اتجاهات القصة التونسية القصيرة

يهدف هذا الكتاب, كما يقول المؤلفان المصري" حسنى سيد لبيب" والتونسى" رشيد الذوادى, إلى التعريف بالقصة التونسية القصيرة تاريخا وأجيالا, إضافة إلى تقديم نماذج مختارة, وإخضاعها للنظرية النقدية..
يقول الروائي محمد جبريل في تقديمه لهذا الكتاب:"... والحق أن ثقافة الكاتبين لا تقتصر على الفن القصصي. فما أصدراه من مؤلفات يشي بثقافتهما الواسعة, ليس في الأدب المحلى لبلد كل منهما ولا في الأدب العربي بعامة, وإنما في الأدب العالمي, والثقافة العالمية جميعًا..".
ويقول:" اختار الذوادى أن يكتب عن تاريخ القصة القصيرة التونسية, أجيالها وأبرز أعلامها. أما حسنى سيد فقد عني بالدراسات النقدية لمجموعات من أحدث معطيات الإبداع التونسي. وذيل المؤلفان كتابهما بملحقين: أولهما: ثماني قصص تونسية, والثاني: قائمة برموز القصة القصيرة في تونس"
عن بواكير القصة التونسية يذكر الكتاب أن مرحلة التأسيس(1905- 1930) بدأت بظهور أول قصة تونسية كتبها بالفرنسية حسن حسنى عبد الوهاب عنوانها( السهرة الأخيرة في غرناطة) ثم كانت محاولات صالح السويسى ومحمد مناشو ومحمد الفاضل بن عاشور.
أما القصة الفنية بمعناها التقني فقد بدأت مع علي الدوعاجي, ثم بدأت القصة التونسية في الازدهار منذ عام 1932 بظهور محمد العروسى المطوى, والبشير بن سلامة, ورشاد الحمزاوى, وعز الدين المدنى, وفرج الشاذلى, هذا العدد القليل الذي زاد بعد الاستقلال زيادة مطردة فقد أصبحت كتابة القصة من التقاليد التونسية, وأصبح, أيضًا, من الصعب تقسيم كتاب القصة في تونس حسب المدارس المعروفة أو الاتجاهات, ولكن يمكن أن نشير إلى أهم كتابها, خصوصًا أولئك الذين نشروا قصصهم في مجلات تونسية كبرى مثل:" الندوة" و"الفكر" و"التجديد", وفي ملاحق (العمل) و(الصباح الأدبي), و(الحرية) فهناك محمد منصور, وناحية ثامر, وبنت البحر, وعروسية النالونى, وعمر بن سالم, والطاهر قيقة, ومحسن بن ضياف, وأحمد ممو, وعبد العزيز فاخت, ومحمود طرشونة, ومحمد باردى, وصالح الدمس.... وغيرهم .
ويرى الكتاب أن القصة التونسية, مشهد مكاشفة... ففيها نتعرف على الحياة الشعبية, ونقف عند أبطالها والغرباء عنها, وفيها نرى عيون الصدق, وعواطف الإنسان, وإفراغ الشحنة, وتصوير الأشخاص خُلُقيا وخِلْيقا. وفيها نميط اللثام عن المغمورين والمنسيين وفيها نرى القضايا التي تتآكل وتأكل, وتنذر بالثبور, وتشير إلى شيخوخة المجتمع.. وإلى الحياة المقفرة, وفي الغوص فيما يفقد الإنسان سروره ولقد أحسن صنعا كل من صالح القرمادى والبشير بن سلامة ومحمد الهادي العامرى ورضوان الكوني بتقديم العديد من الخصائص والمميزات عن(القصة في تونس) سواء من حيث القالب والأسلوب, أو من حيث وصف الانفعالات والمنولوج الداخلي والأشكال والأدوات الفنية.
ومن أعلام القصة في تونس نتوقف عند اسم الرائد على الدوعاجى(1909- 1949) الذي تمكن من الاطلاع على مجموعة من دواوين شعراء فرنسا, ومن دراسة أدب المهجر, والرابطة القلمية, وجماعة أبوللو... وتمكن بعد مشوار طويل من حذق أساليب التعبير المختلفة مما أهله ليكون( أبو القصة التونسية) كتب عن المتعبين والضعفاء في كل آثاره, وخلص القصة من السرد الجاف والوعظ, نشر:" جولة في حانات البحر المتوسط" و" سهرت منه الليالي".
وهناك أيضًا اسم" جلول عزونة" وهو كاتب نشيط يرحل بك عبر البيئة التونسية وعبر أحلام جيل الاستقلال وطموحاته, كتب المقالة النقدية والقصة القصيرة, مثل منهجا جديدا مع بعض مجايليه, وأضاف بإشاراته وتلميحاته ولمساته الفكرية هذه الغزارة الواعية التي أثبتت هذا التحول الكبير في تاريخ القصة التونسية. ومن مميزاته استغلال الخرافات والأساطير في قصصه, يجنح إلى الرمز أحيانا نشر قصص" مر فأفي الطريق", و "وقد يسأل الفرهود سؤالا واحدًا في اليوم".
في الباب الثالث من الكتاب" دراسات نصية لمجموعات قصصية" نقرأ دراسات عن مجموعات لمحمد العروسي المطوي, ونعيمة الصيد, وريم العيساوى.
والمطوي كتب قصته( ومن الضحايا) بطريقة مباشرة, شارحًا مفسرًا للدوافع والنزعات, مؤمنا بأن أقصر طريق إلى قلب القارئ هو الوضوح وإيصال الحقيقة, وإذا قلنا أنها تعكس الجانب السلبي في المجتمع التونسي فإن رواية" حليمة" تعكس الجانب الإيجابي واليقظة الوطنية التي رأت في مواجهة المستعمر وتحديه سبيلا لنيل الحرية والاستقلال, وإن لم تسلم من القول المباشر والسرد الإنشائي.
أما في رواية" التوت المر" فقد صور القرية التي تنبذ أعوان الاستعمار ويبرز أخلاق القرية وترابط أهلها وتآزرهم مع التركيز على عادة تدخين ( التكرورى) وأضرارها, وشخصيات المطوي, تنزع إلى الطيبة والتعاطف والتراحم, فالخير سمة أصيلة من سمات عالمه الروائي.
وهناك أيضًا نعيمة الصيد التي لا ترى في قصصها سوى علاقة الرجل بالمرأة وتصريح الأنثى بعشقها للرجل الذي يدل على ثورة ضد الزيف والرياء.
أما الكاتبة ريم العيساوى فتنتمي إلى دينا البسطاء وتتعاطف مع قضاياهم وتكتب بأسلوب شاعري يشد القارئ, وقد تميل إلى دنيا الطير والحيوان تستلهم منها الرمز والإيحاء كما في مجموعتها القصصية " لماذا تموت العصافير" التي صدرت عام 1988, والتي يتناولها الكتاب بالنقد والتحليل.
أما الباب الرابع فيقوم على دراسات نصية لنماذج مختارة, فيجعل الفصل الأول عن شخصية جحا في القصة التونسية فكتب البشير بن سلامة قصة( صفارة جحا) وكتبت نافلة ذهب( جحا.. آه يا جحا) التي تحمل نقدا ذكيًّا لحكايات شهر زاد.
ويتناول في الفصل الثاني قصة على الدوعاجى" سهرت منه الليالي" وهي ضمن مجموعة قصص الدوعاجى التي قام عز الدين المدني بجمعها في كتاب عام 1969م بمقدمة ضافية واختار للكتاب عنوان قصة (سهرت منه الليالي).
ثم يتناول قصة حسن نصر( الآن تبدل صوتك) في الفصل الثالث وهي ذات أسلوب سلس يدل على وضوح الفكرة.
أما الفصل الأخير فيضع له عنوان ( الثوب الرمزي والحكاية الرومانسية في القصة التونسية) وفيه يتناول قصة محمد العروسي المطوي( أين ثوبي) كنموذج للقصة الرمزية, وقصة ( الطفلة انتحرت) لبنت البحر كنموذج للتيار الرومانسي.

ولا ينتهي الكتاب عند هذا الحد بل يقدم ملاحق بعد ذلك..
* الملحق الأول: نقرأ فيه القصص التي تحدث عنها الكتاب تقريبًا وهي 8 قصص وهي على التوالي: سهرت منه الليالي, وأين ثوبي, وصفارة جحا, وجحا..آه يا جحا, والآن تبدل صوتك, وغربة, وموت ذبابة في الحي الشعبي, وحكاية ذات مساء.
* والملحق الثاني: يتناول سيرة مختصرة لست وسبعين شخصية من كتاب القصة القصيرة في تونس مثل مكان الميلاد وتاريخه, والإصدارات.
ولا شك أن في هذا الكتاب جهد محمود للمؤلفين للتعريف برافد أدبي مهم في الأدب العربي وهو الأدب التونسي عامة والقصة القصيرة التونسية خاصة, وهو كتاب نحتاجه في شرقنا العربي حيث أن معلوماتنا عن الأدب في مغربنا تصل إلى حد الندرة, وهو أيضًا يسد فراغًا كبيرًا للباحثين وللقراء على حد سواء ولعل الفرصة تسنح لطبعه وتوزيعه على نطاق أكبر.