إن بوادر صعود الاقتصاد الصيني بشكل تصاعدي، في أفق العشرين سنة القادمة، وارتباطه بتنامي سياسة حلف بريكس داخل مجلس الأمن ومواقع بأمريكا اللاتينية وآسيا و أفريقيا تبرره اللاتقاطعات في السياسة الدولية.مما يؤكد أن تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران غير وارد خدمته للأهداف المسطرة من مشروعها النووي، مادام الحل العسكري مستعصيا عسكريا فوق مكاتب استخبارات البنتاغون، وقد تأكد ذلك في مرحلة الحزب الجمهوري بالبيت الأبيض، إذ أن فرضية الدخول بالمشاة إلى إيران تظل أمرا مستبعدا، لأنه إن حدث سيعمل على استنزاف الاقتصاد الأمريكي المتأثر بخسائره المالية والبشرية في أفغانستان والعراق، فالشعب الأمريكي المثقل بأزمته الاقتصادية غير مستعد لتدخل حكومته في حرب جديدة مرحليا، لذلك إن الدخول في مجازفة ضد إيران ستبعثر أوراق الحزب الديمقراطي بعد الانتخابات الرئاسية المتوقع أن تمنح نتائجها ولاية ثانية لأوباما، وقد تضعف البيت الأبيض في مرحلة تجديد النصف بالكونجرس كورقة في الظل للحزب الجمهوري إن سيطر على أغلبية المقاعد داخله.
وفي السياق ذاته، إن تل أبيب رصدت الإشارات بوضوح جيد، لآن زيارة أفيدور لبرمان إلى أذربجان أقرب قاعدة عسكرية إلى الأهداف داخل إيران مهدت لاحتمال ضرب المكنون الرئيسي لمفاعلاتها النووية.غير أن استخبارات إيران' فافاك' اشتغلت على قراءات مضادة تتجاوز تهديد مضيق هرمز، و هي التي اشترت أسلحة بيولوجية ونووية وصاروخية متقدمة وجاهزة من بيونغ بيانغ ، وقد وصلت إلى طهران في سفن عبر البحر في غفلة من 'الموساد' ومكاتب 'سي أي إي' بالخليج.
إلى ذلك، إن التماهي في تقاطعات السياسات الدولية اتضح من خلال زيارة المستشارة الألمانية إلى بكين عقب تجديد الحديث عن الجزر المتنازع عليها بين طوكيو و موسكو. وفي السياق ذاته، إن عودة الحرب الباردة بسبب محاربة الإرهاب العالمي أعادت الصراعات إلى مربعها الأول حول المصالح والأحلاف والأسواق و أبحاث الفضاء، وهي أهداف استخبارية لكل الدول العظمى.
من جانب آخر، حاول العرب التاثير في سياسات من خلال مبادرات اتضح أنها كانت أولوية لدى العواصم العربية، غير أن تثبيت برنامج الربيع العربي أضعف هذه العواصم، وأظهر صعود الدوحة على المستوى الإقليمي نحو بعد جيوسياسي دولي.
وفي موضوع ذي صلة، إن اقتراب خروج الخبراء الروس من سوريا ، في حال سقوط نظام بشار الأسد المتورط في جرائم ضد الانساتية، قد تدفع بموسكو للبحث عن مواقع جديدة غير أن مساحة التحرك لديها ضيقة لأن حضور برلين قوي في العالم العربي، مناورات موسكو الجديدة قد تشمل منطقة الصحراء الكبرى والساحل وملف الصحراء الغربية فحضورها متجدر في الجزائر، غير أن دفوعات الملف المغربي تلقى دعما من باريس وواشنطن، واتفاقية التعاون العسكري المبرمة مؤخرا بين الرباط وموسكو ستعمل على تجميد حركة الجزائر دوليا، مما يجعل الاليزيه متضايق من حضور حلف بريكس داخل أفريقيا رغم انحصاره في محور الجزائر و والخرطوم و كبتاون، الشيء الذي يكرس وضع فرنسا كمراقب أساسي بالمنطقة. القاهرة بدورها كذلك، وهي المرتبكة بأزمتها الداخلية، والمتضايقة من علاقات إسرائيل بدول حوض النيل وجنوب السودان تحديدا.
إلى ذلك، إن خلطا لأوراق السياسة الدولية باستمرار، يجعل إعادة ترتيبها من مبادرات واشنطن وحلف بريكس والاتحاد الأوروبي ، وفي ذلك يتنافس الكبار.
نزار القريشي
باحث في العلوم السياسية
المفضلات