نحو تفسير أسهل

الدكتور عائض القرني

سورة البلد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ


لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (1)
أقسم قسما بالبلد الحرام وهي مكة المكرمة ، حيث بيت الله وحرمه ومهبط وحيه ، ومولد رسوله ومشاهد الحج.

وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (2)
وأنت مقيم بهذا البلد فزاد فضله بوجودك ، فكونك بهذا البلد يقتضي شرفه ورفعته ، والديار تعظم بشرف ساكنيها.

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
أقسم قسما بكل والد وكل مولود من المخلوقات المتوالدة التي تتناسل لأن فيه بقاء الحياة وحفظ النوع ، وبرهان على عظمة الباري وقدرته على الخلق وحكمته في الإنشاء.

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
لقد خلقنا الإنسان وهو يكابد الشدائد ، ويصارع النوائب ، ويتعرض للمصائب ، فطريقه طريق التعب والنصب ، تنغص حياته الأكدار ، وتحيط بها الأخطار.

أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
هل يظن الإنسان أنه لايستطيع أحد أن ينتقم منه ويقهره ويغلبه ، وهذا جهل منه وغرور وعتو ، بل الله يقهره ويغلبه ويقدر عليه.

يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)
يقول: أنفقت أموالا كثيرة كبرا وخيلاء ، ودعاوى كاذبة لجلب الفخر لنفسه مثل مافعل بعض المشركين حيث قال : أنفقت في عداوة محمد مالا كثيرا وهو كاذب.

أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)
أيظن أنه لم يطلع على حقيقة أمره احد في قدر إنفاقه؟ بلى، فالله عالم كم أنفق ، مطلع كم أعطى ، وسوف يحاسبه على كل نفقة صرفها.

أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)
أما وهبنا للإنسان عينين يرى بهما ، وبصر الإنسان نعمة جليلة ، حيث إنه يرى ببصره معالم حياته ومباهج دنياه وما يهمه لقيام وجوده.

وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)
ورزقنا الإنسان لسانا ناطقا فصيحا يؤدي به غرضه ، ويصل إلى مطلوبه ، ورزقناه شفتين تعينانه على الكلام والصمت ، وتناول الطعام في جمال بديع وصنع متقن.

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
وأوضحنا له سبيل الحق والباطل ، والهدى والظلال ليكون على بينة من أمره ، فيختار أحدهما بعدما بان له الفرق بينهما.

فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
هلا اجتاز السبيل الصعب بفعل مايحب وعمل ما ستحب من حسنات وصدقات وقربات ، لينال الفوز ويظفر بالنجاة.

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
وما أدراك ما اجتياز هذه العقبة؟ إنه عسير على من لم يرد الله توفيقه ، يسير لمن يسره الله عليه.

فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
إنها عتق رقبة لتستوفي حريتها ، وتنال حقوقها ، وتستوفي إنسانيتها ، فالإسلام جاء بالحرية.

أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
أو بذل الطعام في يوم مجاعة للفقراء والأيتام ، وإيثار المسكين على النفس مع الحاجة وقلة الزاد.

يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
وإطعام اليتيم القريب وكفالته والقيام على شؤونه ، لأنه فقد الرعاية والحنان فانكسر قلبه وذلت نفسه.

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
واطعام مسكين كادت يده من الإفلاس والعدم تلصق بالتراب ، فحقه أن يُواسى وأن يُعطى بعدما تقطعت به السبل.

ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
ثم كان المجتاز لعقبة الأعمال الشاقة مؤمنا بالله لا كافرا ولامنافقا يوصي نفسه وغيره بالصبر المشروع على الطاعات والمكاره وعن المعاصي ويوصي بالتراحم لبناء الألفة في المجتمع المسلم ليعم الأمن والسلام.

أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
أهل هذه الصفات هم أصحاب اليمين في دار الفائزين ، صحائفهم بأيمانهم واليمن والبركة معهم ، ظفروا بالمطلوب ، ونجوا من المرهوب.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
والجاحدون للآيات المكذبون بالرسالات هم أصحاب الشمال يحشرون مع أهل الضلال في الأنكال والأغلال ، صحفهم بشمائلهم لسوء أفعالهم.

عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
تطبق عليهم نار محرقة تشوي الوجوه وتصهر الأجسام ، أغلقت عليهم فلا يخرجون وأوصدت عليهم فلا يموتون ولايحيون ، عذاب مستمر في سوء المستقر.