آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية خالد حسين أبو عمشة
    تاريخ التسجيل
    21/04/2007
    العمر
    50
    المشاركات
    210
    معدل تقييم المستوى
    17

    Icon15f تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول

    تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول
    الجامعة الأردنية نموذجاًُ
    الدكتور خالد أبو عمشة
    الدكتور عوني الفاعوري
    منشور في مجلة دراسات الجامعة الأردنية
    ملخص
    يهدفُ هذا البحث إلى مدارسة ظاهرة تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية وَفق نظريات الألسنية التّطبيقيّة، القائمة على المُزاوجة بينَ ما هو نظريّ وما هو عمليّ. وَمن أجل تقديم هذه الظاهرة بصورتها الواقعيّة الحقيقيّة فإنّه تمّ تجزئة البحث إلى أربعة محاور رئيسة، تمحورت حول مستويات العربية: الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية وتعليم العربية بوصفها لغة ثانية. وارتباطُ تلك المستويات بعمليّة تعلّم العربية وتعليمها من حيث: الأهداف اللغوية و طرائق التدريس والمناهج وطرق التقويم، وتطرّق البحثُ إلى محور العملية التعليمية وموجّه دفّتها، المدرس، والعلائق التي تربطه بما سبق وعِماد العملية برمّتها الطالب من حيث خصائصه النفسية والاجتماعية واللغوية.
    وقد خلص البحث إلى أهمية: توقع الصّعوبات التعلميّة التي يمكن أن يواجهها متعلمو العربية بوصفها لغة ثانية، والإلمام بِالمميزات الإنسانية واللغوية والفكرية والحضارية للدارس لما لها من أثرٍ واضح في العمليّة التّعلميّة والتعليميّة، وضرورة إتقان المدرس للمهارات التي تطلّبها العملية التدريسيّة: اللغوية والثقافيّة والمهنيّة.

    د. خالد حسين أبو عمشة
    دكتوراه في اللسانيات ومناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بغيرها
    المدير الأكاديمي ورئيس قسم اللغة العربية المعاصرة
    مركز قاصد لتعليم اللغة العربية المعاصرة والكلاسيكية
    abuamsha@gmail.com
    0795589886
    عمّان - الأردن

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية خالد حسين أبو عمشة
    تاريخ التسجيل
    21/04/2007
    العمر
    50
    المشاركات
    210
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول

    الجزء الأول:
    Abstract
    This research aims at studying teaching Arabic as a second language relying on language application theories, based on pairing theory and application. To show this, this study is divided into four main parts, phonology, Etymology, Syntax, and Semantics. Then it explicates how these parts are connected to teaching and learning Arabic through language goals, teaching methodologies, pedagogy and evaluation. This study is furthered to investigate the teacher and how he/she relates to core of the entire purpose concerning the students’ psychological, social, and linguistic characteristics.
    The research shows the importance of the difficulties which students encounter regarding humane characteristics, linguistic, ideologies, and civilization of the learner. All in all, this is crucial because the teacher must posses the scholastic skills such as: linguistic, culture, and profession.

    د. خالد حسين أبو عمشة
    دكتوراه في اللسانيات ومناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بغيرها
    المدير الأكاديمي ورئيس قسم اللغة العربية المعاصرة
    مركز قاصد لتعليم اللغة العربية المعاصرة والكلاسيكية
    abuamsha@gmail.com
    0795589886
    عمّان - الأردن

  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية خالد حسين أبو عمشة
    تاريخ التسجيل
    21/04/2007
    العمر
    50
    المشاركات
    210
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول

    الجزء الثاني
    صلب البحث
    تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول
    الجامعة الأردنية نموذجاًُ
    إعداد
    د. خالد أبو عمشة
    د. عوني الفاعوري
    الجَامعَة الأردنية
    ارتأينا أن يتكئ منهجنا في هذا البحث على الملاحظة والتجريب المباشر والاحتكاك المستمر مع طلبة شعبة اللغة العربية للناطقين بغيرها، في مركز اللغات بالجامعة الأردنية، ولعل الدّافع الأساس الذي كان وراء كتابة هذا البحث هو تلك المحاورات التي استثمرت في دورات أساليب تعليم اللغة العربية للنلطقين بغيرها، التي داب مركز اللغات على عقدها كلّ فصل دراسي حتى يعمم خبراته وإنجازاته. وقد تعوّدنا أن نقدّم لهؤلاء المشتركين من المدرسين والمدرّسات عصارة خبراتنا وتجاربنا في المركز القائمة على أسس عملية، عدا عن دراساتنا النظرية المعمقة في هذا الحقل، التي اكتسبناها أيّام التحصيل العلمي وبعده، ولّما كان حرصهم بالغاً في الحصول على هذه الملاحظات والتجارب والرؤى مكتوبة تبادر إلى أذهاننا تضمينها في هذا البحث.
    يحاول المشتغلون بتعليم اللغات الحيّة دائماً البحث عن أيسر الطرق وأسهلها لإيصال أهدافهم اللغوية في أسرع وقت ممكن، لذلك فإنّ أيّ شيء يقف في طريقهم يعدّونه مشكلة حتى يجدوا له حلاّ، والفارق هنا بين تعليم العربية لغير أهلها وبين تعليم اللغات الأخرى، أنّ اللغات الأخرى قد عُكف على دراستها منذ عشرات السنين، سواء أكانَ ذلك بدوافعهم الشخصية أم بدعم من حكومات بلادهم، وقّدمت حولها أبحاث ومؤتمرات وندوات يصعب على المرء المتخصص حصر أسمائها، بينما ما زلنا في الخطوات الأولى في تعليم العربية للناطقين بغيرها.
    ومِن الطّبيعي أن يواجه المهتمون بتعليم اللغة العربيّة للناطقين بغيرها عقباتٍ جمّة، فَمِن خلال خبرتنا وتجربتنا المنبثقة من ميدان تعليم العربية للناطقين ِبها في مركز اللغات التابع للجامعة الأردنية، يمكننا إجمال هذه العقبات في دوائر أربع، تتفرع إلى حلقاتٍ كالتالي:
    أولاّ: الإشْكاليّات التي تعود إلى اللغة العربيّة نفسها، فالمشتغلون باللسانيّات العربيّة خاصّة اللغويّات التّطبيقيّة، طرقوا أبواباً عديدة مِن الصّعوبات التي وصفوها بالكؤود، فمنذ قرون طويلة وهم يحاولون التيسير والتّسهيل، منذ محاولات ابن مضاء القرطبي مروراً باجتهادات الدكتور نهاد الموسى إلى محاولات الدكتور شوقي ضيف وغيرهم، ويعترف علماء اللسانيات العربية في شتى البلاد العربية بأن عملية تعليم العربية يواجه مشكلاتٍ كثيرة وصعوبات جمّة؛ لذلك نجدهم عاكفين على محاولات تيسير عملية تعليم العربية، فإذا كانَ هذا حالهم مع أبناء العربيّة، فِمن الطبيعي أن نواجه مشكلاتٍ أكبر أو أكثر تعقيداً عند متعلمي العربية من الناطقين بغيرها، وإن اختلفت في طبيعتها ودرجة صعوبتها.


    ثانياً: الإشْكاليّات التي تتعلق بعمليّة التعلّم والتعليم في حدّ ذاتِهما، وقد قام علماء اللغة والتربية، وعلماء علم اللغة النفسي والاجتماعي وغيرهم بدراسة الظاهرة اللغوية من أجل الوصول إلى أيسر الطرق في تعليم العربيّة. وتتمثل عمليّة التعلّم والتعليم في أربعة أوجه: الأهداف، وطرق التّدريس، والمناهج التعليميّة، وطرائق التّقويم.


    ثالِثاً: الإشْكاليّات التي ترتبطُ بدارسي اللغة العربيّة أنفسهم، إذ يمتلكون أنظمة لغوية لها خصائصها الصّوتية، والنّحوية، والصرفيّة، والدّلاليّة، والتّركيبيّة تنماز بها، وهذا أمر طبيعي نظراً لاختلاف الجنسيات ومسالكهم اللغوية واللهجيّة، مما أدى إلى تنوّعٍ في تأدية اللغات الإنسانيّة، وفوق ذلك كلّه المميزات الإنسانيّة والشّخصية لدى كلّ دارس أثرٌ واضح في حدوث هذا التباين.


    رابِعاً: إشْكاليّة وجود المدرّس المتخصص الذي يتمتّع بصفات تؤهّله للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه.


    إشْكاليّات تعليم اللغة العربية للناطقين بها

    تناولت كتب اللغة منذ القرن الثاني للهجرة مسائل العربية بالجمع والتحليل والدراسة، مبديةً مواطِنَ سهولتها وصعوبتها، من خلال تقعيدها وتوصيفها بمناهج وطرائق مختلفة، واستمرّ الأمر في دراسة هذه الصعوبات أو الظواهر اللغوية المائزة للغة العربيّة حتى عصرنا الحاضر، إذ أفرزت لمهارات اللغة العربيّة مصنّفاتٍ لغوية خاصّة تتحدّث عن المهارات اللغوية الأربع: الاستماع والمحادثة والقراءة والكتابة، وعن عناصر مكونات اللغة العربية: الأصوات والنحو والصرف، والدّلالة، وقد عكف بعض العلماء في شتى بقاع البلاد العربية لهذا الموضوع، ولمّا كان موضوع هذا البحث التطرق لصعوبات العربية للناطقين بغيرها، فسنكتفي بعرض أبرز تلك الصعوبات، وهي:
    - نظرية العامل ومناداة العلماء اللغويين القدامى منهم والمحدثين بإلغائها، ورفض القياس والعلل النحوية، وتقديم النحو بعيداً عن مواطن الخلاف والأقوال المتعدّدة.
    - مسألة الازدواجيّة اللغوية (الفصحى والعاميّة) وأثرها في الحياة العملية والعلميّة، وإشكالاتها في تعليم العربية على مستويين مختلفين.
    - مظاهر تقعيد اللغة العربية الفصحى بقوانين نحويّة وصرفيّة أكثر ما تهمّ المتخصصون وليس الطّلاب.
    - ظاهرة الكتابة العربية وخلوّها من الحروف المصوتة (الحركات).
    - قضيّة الإملاء العربي وتنوعاته في كتابة الهمزة المتطرفة والمتوسطة.
    - ظاهرة الأصوات المنطوقة وغير المكتوبة في الأسماء والأفعال.
    - نظام الإعراب وأثره في البناء التركيبي العربي.
    - إشكاليّة المعجم العربي والمعجميّة، وأثر خلوّ السّاحة العربيّة من المعاجم التّاريخية المناسبة لتعليم العربيّة .
    - ظاهرة عدم قدرة اللغة العربية عن الوفاء بمتطلبات التقدّم العلمي اللغوية.
    - مسألة القدرة على التعبير الكتابي لدى الطّلبة العرب التي توصف – أحياناً – بالضّعف نظراً لقلّة الثروة المفرداتيّة لديهم.
    - الاتجاه الفلسفي والعقلي، واتباع مناهج المتكلمين والفقهاء في دراسة النحو وتقديمه.
    - ظهور الدلالات المستحدثة لبعض المفردات العربية، غير المثبتة في المعاجم العربيّة (قضيّة المعنى والدّلالة).
    - وإشكاليّات أخرى تخرج عن نطاق هذا البحث (1).


    إشْكاليّات تعليم العربية للناطقين بغيرها

    ينتمي معظم منتسبي مركز اللغات في الجامعة الأردنية إلى جنسيات عدّة، لكنّ الناظم الجامع بينهم إتقان اللغة الإنجليزية لكونهم قادمين – في الغالب – من بلدانٍ ناطقة أصلاً باللغة الإنجليزية بوصفها اللغة الأم، وهذا ما جَعَل الإنجليزية لغة وسيطة في العملية التعليمية بينَ المدرس والطالب – خاصة في المستويات المبتدئة – باستثناء عدد غير كثير ممن لديهم المعرفة قليلة باللغة الإنجليزية وبشكل خاص الذين يأتون من بلادٍ ليست الإنجليزية لغة الأم، ومع إطلالة كلّ فصل دراسي نحاول وضع الصعوبات المتوقعة من خلال خبراتنا السابقة فضلاً عن الاعتماد على بعض البيانات المتعلقة بالطلبة الدارسين في لمركز.

    وأولى تلك القضايا التي قد تشكلّ صعوبة للدراسين، مسألة الأصوات العربيّة، إذ لا بدّ من معرفة أنّ هذه الأصوات بالنسبة للدراسين يمكن تقسيمها إلى أقسام ثلاثة من حيث السهولة والصعوبة:

    المجموعة الأولى: وهي مجموعة الأصوات المشتركة مع لغات الطّلبة وخاصة مع اللغة الإنجليزية، لذلك لا نتوقع أيّة صعوبة تذكر، إذا ما استطعنا تقديمها بصورة منطقية مناسبة، ومن خلال تدريبات لغوية مدروسة، وتتمثل تلك الأصوات في : ب / ت / ج / د / ر / ز / س / ش / ف / ك / ل / م / ن / و / ي / .

    المجموعة الثانية: إنَّ أصوات هذه المجموعة في الغالب ليست في مخارج لغات الدراسين الصوتية، لكن هناك ما يقاربها في المخرج والصوت، وكلّ ما تحتاجه هذه الأصوات تقديمها بعناية كبيرة وتركيز شديد، فضلاً عن الاعتماد الهائل على التدريبات المكثفة، والتعزيز، وتتمثل هذه الأصوات في: / أ / ث / خ / ذ / ط / ظ / ص / ض / غ / .

    المجموعة الثالثة: تستحق هذه الفئة من الأصوات أن نطلق عليها إشكالاً في تعليم العربية، ويُلحظُ فيها مدى صعوبة تعلّم بعض الطلبة لبعض هذه الأصوات التي توصف - أحيانا – بأنها تمثّل مشكلة لغويّة لديهم، وتتمثل هذه الأصوات في: / ح / ع / ق / هـ / .

    ويتخلّلُ هذه المسألة بعضاً من المظاهر الصوتية التي قد تؤدّي إلى نفور بعض متعلمي العربيّة لما تتطلّبه من جهدٍ لغوي كبير من الطالب والمدرس في الوقتِ نفسه، ويمكن إجمال هذه المظاهر بما يلي:

    أولاً: ظاهرة الصّوائت القصيرة والطويلة، وتتمثل هذه الصعوبة في عدم القدرة أحياناً على التمييز بين صائت الفتحة بالمقارنة مع ألف المد، أو الضّمة مع واو المدّ، أو الكسرة مع ياء المدّ.

    ثانياً: امتازت اللغة العربية بظاهرة التنوين عن بقيّة لغات العالم، ولذلك فإنّ تفرّد العربية بهذه الظاهرة يحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ حتى يتمكّن الطالب من إتقانها، بالإضافة إلى تماثلهما الكتابي مع حرف النون ونطقها مما يزيد من صعوبة تعلّمها لدى المتعلّم الأجنبي.

    ثالثاً: ظاهرة التشابه الصوتي بينَ صوت الألف الممدودة والمقصورة، إذ إنّ صوتيهما متقاربان من بعضهما البعض، فيصعبُ على الدارس الأجنبي التمييز بينهما أحياناً.

    رابعاً: ظاهرة تعدّد تأدية الأصوات (تفخيمها، ترقيقها، تسهيلها، تخفيفها) التي ينتج عنها خلط لدى الدارسين بين الصوت المنطوق وشكله المكتوب، سواءً أكانَ ذلك بسبب طريقة الأداء اللغوي المتأثرة باللهجة، أم اقتران ذلك الصوت بالضّمة، أو مجاورته لصوت مفخّم.

    خامِساً: ظاهرة اختلاف بعض الأصوات نطقاً وكتابةً، وتمثّل التاء مع الهاء هذه الظاهرة، بالإضافة إلى مسألة التّاء المفتوحة وخلطها بالتّاء المربوطة.

    سادساً: ظاهرة إلصاق "أل التّعريف" بنوعيها: الشمسية والقمريّة، والنّطق باللام وعدم النّطق بها، حيث تعدّ من صلب الإشكالات الصوتية التي يواجهها متعلمو العربية، خاصة في أدائها الصوتي في حالة بدء الجمل بها أو في حالة كونها في أواسط الجُمل، وتمثّل هذه الظاهرة اللغوية صعوبة لدى المتعلمين لسببين لغويين، هما:
    - اشتراك النوعين بالشكل الكتابي (الرسم الإملائي).
    - ارتباط نطق اللام بطبيعة الصوت الذي يأتي بعدها.
    سابِعاً: ظاهرة تأدية صوت الهمزة المتعدّد، واختلاف العلماء في تحديد القاعدة الإملائية التي تحدد شكلها الكتابي؛ أدّيا إلى تعقيد المسألة، فبعض العلماء الصرفيين اعتمد حركة الهمزة ذاتها، وبعضهم الآخر رأى أنّ حركة ما قبل الهمزة هو المعيار في تحديد شكل كتابة الهمزة. ولذلك فإنّ على الطّالب في ظلّ هذه الحالة معرفة هاتين القاعدتين حتى يتمكن من إتقان كتابتها، وكما أنّ طرق التأدية النّطقيّة المتعدّدة لهذا الصوت، زادَ من صعوبة تعلّم هذا الصوت، فإنّ العربيّة الفصحى أوجدت مظاهر تحوّل له كثيرة، كما فعلت اللغة الدّارجة.

    ثامِناً: همزتا الوصل والقطع وأداؤهما الصوتي، يُلحظ بوضوح ظهور هذه المشكلة لدى متعلّمي العربية. وهي مسألة صوتية في شكلها الخارجي، مع إغفال بعدها المعرفي ذي الجانب التركيبي للغة.

    تاسِعاً: ونذكرُ أخيراً بعض الأصوات التي ترافق بعض الكلمات من غير تمثّلها كتابيّاً، نحو بعض أسماء الإشارة وغيرها.

    كانت تلك هي بعض القضايا التي ألفناها وما زِلنا نتعايش معها في تعليم النظام الصوتي للغة العربية، وتجدر الإشارة، أننا قُمنا بعدّة محاولات تربويّة وتعليميّة تهدف إلى التعامل مع هذه القضايا بشكلٍ يؤدي إلى تقليل تبعاتها في العمليّة التعليميّة، وما زلنا نعقد دوراتٍ خاصّة بينَ الزملاء في المركز يحددون فيها القضايا ومن ثمّ يظهرون النتائج، ويعملون على إيجاد الحلول والطرق المناسبة للتعامل معها، ومن الخطوات الأخرى التي سَلكناها:
    أولاً: يضمّ مركز اللغات بالجامعة الأردنية ستّة مستويات لغوية قابلة للتعديل زيادة ونقصاناً وفق الحاجة؛ ولذلك فإنّه يولي المستوى الأوّل من بينِ تلك المستويات عناية خاصّة، إذ قامَ المركز بتأليف مناهج خاصّة تتوافق وقدرات طلبة المستوى الأول، كما أنّه يضع مؤهلات خاصة لمدرس هذا المستوى، حيث يتطلب هذا المستوى من أن يكون لمدرسه معرفة تفصيليّة بالأصوات العربية مخرجاً وملمحاً مميزاً، حتى يجيد توصيل الصّوت العربي بطريقة مراعية للمخرج والصّفة المميزة.
    كما أنّه يطلب من مدرّس المستوى الأوّل أنّ تكون لديه الكفاية الجيّدة في اللغة الوسيطة، حتّى يُسهل عليه التّواصل اللغوي مع الطّلبة، وفوق هذين المؤهلين اللازمين لكل مدرّس يدرس طلبة المستوى الأوّل فإنّه يُطلب منه أن تكون لديه الحصيلة التربوية الثقافيّة في أساليب تقديم العربية للمستوى الأوّل وتقويمها؛ ولذلك فإنّ عدداً قليلاً من الزّملاء تكون لديهم الرّغبة في تدريس المستوى الأوّل.

    ثانياً: للمنهج دورٌ مهم في تقديم الأصوات العربية، وهو لازمة ضروريّة لتمثّل الأصوات العربيّة، كما هي ضرورة وجود المدرس المناسب؛ ولذلك قام الزّملاء بتأليف منهج صادرٍ عن واقع التجربة المعاشة، آخذاً مجموع الملاحظات الميدانيّة من الزّملاءالذين تخصصوا في تدريس هذا المستوى، ويطبق هذا المنهج فصليّاً حيث تسجّل الملاحظات المستجّدة لغايات تعديله مستقبلاً.


    ثالثاً: الاهتمام الشديد والتركيز المكثف في المستوى الأول على مهارة الاستماع والترديد، حيث استطعنا توظيف مختبرات مركز اللغات في هذه المسألة أيّما توظيف، يعكس صورتَه أداءُ الطلبة مع نهاية المستوى الأول. لذلك كانت خطتنا في التدريس تقوم على التأكيد على تعويد آذان الطلبة على الاستماع للأصوات العربية بتشكلات صوتية مختلفة، مباشرة من المدرس أو آلة التسجيل، بصوت رجل أو امرأة، صغير أو كبير في السن.

    رابعاً: معالجة القضايا الصوتية على مبدأ التدرّج المدروس، حيث لا يتمّ الانتقال من ظاهرة صوتية إلى أخرى إلا حين التأكد من السيطرة عليها وامتلاكها من قبل الطلبة، فضلاً عن عدم الخوض في قضييتين صوتيين في آن واحد، كانَ سبباً من أسباب نجاحنا.

    خامِساً: فَمن العناصر المهمة التي ساعدتنا على اختفاء هذه المظاهر الصوتية في المستوى الأول طريقة تقديم الأصوات العربيّة للطلبة، إذ نتّبع الطريقة الآتية:
    - تقديم الأصوات على شكل مجموعات متشابه في أشكال الكتابة، ومواقعها المختلفة في الكلمة.
    - ربط الصّوت بعدد النّقاط التي تكون فوقه أو تحته.
    - تطوير الصّوت مع حركته الصّوتية مقطعيّاً، وذلك بربط الصّوت مع حروف المّد واللين.
    - اختيار مجموعة مِن المفردات ذات دلالة ماديّة تتمثل فيها الأصوات المدروسة متضمنة الحركات القصيرة والطويلة.
    - إنّ هذه المنهجيّة تساعدنا في تقديم المظاهر الصوتية للصوت العربي (تنوين، أل القمرية والشمسية، والتّضعيف، إلخ).

    سادساً: أمّا وسائل الإيضاح أو ما يطلق عليها بالتقنيات التربوية، فهنا مجالها، والمدرس المبدع هو الذي يستطيع التعامل معها، وتطويعها لما يخدم أهدافه اللغوية، من تسجيلات وبطاقات، وصور، ومواقف صوتية حقيقية.

    سابعاً: تعويد الدارسين على القراءة الصحيحة منذ المستوى الأوّل، بصرف النظر عن الطريقة التي يسلكها المدرس من كلية أو جزئية، فالمهم هو إكساب الطلبة القدرة على القراءة الصوتية الصحيحة.

    إشكالات تدريس المحادثة

    لا تبدأ مشكلات مهارة المحادثة أو التعبير الشفوي من حدوث بعض الاهتزازات أو الرّكاكة في طرائق تعبير الطلبة، أو القدرة على التحدث رغم وجود المفردات اللغوية المطلوبة لإجراء المحادثة، بل تبدأ بالمصطلح وطرائق تعامل المؤلفين معها ومن ثمّ المدرسين، لذلك رأينا أن نقدّم رؤية كاملة حول هذا الموضوع بدءاً من المصطلحات ، حيث لو تتبعنا المصطلحات التي تطلق على هذه المهارة بالذات، لوجدنا أنها تترواح بين: المحادثة، التحدث، الكلام، التكلم، التعبير الشفوي. ولو توقفنا على دلالتها في المعاجم العربية من لسان العرب وغيرها سوف نخرجُ بأنّ المعاجم اللغوية لم تضع حدوداً فاصلة بين هذه المصطلحات الشائعة في كتب تعليم العربية للناطقين بغيرها، سوى ما قد نستطيع استخلاصه وفقاً للرؤى اللسانية الحديثة. مما فتح المجال واسعاً لاجتهادات الاستخدام. وفيما نراه من خلال فهمنا اللغوي وواقع استخدامنا التعليمي، يمكن أن نعتبر إنّ تدريس الأصوات يقع خارج نطاق المحادثة وفق مفهومها الدلالي، حيث هي اللبنة الأولى في صرحها.

    أما مصطلحا الكلام والحديث فهما يأتيان لأغراض تواصلية تمكن الدارس من الاندماج في المجتمع وتساعده على تلبية حاجاته وأهدافه وغاياته، ولكنها لا تخرج عن المفهوم الوظيفي للغة.

    أما المحادثة والتحدّث فهما ما يمكن أن نعدّها القدرة على التعبير الحر دون حاجة إلى أن يكون لدى الدارس فكرة عن طبيعة الحوار أو الحديث أو المناقشة، فضلاً عن قدرته فيها على المبادأة في التحدّث والمناقشة.

    في حين يجمع مصلح التعبير بينَ الحديث والكلام من جهة والتحدّث والمحادثة من جهة أخرى، فإذا أردنا التعميم في القدرة على الأداء اللغوي استخدمنا هذا المصطلح وكثيراً ما يميل الدارسون والمشتغلون بعلم تعليم العربيّة إليه على هذا الأساس. فهو يمثل المرحلة الوظيفية التواصلية والوظيفية والمرحلة الإبداعية. وليس من السهولة بمكان أن تجد كتاباً يعالج مثل هذه القضايا النظرية، ولمّا كانت حاجتنا للوقوف على دقائق هذه الأمور قمنا بتقصي بعض الكتب المتخصصة في تعليم العربية للناطقين بغيرها لنجد أنّها تقدّم المحادثة (التعبير الشفوي) على ثلاثة مستويات، أو تفسمه إلى ثلاثة أقسام، هي:

    - تعبير مقيّد / محادثة مقيّدة ويختص هذا بالمستويات الأولى.
    - تعبير موجّه / محادثة موجّهة ويختص هذا بالمستويات المتوسطة.
    - تعبير حرّ / محادثة حرّة ويختص هذا بالمستويات المتقدمة.

    إنَّ المشتغلين في تدريس العربية يقدّمونها في مستويين :

    المستوى الأوّل: يكون الغرض منه خلق الحالة التّواصليّة بينَ الطّلبة، إذ يلبّي حاجات الدارس، في الحياة اليوميّة من طرح أسئلة والإجابة عنها، أو إعطاء التعليمات والإرشادات، وإلقاء التقارير والملخصات والدّعوات، ويوصلها بعضهم إلى المناقشة والحوار.

    المستوى الثّاني: يكون الغرض منه تعبيريّاً، من حيث إيضاح الأفكار والتعبير عن المشاعر والخواطر ونقلها إلى الآخرين بطريقة أدبية مشوّقة، وهو ما يطلق عليه بالتعبير الإبداعي.

    والذي نريد التأكيد عليه هنا هو أنّ المدرّس هو مجرد موجّه للحديث(2)،
    - مراقب لمجراه،
    - ضابط لحدوده،
    - مصحح لأخطائه،
    - موجّه لتيار الفكر فيه.
    ومن خلال خبرة عملية بينَ كاتبي هذا البحث وزميل ثالث (3) في زمن كنّا فيه مضطلعين بتدريس مهارة المحادثة، كانَ الاتفاق على مجموعة من الأسس التي يمكن القول إنّ مركز اللغات في الأردنية يسير عليها ويتبنّاها، لذلك كنّا نشاهد الرّضا التام والبالغ على وجوه طلبتنا الملتحقين بشعبة العربية للناطقين بغيرها، وهذه الأسس هي:

    1- ينبغي أن يتحدث الطالب أكثر من المعلم، لأن مادة المحادثة موجهة إليه.
    2- دور المعلم دور توجيه وإثارة للقضايا وتوسيعها وتعقيدها.
    3- يأخذ الطالب وقتاً مناسباً في الحديث دون مقاطعة حتى إن وقع في خطأ، حيث يقوم المدرس بتسجيل الملاحظات وبعد انتهائه يناقشها معه.
    4- يقوم المدرس على تسجيل وكتابة المفردات الجديدة التي أفرزتها المحادثة على السبورة، وكذلك التراكيب اللغوية الجديدة .
    5- يراقب مدى إفادة الطلاب من هذه الملاحظات المدونة على السبورة أثناء متابعة المحادثة ، فإذا استخدمها الطلاب وأحسنوا استعمالها فتكون الفائدة قد تحققت.
    6- لا يشترط في الطالب أن يكون في وضع معين أثناء الحديث كالوقوف أو الخروج إلى السبورة ، بل يتحدث كما هو جالسٌ دون تغيير، مما يعطيه الحرية والحركة في التعبير.
    7- من علامات إصغاء المدرس اثناء حديث الطالب وقوف المدرس لا جلوسه على الكرسي،إذ يوفر بهذا الوقوف حيوية للحوار ، ويغرس انطباعاً لدى الطلبة بمدى اهتمام المدرس لما يقال ، واعتبار أنّ الجلوس يميت الحوار.

    ومن الحلول التي وصفت بالمفيدة نظرياً وتطبيقياً الخطوة الرائدة التي قامت شعبة اللغة العربية للناطقين بغيرها على تطبيقها، وهي دمج الطلبة الأجانب بمجتمع الجامعة المحلي من خلال ما يعرف ببرنامج خدمة المجتمع، حيث تتم المزواجة بين طالبين عربي وأجنبي للقيام بممارسة اللغة في مواقف حقيقية، لفترات شبه يومية، مما كان لها أكبر الأثر على أداء الطلبة الشفوي.

    كما أنّ نظام شعبة العربية للناطقين بغيرها يدعم فكرة الأعداد القليلة من الطلبة في الشعبة الواحدة، وذلك تساوقاً مع الأفكار التي تدعو إلى تشجيع الطلبة على المناقشة والمحادثة والمحاورة من خلال إعطائه فرصاً كافية للتعبير عن نفسه وما يجول في خاطره، واستخدام العربيّة داخل الشّعبة بطريقة أكثر تواصليّة مع المدرس وزملائه.
    كما أنّ تبادل الخبرات بين المدرسين من خلال تجاربهم المحتلفة، كانَ لها دورها في إثراء هذا النجاح وزيادة تألقه، حيث دأب مدير المركز ومشرف الشعبة على عقد هذه الندوات لتبادل الأفكار والخبرات.

    وهناكَ مسألة في غاية الأهمية لا بد أن نلفت النظر إليها، ألا وهي التفريق بينَ معاني الكلمات ودلالاتها، فلا بد من الأخذ بالاعتبار مجموعة من العوامل في ذلك قد تحول دون الحصول على مرادف مناسب لها في لغة الدّارس، وقد أحسنَ وصفاً الدّكتور أحمد مختار عمر (4) حينَ قسّمها على النّحو الآتي:
    1- اختلاف المَجال الدّلالي لِلَفظين يبدوان مترادفين، من حيث اتّساعه في لغة وضيقه في لغة أخرى.
    2- اختلاف التّوزيع السياقي لكلمتين تبدوان مترادفتين في اللغة، لكنّ تطبيقاتهما في الاستعمال أو في سياقاتهما تبدو مختلفة.
    3- الاستخدامات المجازية للمفردات، لذلك لا تصحّ في أيّة حالٍ من الأحوال التّرجمة الحرفية، فالقاموس لا يقدّم خدمة لغويّة توصف بالدّقة..
    4- التلّطف في التعبير، من ناحية اتصاف بعض المفردات بحساسية خاصّة، لمعاني لا يفضل التصريح بها.
    5- الإيحاء والجرس الصوتي، ولا تتأتى معرفة دلالات الكلمات إلاّ من سياقاتها.
    اختلاف المألوفات الثقافيّة والاجتماعية لكلا اللغتين، لغة الدارس واللغة المستهدفة، حيث هناك كلمات ومفردات ارتبطت بعادات وتقاليد اجتماعية، برزت في بيئة خاصة، لا تعالجها المعجمات العربية.



    طَرائق التدريس:

    يُلْحَظُ المتتبّع لسير حَرَكة تطوّر طرائق تدريس اللغات الأجنبيّة، سيْطَرَة طريقة القواعد والترجمة، أو ما تُسمّى بالطّريقة التّقليديّة أو الكلاسيكيّة، فتراتٍ طويلة مِن الزّمن - لِدرجة جعلت بعض المُشتغلين يعتقدون بصعوبة الانعتاق منها - تِلك الطّريقة التي تقوم على تَرجمة النّصوص ودراستها لغايات حفظ الكلمات، والقوالب اللغويّة والنّحوية، ومِن المنصف القول إنّ ظهورها في ذلك الوقت كانَ له مسوّغاته، خاصة إذا عَلمنا ارتباط نشأتها بِدراسة اللغة اللاتينية، وفهم الكتب الموضوعة بها، تلك اللغة الحية بثقافتها وحضارتها ورموزها، الميتة في التواصل بها. ولكنّ استخدام تلك الطّريقة الذي ما زال شائعاً في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها يواجه مشاكل جمة صعبة على الحصر، فمن المفيد معرفة نتائج هذه الطّريقة الاستماع لرأي أحد الدّارسين وفقها وهو المستشرق صمويل زويمر، إذ يقول: إنّ طريقة تعليم العربيّة للأجانب قاصرة على تربية الذّاكرة في حفظ كلمات وجملٍ وصيغٍ وأنماط لغوية، دون الالتفات إلى درجة استعمالها في الغرض من التعليم... وتهمل قوى العقل، تتركها في خمولها التّام، ولا يجد العقل مجالاً لفهم المعاني التي تمسّ الحياة، ويتطلبها المتعلّم، ولا تستغلّ المعاني، التي تختزنها ذاكرة الطّالب من ثقافته ولغته، فيعطى له مقابلها ... وتضيع السّنون، ويخرج المتعلّم بثروة قيّمة غير أنّها لا تصلح إلا للعرض في واجِهة بائعي الجَواهر الكلاسيكيين (5).
    واختلفت أهداف تعلم اللغات الأجنبيّة وغاياتها مع بدايات القرن الماضي، مما استتبعه ميلادَ طرائق لغوية جديدة تلبّي الحاجات الإنسانية الحديثة، ولعلّ أهم مسوغات هذا التطوّر ما شهده العالم مِن تقدّم تقني وعلمي إذ شملت أرجاؤه شتّى مناحي الحَياة.
    كما أنّ نضوج معالم علم النّفس وتطوراته أدّت إلى ميلاد علومٍ جَديدة، كانَ في مقدّمتها "علم اللغة النفسي" ذلك العلم الذي أخذ على عاتقه تمهيد المسالك الصّعبة التي قد تواجه متعلمي اللغات الأجنبيّة، وينطبق هذا الحديث على "علم اللغة الاجتماعي" الذي أمدّنا بنتائج علميّة ساهمت في عملية تعليم اللغات الأجنبية.
    وأسهم بدءُ ظهور التّوجهات الخاصة والأهداف المحددّة في تعلّم اللغات الأجنبية بدوره في ظهور مداخل وطرائق جديدة في تعليم اللغات الأجنبية، وتأسيساً على ما سبق ذكره يمكن رصد العديد مِن الطّرائق المتنوعة تبعاً لِتنوّع الأهداف المرجوة مِن تعلّم اللغة، ونحن المشتغلين في حقل تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، لا نميل لأيّة طريقة مِن تلك الطّرق إنّما نحاول أن نسلك أيسر الطرق نحو تحقيق الهدف التعليمي. ولم يخل مِن بعض الإشكالات خاصة في ضوء اختلاف الكتب والمناهج والمدرّسين، وتنوع خبراتهم ومستوياتهم وقدراتهم، ويمكن إيجاز تلك الطّرق التي نستخدمها كثيراُ وتلك التي قلّ استخدامها.

    يَرى بعض التّربويين المهتمين بتعليم اللغات الحيّة أنّه لو تقاربت بعض العوامل من خصائص المتعلمين، ونوعيّة المادة، وطرائق تقديمها، والأهدالف المرجوة منها، فإنّ طرق التّدريس هي التي ستؤدّي إلى إظهار الفروق في نواتج التعليم. ويقودنا هذا إلى الاعتقاد بأنّ طرق التّدريس لها دور فعّال في عمليّة تعلّم العربيّة وتعليمها، وتحقيقاً للفائدة نعرض طرق تعليم اللغات الحيّة، التي قام على حصرها "مكاي" في كتابه تحليل تعليم اللغة (6)، حيث حصرها في خمس عشرة طريقة، هي:
    1- الطريقة المباشرة.
    2- الطريقة الطبيعيّة.
    3- الطريقة السيكلوجيّة.
    4- الطريقة الصّوتية.
    5- طريقة القراءة.
    6- طريقة القواعِد.
    7- طريقة التّرجمة.
    8- طريقة القواعِد والتّرجمة.
    9- الطريقة التوليفيّة.
    10- طريقة الوحدة.
    11- طريقة ضبط اللغة.
    12- طريقة التقليد والحفظ.
    13- طريقة المران.
    14- طريقة المفردات المتشابهة.
    15- طريقة اللغة المزدوجة.

    ويمكن إجمالها أو إعادة تقسيمها اعتماداً على أسسها المعرفية والنفسية إلى ثلاث فئات، هي:
    الأولى : الطّرق التقليديّة.
    الثانية : الطّرق البنيوية والتركيبيّة.
    الثالثة : الطّرق التّواصليّة (الاتصالية).

    فمن الإشكاليات التي واجهناها أنّ بعض المدرّسين كانوا يسلكون طريقة لا يحيدون عنها، في تعليم شتّى المهارات، لكنّ واقع تعليم العربية الحي أثبت أن بعض الطرق أفضل من الأخرى في تعليم مهارة أو عنصر لغوي، لذلك أضحى توجّهنا إلى رؤية المهارة اللغوية أو العنصر لكي نحدد أفضل وسيلة أو طريقه لتقديمه للدارسين، أي لا بدّ من الإفادة من شتى الطرائق اللغوية من ترجمة وسمعية وتواصلية وكلامية، خاصّة تلك الجوانب التي أثبتت جدواها، فضلاً عن مراعاة مبادئ علم النفس من تعلم واكتساب، عدا الجوانب الثقافيّة، التي لا بد أن تكون نصب أعيننا في عملية تدريس العربية للناطقين بغيرها. بذلك استطعنا التغلب على كثير من المشكلات، من تركيبيّة، ودلالية وصوتية.



    المناهج التعليميّة:

    إنّ عمليّة التدريس أياً كانَ نوعها أو نمطها أو مادتها ومحتواها فإنها تعتمد اعتماداً كبيراً على الكتاب المنهجي، وهو بهذا المفهوم يعدّ ركناً من أركان عمليّة التعليم وعنصراً من عناصرها، وركيزة من ركائزها، ولذلك تعدّ نوعيّة الكتاب وجودته أبرز الأمور التي تشغل بال المهتمين بحقل تعليم العربية للناطقين بغيرها (7).
    ولعل الحاجة لمثل هذا الكتاب الممنهج ضروريّة في ظل إقرار معظم المراكز المشتغلة بتعليم العربية للناطقين بغيرها بعدم توفر المدرس الكفء المتخصص في تعليم العربية للناطقين بغيرها، الذي قد يغطي وجوده جوانب النقص التي تعجّ في كتب تعليم العربية للناطقين بغيرها.
    ولا بدّ أن يؤلف هذا الكتاب في ضوء خطّة تعليميّة محكمة، تحدد أهدافها، ويربط محتواها بتلك الأهداف، ولا بدّ أن يكون الكتاب انعكاساً لهذه الأهداف وساعياً إلى تحقيقها، ولا شكّ في أنّ أيّ عمل جاد يبدأ بتحديد الأهداف بوضوح تامّ، ثمّ اختيار الوسائل التي تحقق هذه الأهداف (8).

    وفي ظل التطورات العلمية الهائلة في علوم اللغة التطبيقية والتنوعات الثقافية المتعددة للطلبة الملتحقين بشعبة تعليم العربية للناطقين بها في مركز اللغات، فلم تعد سلسلة الجامعة الأردنية القديمة قادرة على التعامل مع طلبة القرن الحادي والعشرين، وذلك لتداعي الأسس التي بُنيت عليها سواء النفسية أو الاجتماعية التي تكفّل الزمن بتغييرها، فضلاً عن عدم قدرتها على تلبية أهداف الطلبة الراغبين بتعلّم اللغة العربيّة، فكانت الحاجة ضروريّة للنظر في غيرها من السلاسل والكتب التي صدرت مؤخراً من الأشخاص والمعاهد والمراكز العربية والأجنبية، وقد تُرك الخيار مفتوحاً للمدرسين في اختيار ما يرونه مناسباً لهم ولطلبتهم، في ظلّ صعوبة الحصول على سلسلة واحدة كاملة التصور، واضحة المنهج، محددة الأهداف.
    وقادنا هذا في ظلّ اختلاف توجهات الدارسين ورغباتهم إلى التعامل مع كتب وسلاسل مختلفة الأسس النفسية والاجتماعية والفلسفيّة فضلاً عن المناهج وطرائق التقديم، عدا الاختلاف في بعض المفاهيم في حدّ ذاتها، واستمر هذا الوضع فترة من الزّمن، وجدت الجامعة نفسها مرغمة على التفكير في وضع سلسلة خاصّة بها، تلبي حاجات طلبتها ومدرّسيها على حدّ سواء، تُراعي أحدث ما توصلت إليه علوم اللغة التطبيقيّة من نتائج وحلول في تعليم اللغات الحيّة، وقد تمّ حتى الوقت الحاضر إصدار كتابين يختصان بالمستويين الأول (9) والثاني (10) و سوف تجد باقي السلسلة طريقها إلى النور قريباً بعون الله.
    لقد تطوّر تعليم العربية للناطقين بغيرها في الجامعة الأردنية حيث استُحدث مؤخّراً قسم خاصّ يُعنى بحاجات الطلبة الدارسين وبخاصّة الطلبة الدبلوماسيين، الذين يهتمون بالقضايا السياسية والاقتصادية وأحياناً البيئية والتجارية، حيث قام بعض المدرسين بإعداد مواد تعليمية تتواءم وحاجات هؤلاء الطلبة اللغوية، وهي الآن في مرحلة التجريب والاختبار.
    كلّ ذلك لم يمنع من مواجهتنا لبعض الإشكالات في التعامل مع المناهج المختلفة أهمها:
    - طبيعة المادة المقدمة وطرائق إخراجها.
    - اختيار المفردات والتراكيب اللغوية وأساليب معالجتها.
    - محتويات الكتب اللغوية والثقافيّة والدينيّة.
    - الوسائل التعليمية المرافقة للكتاب.
    - الأهداف المرجوة من الكتاب، ومدى مناسبة التدريبات لتحقيقها.
    - ملاءمة الكتاب لمستويات الطلبة.
    - الخلط في وضع المناهج للناطقين بالعربية ولغيرها.
    - عدم استنادها في الغالب إلى أسس لغوية ونفسية واجتماعية مدروسة.
    - قيامها على خبرات المدرسين ومجهوداتهم الشّخصيّة.


    متعلّمو اللغة العربيّة

    ينظَرُ إلى متعلمي اللغة العربيّة على أنهم من الجوانب المهمة في عمليّة تعليم اللغة الثانية، إذ هناك العديد من المتغيّرات المرتبطة بهم، لها تأثيرها البالغ والواضح على عمليّة تعلّم العربيّة برمّتها، ومن تلك المتغيّرات التي لاحظناها من خلال الميدان في تعليم العربيّة للناطقين بغيرها في مركز اللغات: دوافعهم، وأعمارهم، واتّجاهاتهم نحو العربيّة، وقدراتهم أو ما يُطلق عليه عند علماء علم اللغة النفسي (استعداداتهم)، ومعدّلات ذكائهم، ونضيف إلى ذلك كلّه أنظمة الدّارسين اللغوية، أو ما يُطلق عليها "خبراتهم اللغوية السابقة".
    وجدير بالذّكر أن كثيراً من تلك المتغيّرات ما زالت مثار جدل وخلاف بين علماء اللغة من جانب وعلماء التربيّة والنفس والاجتماع من جانب آخر. لكنّ ما يميّز رؤيتنا هذه أنها تنطلق من جانب عمليّ، ولا تولي الجانب النّظري إلاّ في تطبيقاتها العمليّة. وبعبارة أخرى سنحاول الوقوف على مدى تأثير هذه العوامل على دارسي العربيّة من خلال تجربتنا القائمة في مركز اللغات، مبتعدين قدر الإمكان عن الخوض في تفاصيلها النظريّة.
    ويشيعُ في أوساط البحث العلمي بأنّ صغار السّن لديهم قدراتٍ أكبر من كبار السّن، والحقيقة أنّ الأبحاث النظرية حتّى اللحظة لم تحسم هذه المسألة، لكنّ واقع تعليمنا أظهر لنا بما لا يدعُ مجالاً للرّيب، أنّ الفئة التي تراوحت أعمارها من مطلع العشرينيّات إلى الأربعينيّات أكثر قدرة على اتقان العربيّة والتّغلب على صعابها، وتمثّلها، من هؤلاء الذين تجاوزت أعمارهم سنّ الأربعين، مما كان يدفعنا إلى إجراءات تعزيزيّة متواصلة ومستمرة حتى نستطيع إكسابهم المهارات التي نسعى إليها، ولعله من الإنصاف القول أنهم في الغالب لم يدركوا ما أدركه زملاؤهم من الفئة الأولى، على الرّغم من وصولهم لمستوى متميّز يحقق لهم الأهداف التي جاؤوا من أجلها، ولعل مرجع تفوق هؤلاء الفتية والفتيات من الفئة الأولى تلك القوى الجسديّة والذّهنية والحركيّة التي ما تزال متوقدة في نفوسهم وأجسادهم؛ مما تنعكس على عمليّة تعلّم العربيّة إيجابيّا.
    أمّا موضوع صغار السن ممن هم دون الخامسة عشرة فقد أرجأنا الحديث عنهم لاعتبارين: الأول أنهم خارج نطاق دراستنا حيث لا تسمح قوانين الجامعة الأردنية بالتحاق مَن هم دون الثامنة عشرة ببرامج مركز اللغات، بالإضافة إلى اعتقاد بعض الباحثين بأنّ هؤلاء لديهم قدرات واستعداد أفضل لتعليم اللغات يعدّ ضرباً من الخرافات، التي يرى ضرورة طرحها بعيداً فضلاً عن تسفيفها (11).
    بل إنّ ثورنديك يقرر في كتابه تعليم الكبار أنّ الكبار أقوى إدراكاً من الأطفال، وأنهم يملكون استراتيجيات تعلّم أفضل، فضلاً عن كونهم أكثر وعياً بأعباء التعلّم وأهدافه، عدا عن استطاعتهم التركيز والانتباه لفترة أطول، ناهيك عن قدرتهم على الربط ورؤية العلاقات بينَ الأمور المختلفة، وغير ذلك كثير (12).
    وعند الحديث عن دوافع المتعلّمين يمكن طرح مجموعة أفكار لا بدّ من ملاحظتها، قبل البدء بعمليّة تعليم العربيّة مما يساعد على توضيح العديد من إشكالياتها، أمّا أولى تلك الأفكار فهي، ما الدّوافع التي جعلت هؤلاء الدارسين يقبلون على تعلّم العربيّة، أهي: سياسيّة، اقتصاديّة، ثقافيّة، اجتماعيّة، مهنيّة؟
    ومِن الضّروري الانتباه إلى مسألة مهمّة تساهم في حلّ بعضٍ من مشكلات تعليم العربيّة، تلك هي معرفة هل هؤلاء الطلبّة راغبون في تعلّم العربيّة من تلقاء أنفسهم، أم أنّها مفروضة عليهم؟
    ولا غَرْوَ أنّ أبرز قضيّة بجب معرفتها، هي: ما المهارات التي يرغبُ متعلّمو العربيّة في إتقانها: المحادثة، الاستماع، القراءة، الكتابة؟ أم عناصر العربية: الأصوات، النحو، الصرف، الدّلالة؟
    ومن واقع ميداننا العملي نلحظ ما يلي:
    ينقسم دارسو العربيّة إلى قسمين رئيسين، منهم من جاءَ يتعلّم العربيّة بدوافع شخصيّة، طالباً اتقان مهارات العربيّة كلّها: من محادثة واستماع إلى القراءة والكتابة، وغالباً ما تكون دوافع هؤلاء دينيّة أو ثقافيّة أو مهنيّة.
    أمّا القسم الثاني، الذي يرى ضرورة اتقان لغة أجنبية وقع اختياره فيها على العربية، وتكون دوافع هؤلاء في الواقع العملي دون القسم الأول مما يجعلنا نتوقع بعض الإشكالات، تتمثل في تحفيزهم أكثر من مجرّد حضورهم للفصول الدراسية، لأنّه من مسلمات تعليم اللغات الأجنبية أن التعلّم داخل الفصول ليس كافياً لإتقان اللغة، ومنهم من يعطي عناية خاصّة لمهارات مخصوصة دون غيرها. ومنهم مَن كوّن اتّجاهات مسبّقة نحو العربيّة وأهلها، أو حتّى الثقافة العربيّة برمتها، وتمثّلت الإشكاليّة على صعيدين: لغويّ بحت، وآخر يعمل نعمد فيه على تصحيح الأفكار والمقولات الخاطئة التي كانت قد تكوّنت لديهم.

    أمّا موضوع الّذكاء في تعلّم العربيّة، فنحن في الحقيقة لا نوليه اهتماماً، كما أنّ الدّراسات النظريّة تعطي الذكاء دوراً محدوداً، وفي واقع الأمر لم نلحظ لهذا المتغيّر تأثيراً واضحاً، وإنّما اقتصرت المسألة على: مَن يبذل جهداً أكبر في عمليّة التعلّم واستخدام اللغة في مواقف الدرس والحياة.

    وفيما يتعلّق بأنظة الدارسين اللغوية، ومهمة المدرسين نحوها، وإلى ذلك أشار الدّكتور علي القاسمي إذ يقول: لقد أصبح من بديهيات علم اللغة التطبيقي اليوم أن يقوم تعليم اللغة الأجنبية على تحليل لغوي مقارن للغة الطالب واللغة الأجتبيّة التي يتعلّمها، وذلك لمعرفة نقاط الاتفاق والاختلاف على المستويات الصوتية والنحوية واللفظية للاستفادة منها في عملية التعليم ، وذلك عن طريق التنبؤ المسبق بمواطن الصعوبة، واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجتها بشكل موضوعي (13).

    ولعلّ إلقاء نظرةٍ سريعة على كتاب (في علم اللغة التقابلي : دراسة تقابلية للدكتور أحمد سليمان ياقوت (14)، تعطينا قيمة هذا التحليل وأهميته، ففي الوقت الذي يستغرق فيه المدرس وقتاً طويلاً للتفكير والتحضير لكيفية تقديم موضوع نحوي أو صرفي ما، توفّر لنا هذه الدراسات الجهد والوقت، حيث نستطيع أن نسلك أيسر الطرق وأسهلها في تقديم المواد اللغوية. ففي درس مثل الإضافة قد يدخل المدرس في حيرة وارتباكٍ في تقديم الشكل والمضمون في حين يستطيع تقديمه خلال دقائق معدودة بعدَ عقد مقارنة يسيرة بين نظام العربية في الإضافة ونظامي الإنجليزية والفرنسية مثلاً.


    معلّمو العربيّة للناطقين بغيرها

    أفرزت لنا معاهد تعليم العربية للناطقين بغيرها في البلاد العربية والإسلاميّة تصورها الخاص بمعلم العربية للناطقين بغيرها، من خلال تجاربها العملية في عملية التعليم، مما أدى إلى الوقوف عند هذه الظاهرة لما يشكله المعلّم من محورية ومركزيّة في عمليّة التعليم تفوق في أهميتها وخطورتها الموقع الذي احتله معلم العربية للناطقين بها، وكأيّ مهنة من المهن يحتاج العامل فيها إلى إتقان أصولٍ وقواعِد لازمة في تأدية هذه المهنة، ومن خلال تجربة مركز اللغات بالجامعة الأردنية الممتدة لثلاثة عقود اتضح جليّاً بالنسبة للقائمين على المركز المواصفات والخبرات والمميزات التي من الضرورة أن يتصف بها معلّم العربية للناطقين بغيرها، وقد أخذت أبعاداً ثلاثة: أولها: "المعايير اللغوية" وثانيها: "المعايير المهنية"، وثالثها: "المعايير الثقافيّة".
    أمّا فيما يتعلّق بالمعايير اللغوية، فليس مشروطاً أن يكون مدرس العربيّة للناطقين بغيرها خريج أقسام اللغة العربية وآدابها، بل المطلوب منه إتقان الجوانب اللغوية المهمة التي يحتاجها في عمليّة التعليم مِن معرفةٍ بالنّظم الصوتية، والتركيبيّة (النحوية والصرفيّة)، والدلاليّة، فضلاً عن إتقان مهارات العربيّة: الاستماع والمحادثة، والقراءة والكتابة، إتقاناً جيّداً فضلاً عن إجادة مهارات التعرّف والتحليل والتفسير والتقويم إجادة متميّزة.
    كما أنّ الإلمام بِعلوم اللغة الحديثة : كعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الاجتماعي، وعلم اللغة التطبيقي وتطبيقاتها في تعليم العربيّة للناطقين بغيرها يعدّ من أبجديّات تعليم اللغات الحيّة.
    وقد بيّن الأستاذ محمد صالح بن عمر أهميّة معرفة العلوم اللغوية الحديثة في كتابه (كيف نعلمّ العربية لغة حيّة) بقوله: إنّ إلمام مدرّس اللغة الحية بأسس علم النفس اللغوي أبعد ما يكون عن الترف أو الثقافة التكميلية، إنّما هو ضرورة ملحة اعتباراً لما يقدّمه من حلول عمليّة للكثير من المشكلات البيداغوجيّة، التي يواجهها المعلم"(15).
    وقد أكّد هذه المعرفة اللغوية إلى حدّ معرفة العلوم اللسانيّة إذ يقول : إنّ مدرّس اللغة الحيّة لا يكفيه أن يكون له تكوين في اللسانيات العامّة، بل ينبغي أن يلمّ بخصائص اللغة التي يدرسها صوتياً وصرفياً وتركيبياً وأسلوبيّاً (16).

    أمّا المعايير المهنيّة، فإنّه من الضروريّ أن يدرك مدّرس العربيّة للناطقين بغيرها طيعة العمل الذي انخرط فيه، والمبادئ والأسس التي تحكمه، والعلاقات التي تربط مجتمعه، فالإلمام بالفروق الثقافية لمجموعة الطلبة الملتحقين ببرامج تعليم العربية يعدّ من أبجديّات تعليم اللغات الحيّة، فضلاً عن قدرته على إتقان مهارات التّخطيط والمشاركة والتنفيذ والتقويم والتطوير، عَدا عن الضرورة الملحّة لمعرفة طرائق وأساليب التعلّم والتعليم الفعالة نظريّاً وعمليّاً، ولا شك في أنّ كلّ ذلك كما بيّنه الدكتور علي القاسمي يُعين المدرس على إدراك طبيعة المهنة التي ينتمي إليها، وكيفية أدائها على أفضل وجه، وبعبارة أخرى تساعد الثقافة المهنية المدرس على إدراكِ نوعين من العلاقات الإنسانية، هي:
    - علاقة المدرس بزملائه من مدرسين ومشرفين وفنيين.
    - علاقة المدرس بطلابه من حيث فهمهم، وفهم عملية التعلّم، ليتمكن من مساعدة طلابه على الوجه الأمثل (17).

    أمّا فيما يتعلّق بالمعايير الثّقافيّة، فلا بد من توافر قاعدة ثقافية صلبة لدى مدرس العربية للناطقين بغيرها، انبثاقاً من المقولة الشائعة بأنّ (الثقافة لا تنفصل في أي حال من الأحوال عن تعليم اللغة)، ولتكن نقطة الانطلاق الفهم الدقيق والعميق للحضارة العربيّة الإسلاميّة باعتبارها جزءاً لا يتجزّأ من عناصر تعليم العربيّة، فضلاً عن عادات العرب وأعرافهم وتقاليدهم، ويدخل في هذا الباب تقديم بعضٍ من الروائع الأدبية ومبرّزيها من الأعلام، ناهيك عن تغطية الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية للمجتمع العربي.


    خاتمة

    حاول هذا البحث أن يبين بعض الجوانب المهمة لخصائض تجربة تعليم العربية للناطقين بغيرها التي يمكن إجمالها في:


    أولاً: تمثّل طبيعة النّظام اللغوي للغة العربية، ذلك النّظام الذي يشتمل الأصوات وخصائصها، والنّحو والتركيب وسماتها، والصّرف وبناء الكَلمة وميزاتها، والمعنى والدّلالة وارتباطهما ببقيّة النّظام اللغوي العربيّ.

    ثانياً: الوعي بأهميّة عمليّة تعلّم العربية وتعليمها باعتبارها حلقة الوصل بينَ المنهاج والدّارس، ولذلك فإنّها تنماز بأربعة أوجه لا مناص من تمثّلها أثناء القيام بالعمليّة التعلميّة والتعليميّة مع هذه الفئة اللغوية الراغبة بتعلّم العربية، فالبحث حاول إبانة هذه الأوجه (الأهداف وطرق التدريس والمناهج وطرق التقويم) من خلال التّجربة الحقيقيّة داخل غرفة الدّرس.

    ثالثاً: من خلال تركيز البحث على النّاحية العمليّة، التي توفّرت للباحثين وتجربتهما الغنيّة مع الدارسين، الذين يمكن وصفهم بأنهم متعددو الجنسيّات، ومن ثمّ متعددو الأنظمة اللغوية؛ فإنّه بدا واضحاً أنّ المميزات الإنسانيّة واللغوية والفكريّة والحضارية للدارس أثر واضح في العمليّة التعلميّة والتعليميّة من حيث سرعة الاستقبال اللغوي أو تأخّره، أو حسن اكتساب اللغة الثانية أو صعوبته؛ إذ إنّ اللغة وعاء الفكر.

    رابعاً: يشكّل هذا المحور عماد العمليّة التعلميّة للناطقين بغير العربيّة، وذلك أنّ عمليّة الفهم التّبادلي تتطلب آلية ومنهجيّة مناسبة، فالمدرس صاحبُ المنهجيّة المناسبة قادرٌ على توصيل الفهم للآخرين بطريقة قابلة للإقناع والاقتناع، فسرّ نجاح هذا المدرس في درس العربية للناطقين بغيرها يكمن في هذا التساؤل:
    هل كانَ مُقنعاً؟ أو هل كانَ مؤثّراً؟ وهكذا حاول البحث الإشارة إلى أنّ منهجيّة المدرس القائمة على مبدأي : التّاثر والتأثير – والإقناع والاقتناع هي أساس نجاحه وتميزه في العملية التدريسيّة.



















    الهوامش:

    (1) انظر لمزيد من التفاصيل في:
    مجد محمد باكير البرازي ، مشكلات اللغة العربية المعاصرة، ، مكتبة الراسلة، عمان – الأردن، الطبعة الأولى 1989م.
    محمود تيمور، مشكلات اللغة العربية. بدون معلومات.
    المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، صناعة المعجم العربي لغير الناطقين بها، أبحاث الدورة التدريبيّة الرباط – 1981م.
    مصطفى الشهابي، مشكلات العربية، مجلة المجمع العلمي العربي ، دمشق، المجلد 39 الجزء الرابع.
    (2) انظر: محمد صالح سمك، فن التدريس للتربية اللغوية وانطباعاتها المسلكيّة وأنماطها العمليّة، نكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، 1986م من ص454 - 466
    (3) هو الأستاذ محمود ربايعة المحاضر غير المتفرغ في مركز اللغات بالجامعة الأردنية.
    (4) ( أحمد مختار عمر، مشكلات دلالية في وقائع تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: الجزء الأول: مكتب التربية العربي لدول الخليج، 78ص).
    (5) علي الحديدي، مشكلة تعليم اللغة العربية لغير العرب، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1966م.ص47).
    (6) (Macky, W. F. Language Teaching Analysis. London: Long man Group. 6th Edition, 1976)
    (7) محمود كامل الناقة، خطة مقترحة لتأليف كتاب أساسي لتعليم العربية للناطقين بغيرها، وقائع ندوات تعليم العربية للناطقين بغيرها، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ج 2 ص239.
    (8) د. ناصر عبد الله الغالي، د. عبد الحميد عبد الله ، أسس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربيّة: – دار الغالي الرياض.
    (9) د. أحمد مجدوبة وآخرون، العربيّة للناطقين بغيرها: المستوى الأول، الجامعة الأردنية – عمان الأردن.
    (10) د. أحمد مجدوبة وآخرون، العربيّة للناطقين بغيرها: المستوى الثاني، الجامعة الأردنية – عمان الأردن.
    (11) انظر : لهكتر هامرلي: النظرة التكاملية في تدريس اللغات ، ترجمة راشد الدويش، جامعة الملك سعود ، ص 53.
    (12) المرجع السابق: ص53.
    (13) د. علي القاسمي ، اتجاهات حديثة في تعليم العربية للناطقين بغيرها،– عمادة شؤون المكتبات – الرياض السعودية 1979م، ص82.
    (14) انظر: د. أحمد ياقوت سليمان ، في علم اللغة التقابلي: ، دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية – 1992.
    (15) محمد صالح بن عمر : كيف نعلم العربية لغة حيّة. سلسلة لسانيات عربية. معهد بورقيبة للغات الحية، تونس.
    (16) محمد صالح بن عمر : كيف نعلم العربية لغة حيّة. سلسلة لسانيات عربية. معهد بورقيبة للغات الحية، تونس.
    لمزيد من المعلومات عن جوانب الإعداد اللغوي: انظر: الدكتور علي أحمد مدكور، تقويم برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها:– منشورات الإيسيسكو الرباط 1985م، ص 28.
    (17) القاسمي: اتجاهات حديثة: 91.


    قائمة المصادر والمراجع

    - د. أحمد مجدوبة وآخرون، العربيّة للناطقين بغيرها: المستوى الأول، الجامعة الأردنية – عمان - الأردن.
    - د. أحمد مجدوبة وآخرون، العربيّة للناطقين بغيرها: المستوى الثاني، الجامعة الأردنية – عمان - الأردن.
    - أحمد مختار عمر، مشكلات دلالية - في وقائع تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: الجزء الأول: مكتب التربية العربي لدول الخليج). 1401هـ .
    - د. أحمد ياقوت سليمان، في علم اللغة التقابلي، دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية – 1992.
    - د. علي أحمد مدكور - تقويم برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها:– منشورات الإيسيسكو الرباط 1985م.
    - علي الحديدي، مشكلة تعليم اللغة العربية لغير العرب، القاهرة، دار الكتاب العربي، 1966م.
    - د. علي القاسمي، اتجاهات حديثة في تعليم العربية للناطقين بغيرها،– عمادة شؤون المكتبات، الرياض، السعودية 1979م.
    - مجد محمد باكير البرازي، مشكلات اللغة العربية المعاصرة، مكتبة الرسالة، عمان الأردن، الطبعة الأولى 1989م.
    - محمد صالح بن عمر : كيف نعلم العربية لغة حيّة. سلسلة لسانيات عربية. معهد بورقيبة للغات الحية، تونس.)
    - محمد صالح سمك، فن التدريس للتربية اللغوية وانطباعاتها المسلكيّة وأنماطها العمليّة، نكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، 1986م.
    - محمود كامل الناقة، خطة مقترحة لتأليف كتاب أساسي لتعليم العربية للناطقين بغيرها، وقائع ندوات تعليم العربية للناطقين بغيرها، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الجزء الثاني، 1401هـ .
    - مصطفى الشهابي، مشكلات العربية، مجلة المجمع العلمي العربي ، دمشق، المجلد 39 الجزء الرابع.
    - المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، صناعة المعجم العربي لغير الناطقين بها، أبحاث الدورة التدريبيّة الرباط – 1981.
    - ناصر عبد الله الغالي، د. عبد الحميد عبد الله، أسس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربيّة - دار الغالي الرياض.
    - د. نهاد الموسى، قضية التحول إلى الفصحى في العالم العربي الحديث، دار الفكر، عمان، 1987م.
    - هكتر هامرلي، النظرة التكاملية في تدريس اللغات، ونتائجها العمليّة، ترجمة: د. راشد بن عبد الرحمن ادويش، جامعة الملك سعود، 1994م.
    - Macky, W. F. Language Teaching Analysis. London: Long man Group. 6th Edition, 1976.

    د. خالد حسين أبو عمشة
    دكتوراه في اللسانيات ومناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بغيرها
    المدير الأكاديمي ورئيس قسم اللغة العربية المعاصرة
    مركز قاصد لتعليم اللغة العربية المعاصرة والكلاسيكية
    abuamsha@gmail.com
    0795589886
    عمّان - الأردن

  4. #4
    كاتبة الصورة الرمزية ريمه الخاني
    تاريخ التسجيل
    04/01/2007
    المشاركات
    2,148
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي رد: تعليم العربيّة للناطقين بغيرها : مُشكلات وحلول

    موضوع مهم جدا دكتور خالد، سكب بلغة بليغة وتصنيف دقيق، قد يضاف إليه من خلال التجربة الميدانية. ولي بحث رادف سأقدمه بإذن الله، لمؤتمر حديثا، سوف يكون من نظرتي التربوية الأدبية فقط، ولكم الفضل والباع فيه .


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •