"وقال أبو عثمان الجاحظ : ولم ير الناسُ أعجبَ حالا من الكميت والطرمّاح , وكان الكميت عدنانيَّا عصبيَّا , وكان الطرمّاح قحطانيَّا عصبيَّا , وكان الكميتُ شيعيَّا من الغالية , وكان الطرمّاح خارجيَّا من الصُّفْريَّة , وكان الكميت يتعصَّب لأهل الكوفة , وكان الطرمّاح يتعصَّب لأهل الشَّام . وبينهما مع ذلك من الخاصَّة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط , ثم لم يجر بينهما صَرم ولا جفوة ولا إعراض , ولا شيء مما تدعو إليه هذه الخصال .
ولم ير الناسُ مثلَهما إلا ما ذكروا من عبد الله بن زيد الإباضيّ وهشامِ بن الحكم الرافضيّ فإنهما صارا إلى المشاركة بعد الخُلطة والمصاحبة .
وقد كانت الحال بين خالد بن صفوان , وشبيب بن شيبة , الحالَ التي تدعو إلى المفارقة بعد المنافسة والمحاسدة ؛ للَّذي اجتمع فيهما من اتفاق الصِّناعة , والقرابة , والمجاورة فكان يُقال : لولا أنهما أحكم بني تميم لتباينا تباينَ الأسْد والنُّمْر.
وكذلك كانت حال هشام بن الحكم الرَّافضيّ , وعبد الله بن يزيد الإباضيّ , إلاّ أنهما أفْضلا على سائر المتضادِّين بما صاروا إليه من الشركة في جمع تجارتهما ".
البيان والتبيين – الجاحظ – ج1 ص 47.