( الستارة مفتوحة على قاعة فخمة مزينة بباقات الزهور وبصورة كبيرة للرئيس .
تمضي فترة من الوقت تصدح فيها موسيقى حماسية 0
يدخل الرئيس محاطاً بثلة من الحرس ويتجه إلى مكتب فخم في زاوية المسرح قد ركب فوقه عدد من المكروفونات . يجلس وراء المكتب بينما يتوزع الحراّس في زوايا المسرح.
في أثناء خطاب الرئيس تعرض على شاشة في عمق المسرح رقوق سينمائية كما تجري لوحات إيمائية "بانتومايم" مستمدة من فحوى الخطاب . ويترك اختيارها وتصميمها للمخرج وهي جزء لا يتجزأ من المسرحية . تصدح موسيقى عسكرية خفيفة طوال الوقت ) 0
الرئيس : يا أبناء الشعب العظيم
ونحن نستقبل يوم الانتخاب الذي ستجددون فيه ثقتكم برئيسكم قررت إيمانا مني بالديمقراطية أن ألقي عليكم هذا الخطاب التاريخي وأن افتح أمامكم بصراحة كاملة كتاب حياتي لتقرؤوه بحيادية وموضوعية 0 وسترون كيف ان المشاغبين حاولوا بتفسيراتهم الخبيثة ان يشوهوا أحداثاً معينة فيها . وأنا في الحقيقة لا تضيرني اتهاماتهم الباطلة فما هي سوى فقاعات صابون . وإني لأسألكم : أيّ حق يخولّ لهم ملاحقة أحداث حياتي منذ طفولتي .. منذ كنت تلميذاً في الابتدائية ؟! هل لتلك الأحداث علاقة بالمنصب الذي أتبوأه اليوم؟! ولكن هذا هو منطقهم الفجّ . إنهم ليذكرون أحداثاً من حياتي الغابرة بتفصيلات لا أكاد أتذكرها أنا نفسي . فهم يزعمون مثلاً أنني كنت وأنا تلميذ في الابتدائي استولي بالإكراه على ممتلكات زميل من زملائي وهذا محض افتراء . وكل الحكاية أن ذلك الزميل كان يشاركني في مقعد الدراسة . وكنا نضع أشياءنا في درج واحد . وأنا كما تعلمون نشأت فقيراً وأنا أفتخر بذلك . وكان زميلي هذا ميسور الحال . فكنت أستحل لنفسي أخذ بعض حاجاته الضرورية لي . كنت بالكاد أدبّر أمري وكان بوسعه الحصول على غيرها . وهو نفسه لم يشكوني يوماً . تلك هي الحكاية .في ذلك ضير ؟! فلماذا يطّبل لها المشاغبون ويزمرون في منشوراتهم الصفراء ؟
وحكاية أخرى من عهد صباي أطنب المشاغبون في الحديث عنها وهي تخص عهد التلمذة أيضاً. ولقد كنت من التلامذة المتفوقين في جميع مراحل الدراسة . وأعترف أنني أدين بهذا التفوق إلى موهبة أنعم الله بها عليّ وهي القدرة على التلخيص المركز. فكنت أعمد إلى تلخيص الكتب المدرسية في وريقات معدودات لأ تنفع بها في الامتحانات . ولم تخب تلك الوريقات في أداء مهمتها يوماً . كنت أستثمر موهبتي لا أكثر . فأين البأس في ذلك ؟! ولماذا يقول عني أصحاب الأوراق الصفراء أنني كنت أسرق نجاحي ؟!
ويسرني أن يعمد أولئك المشاغبون إلى نشر أمثال هذه الحكايات السخفية عن حياتي لكي ينكشف لكم زيفهم وتدركوا أنهم ليسوا خصوماً شرفاء بل مجرد طامعين في مركزي .و إلاّ فلماذا ينبشون في أخص خصوصيات حياتي ويعرضونها عليكم بأسلوب مشوهّ ؟! وما دخل حياة التلمذة بالسياسة ؟! وما دخل كل ذلك بكفاءتي في إدارة شؤون الدولة؟!
ولا بد أنكم قد اطلعتم أيضاً على الحكاية التي أوردوها في أوراقهم الصفراء عن حياتي العاطفية في عهد الشباب .. يوم كنت طالباً في الجامعة .. وكأنها تسئ إلى الأخلاق العامة مع أنها ليست سوى جزء من الحياة العاطفية لأي شاب . وقد أضفوا عليها من خيالهم المريض ما جعلها تبدو كذلك . وكل الحكاية أنني كنت قد تعاهدت مع زميلة لي في الجامعة على الزواج . وكانت هي من أسرة لامعة وأنا من أسرة خاملة . وتعاهدنا أيضا على الموت إذا رفضت أسرتها الموافقة على زواجنا . ونفذّت هي الاتفاق لكنني صحوت في اللحظة الأخيرة ولم أفرّط بحياتي . وطبعا كان ذلك تعقلا منّي0 وهم يتهموني لذلك بأنني سرقت حياتها . ولكن لماذا يوجّهون إليّ اللوم بدلاً من أن يوجّهوه إلى أسرتها المتجبرة التي ضحت بابنتها تشبثاً بعنجهيتها ؟! ولقد أوحى إليهم خيالهم المريض أيضاً بأنني كنت مزيفاً في عواطفي نحوها وأنني كنت أهدف إلى الانتفاع من نفوذ أسرتها . ودليلهم على ذلك أنني تزوجت قبل أن ينقضي عام على موتها . فهل يمكن أن يتخذ مثل هذا الأمر دليلاً على زيف العواطف ؟! فأنتم تعلمون أن الكثيرين من الأزواج الذين أحبو زوجاتهم أعظم الحب تزوجوا بعد اقل من عام من وفاتهن . فهل يعني ذلك أن عواطفهم كانت مزيفة ؟
ولقد اتخذوا من قصة زواجي أيضاً هدفاً للطعن في نزاهتي لا لشيء إلاّ لأن زوجتي من أسرة مرموقة . وكأنه حرام على أبناء المسحوقين أن يحبوا بنات الأسر المتنفذة وأن يرغبوا في الزواج منهن . وإذا ما فعلوا كان ذلك مدعاة للشك في صدق عواطفهم . وقد عاب هؤلاء المشاغبون عليّ أن تؤازرني زوجتي في حياتي العملية وكأنهم لا يعلمون أن الزواج ليس سوى شركة وأن من واجب الزوجة أن تساند زوجها في حياته العملية وأن تساعده على النجاح . وهم يزعمون أنه ما كان يتهيأ لي أن أتسلق السلم الوظيفي بسرعة صاروخية لولا دعم أسرتها لي ، ويتهموني بأنني سرقت بذلك حقوق زملائي . فهل يمكن أن ينجح موظف في تسلّق السلم الوظيفي بصورة استثنائية ما لم يكن مسلحاً بقدرات استثنائية ؟ لقد كنت دائماً موظفاً كفؤاً كما أنا اليوم رئيس دولة كفؤ .. وأظن أن هذا الأمر واضح للجميع . غير أن أصحاب المنشورات الصفراء يريدون أن يجعلوا من كفاءتي نقيصة من النقائص 0 وإنهم ليشككون حتى بجدارتي بمنصب مدير مكتب الرئيس يوم تقلدته . والكلام حول هذه القضية بالذات في منشوراتهم الصفراء كثير . وكلكم يعرف الرئيس المرحوم معرفة جيدة . فهل يعقل أن يختارني لهذا المنصب الهام بعد فترة وجيزة من انضمامي للحزب لو لم أكن كفؤا ؟! وحتى مسألة انضمامي لحزبي الجديد أحاطوها بأكاذيب شنيعة . وكلكم يعلم أنني كنت منتمياً إلى الحزب المعارض . ثم تبين لي أن نشاطات ذلك الحزب وأفكاره لا تخدم مصلحة البلاد . فهجرته وانضممت إلى الحزب الحاكم فهل في ذلك بأس ؟! أليس من الأفضل للمرء أن يغيّر آراءه إذا أدرك خطأها ؟ ولكنهم يتهموني بأنني ما تركت حزبي القديم وانضممت إلى حزبي الجديد إلاّ طمعاً في المكاسب بل أنهم انساقوا مع خيالهم المريض فقالوا إن احتضان الرئيس المرحوم لي يعود إلى أنني كنت أخدمه شخصياً وأنني صرت جاسوساً على منافسيه في الحزب .. فأي خيال مريض هذا0 فهل كنت سأتولى أمانة الحزب في فترة قياسية لو لم أكن متميزاًَ بكفاءة فذّة ؟! وهل كان يمكن أن يلقى ترشيح الرئيس لي لمثل هذا المنصب قبولاً من كوادر الحزب لو لم أكن أهلاً له ؟!
أنا لست مطالباً بالطبع أن أرد على كل تهمة دنيئة توجه إليّ في المنشورات الصفراء ، لكنني وعدتكم أن أفتح أمامكم كتاب حياتي لتقرؤوه بكل وضوح .
لقد قال المشاغبون عني بأنني ما كنت سوى ظلّ تافه للرئيس المرحوم ، وأنني كنت أتصرف في بداية صلتي به كخادم شخصي00 بل وزعموا أنني كنت أحمل له معطفه في الحفلات الرسمية 0 وأي عيب في ذلك مادمت أكنّ له احتراما عظيماً ؟! وهم يزعمون بأنه لم يخترني نائبا له إلاّ لكوني بلا شخصية ولا رأي ولثقته بأني لا يمكن أن أكون منافساً له على منصب الرئاسة في يوم من الأيام . وهم يضطرونني بذلك إلى أن أكشف لكم سرّاً لم أذعه من قبل. لقد كان الرئيس المرحوم ظلاّ لي ولم أكن أنا ظلاً له . أتدرون لماذا اختارني نائباً له ؟! لأنني في أحيان كثيرة كنت مسؤولاً عن القرارات الهامة التي يتخذها . فبعد أن اختبر مواهبي صار يعتمد عليّ اعتماداً كلياً0 ولم يكن يتخذ قراراً خطيراً من دون استشارتي0 وأنا لا أحب بالطبع أن أسيء إلى ذكراه فنحن جميعاً نجلّه على خدماته للبلاد ولا أريد أن تهتز صورته في عيونكم . لكن أولئك المشاغبين يدفعونني دفعاً إلى الكشف عن بعض جوانب شخصيته المجهولة لكم . وأنا نفسي دهشت حينما عرفته عن كثب . فقد وجدته شخصية مترددة عاجزة عن اتخاذ القرارات الحاسمة . وأنتم تتذكرون ذلك القرار الخطير الذي اتخذه قبل وفاته بأسبوع والذي هلّلت له البلاد وكّبرت . وأنا أسمح لنفسي للمرة الأولى أن أعلن لكم أنني أنا الذي اتخذ ذلك القرار في الحقيقة0 ففي مساء ذلك اليوم استدعاني إلى مكتبه وكان في حالة نفسية سيئة . وقال لي : أنت تعلم أنني لا بد أن أواجه الشعب بعد قليل وأعلن عليهم قراري . لكن هذا القرار يبدو لي مغامرة غير مأمونة العواقب . فما رأيك أنت ؟! وأؤكد لكم أنني ظللت أكثر من ساعة وأنا أجادله في سلامة القرار وألحّ عليه بضرورة اتخاذه حتى اقتنع أخيراً . ولولاي ما اتخذ ذلك القرار التاريخي . ومع ذلك يقول عني أولئك المشاغبون أنني بلا شخصية ولا رأي . بل إن خيالهم المريض ليسمح لهم بالقول أنني كنت المستفيد الأول من موته المفاجيء ولولا ذلك ما تهيا لي أن أكون رئيساً للبلاد . تصوروا ذلك ! وفي عرفهم أنني سرقت بذلك أرفع منصب في البلاد !
ولا يخفى عليكم بالطبع أن هدف هذه التقولات الرخيصة في المنشورات الصفراء زعزعة ثقتكم بي وإحداث البلبلة والاضطراب في البلاد ونحن مقبلون على الانتخابات الرئاسية . لكنني على يقين بأن أصواتكم ستكون معي بنسبة تسع وتسعين في المائة . وبما أنهم يتوقعون مثل هذه النتيجة لعلمهم بمحبتكم لي فإنهم يشككون في نزاهة الانتخابات منذ الآن0 وهم يقولون إن واحداً مثلي لا يمكن أن يتخلى عن هذا المركز أبدا بعد أن ألقت به إليه المقادير .. وكأن من الأمور المعيبة أن أرغب في الاحتفاظ بكرسي الحكم لكي أستطيع خدمتكم .. وكأنه أمر غير مألوف أن يرغب الحاكم في الاحتفاظ بمنصبه ! وأنتم تعلمون أن كل القادة العظام في العالم احتفظوا طوال حياتهم بمقعد الرئاسة . لقد احتفظ سالازار وهتلر وموسوليني وفرانكو بمناصبهم إلى أن فارقوا الحياة وهم رؤساء دول عظيمة الشأن0 وهذا شأن معظم رؤساء دول أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والدول الشيوعية ودول منطقتنا . فهل في ذلك عيب ؟! وهل كل هؤلاء القادة على خطأ ؟
لقد أدركتم الآن ولاشك كيف حاول أولئك المشاغبون تشويه أحداث حياتي الغابرة مع انه لا علاقة لها بالسياسة فما بالكم بالأحداث ذات الصلة بالسياسة ؟! فهم يحمّلونني كل الأخطاء والتجاوزات التي تحدث للمواطنين وكأنني أنا وحدي الذي يتولى تسيير شؤون البلاد. وهم يزعمون بأنني صادرت حرية الرأي وملأت السجون بالمعارضين . وهذا افتراء شنيع . فحرية الرأي متاحة للجميع كما تعلمون بدليل الصحف العديدة التي تملأ واجهات المكتبات. أما سجوننا فلا تضم إلاّ من يحاول إثارة البلبلة والشغب بين صفوف المواطنين وأنتم تتفقون معي ولا شك بأن أمثال هؤلاء يستحقون أقسى العقوبات بل ويستحقون تحطيم رؤوسهم القذرة0 أما المواطنون الأبرياء فإنني أحرص كل الحرص على سلامتهم وإنني أبذل قصارى جهدي لملاحقة أي تجاوز على حقوقهم من قبل أي مسؤول مهما علا مركزه0 وأنتم تعلمون جميعاً أنني يسرت لكل مواطن منكم الاتصال بي تلفونياً وإبلاغي بما يلحقه من أذى بل وأن يقابلني شخصياً وينقل إليّ شكواه فأبواب مكتبي مفتوحة لكم جميعاً . هذا فضلاً عن أن المحاكم ما وجدت إلا لاستقبال شكوى المواطنين0 فكيف يجرأ أصحاب الأوراق الصفراء على الزعم بأننا نمارس في بلادنا انتهاكات لحقوق الإنسان ؟! غير أنني أبادر إلى القول أنه قد تحدث فعلاً بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان دون علم مّنا0 ولكن دعوني أسألكم : أين هي البلاد التي لا يحدث فيها انتهاكات لحقوق الإنسان ؟ كلكم يسمع ويقرأ عما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في أرقى بلدان العالم وبأشكال متنوعة وكثيرة . هناك في بعض البلدان مصادرة لحقوق الفقراء من قبل الأغنياء . وهناك في بلدان أخرى استغلال بشع من قبل أصحاب الشركات الكبرى لجهود العاملين فيها . وهناك بلدان راقية يهيمن عليها أصحاب الثروات الطائلة ويسيّرون الحكم لمصالحهم الخاصة . بل هناك بلدان راقية لا يجد فيها بعض المواطنين مأوى يظللهم فيبيتون لياليهم على أرصفة الشوارع . ومع ذلك لا يقال عنها إنها تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان بل إنها لتزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان . ولا يقال عن حكّامها ما يقال عني في الأوراق الصفراء . فلماذا أستهدف أنا لكل هذه التخرصات ؟! ولماذا ينبشون في حياتي ليبتكروا لي أخطاء وعيوب أنا براء منها ؟! وإنني لأتحدى أصحاب الأوراق الصفراء بأن يأتوني باسم حاكم من حكام العالم ليس فيه معايب وليس له أخطاء ولا تنطوي حياته على مثالب 0 ففي كل يوم تطالعنا المجلات وتذيع علينا الإذاعات أخباراً مخزية عن حكام العالم تنطوي على فضائح خلقية ورشاوي وسرقات شنيعة . بل إن عدداً من أولئك الحكام يحكمون بلدانهم بأسلوب استبدادي لا يختلف عن أساليب القرون الوسطى ونحن في نهاية القرن العشرين . وهناك آخرون ينهبون ثروات بلدانهم ويحوّلونها إلى حساباتهم في البنوك الأجنبية . ومع ذلك لا يتحدث عنهم خصومهم بالشكل الذي يتحدث به عني المشاغبون في أوراقهم الصفراء0 غير أنني على يقين أن تلك الأحاديث لن تؤثر فيكم . فليقل خصومي عني ما يقولون .. وليشوهوا صورتي أمامكم بالطريقة التي تحلو لهم وهم لا شك بارعون في ذلك 00 فليست وريقاتهم الصفراء سوى فقاعات صابون سرعان ما تنفجر في الهواء0 وستنتخبون رئيسكم المحبوب بكل تأكيد00 بل ولن تقل نسبة التصويت عن مئة في المئة0 وستظل قلوبكم معه إلى الأبد .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
( تعلو الموسيقى العسكرية الحماسية بينما تهبط الستارة ببطء) *


- ستار الختام -