الصورة والرمز في "هذا العبث"



يبدو "فرج مجاهد عبدالوهاب" ـ ابن شربين بالدقهلية ـ مدركا لتقنية القصة القصيرة جداً. فعبر ثلاثين نصاً قصصياً. في مجموعته القصصية "هذا العبث". يقدم عالمه القصصي في هذا الإطار الشكلي. حيث لم تتجاوز القصة ثلاث صفحات علي الأكثر. ولعل هذا ما يتسم به هذا النمط الأدبي من تكثيف وإيجاز تبعاً "للحظة" الرصد الكاشفة.. والمجموعة من اصدارات إقليم شرق الدلتا الثقافي وجاءت مصحوبة برؤيتين نقديتين للأديب الناقد "عبدالرحمن شلش" وأخري للأديب الكبير "فؤاد حجازي"... يطرح "فرج مجاهد" عالمه القصصي ـ شكلاً ومضموناً ـ من منطلق المعايشة والاحتكاك بنماذجه وشخوصه. مما يعطي التجربة الإبداعية صدقا وتماهياً مع جوهر الذات المكنون. فمن الأديب العاجز عن الإبداع وسط الفراغ المحبط وعدم جدوي فعل الكتابة "قصص هذا العبث.. وقهر".. إلي الإنسان الفرد المغترب ذاتياً ومجتمعياً. المقهور بدوافع عديدة من السادة الكرام "قصة صراع".. هذا غير الرصد السببي ـ بعد العرض الإبداعي للنماذج المغتربة المنقسمة ـ لمسألة المجرة والانسلاخ عن وطن عجز عن الاستيعاب وذلك تلبية لمطالب مادية أو نفسية طامحة "قصص الخلاص والطريق البري".. علي أن ما يستدعي الوقوف في قصص "فرج مجاهد" هو عنايته برسم تفاصيل الصورة الأدبية. حتي أنه لتظل بعض القصص كلوحات ذات تفاصيل متناثرة لا تنهض علي البناء الفني المتعارف عليه أدبياً. هذه الصور قد تنحو المنحي التساؤلي الفلسفي كالحال في نص "القادم".. والقادم هنا هو الموت الذي يظهر كحقيقة أبدية منتظرة من قبل البطل الذي يخاف من قدومه واضطراب كل مشاريعه. والقلق هنا قلق وجودي عارم.. "لا توجد أشياء ثابتة في هذه الدنيا.. حقيقة.. لكن كل التجارب الإنسانية أثبتت أن هذا القادم هو الحقيقة المؤكدة في النهاية..".وإذا كانت الصورة الأدبية تقوم في هيكلها الأدبي علي الوصف اللاقط الخارجي. فإن ذلك ـ علي ما يبدو ـ هو ما جعل "عبدالرحمن شلش" يعبر في رؤيته النقدية للمجموعة أن "الرؤية لدي القاص ـ بوجه عام ـ تعني بالظاهر أكثر من الباطن.." ولعله أيضا ما قصده فرج مجاهد الذي التقط أحداثه وشخوصه بعين تبغي التجريب أكثر من رؤيتها التقليدية للأشياء والأحداث.. وعبورا فوق محاولات التجريب فإن الرمزية تظل علي استحياء بين جنبات القصص. وهي رمزية لم تتخل عن الواقعية وإن كانت هناك تجربة وحيدة تماست مع وجوه السرد "الفانتازي" وذلك في قصة "الشئ".. التي تقدم معادلا ومقابلا لغياب الضمير البشري وهذا تتمثل في بزوغ هذا الشئ الذي يحس به البطل ملتصقا يجسده وعبثا يحاول التخلص منه دونما جدوي. حتي الطبيب لا يجد حلا لهذا الشئ المتورم. ربما لأن المسألة روحية بحتة. والشئ يوجد لدي الكل من رجال ونساء.. وأيا كان هذا التضخم اللاروحي في معناه فإن اختفاءه جاء بمعادل للتطهر. الصلاة. أحد أوجه التطهر الروحي. عندئذ ارتفع الجسد وشف نحو السماء المعادلة للمعني الروحي.. إن فرج مجاهد في نماذجه وشخصياته يحاول استحلاب المعني الغائب الكامن في نفوس من يكتب عنهم.. قد يكون هذا المعني هو "المقاومة/ المواجهة" أو الأمل المطموس في واقع قهري. لكن أبطاله الهامشيين ـ كما يقول الدكتور حسين علي محمد في دراسته عن المجموعة ضمن كتابه "أصوات مصرية في الشعر والقصة" يظلون يحلمون بالحياة السعيدة. وقد يغتربون لبعض الوقت. ولكنهم يعودون إلي الوطن. يشاركون في صنع حاضره. ويقاومون كل العوامل المثبطة".
حسام المقدم