي أخطأ ـ في رأيه ـ فهم مقاصد الأقدمين، فهل قالوا: "لفظة متمكنة ومقبولة، وفي خلافه: قلقة ونابية، ومستكرهة، إلا وغرضهم أن يعبّروا بالتمكّن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما، وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تلق بالثانية في معناها".

    وأخيراً تبدو حجة يظهر فيها تعليق وصف الفصاحة باللفظ من باب كونها علامة لا تكون فيه إلا ليستدل بها على المزية المذكورة في غيره "فإن قيل: إذا كان اللفظ بمعزل عن المزية التي تنازعنا فيها وكانت مقصورة على المعنى فكيف كانت الفصاحة من صفات اللفظ البتة؟ وكيف امتنع أن يوصف بها المعنى فيقال: معنى فصيح وكلام فصيح المعنى؟ قيل: إنما اختصت الفصاحة باللفظ وكانت من صفته من حيث كانت عبارة عن كون اللفظ على وصف إذا كان عليه دلَّ على المزية التي نحن في حديثها!.. وإذا كانت لكون اللفظ دالاً استحال أن يوصف بها المعنى بأنه دال مثلاً فاعرفه"(3).
    _____________________________
    (1) عبد القاهر، الأسرار، 4.
    (2) عبد القاهر، الدلائل، 351-352.
    (3) نفس المصدر ، 36-50.




    وهكذا يكاد اللفظ في ذاته أن يتجرد من كل مزية ولا يكاد يعترف للفظة بأكثر "من أن تكون هذه مألوفة مستعملة، وتلك غريبة وحشية، أو أن تكون حروف هذه أخف، وامتزاجها أحسن". ومما يكدُّ اللسان من هنا انزاح عن الألفاظ أي دور أسلوبي في بنية النص عدا كونها ممراً للمعنى الذي ينسج في المحور التركيبي من خلال مزج دلالات الكلمات في وحدة معنوية، لذلك "لم يحفل الجرجاني بالعمليات التي يمكن أن تقع على محور الاستبدال، ونقض المبدأ الأساس الذي قامت عليه نظرية أسلافه في بلاغة النص وهو مبدأ الاختيار الذي يقوم بدوره على التسليم بأن اللغة توفر لمستعملها أكثر من إمكانية في التعبير عن المتصور الواحد".(1)

    ولم يكن حظ المعنى بدلالة الغرض أفضل من حظ اللفظ في نقد عبد القاهر فكلاهما مادتان في مستوى خام ليس من حق طورهما الأول هذا أن ينال حظاً من مزية، فإذا انتفى عن الألفاظ كل مزية فكيف يمكن الإقرار بمثل ذلك للأغراض وأصول المعاني؟ إنما هي مادة قابلة للتشكيل ويتحدد لها الفضل والحسن طبق الشكل الذي تتلبسه والصورة التي تداخلها، ذلك "أنهم لم يعيبوا تقديم الكلام بمعناه من حيث جهلوا أن المعنى إذا كان أدباً وحكمة وكان غريباً نادراً فهو أشرف مما ليس كذلك، بل عابوه من حيث كان من حكم من قضى في جنس من الأجناس بفضل أو نقص أن لا يعتبر في قضيته تلك إلا الأوصاف التي تخص ذلك الجنس وترجع إلى حقيقته وأن لا ينظر فيها إلى جنس آخر وإن كان من الأول بسبيل أو متصلاً به اتصالاً ما لا ينفك منه"(2).

    ومع ذلك يرى عبد القاهر أن لبعض المعاني مزيّة ذاتيّة، فهي كالجواهر ليس للفظ فيها أكثر من التّوشية والتّحسين، وأنها كالجواهر المتفرّدة بالحسن يقر لها بالجودة والسبق تطابقها مع العقل وكونها تفريعاً من مأثور الحديث أو القرآن، فقول الشاعر:
    وكلّ امرئ يولي الجميل محبّب
    صريح معنى ليس للشعر في جوهره وذاته نصيب وإنما له ما يلبسه من اللفظ ويكسوه من العبارة وكيفية التأدية من الاختصار وخلافه والكشف أو ضده، وأصله قول النبي صلى الله عليه وسلم: [جبلت القلوب على حبِّ من أحسن إليها](3). بل قول الله عز وجل:  ادفع بالّتي هِيَ أَحْسَنْ فَإِذَا الَّذّي بَينَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وليٌّ حَمِيمْ.(4)

    _____________________________

    (1) ـ حمادي صمود، التفكير البلاغي: 470.
    (2) ـ عبد القاهر، الدلائل: 196.
    (3) عبد القاهر، الأسرار، 244
    (4) سورة فصّلت: الآية: 34.


    هذا الإقرار يبدو ظاهرياً في نزاع مع رأيه الأسبق الذي ينفي تعليق المزية بالمعنى ويعتبرها من خصوصيات الصورة التي يتجسد فيها المعنى، إلا أن الحجاج العقلي ومرامي الطعن في التخييل مع اعتماد العقل مرجعاً في تعليل الظاهرة الأسلوبية، كانت سبب هذا الاعتراف النسبي بقيمة المعنى في ذاته وليست انزياحاً عن موقف راسخ سابق. وسيتأكد هذا الاعتراف في قوله:"إن من الكلام ماهو شريف في جوهره كالذهب الإبريز الذي تختلف عليه الصور، وتتعاقب عليه الصناعات، وجل المعول في شرفه على ذاته، وإن كان التصوير قد يزيد في قيمته ويرفع من قدره، ومنه ماهو كالمصنوعات العجيبة من مواد غير شريفة فلها مادامت الصورة محفوظة عليها لم تنتقض وأثر الصنعة باقياً معها لم يبطل، قيمة تغلو، ومنزلة تعلو، وللرغبات إليها انصباب، وللنفوس بها إعجاب، حتى إذا خانت الأيام فيها أصحابها، وضامت الحادثات أربابها، وفجئتهم فيها بما يسلبها حسنها المكتسب بالصنعة، وجمالها المستفاد من طريق الغرض فلم يبق إلا المادة العارية من التصوير، والطينة الخالية من التشكيل سقطت قيمتها، وانحطت رتبتها"(1).

    فمن الكلام ما له شرف ذاتي، ومنه ما "يشرف" نسبياً بصنعة تغطي عواره، وهنا قد تتنوع مقاييس الحكم بالفضل والمزية، حيث قد يفرد كل عنصر من العناصر المؤسسة للنص بالفضل،هذا الفضل الذي يجب "إما لمعنى غريب يسبق إليه الشاعر فيستخرجه، أو استعارة بعيدة يفطن لها، أو لطريقة في النظم يخترعها"(2).
    وهذا الذي يبدو في الظاهر كالتناقض لا يمكن إزاحته إلا بتحديد رأيه في صورة المعنى،صحيح أن هناك إقراراً محتشماً بقيمة بعض المعاني العقلية إذا اعتمدنا التسليم بأن هذا الإقرار لا ينبني عليه اعتراف بفضل بلاغة أو فصاحة، إنما هو سموٌّ معنوي نتج عن مطابقة القيم الدينية أو الأخلاقية عموماً، غير أن هذا التنويه بالقيمة الأخلاقية للمعنى لن يؤسس لدى عبد القاهر أصلاً يعضّد أصوله الفنية الأخرى المعتمدة في النقد، بل يظل اعتبارياً يؤكد اعتباريته هذه رأيه في صورة المعنى.

    __________________________
    (1) عبد القاهر، الأسرار،5.
    (2) عبد القاهر، الرسالة الشافية، 123.
    (3) المصدلر نفسه ,124.









    صورة المعنى عند عبد القاهر الجرجاني

    واعتماد مصطلح الصورة يعضده مقابلة الكلام بأشكال الصياغة والنساجة والتصوير وكل الصناعات التي تقصد إحداث الشكل الجميل في المادة الموضوعة للصناعة، بالإضافة إلى أن معاني المصطلح الفلسفية تخدم الغرض النقدي الهادف إلى جلاء بنية النص في لحمة المعنى واللفظ. علماً بأن الاصطلاح معتمد على صعيد واسع، وراسخ في بيئات البلاغيين والنقاد.

    فالهيئة التي يتلّبسها المعنى في البيت الشعري، مثلاً، تدعى صورة، فهي على المستوى الفني خصوصية تنطبع على المعنى أما على مستوى المفهوم فهي "تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا"، فهي مقولة ذهنية تكون محصلة لتجريد التجسيد العيني للمعنى في البيت، وهي تبدو في وضعها التشخيصي نظيراً لخصوصية الصورة التي يبين بها الفرد الواحد من آحاد جنسه.

    وفي هذا المستوى يستخدم اصطلاح الصورة لغاية ضبط الخصوصيات المشكلة للشيء أو المعنى،ذلك أنه لما "وجدنا بين المعنى في أحد البيتين وبينه في الآخر بينونة في عقولنا وفرقاً عبّرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا: للمعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك"(1).

    يفهم من النص السابق أن المعنى الواحد يمكن أن يتلبس بصور شتى تتمايز بسبب مراتب صياغتها، ومن هنا تكون صور المعاني المختلفة هذه تفريعات من أصل واحد يتمثل في بنية معنوية تتبدى في الغرض، وتأخذ أشكالاً متنوعة متفاوتة في الفصاحة، وفق الصياغات المتنوعة" ولا يغرنك قول الناس: قد أتى بالمعنى بعينه وأخذ معنى كلامه فأداه على وجهه فإنه تسامح منهم، والمراد أنه أدى الغرض فأما أن يؤدي المعنى بعينه على الوجه الذي يكون عليه في كلام الأول، حتى لا تعقل ههنا إلاما عقلته هناك، وحتى يكون حالهما في نفسك حال الصورتين المشتبهتين في عينك كالسَّوارين والشنفين فهي غاية الإحالة وظنٌّ يفضي بصاحبه إلى جهالة عظيمة، وهي أن تكون الألفاظ مختلفة المعاني إذا فرقت، ومتفقتها، إذا جمعت وألف منها كلام".

    ومن هنا تنتفي من الغرض في أصله أي ميزة، بل لا يمكن أن يتصور إلا متلبساً بصياغة، بصورة تهبه خصوصية ما، وقد يعتمد أدنى هذه الصور المعنوية فصاحة أصلاً، خاصة إذا انتفى منها الخصائص الأسلوبية وصيغت في شكل لغوي مباشر لا تتجاوز الوظيفة فيه المستوى العادي من الكلام.(2)

    ______________________
    (1) عبد القاهر، الدلائل، 389.
    (2) نفس المصدر ، 201-202.


    فإذ تذوب عناصر الصياغة في سياق واحد منطبعة على أصل الغرض لتبرز في صورة منفردة،تكون بذلك عناصر المعنى واللفظ قد تم لها الالتحام في شكل موحَّد يكون أساس كل عملية نقدية، ذلك "أن سبيل الكلام سبيل التّصوير والصيّاغة وأن سبيل المعنى الذي يعبرعنه سبيل الشيء الذي يقع التّصوير والصّوغ فيه كالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم أو سوار، فكما أن محالاً إذا أنت أردت النظر في صوغ الخاتم، وفي جودة العمل ورداءته أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة أو الذهب الذي وقع فيه العمل وتلك الصنعة كذلك محال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في مجرد معناه".(1)

    صحيح أن اعتماد مصطلح الصورة ومقابلته المستمرة باصطلاحات الصياغة والصنعة يشي مبدئياً بالمستوى الفني الذي يسكب فيه المعنى، يدعمه مثل قول عبد القاهر:"وإنا لنراهم يقيسون الكلام في معنى المعارضة على الأعمال الصناعية كنسيج الدّيباج وصوغ الشنف والسوار وأنواع ما يصاغ وكل ماهو صنعة وعمل يد بعدأن يبلغ مبلغاً يقع التفاضل فيه ثم يعظم حتى يزيد فيه الصانع على الصانع زيادة يكون له بها صيت ويدخل في حد ما يعجز عنه الأكثرون".

    غير أن مقابلة الكلام بالأعمال الصناعية،" بعد أن يبلغ مبلغاً يقع التفاضل فيه "لا ينفي عن غيره الأدنى الوصف بالصورة، ومن هنا قد تلتبس الصورة في الفهم بالسبق دوماً أو على الأقل بالمستوى البلاغي للكلام، وهذا ليس مطلقاً؛ ذلك أنه إذا أدت المقارنة إلى الإقرار بترادف مفهوم الصورة مع المستوى البليغ من الكلام، فإنه في مواضع أخرى لا يعدو توظيفها التعريف بالنسج الذي تتضام عبره كلمات دالة على معنى ينتسب بدوره إلى غرض أصلي، يؤكد ذلك قوله: "إن أصل الفساد وسبب الآفة هو ذهابهم عن أن من شأن المعاني أن تختلف عليها الصور، وتحدث فيها خواصّ ومزايا من بعد أن لا تكون، فإنك ترى الشاعر قد عمد إلى معنى مبتذل فصنع منه ما يصنع الصانع الحاذق إذا هو أغرب في صنعة خاتم وعمل شنف وغيرهما من أصناف الحليّ".
    فإغراب الصنعة الحادث في المعنى المبتذل لا ينفي تلبسه بصورة في مستواه المبتذل ذلك أن "من شأن المعاني أن تختلف عليها الصور". ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن "مصطلح الصورة" مصطلح واسع غير مرادف دوماً للكلام البليغ، بل هو مفهوم مرن يمكن أن يستوعب ألواناً شتى من الكلام تتفاوت في الحسن، وترجع مزاياها إلى خصوصيات متنوعة، يصدق ـ مثلاً ـ على الكلام المفسر والتفسير، ذلك "أن قولهم: إن التفسير يجب أن يكون كالمفسر: دعوى لا تصح لهم إلا من بعد أن ينكروا الذي بيّنّاهُ من أن من شأن المعاني أن تختلف بها الصور"(2).
    ___________________

    (1) عبد القاهر، الدلائل، 196-197.
    (2) نفس المصدر ، 327-385.
    وهنا سأعرض بعض الفتات السريعة وبشكل عام لمن تكلم وخاض في هذا الجانب من الادباء والمهتمين في هذا الجانب ممن لم يكن لهم نصيب في الاجزاء الاولى من هذا العمل المتواضع
    أ‌- بشر ابن المعتمر:
    مما عرف وشاع عن بشرُ بن المعتمر بأن كتب صحيفة تعد من اصول الادب ،بحيث أنه تحدث فيها عن مدى تصوره للأدب واستعداد الأديب وأحوال المخاطبين ، والأصول التي يجب مراعاتها في كل ذلك ، وما يهمنا هنا ما عرضه بشرُ في صحيفته مما يدور حول اللفظ والمعنى وقد كان على النحو التالي :
    اللفظ والمعنى : فكل عين وغرة من الكلام "لفظ شريف ومعنى بديع " والتعقيد هو الذي " يستهلك معانيك ، ويشين الفاظك ، ومن أراد معنى كريم فل يلتمس له معنى كريم ، فأن من حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجّنهم.
    ومن هنا يتضح لنا بأن بشرُ يساوي بين اللفظ والمعنى ، ويحفظ لكل منهما حقه في وجوب العناية به ،والحكم على الاديب بالفنية بقدر ما يستطيع الاجادة فيهما معاً.
    ولا نجد في تلك العبارات ما يشعر بالغض من قيمة احدهما ، أو محاولة الانتصار له على حساب الاخر، أو القول بأن فنية الأديب تبدو في أحدهما دون الاخر، وهذه تعتبر النظرة المثلى الى الفن الأدبي ، وما يجب ان يتوفر في ركنيه من الجودة ووجوب الرعاية والاهتمام بكل منهما .
    أما قدامة بن جعفر فيرى بأن شرط اللفظ أن يكون سمحا سهل مخارج الحروف من مواضعها عليه رونق الفصاحة ، والخلوّ من البشاعة ، ونعت المعنى عنده أن يكون موجها للغرض المقصود غير عادل من الامر المطلوب .(2)
    وبشرُ في صحيفته يعرج على جانب "مطابقة الكلام لمقتضى الحال "
    بحيث يعتبر بشر من أوائل من تناول وخاض غمار هذا الجانب ، فلا عبرة عنده بشرف المعنى ،ولا بشرف اللفظ اذا لم يقعها موقعها ،ويقول في ذلك أن مدار الشرف على الصواب واحراز المنفعة ، مع موافقة الحال ،وما يجب لكل مقام من المقال ، وينبغي للمتكلم ان يعرف اقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين ،وبين أقدار الحالات، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاماً ، ولكل حالة من ذلك مقاما ،حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني ، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات ، وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات .
    ومن المعلوم أن هذه المطابقة هي علة التاثير وتحقيق غاية الادب ، ولا تتحقق تلك الغاية الا اذا كان الادب يستطيع أن يفهمه من يسمعه ليعيه، ويتدبره ويتأثر به ،ويشارك صاحبه فيما عبر عنه من عاطفة أو انفعال .(3)


    ____________________________________
    (1) بدوي طبانة ،دراسات في نقد الادب العربي من الجاهلي الى غاية القرن الثالث ،141.
    (2) نفس المصدر ،143.
    (3) نفس المصدر ، 144-145

    واخيرا يمكن ان نجمل ما جاء في صحيفة بشر بهذا القول "صحيفة بشر بن المعتمر قد حددت مجموعة من الأوصاف والشروط لكل من اللفظ والمعنى، يستحقان بها مرتبة الفصاحة والبلاغة. فلا يحسن الكلام حتى يكون قد جمع بين العذوبة والجزالة والسهولة والرصانة، مع السلاسة والنصاعة والفخامة والشرف، ولعل أهم ما جاء في هذه الصحيفة تلك الفكرة التي صارت فيما بعد حجر الزاوية في مفهوم البلاغة عند النقاد والبلاغيين، ونعني بها فكرة (مطابقة الكلام لمقتضى الحال)، فالعبرة عند (بشر بن المعتمر) ليست بشرف اللفظ ولا بشرف المعنى، وإنما مدار الشرف هو مراعاة المقام والموازنة بين أقدار المعاني وأقدار المستمعين "فتجعل لكل طبقة كلاما، ولكل حال مقاما، حتى تقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين على أقدار الحالات"(1)
    ما يستفاد من كلام (بشر بن المعتمر) و(أبي هلال العسكري) وغيرهما من البلاغيين في هذا الصدد، أن مطابقة الكلام لمقتضى الحال لا تتم إلا إذا وضع المتكلم أو الشاعر في حسبانه الموضوع أو الغرض الذي يتكلم فيه، بحيث يأتي كلامه متلائما معه مسايرا له، كما يضع في حسبانه المخاطب الذي يتوجه إليه بكلامه، فيكيف تعبيره اللغوي وفق الحال التي عليها هذا المخاطب، من علم بالموضوع أو جهل به أو إنكار له. ويمكن القول إن البلاغيين بمفهومهم السابق في رعاية المطابقة لمقتضى الحال قد أغفلوا مصدر الكلام نفسه، وهو المتكلم وما يمكن أن تضطرب به أعماقه "من مشاعر متباينة وأحاسيس معقدة تستحوذ عليه ولا يستطيع الإفلات منها، فيأتي كلامه تعبيرا عن ذاته، وتصويرا لمشاعره الكامنة في باطنه، والواقع أنه لا يمكن إغفال المتكلم أو التضحية به لحساب الموضوع أو المخاطب . (2)

    _______________
    (1) .العسكري ، الصناعتين .153-158.
    (2) انفس المصدر،159- 166.










    خاتمة


    إنه يمكننا الإقرار في ختام هذه الرحلة بأن وعي النقاد العرب القدماء بمشكلة اللفظ والمعنى، ووجوه التناول التي أفرزتها محاولات استقصائهم الموضوع، تتجاوز مجرد الانتصار لهذا الشق أو ذاك، إلى محاولة حصر منطقة التلاحم بين العنصرين؛ ذلك أن الوعي ظل في جوهره مشدوداً إلى أشكال التآلف التي يمكن أن تلحمهما، أو التفاعل دون أن يغيب عن البال اهتمام أولئك أيضاً بمختلف المعاني.. التي استخدم فيها المصطلحان، ولكن البحث إذ ضبط منطقة استقصاء واحدة هي علائق الطرفين، أزاح ما عداها إلا بالقدر الذي تمليه شروط القراءة. من هنا يمكننا الإقرار بأن أشكال العلائق التي تنتظم المعنى واللفظ في وعي النقد العربي القديم.. تقوم على مراهنات تبدأ من ضرورة تحقيق تطابقهما إلى مستوى أعمق تبلغ فيه الصلة بين الطرفين مرحلة التفاعل الذي يكاد يحيلهما كلاً واحداً، خاصة حين تمتد المعاينة لتعانق عبارة كاملة أو نصاً بالاستناد إلى مفاتيح متطورة مثل معاني النحو.
    وإذ نقر أيضاً بأن دعوى التآلف بين العنصرين أو تفاعلهما، إذ تبدأ من معاينة التجسد الفعلي لهذه الخاصية في مستوى إفرادي يلحم دالاً ومدلولاً، تنتهي إلى مسار معقد تتكامل فيه دوال عدة في بنية عبارة، أو تأتلف في فصول خطاب في بنية كلية، دون أن يغيب عن الرصد معاينة مستويات الخطاب المؤتلفة أو المتفاعلة دلالياً وتركيبياً وصوتياً، وإن تفاوتت عدسات الرؤية المعاينة للظاهرة بين ناقد وناقد واتجاه وآخر.
    فلقد قدر لمقاربة الجاحظ مشكلة اللفظ والمعنى، والنظم، أن تحوي أغلب البذور التي استثمرتها المحاولات التالية، إذ إن إلحاحه على ضرورة تحقيق تطابقهما.. ووعيه الحاد بلحمة عناصر النص في الخطاب الشعري خاصة وتشكلها في نسيج متماسك، بالإضافة إلى ما أرهص به في بحث نظم القرآن وحسن تأليفه وتركيبه من إلماحات، شكلت محاور الاستقصاء المتجدد مع كل دورة نقدية فاحصة للأشكال.
    وعلى الرغم أن من جاء بعد الجاحظ من النقاد يظل مديناً لإنجازه بالكثير، فإن تنوع ما طرح في البيئات الثقافية اللاحقة من قضايا، أملى شروطه على النقاد اللاحقين، فانطبع البحث في موضوع اللفظ والمعنى بخصوصية القضايا المطروحة، إذ ارتبط بأشكال الموازنة بين الشعراء وتداخل مع ثنائية الفصاحة والبلاغة، وشد إلى مقابلة الشعر بالنثر، ومع ذلك ظلت مباشرة النقاد القضية شاملة للطرفين، تقوم على مسلمة يقينية خلاصتها ضرورة تطابقهما وتآلفهما.
    ولقد ازداد مسار البحث خصوصية واقتراباً من وعي البناء المتميّز للخطاب الأدبي عامة مع الفلاسفة الإسلاميين.. إذ مع الإقرار بأن اهتمامهم بالشعر والخطابة.. لم تمله إلا مقتضيات إكمال البحث في المنطق، إلا أن تكييف النص الأدبي عموماً والشعري خصوصاً بمقتضى وظيفته التخييلية، انعكس في وعي عميق ببنيته اللغوية المتميزة التي تقوم على تلاحم بنية الدلالة مع الأصوات، في إطار من التأليف التركيبي المجسد في الهيئات التأليفية، من هنا كان التناول الشعري لمعاني الحكمة مشروطاً بإخراجها وفق خصوصية الصياغة النوعية للشعر، ومع ذلك لم يتولد من هذا الإنجاز النوعي في قراءة النص الشعري إيمان باستقلاله المعرفي التام.. إذ ظل كالحاشية على الحكمة، لذلك لم يكن لبنيته اللغوية المتميزة أن تفرز دلالتها المتفردة، أو أن تفسح المجال لألوان من التأويلات، وكأن القضية ظلت أسيرة ثنائية الحقيقة المصوغة شعراً.
    من هنا يمكننا الجزم بأن نظرية النظم كما وصلتنا في طورها الناضج عند عبد القاهر الجرجاني، تمثل محاولة عميقة عرفها التراث العربي الإسلامي، تجلو بمفاتيح متطورة إشكال اللفظ والمعنى والبنية العامة، إذ باعتمادها في تعليل الظاهرة على قاعدة تفاعل معاني النحو مع معاني الكلم، وضعت اليد على نبض دقيق وملموس يشخص الدقائق في تجسدها الفاعل، مدللة بذلك على أن تعليل وحدة المفهوم الناتج عن تفاعل الوحدات الدالة قابل لأن يؤسس.
    وعلى الرغم مما جوبهت به هذه النظرية من مآخذ كانحسارها في بنية العبارة الواحدة، وإغفالها مستوى البنية الصوتي.. إذ انحسر بحثها في حدود العبارة تركيبياً ودلالياً بالخصوص، فإن تنزيلها في إطارها التاريخي قد يشفع لكثير من تلك المآخذ. هذه المآخذ التي يمكن التقليل من أهميتها أيضاً عند الإشارة إلى منطلقات هذه النظرية وأسسها القائمة على وعي دقيق باللغة، انطلاقاً من استغلالها ثنائية اللغة والكلام، ومستويات الكلام، وكذا الفهم المتطور للصورة الشعرية المنزلة ضمن شمول النظم، وغير ذلك من العناصر الطريفة.
    ثم تفاعلت قواعد التخييل الفلسفية مع أسس النظم الجرجانية عند حازم القرطاجني في محاولة جادة اهتمت بالتنظير للشعر عموماً.. وأرّقها انتظام عناصر الخطاب خصوصاً، فكان تحسس مشكلات اللفظ والمعنى والأسلوب والنظم قواعد القرطاجني في مباشرة الظاهرة.. إذ أرّقه إنجاز عبد القاهر الكبير المعتمد على النحو، وجذبه الميل الفلسفي إلى "التخييل" الذي يبحث في الشعر ويلح على جدواه، فكان أن انقدح من تشابك المنظورين رأي طريف بحيث فتق وعي القرطاجني، مُولِّداً جديداً يضبط به صور التناسل المفرعة للمعاني وأشكال تناسبها، وكذا هيئات العبارات وأنماط تآلفها ثم ينتهي إلى قراءة تأويلية للنظم، إذ استحال بنية شاملة لقصيدة مؤتلفة من أغراض. وهكذا التحم النقد العربي القديم في مجرى انصهار أخير.. تفاعلت في بوتقته عناصر فكرية أفرزها النقاد وصقلها الفلاسفة وأرسى قواعدها مؤسس النظم، ثم شاء لها مجرى الأمور.. أن يؤلّف بينها القرطاجني في عصر لم يكن عنوانه إلا التفكك والانحلال.
    وإذا كان في التراث النقدي والبلاغي العربي الإسلامي من زخم الأفكار وتنوع المصطلحات ما يستدعي القراءة المتجددة والتأويل، فإن في حيوية المناهج الحديثة ما يكفل الكشف عن مناطق خفية في هذا التراث أو غامضة، أو يعيد تأويل ما استقر له معنى في الكتابات والقناعات.









    قائمة المصادر والمراجع
    _ القران الكريم .
    1- ابن رشيق:
    أ‌- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية، القاهرة، 1963- 1964م، ط3.
    ب - قراضة الذهب في نقد أشعار العرب، تحقيق الشاذلي بويحي، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1972م.
    2- ابن جعفر قدامة:
    - نقد الشعر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت.
    1- ابن طباطبا:
    - عيار الشعر، تحقيق طه الحاجري ومحمد زغلول سلام، المكتبة التجارية، القاهرة، 1956م.
    2- ابن عبد ربه:
    - العقد الفريد، تحقيق أحمد الزين وأحمد أمين وإبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403هـ- 1983م.
    3- ابن قتيبة (267هـ) :
    أ - الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، 1966م- 1967م، ط2.
    ب - عيون الأخبار، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1346هـ- 1928م، ط.
    4- الجاحظ:
    أ - البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1348هـ- 1961م.
    ب - رسائل الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون (دون نص)، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1964- 1965م.
    ج - كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1388هـ- 1969م، ط3.
    5- الجرجاني (عبد القاهر):
    أ - أسرار البلاغة، تحقيق هـ. ريتر، مطبعة وزارة المعارف، استانبول، 1954م.
    ب - دلائل الإعجاز، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1398هـ- 1978م.
    ج - الرسالة الشافية، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام، دار المعارف، القاهرة، 1387هـ- 1968م، ط2.
    6- العسكري (أبو هلال)(ت:395هـ):
    - الصناعتين، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1971م، ط2.
    - الصناعتين في الكتابة والشعر، تحقيق مفيد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى ، 1401هـ//1981م.
    7- المرتضى (الشريف علي بن الحسين):
    أ- أمالي المرتضى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتاب العربي، بيروت، 1387هـ- 1967م، ط2.
    ب - الشهاب في الشيب والشباب، مطبعة الجوائب قسطنطينية، 1302هـ، ط1.
    ج - طيف الخيال، تحقيق حسن كامل الصيرفي، عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1381هـ- 1962م، ط1.
    المرزوقي:
    - شرح ديوان الحماسة، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القسم الأول، القاهرة، 1371هـ- 1951م، ط1.
    صمود حمادي:
    - التفكير البلاغي عند العرب، أسسه وتطوره إلى القرن السادس، منشورات الجامعة التونسية، السلسلة السادسة، الفلسفة والآداب، مجلد عدد 21، تونس، 1981م.

    9- ضيف شوقي (1426هـ) :
    - البلاغة تطور وتاريخ، دار المعارف، القاهرة: 1965م، ط2.
    10- عباس إحسان:
    - تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، 1404هـ- 1983م، ط4.
    11 الكليات، أبو البقاء الكفوي ( أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني، ت.1094هـ) تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الأولى. 1412هـ/1992م. ص: 795.
    - القاموس المحيط، الفيروزابادي (محمد بن يعقوب، ت.817هـ) مؤسسة الرسالة، دار الريان للتراث، بيروت لبنان، الطبعة الثانية. 1407/1987م. مادة (لفظ): 902 .
    - لسان العرب ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم، ت.711هـ)، دار صادر بيروت. 1374هـ/1955م. مادة (عنا): 15/106.
    - التعريفات، الشريف الجرجاني الجرجاني (الشريف علي بن محمد، ت.816هـ) تحقيق جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى. 1403هـ/1983م. ص: 192.
    -


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية محمد عبد الله عروج
    تاريخ التسجيل
    06/01/2011
    العمر
    37
    المشاركات
    185
    معدل تقييم المستوى
    14

    Ajel رد: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

    سأحاول ارفاق الملف على برنامج الوورد ان شاء الله _مع العلم بأني حاولت ذلك الا ان الموقع اخبرني بأن الملف تجاوز الحد المسموح به ولذلك سأقوم يتقسيمه الى ملفات ان شاء الله في اقرب فرصه
    تحياتنا للجميع


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    19/08/2011
    المشاركات
    364
    معدل تقييم المستوى
    13

    افتراضي رد: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة


    وفقك الله و أعانك على ما أردت .




    التعديل الأخير تم بواسطة صوفيا عبد الله ; 31/03/2012 الساعة 03:57 PM

  4. #4
    عـضــو الصورة الرمزية محمد عبد الله عروج
    تاريخ التسجيل
    06/01/2011
    العمر
    37
    المشاركات
    185
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي رد: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

    الزميلة "صوفيا عبد الله "اشكرك على مشاركتك وحسن ردك والشكر موصول لتلك النصيحة التي ابديتيها لي ،وسأخذ بها ان شاء الله .
    ولكن هل من طريقة تمكن صاحب النص من عرضه على الجهات المختصد للإفادة من خبراتهم وتجاربهم الطويلة في هذا المظمار لعلنا نخرج العمل بصورة اجمل مما كان عليه قبل عرضه ،بحيث لا يتمكن المتطفلون من أخذه"سرقته "

    ونهاية الحديث _اسأل الله ا ن يرزقك ِالصحة والعافية وان يمتعكِ بهن _وان يشافيكِ من الاسقام والامراض _حيث اطلعت على بعض مشاركاتك وقرأت ما أشار الى وضعك الصحي

    زميلكم من ارض الرباط


  5. #5
    أديب وكاتب الصورة الرمزية سعيد نويضي
    تاريخ التسجيل
    09/05/2007
    العمر
    68
    المشاركات
    6,488
    معدل تقييم المستوى
    23

    افتراضي رد: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

    بسم الله الرحمن الرحيم...

    سلام الله على الأستاذ الباحث الفاضل محمد عبد الله عروج...

    لست مختصا و لا خبيرا في اللغة العربية و لكني في ظلها تنفست الحياة و من خلالها أدركت سرا من أسرار هذا الكون...ألا و هو يكفيها فخرا و شرفا أنها اللغة التي تكرم بها الحق جل و علا و خاطب بها الإنسان في آخر كتبه التي أرسلها إلى ذرية آدم حتى لا تكون حجة على الله بعد الرسل...و هذا ليس سرا لم تشربها و فقه معانيها...لكنه يظل سرا لمن لم يقرأها و لم يقف على معاني ألفاظها و لا الألفاظ التي تحمل من المعاني ما لم تحط به التراكيب و السياقات التي تعبر عن الحياة و الإنسان و الكون...و عن شبكة العلاقات التي تشبه الشبكة العنكبوتية فيما بين الألفاظ و المعاني و السياقات التي تجمعهما أو تفرقها...

    لا زلت لم أطلع عن البحث الذي قدمت للقراءة و لإبداء الرأي...

    و الحقيقة اثار انتباهي رغبتك في تنزيله من بين بحوث "واتا" التي أتمنى أن تفتح ورشة في هذا الاتجاه لتكون جامعة تقدم إضافات نوعية للباحثين في مجالات اللغة العربية و آدابها و غيرها من المجالات التي قد يتبناها بعض الأساتذة الدكاترة الكرام حتى تؤدي دورها الحضاري و العلمي و المعرفي في هذا المجال...كما هو شأنها في التثقيف و التنوير...

    البحث قابل للرفع من خلال الرابط التالي:

    http://www.wata.cc/up/view.php?file=186305a146

    تحيتي و تقديري...

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى }الأعلى9
    افتح هديّتك و أنت تصلّي على محمّد رسول الله
    http://www.ashefaa.com/islam/01.swf

    جزى الله الأخ الكريم خير الجزاء على هذا التذكير.
    اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

  6. #6
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    19/08/2011
    المشاركات
    364
    معدل تقييم المستوى
    13

    افتراضي رد: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

    لا صدقاً ، قد محوت مشاركتي بالتنبيه على ضرورة عدم كتابة البحث في موضوع عام كي لا يخرج من خلال محركات البحث لأنني أخطأت النصيحة و حيث ألتبس علي الأمر حينما ظننت أننا في منتدى يتم التسجيل فيه بالأسماء المستعارة و" واتا " ليست كذلك ،فمامن ضرر -إن شاء الله -إذا كانت المشاركة التي تحوي بحثك هي ذات الأقدم تاريخ في الشبكة ككل ،و قد وضعتها باسمك الصريح واستفتحتها ببيانتك الكاملة :

    إعداد الطالب :
    محمد عبد الله عروج
    إشراف الدكتور :
    جمال غيظان
    الفصل الثاني
    2011


    و إن كان من إجراء وقائي قد أضيفه ألا وهو إنشاء مدونة في مواقع ذات قواعد بيانات قوية ، ليتم إدراج الأعمال فيها قبل أي مساحة أخرى في الشبكة العنكبوتية ، فقط كي لا أكتم علماً والله أعلم .


  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية محمد عبد الله عروج
    تاريخ التسجيل
    06/01/2011
    العمر
    37
    المشاركات
    185
    معدل تقييم المستوى
    14

    Smile رد: ارجو التدقيق _وطرح اقتراحاتكم القيمة _حتى يخرج العمل بصورة مشرقة

    أخي وزميلي سعيد نويضي دعني اصدقك القول فان ممن يستحق منا ان نسير خلفك وبكل ثقة عمياء بل بمطلق الثقة _فإقتراحك بناء وعملي ومفيد لطبقة لا يسما المثقفة من ابناء الامة الاسلامية _واسأل الله ان تطرق نصيحتك ابواب احبابنا وقياداتنا في هذه القارة السابعة وعلى رأسهم الزميل عامر العظم

    أما الزميلة صوفيا _اكرر لك الشكر على حرصك واهتمامك _وأنا مع طرحك البناء فلا بد من الانسان ان يحفظ خط الرجعة "العودة" حتى لا يظل عن السبيل_فكلامك جيد ولا يخلو اي موقع من هذا الجانب السلبي _ولكن نسأل الله ان يكون لهذا المنتدى خصوصيته بين هذه المنتديات

    تحية عزة وإبااااااااااااااااء لكل حر وحرة
    دعائكم لنا في ظهر الغيب _ابو رتاج


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •