الإعلام ودوره في نهضة الأمة
أبو أيهم النجار - فلسطين
لم يعد خافياً على أحد اليوم، مدى تعاظم تأثير الإعلام على الناس في كافة ميادين وشؤون الحياة حتى قيل، وهو قول صحيح، إن تأثير الإعلام بات أقوى من أية ترسانة عسكرية تمتلكها أية دولة في العالم، لما للإعلام من أثر بارز وتوجيه واضح ونفوذ واسع على طراز العيش لدى شعب من الشعوب أو أمة من الأمم. فالضربات والهجمات العسكرية تؤدي إلى قتل ناس وإلحاق دمار بالممتلكات، في حين أن أمواج الإعلام المتدفقة عبر وسائلها الكثيرة وأساليبها العديدة كفيلة بتغيير مسار أمة عن طريق عيشها التي تسير فيه، أو على الأقل حرفها عن ذلك النمط من العيش الذي كان مبنياً وفقاً لما تحمله من أفكار ومفاهيم، وذلك لأن الهجمات العسكرية لا تعدو كونها أعمالاً مادية بحتة تقتل وتدمر، ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى مجاريها الأصلية لمجرد انتهاء العمل العسكري، في حين العمل الإعلامي الممنهج ينتج عنه إعادة صياغة عقول وتحديد سلوكيات لدى الأفراد في المجتمعات. ولهذا ليس مستغرباً بأن تقوم الدول بتوظيف قوتها الإعلامية قبل قيامها بعمل عسكري ضد دولة أخرى، وكذلك أثناء قيامها بالعمل العسكري وبعده. وصدق القائل:
فإن النار بالعودين تذكى وان الحرب مبدؤها كلام.
إن الإعلام وأهميته ليس بالأمر الحديث أو المستجد، بل دور الإعلام كان بارزاً وظاهراً منذ القدم، وهو إن تنوعت أساليبه ووسائله، وتطورت من عصر إلى آخر بعده، إلا أنه يعد الطريق الرئيس في نقل الأخبار، وبث المعلومات، وعرض الحقائق من قبل جهة معينة إلى جهة أخرى وفق سياسة ممنهجة، بقصد تحقيق أهداف وغايات مرسومة ومخططة بناء على وجهة النظر التي تحملها الجهة التي يتبع لها الإعلام، أو بناء على ما تمليه تلك الجهة على الإعلامي المتصل بالجمهور أن يسير فيه أثناء تأديته لوظيفته الإعلامية. ففي الجاهلية مثلاً، كان الدور الإعلامي بارزاً من خلال استعانة القبيلة بالشعراء والأدباء كناطقين إعلاميين من أجل تسخين الأجواء وشحذ الهمم ورفع المعنويات القتالية عند الفارس إذا أرادت القبيلة حرباً مع قبيلة أخرى، وإذا قررت القبيلة نزع فتيل تلك الحرب وإحلال حالة السلم مكانها، فما على الشاعر إلا أن ينظم قصيدة شعرية جديدة تنهي حالة الاحتقان وسخونة القتال لدى فوارس القبيلة. ففي حال الحرب كانت قصيدة الشاعر بمثابة جبهة إعلامية تثير الرأي العام عند رجال القبيلة نحو الحرب، وفي حالة السلم فان قصيدة أخرى كانت بمثابة صمام إعلامي لأطفاء جذوة الحرب وإخماد نارها.
وبعد أن جاءت رسالة الإسلام بأفكارها ومفاهيمها وآرائها وأحكامها العظيمة، من أجل إنهاض البشرية النهضة الصحيحة، بعد قرون الانحطاط والانخفاض الطويلة، اعتنى الإسلام أيما اعتناء بالإعلام من أول أيامه، حيث كانت أهمية الإعلام بارزة، وكان دوره واضحاً في أعمال دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة من أجل إنهاض الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. فمنذ أن شرع الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى الإسلام، كانت معالم وملامح العمل الإعلامي واضحة، وكان دور الإعلام حاضراً في عملية النهضة وإحداث التغيير على أساس الدين الجديد الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، ولا أدل على ذلك مما أخرجه أحمد عن ابن عباس قال: «لما أنزل الله عز وجل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ  قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه، ثم نادى: ياً صباحاه، فاجتمع الناس اليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يابني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ...». فهذا الأسلوب الندائي الذي استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم استطاع من خلاله لفت أنظار الناس إليه، ومن ثم حضورهم ليصغوا إلى خطابه الذي يريد أن يلقيه عليهم بهدف توصيلهم ما تحمل رسالته من أخبار صادقة وحقائق ثابتة ومفاهيم ناهضة. فأسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم ومحتوى خطابه، وما كان يهدف إليه أثناء اتصاله بالجمهور، كلها تبين كيف يجب أن ترسم السياسة الإعلامية عندنا لتؤدي دورها في خدمة الأمة والعمل على إنهاضها إن لم تكن ناهضة، والحفاظ على استمرارية وديمومة تلك النهضة إن كانت الأمة تسير وفقاً لمبدئهاً في طريقة عيشها ونمط حياتها.
إن الإعلام بوصفه مصطلحاً من المصطلحات المعمول بها اليوم في العالم عامة وفي بلدان المسلمين بخاصة، لا بد له من مرتكزات يرتكز عليها، هذه المرتكزات هي بمثابة أركان وشروط ثابتة لا تتغير ولا تتبدل في رسم النهج الإعلامي وتحديد معالم وملامح السياسة الإعلامية أثناء قيام العاملين في حقل الإعلام بتأدية رسالتهم الإعلامية، من أجل صبغ المتلقي للرسالة الإعلامية بوجهة النظر التي ينتمي إليها الإعلام وما تحويه من أفكار ومفاهيم وأحكام وآراء. وبما أن الحديث هو عن دور الإعلام القائم في بلاد المسلمين في نهضة الأمة الإسلامية، كان حتماً أن تنحصر هذه المرتكزات في القرآن الكريم، والسنة النبوية، والعقيدة الإسلامية، واللغة العربية. فهذة المرتكزات الأربعة وحدها تجعل الإعلام في بلاد المسلمين صادقاً أميناً عاملاً في الأمة من أجل نهضتها. وما عدا ذلك يمكن وصف الإعلام بأنه خادع مضلل متآمر على الأمة ونهضتها إن هو ارتكز إلى غير هذه المرتكزات أو أشرك معها أموراً ومعايير وأركاناً لا تمت إلى الإسلام بصلة، وإن كان الإعلام لا يرتكز أصلاً على معايير محددة ولم يتأسس وفقاً لمرتكزات إعلامية صحيحة وواضحة، فان مصيره يكون الفشل، وسرعان ما يتلاشى وينتهي لعدم متابعة الناس له واهتمامهم بالتلقي عنه.
أما القرآن الكريم، الذي هو المصدر الأول من مصادر التشريع عند المسلمين، فيعتبر الركيزة الأولى في رسم السياسة الإعلامية وتشكيل ملامحها ومعالمها وتأسيس قواعدها. فعلى أساس آيات ونصوص القرآن الكريم يجب أن يسير الإعلامي وهو يحمل رسالته الإعلامية ويتصل بالجمهور بهدف تشكيل وجهة النظر عند المسلمين على أساس الإسلام من خلال بثه للأفكار والمفاهيم الصادقة والأخبار الصحيحة والأحكام والآراء المسيرة لسلوكيات الناس، والتي على أساسها تتولد حركة النهضة الصحيحة في الأمة. فهذه الأفكار والمفاهيم والأحكام والآراء المستمدة من آي الذكر الحكيم والقائمة على أساسها، يشترك الطاقم الإعلامي بجميع عامليه في توصيلها للجمهور عبر وسائله المتعددة ومن خلال أساليبه المتنوعة في إيجاد الرأي العام عند أبناء الأمة، الذي ينتج عنه وعي عام قائم على أساس العمل لنهضتهم. فالقرآن الكريم، هو الكتاب القطعي الذي نقل لنا أنباء السابقين وأخبار اللاحقين، فهو الكتاب الذي قال عنه الامام علي رضي الله عنه: «كتاب الله: فيه نبأ مَنْ قبلكمْ، وخبر من بعدكمْ، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته حتى قالوا: فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ  ، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، من حكم به عدل، من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم». فالإعلام الذي يتخذ من القرآن الكريم ركيزة له، حتماً سيجعل الذين يتصل بهم يسيرون على هدى ونور ووفق خطوات ثابتة، وينتقل بهم من درجة إلى أخرى ومن مستوى إلى آخر أعلى منه حتى يستوي بهم عند مستوى النهضة المطلوبة.
أما السنة النبوية، فإنها لا تقل أهمية عن القرآن الكريم في كونها يجب أن تكون مرتكزاً أساسياً من مرتكزات العمل الإعلامي الهادف إلى تحقيق النهضة المنشودة في الأمة الإسلامية، كيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا : «أوتيت القرآن ومثله معه». فأهمية السنة النبوية كمرتكز إعلامي تكمن في كونها جاءت مفسرة ومبينة لآيات ونصوص القرآن الكريم، ثم إن السنة النبوية إلى جانب ذلك جاءت وأضافت أحكاماً شرعية لم تشتمل عليها آيات القرآن الكريم لتسهم بشكل كبير في تحديد سلوكيات ومنهج الرسالة الإعلامية التي تلقى على المستمعين أفراداً كانوا أو جماعات أو مجتمعات. فقد ذكر صاحب كتاب «الإعلام في صدر الإسلام» مبيناً دور السنة في تصميم الفلسفة الإعلامية في بلاد المسلمين، فقال: «وإذا كان القرآن الكريم يسهم في تكوين فلسفة إعلامية تشكل اتجاهات الرأي العام على النحو الذي ذكرنا باعتباره دستور المسلمين، نظراً لما يختص به من مميزات يعجز أي عامل آخر أن يصل إلى مرتبته، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تأتي في المرتبة الثانية للقرآن الكريم وتؤدي دوراً مكملاً لدوره». فإذا أضفنا إلى هذا، أن السنة النبوية انتسبت إلى حامل رسالة النهضة الصحيحة، إلى محمد صلى الله عليه وسلم القدوة الذي اجتمعت فيه كل مقومات الرجل القائم بعملية الاتصال بالناس وهو يدعو إلى الإسلام من أجل إنهاض البشرية جمعاء، يتبين لنا مدى اقتداء الإعلامي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ما يقوم به من نقل للأخبار وإلقاء للمعلومات وبث للأفكار والمفاهيم والأحكام والآراء وغيرها من البرامج الإعلامية الهادفة والتي تصب في نهضة المسلمين، خاصة وأنه يملك من الأساليب والوسائل ما يمكنه من تسريع عجلة النهضة.
أما بالنسبة للعقيدة الإسلامية، كواحدة من مرتكزات العمل الإعلامي عند المسلمين، فان أهميتها الإعلامية تكمن في كونها هي القيادة الفكرية التي على أساسها ينطلق الإنسان في الحياة. فهي التي تشكل القاعدة الأساسية في حياة الفرد والمجتمع والدولة، وهي التي ترد على أسئلة التائه الحيران عن الكون والإنسان والحياة، فتجيبه إجابة مقنعة لعقله موافقة لفطرته، تجعله يسير في حياته مطمئناً ساكناً عندما يقوم الإعلامي بإيصال وإلقاء الحقائق الفكرية الصادقة والمفاهيم الصحيحة القاطعة التي انحصرت بها عقيدة الإسلام وحدها في حل العقدة الكبرى لدى هذا التائه المتخبط في ظلمات العقائد التي ألفتها العقول البشرية العاجزة المحدودة. فيقوم المتصل بتسخير ما لديه من طاقات وإمكانيات إعلامية في بيان أن هذا الكون والإنسان والحياة مخلوقة لله وحده لا شريك له، وأنه سبحانه خلقها من العدم، وهي تسير وفق نظام معلوم ولزمن معلوم حتى أجل معلوم، ثم تنتقل بعدها إلى البعث والحساب. فالمسيرة الإعلامية الصادقة المخلصة هي المسيرة الإعلامية التي لا يمكن لها أن تنبس ببنت شفة.. عن حقيقة الكون والانسان والحياة، وعلاقتها بما قبلها وما بعدها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً من أساساتها وركيزة من ركائزها.
أما اللغة العربية، المرتكز الرابع والأخير من مرتكزات الإعلام الناهض، فإننا في الحقيقة نتكلم عن الوعاء الذي لا يمكن للمرتكزات الثلاثة الآنفة الذكر أن تفسر وتوضح وتفهم على حقيقتها إلا به. فآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية وكل ما يتعلق بالحديث عن الغيبيات المتعلقة بالعقيدة الإسلامية، كلها تحتم لزوم أن يكون مخزون اللغة العربية جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم والسنة النبوية والعقيدة الإسلامية أثناء العمل الإعلامي، من أجل إيجاد الفهم الصحيح عن الإسلام وطريقته في التغيير وإحداث النهضة الصحيحة في الفرد والمجتمع والدولة. لذلك يتعين على الذي يقوم بعرض الرسالة الإعلامية أن يجعل اللغة العربية المنهل الأساس الذي ينهل منه مفراداته ومعانيه، وهو يقوم بتكوين عباراته ونسج تراكيبه الإعلامية. وكذلك الأمر عندما يقوم بطبع تلك المفردات والمعاني وهو يعمل على إعداد ونشر دعاياته وإعلاناته. فهذه المفردات وما لها من معانٍ والتي يسوقها الإعلامي وهو يلقي نشرة إخبارية أو يطرح أفكاراً معينة أو يعرض برنامجاً وثائقياً، يجب أن تستمد من اللغة العربية وعلى أساسها، وذلك لأنها مفردات اللغة التي وضعها العرب ووضعوا مدلولاتها ومعانيها، علاوة على أنها هي اللغة التي جاءت بها رسالة الإسلام العظيم. فلا يتأتى للإعلامي وهو يعمل في سلك الإعلام أن يستعمل مفردة أو مصطلحاً معيناً من مفردات ومصطلحات اللغة العربية بغير المعنى الذي وضعه العرب له وعلى غير الوجه الذي استعملوه فيه، فالمسألة بالنسبة له هي مسألة نقل للمفردات ومعانيها عن واضعها الأصلي، وهم العرب، لا أكثر ولا اقل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اللغة العربية فيها إمكانية التعريب والاشتقاق والمجاز التي يجب أيضاً أن تتفق مع المعايير الموضوعة لها أثناء القيام بعملية اشتقاق أو تعريب أو إيجاز.
هذه هي مرتكزات السياسة الإعلامية الصحيحة، التي يجب أن يبنى ويسير عليها أي إعلام في بلاد المسلمين يهدف إلى إنهاض الأمة الإسلامية، واعادتها أمة كريمة عزيزة رائدة الأمم والشعوب. هذه المرتكزات تشكل مع بعضها البعض التحاماً بين الطاقة العربية المتمثلة في اللغة العربية والطاقة الإسلامية المتمثلة في الإسلام بعقيدته السياسة والروحية وتشريعاته المنظمة للحياة، هذا الالتحام ينتج عنه طاقة إعلامية هادرة جبارة مدوية في كافة الميادين، الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشكل مع بعضها نهضة الأمة.
إن الأمة الإسلامية التي تتوق إلى نهضتها الصحيحة المستندة إلى مبدئها، وتعيش اليوم إحدى زمجراتها في ثوراتها ضد الحكام الظلمة، وضد الاستبداد والفساد، تفتقر في الحقيقة إلى سياسة إعلامية متميزة، رسمية أو غير رسمية، ترتكز إلى المرتكزات الإعلامية الآنفة الذكر، التي تجعل منه إعلاماً عالمياً شمولياً يتصف بعالمية الأمة وشموليتها، اللهم إلا النذر اليسير من العمل الإعلامي المقتصر على أساليب ووسائل تكاد لا تتجاوز عدد أصابع اليد. هذا العمل الإعلامي المحصور اليوم في فئة من شباب الأمة الذين أخذوا على عاتقهم عمل كل ما بوسعهم عمله في اختراق حصون الحرب الإعلامية المعلنة على مشروع نهضة الأمة الإسلامية. هذه الحرب التي يرسم خططها ويوجهها ويديرها تلك الدول المعادية للإسلام ومشروعه الحضاري النهضوي، وذلك من خلال إعلامه سواء الرسمي منه أو غير الرسمي، ثم ان هذه الحرب تنفذ في بلاد المسلمين عبر الإعلاميات الرسمية التي أنشأتها الأنظمة القائمة في بلاد العرب والمسلمين، وكذلك الإعلام الذي في ظاهره غير رسمي لكنه يسير في عمله الإعلامي وفقاً للقوانين والمعايير الإعلامية التي وضعتها لها تلك الأنظمة أو الجهات التي تتحكم بأعمال الترخيص والرقابة على الإعلام لدى تلك الدول.
فالحديث عن الإعلام القائم في جميع بلاد المسلمين اليوم، وكل ما يستخدمه من وسائل وأساليب أثناء ممارسته للعمل الإعلامي وتقديمه للمادة الإعلامية، يعني باختصار شديد أنه سلطة رابعة بيد الحاكم ونظامه وأزلامه، مهيمن عليه من الداخل والخارج، موظف لخدمة الرئيس وحاشيته ونظامه وأسيادهم. فهو بشكل عام إعلام شعاراته مخادعة مضللة، لا يهتم بشؤون الأمة ولا يرعى مصالحها، لا يأتي على ما يهم الأمة من أخبار وأعمال نهضوية عظيمة جبارة، بل يكتم تلك الأعمال ويعتم عليها وإن اضطر لعرض بعضها بسبب ضخامتها أتى بها مبتورة وممزوجة بالتلويث والتضليل والتحريف. كل ذلك لأن سياسته الإعلامية مصممة لتخدم كل ما من شأنه إبعاد الأمة عن الاستضاءة بنور العمل النهضوي القائم على أساس الإسلام عقيدة ومنهجاً.
لهذا فإن وجود إعلام متميز، مستغل لجميع الوسائل والأساليب الإعلامية الموجودة والتي يمكن أن توجد بعد، ومسخر لتلك الطاقات الإعلامية الهائلة الموجودة في أبناء الأمة، يحمل قضايا الأمة كلها، وملتزم بهمومها، ويعمل على إنهاضها، بل ويحافظ على نهضتها واستمرارها، إن وجود مثل هذا الإعلام، لا يمكن أن نراه دون أن يكون للأمة كيان سياسي من جنسها، يتبنى سياساته الإعلامية ويضع قواعدها وأسسها وضوابطها وفقاً للقرآن الكريم والسنة النبوية والعقيدة الإسلامية واللغة العربية. عندها يكون ذلك الإعلام مسهماً إسهاماً رئيسياً في تحقيق أهداف الدولة الإسلامية، والتي منها ديمومة نشر الوعي والرقي الفكري والثقافي، القائم على أساس مبدأ الإسلام بين رعايا الدولة الإسلامية، مسلمين وغير مسلمين، أثناء قيام الدولة برعاية شؤون ومصالح الناس بتطبيق الإسلام عليهم داخلياً، وكذلك يسهم ذلك الإعلام في تهيئة الأجواء خارج ثغور الدولة الإسلامية، أثناء قيامها بمسؤولية حمل الدعوة الإسلامية، ونشرها إلى شعوب العالم أجمع بالحجة والبرهان والدعوة والجهاد.