بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



اشكالية التسلح العراقي وأوهام القوة
شبكة البصرة

د. مثنى عبدالله

باحث سياسي عراقي

لن يحصر الهدف الا عقل راجح وبصيرة ثاقبة وايمان لايتزعزع بحق شرعي. ولن تطلق النار تلك الايادي المرتعشة مهما حازت على أسلحة متطورة.

نعم، نتمنى أن يعود العراق الى سابق عهده قوة عربية يتفاخر بها أشقاؤنا قبلنا، وقوة أقليمية يتجرع السم من كأسها كل من يحاول التطاول على العراق والأمة. لكن الامنيات في عالم السياسة مجرد هراء، لأن العقل يقرأ في أرض الواقع الحقائق العلمية المستندة الى أسس صلبة فقط. فهل أرتقى العراق الى مستوى دولة كي يذهب بعيدا باحثا في سوق السلاح عن موردين؟



وهل أفاقت السلطات فيه من غيها الطائفي ونهضت بالمواطن وبات قيمة عليا في مناهجها السياسية والاقتصادية والثقافية والامنية والخدمية، كي تسعى الى أمتلاك قوة الية قد تصبح مجرد قطع حديدية عندما لا تتوفر عزيمة الايمان وصلابة الانتماء؟ هذه الاسئلة وغيرها باتت في صلب تفكير المواطن العراقي قبل المراقب السياسي، وهو يرى هذا السباق المحموم على التسلح من قبل السلطة الحالية، في وقت تتدهور فيه كل بقايا الركائز الانسانية التي تتيح للمواطن العيش في أدنى الحدود الانسانية المتعارف عليها عالميا. فالبناء العلمي الصحيح يبدأ بتنمية الانسان وخلق أجواء وظروف محفزة، تساهم في أنطلاقة حالات الابداع الكامنة لديه، بعد أن يشع الاحساس بالكرامة الانسانية في ذاته والذات الجمعية للمجتمع ويتلمس بيديه حدود الوطن ومسؤولية المواطنة قبل حدود الطائفة والقبيلة، عندها فقط يصبح الايمان بالوجود المادي والمعنوي للوطن في نفسه قوة مضافة الى مايحمل من سلاح يدافع به عن وجود الوطن الذي هو وجوده. فما فائدة السلاح الامريكي والروسي والتشيكي والاوكراني والكندي في يد (جيش) لازال بلا عقيدة قتالية، ولايعرف من هو العدو الحقيقي الذي يجب أن يواجهه؟ وأين هي حدود الوطن التي يجب أن يصونها، في وقت تحظر القيادات الكردية عليه التحرك في حيزها الذي صادرته، ولا يسمح صاحب القرار السياسي في البلد له بالتحرك بأتجاه الحدود الشرقية مهما تغولت أيران وقصفت وسلبت؟



بل أين هي هذه المؤسسة من المفهوم الحقيقي للجيوش، بعد أن بناه المحتل وأعوانه من مجاميع ميليشياوية لمجرد أنهم محسومو الولاء، وتم نشره في الطرقات يمارس واجبات الشرطة في تفتيش المواطنين والعجلات، وينقضّ على الدور الآمنة في ساعات الليل المتأخرة كي يقتل ويعتقل بأمر السلطة السياسية؟ لقد بات الجيش كباقي المؤسسات الامنية الاخرى أداة بيد السلطة في الصراع السياسي، وأنحدرت فيه القيم العسكرية وأنتشر فيه الفساد المالي والادراي، وتراجعت مؤسساته الاكاديمية التي تخرج منها الكثير من قادة الجيوش العربية. فما فائدة التسليح الغربي والشرقي الذي هب المالكي للتوقيع على عقوده؟.

لقد بات من الواضح جدا أن الخوف قد سكن عقول القادة في العراق منذ أندلاع التطورات السياسية في تونس ومصر وليبيا واليمن، وكان رد الفعل على التظاهرات في العراق علامة بارزة على مدى الرعب الذي أنتابهم، على الرغم من أنهم في بداية الامر حاولوا أسقاط أحداث العام 1991 على ما حصل في تلك الاقطار، مدعين بأنهم هم أول من بدأ في ذلك، لكن وصول قيادات سياسية يختلفون معها مذهبيا جعلهم ينكفئون عن التأييد. ثم جاءت التطورات السورية بما لها من عوامل فاعلة على الوضع العراقي من ناحية القرب الجغرافي وتداخل النسيج الاجتماعي، لتصعق ساسة العراق الجديد الذين بدأوا يصرحون بأن المعركة القادمة ستكون على أسوار بغداد في حالة تغير النظام السياسي في سوريا. ليتبع ذلك التحرك السريع على كل الاماكن التي يسمونها حواضن الضد في العراق، فجرت أعتقالات واسعة شملت حتى من سبق أن أطلق سراحهم، كما تم نشر قطعات من الجيش على الحدود مع سوريا، وصدرت فتاوى تحرم بيع وشراء السلاح، وتم أستدعاء المالكي ومقتدى الصدر الى أيران، كي يكف الاخير عن الذهاب بعيدا في مساندة موقف الاكراد والعراقية من موضوع سحب الثقة. لكن كل هذه الاجراءات لم تنزع الخوف من عقول وقلوب قادة العراق الجديد، الذي بات لديهم من المؤكد أن سقوط النظام السياسي في سوريا، هو العامل الحاسم في أندفاعة جماهيرية عراقية تسقطهم لا محالة.



ولأن قراءتهم للموقف الامريكي كانت تشير الى أن براغماتية السياسة الامريكية خاصة في منطقة الشرق الاوسط، قادرة على التخلي عن أعز الحلفاء واقامة علاقات تحالفية أخرى مع من ينتصر في الصراع الداخلي، فإن الاتفاقية الامنية بالرغم مما نصت عليه بخصوص مسؤولية الجانب الامريكي في حماية النظام السياسي، وأتفاقية التعاون الاستراتيجي، لم تعودا هما ضمانة لكل خائف منهم، ولأن التسليح الامريكي يتطلب شروطا ومددا طويلة، فكان لابد من الاسراع في أيجاد الحلول للموقف، التي جاءت أولى بوادرها في البحث عن مصادر تسليح عاجلة، ولأن أي تسليح يتطلب التدريب، بينما الخطر على أسوار بغداد كما هم قالوا بذلك، فكان الحل هو الاستعانة ببعض ضباط الجيش العراقي السابق وأعادتهم الى الخدمة، كي يتحقق هدفان من هذه العملية.



أولهما هو أن هؤلاء الضباط سيكونون بعيدين تماما عن القيام بأي عمل ضد السلطات الحالية في حالة حصول أي تبعات أرتدادية على الوضع في العراق من الزلزال السوري بل انهم سيكونون في صفها بعد أن ذاقوا طوال السنوات الماضية الفقر والحرمان المادي والمعنوي بسبب أبعادهم عن الجيش. أما الهدف الثاني فهو أن هؤلاء الضباط كانوا يتعاملون مع السلاح الروسي والشرقي عموما بكفاءة عالية، مما يسقط عامل التدريب أو يقلّصه الى أدنى حد في حالة التعاقد مع روسيا والتشكيك. عندها أطمأن المالكي الى ذلك فذهب الى روسيا كي يوقع الصفقة بنفسه لأنه يعتقد أنها مصيرية للوضع القائم في العراق.



لكن السؤال المهم الاخر هو هل ذهب المالكي بقرار سياسي مستقل لعقد الصفقة مع روسيا؟ لايمكن لعاقل أن يتصور ذلك أطلاقا لأن العراق لازال تحت الفصل السابع الذي تتحكم به الولايات المتحدة الامريكية، كما أنه يرتبط بمعاهدة تعاون أمني واستراتيجي معها تفرض عليه مشاورتها وليس أستمزاج رأيها في هكذا خطوة، لأن أستمزاج الرأي يكون بين دولتين متكافئتين بينما الحالة في العراق تضعه في خانة التابع للولايات المتحدة الامريكية.



عليه فقد تمت استشارة الامريكان في ذلك وحصلت موافقتهم على عقد الصفقة، بل وكانت بتسهيل منهم لأنها تخدم السياسة الامريكية مع الروس في الوقت الحاضر. فهم يريدون تليين الموقف الروسي من موضوع سوريا، كما أنهم يرغبون في مكافأة روسيا بسبب موقفها في الغاء بعض عقود الصواريخ مع أيران، وكذلك أيقافها العمل باحد مشاريع الطاقة الذرية معها، كما يسعون الى طمأنتها بموضوع نشر منظومة الصواريخ والرادارات التابعة لحلف الاطلسي في تركيا.



لذلك كان الرد الامريكي على الصفقة باردا بالتصريحات الصادرة من القادة الامريكان، لكنه لم يكن ردا منهزما أطلاقا. أما هل أن الصفقة كانت بدفع من أيران، فإننا نعتقد بأن من مصلحة أيران الدفع باتجاه تعزيز القطبية الروسية كي توازي القطبية الامريكية في المنطقة والعالم، كي تستظل بظلها وتضمن تحقيق مصالحها والظهور بمظهر القوة الاقليمية بغطاء دولي.



لذلك هي تبحث عن حلفاء أخرين لديهم الاستعداد للحاق بالركب الروسي كي توسع من مدى القطبية الروسية وأيجاد مصالح لها في المنطقة، ومن الطبيعي أن تنصح أن لم تفرض على حلفائها التوجه أقتصاديا وعسكريا للجانب الروسي. وبما أنها هي الفاعل الرئيسي في الساحة العراقية اليوم، ولديها عوامل ضغط سياسي وديني واسع على الكتل والاحزاب والميليشيات، فإن صفقة التسليح مع روسيا لايمكن أن تكون خالية من بصمات صانع القرار الايراني.

القدس العربي




شبكة البصرة



الاحد 5 ذو الحجة 1433 / 21 تشرين الاول2012