دروس من معركة القصير..!

كتبها د.أ.ب


لقد أخبرنا الصادق المصدوق نبي الرحمة (عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام) بأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولأنه من لم يهمه أمر المسلمين فليس منهم، ولأن الدم السني واحد ، فقد أضحى الكثير من ابناء الأمة العربية والاسلامية اليوم شغلهم الشاغل هو متابعة أحداث سوريا وتحديداً معركة القصير وتداعياتها والدعاء لأهلنا فيها ولأسود أهل السنة الصامدون في الشام الحبيبة الأسيرة بحراب أزلام ولاية الفقيه بالنصر عاجلاً وليس آجلا بإذنه تعالى – وذلك أضعف الإيمان.

ورغم ما قيل ويقال من تحليلات وما ينشر عن هذه المعركة ونتائجها وتداعياتها، إلا اننا سنحاول في هذه المقال قراءة معركة القصير ومدلولاتها بصورة مغايرة بعض الشيء، واسقاطها على واقعنا نحن سنة العراق في محاولة لنا لنستخلص بعض ما يفيدنا إن شاء الله من الدروس والعبر في منازلتنا المستمرة مع حكومتنا ( المنتخبة ديمقراطياً ) وبعض شركائنا في الوطن والجهات التي تقف وراءهم، والتي أبتدأت بصورة علنية منذ الغزو الأمريكي لبلدنا العراق الحبييب قبل أكثرمن عقد من الزمن.

لعل من ابرز الدروس المستقاة ما يأتي :

1- التدخل المباشر والسافر من قبل ايران دعماً لمصالحها ، فإيران لا تتورع عن إرسال مقاتلين ايرانين (بلغ عديدهم 28 ألف مقاتل) والزج بمليشياتهم في أتون المعركة كما حـدث في معركة القصير و توريط حزب الله في القتال الأرضي المباشر وبقيادة ضباط ايرانين (بلغ عدديد قوات حزب الله المتورطين في سوريا 14 ألف مقاتل) ، واستجلاب ميلشيات عراقية (7 آلاف مقاتل) وأفغانية (3 آلاف مقاتل من حزب الوحدة الشيعي الأفغاني). وبذلك فهي تتصرف حسب أجندتها الخاصة بدون انتظار ردود أفعال دولية على تصرفاتها وسلوكياتها العدوانية.

2- البراغماتية العالية التي تتصرف بها إيران وحلفاؤها، فحسب القاعدة الاقتصادية المعروفة ( إذا لم تستطع تحقيق أعلى ربح ممكن فتحمل أقل خسارة ممكنة) ، وهذا ما يعملون عليه الآن فإذا لم يستطع الأسد الاحتفاظ بحكم كل سوريا فالحل البديل هو دويلة علوية قابلة للحياة تتصل جغرافياً مع دويلة حزب اللات في الجنوب وتُـدعم عسكرياً واقتصاديا عن طريق البحر، إذا فقدت هذه الكيانات المسخ الاتصال مع ايران الشر عبر المحور التقليدي بغداد – دمشق.

3- وتواصلاً في براغميتها فهي تحاول شراء الذمم والمواقف من جهة وشراء الوقت من جهة ثانية ؛ وفي صدد شراء الذمم وتغيير المواقف فهي تلوح بالجزرة للدول العربية ذات الضائقة المالية والاقتصادية كمصر أو محاولة ترهيب وترغيب الأردن بفتح صنبور النفط عليها ، أو فتح مجالات الاستثمار أمام شركات هذه الدول في الحديقة الخلفية لإيران – للأسف اقصد العراق – أو بناء مطار وفندق للزوار حول قبر جعفر الطيار( رض) وإلى آخره من الأكاذيب. أما في صدد كسب الوقت فالمراهنة تتم فيه على تغيير الواقع الديمغرافي لبعض المناطق وزرع الفتنة بين أبناء الشعب السوري وفصائل الثوار وفقدان زخم الثورة نتيجة الخسائر البشرية والبطش الذي تمارسه القوات الأسدية والعصابات المتحالفة معها، مما قد يفقد الثورة أنصارها مع التركيز على بعض الحوادث المتفرقة هنا وهناك لتشويه الثورة، فضلاً عن ثقل الأعباء الاقتصادية التي ينوء تحت اعبائها الشعب السوري بعامة والمناطق الثائرة بخاصة.

4- التحرك على المستوى الدولي أو الايهام بذلك ، فبمجرد الإعلان عن مؤتمر أصدقاء سوريا في عَـمان ، اعلنت عن مؤتمر موازٍ في طهران يليه بأسبوع ، وإن لم يحضره إلا بضعة دول على اصابع اليد الواحدة فلا يهم – وبالمناسبة كان وزير الخارجية العراقي هو أرفع شخصية حضرت هذا المؤتمر الضِرار-، وهو ما ذكرني بمؤتمر تقريب المذاهب في بغداد الذي لم يحضره إلا بضعة معممين مصريين على أصابع اليد الواحدة أجلسوهم في الصف الأول لايهام الناس والمشاهدين بوجود تعدد في الهويات والوجوه والجنسيات في مؤتمراتهم الفاشلة.

خلاصة القول ، وللأسف نقولها بصراحة ومرارة، أن ستراتيجية العمل الايراني تمتاز ( بوضوح الرؤيا وتحديد الهدف - و بالمرونة ممثلة ببراغماتية تحمي هذه الرؤيا لتقليل الخسارة – التواصل الدولي ولو مع بعض الدول والأطراف للتشويش على المواقف الدولية المناهضة لها- المراهنة على عامل الزمن والمماطلة لشق الصف - عدم ارتهان موقفها بالمجتمع الدولي وانتظار الضوء الأخضر والأصفر والاحمر- المبادرة في حماية مصالحها ولو بالقوة – التلاعب بالأوراق الأقليمية والدولية وخلطها للايحاء بالضبابية في كل المواقف والرؤى).

نأتي الى الجهة المقابلة في طرف المعادلة – إن صحت لفظة المعادلة- وهم الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربي والمؤسسات العربية - كجامعة الدول العربية- والمؤسسات الاسلامية العالمية كمنظمة المؤتمر الاسلامي ، فنجد ما يأتي :

1- الاكتفاء بالشجب والتنديد بالتدخل الايراني والمليشياوي البناني في معركة القصير- على أفضل الأحوال كما حصل قبل يومين من قرار الجامعة العربية- والوعود بالدعم في الوقت الذي يتدفق فيه السلاح والرجال على العدو.

2- التصلب في المواقف وعدم المرونة حتى وإن تغيرت الوقائع على الأرض وما تستلزمه المصلحة العامة لفئة أو مكون مضطهد خلال عقد مضى، ولنا في بعض الأطراف السنية في العراق خير مثال على ذلك ، فهي على عكس القاعدة الاقتصادية التي تعمل وفقها إيران الفقيه ومحورها ، تتبع هذه الأطراف والمؤسسات قاعدة ( كل شيء أو لا شيء) ، فالأقليم تقسيم والمشاركة بالجيش والشرطة خذلان ... والنتيجة كما ترون حضراتكم.

3- عدم وجود جهة عربية أو دولة عربية وإسلامية داعمة لمشروع مضاد واضح المعالم يناجز المشروع الفارسي الصفوي، فبعد أن خرجت الجموع الغاضبة في ساحات العز والكرامة دفاعا عن الأتفس والأعراض لم تجد سوى صور أوردغان ترفعها، وحتى هذه الصور على قلتها استكثرها زبانية ولاية الفقيه الذين نصبوا صور قتلة الشعب العراقي وشبابه - الذين راحوا ضحية حربهم القذرة بمئات الآلاف- كالخامنئي والخميني في قلب بغداد مرة في شارع فلسطين أحد اهم الشوراع بحجة جمعة القدس، ومرة عند ملعب الصناعة قبيل استعراض مليشيا البطاط ولا داعي لذكر المحافظات الجنوبية وهلم جرا.

أخيراً إذا أردنا أن نلخص أهم عناصر ستراتيجية عمل الفريق المناهض لمشروع إمبراطورية الشر الخمينية نجد ما يأتي: ( ضعف وخوار في اتخاذ القرارات المصيرية التي تمس وجودنا ، غياب المشروع الموحد أو لنقل الرؤيا لدى هذا الفريق وبالتالي غياب خارطة طريق لتحقيق أهدافهم – إن وجدت لهم أهداف من أصله- ، عدم المرونة والتصلب في المواقف مما ينعكس سلبا على المكاسب التي يمكن أن يجنيها المنتفضون من أي مواجهة أو حراك مع الحكومة التابعة للولي الفقيه في العراق، وأخيراً غياب الراعي القوي كجهة دولية لمشروع سني في المنطقة فبعد أنهيار المحور السعودي- المصري عقب الثورة المصرية، وتخبط حكم الأخوان بين الاستمرار على الخط السابق أو فتح الباب – للأسف- امام ايران، بدأ الكلام عن المحور القطري – التركي – السعودي وحتى إن وجد هكذا محور فإن أداءه لا يرقى لأداء المحور الايراني – السوري - العراقي ( ممثلاً بحكومة المالكي ) – اللبناني ( ممثلاً بحزب اللات).

وقبل أن نختم نعرج على حكومة المالكي التي هي بدورها تعلمت من الأخت الكبرى ايران اللعب على جميع الحبال ، فبعد أن أسقط منافسيه من السياسين السنة ( الهاشمي ، والعيساوي وغيرهم) أرسل وكيله للصفقات الفاسدة والمشبوهة المدعو وزير الدفاع سعدون الدليمي لجس نبض قطر، وعاد بأخبارٍ ممتازة كما أعلن عنها لا يعلم كنها إلا الله تعالى و(الراسخون بالعلم)، وأخشى ما اخشاه أن قطر أبدت عدم استعدادها لدعم أي أنتفاضة سنية في العراق أو أي صفقة أخرى من هذا النوع.

إن دماء أطفالنا وأخواننا وأخواتنا الإبرياء من أهل السنة والجماعة التي سالت و تسيل في القصير اليوم، وفي سوريا والعراق ولبنان والأحواز وغيرها يجب أن تكون هي ناقوس الخطر الذي يدق لينبه جميع الحكومات والقيادات في المنطقة تحديداً وفي العالم الاسلامي بصورة عامة ، من نومها وسباتها العميق فالعالم لم يعد كما كان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وأمريكا ليست مستعدة للتدخل في المنطقة وارسال جنودها لأي سبب كان خاصة بعد أن هزمت من قبل المقاومة السنية في العراق من جهة ، وفي ظل تراجع اهمية نفط المنطقة للعالم واكتشاف مناطق جديدة على مستوى العالم من جهة ثانية، وكذلك التطورات الفنية التي شهدتها هذه الصناعة في الولايات المتحدة وأوربا في السنوات القليلة الماضية من جهة ثالثة ، مما يتطلب ان يكون لنا مشروعنا المقاوم ذو الملامح والأهداف البينة،

ولينصرَنَّ اللهُ من يَـنصره.


عن موقع الرابطة العراقية