رسائل الأشجان لأبي علي الغلبان ..

الرسالة الثامنة : إديني بقرش لب ..!



كان عند أسرة الغلبان مذياع قديم ( يساوي هذه الأيام آلاف الدولارات ) عبارة عن صندوق خشبي في وسطه دائرة كبيرة هي عبارة عن سماعة مغطاة بقماش خاص ، وبجانبها مصباح صغير ، مستطيل ، أخضر جميل ، يضيئ حين تشغل الزر ، وتوجد تحته مساحة زجاجية مستطيلة كبيرة عليها أرقام كثيرة ومؤشر عامودي يتحرك يمينا وشمالا بين الأرقام ، مربوط بخيط متين مشدود إلى مفتاح الموجات .. المذياع من نوع فيليبس ، ممتاز جدا جدا كما كان يراه الغلبان ، بيجيب لك صوت العرب وعبد الناصر وأم كلثوم كل خميس ، وال (بي بي سي ) وصوت الشقيري في صوت فلسطين ، لكنه كان مستاء من حجم البطارية التي تشغل الراديو ، لونها أحمر ، بطارية ( أم بسين ) كانوا يقولون في الدعاية أنها تعيش العمر بعمرين ..
الراديو ، كما يقول الغلبان ، كان يجيب كلام حلو ، وكلام تشجيعي ، بصوت أحمد سعيد وتعليق محمد عروق ، وأغاني على الكيف .. حياة كانت ( أبهه ) عل رأي أخواننا المصريين ..!
قال : كانت هناك ذاكرة نبيلة ، تختلف كثيرا عن ذاكرة البلاستيك المنتشرة هذه الأيام ..
ذاكرة عمومية ، تشمل الصغار والكبار ، كان أ طفال زمان ، وشباب زمان ، ورجال زمان ، يرددون أناشيد وأغاني محترمة ، في البيت والمدرسة والشارع ، في المقهى ، عند الحلاق ، في المخبز ..
المذياع كان يبث لنا :
دع سمائي فسمائي محرقة
دع قنالي فمياهي مغرقة

وأيضا :
يا بلاد العرب جددي عهد النبي
وأيضا :
يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلا فجر مجد يتسامى
... و / الله أكبر فوق كيد المعتدي ..
والله للمظلوم خير مؤيد
أنا باليقين وبالسلاح سأفتدي
وطني ونور الحق يسطع في يدي


وقال : من الأغاني السائدة في ذلك الوقت ( يا طير يا طاير ، خد البشاير ، من مصر وانزل ، على الجزاير ..) وكذلك ( وطني حبيبي ، وطني الأكبر ، يوم ورا يوم ، أمجاده بتكبر ..).
وكان طلاب المدارس ينشدون للجزائر : ( قسما بالساحقات الماحقات ، والجبال الشاهقات الراسخات ، نحن خضناها حياة أو ممات ، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر ..) .
ولمصيبة فلسطين يرددون ( فلسطين نادت فلبوا الندا ، إلى الحرب هيا أسود الفدا ...!!!! )
ولمصر والسودان ( عاشت مصر حرة والسودان ، دامت أرض واد للأمان ، اعملوا تنولوا . اهتفوا وقولوا ، السودان لمصر ، ومصر للسودان ..)

قال الغلبان : صحيح أن كل جيل يطرب لجيله ، لكن للأسف هناك من يحاول دائما مسح الذاكرة النبيلة ..
قلت : كيف ..؟
قال : شهدنا الكثير من توافه القول والفعل منذ ثلاثة عقود ، نظرا لتراكم المصائب والانفتاح المشبوه على تفاهات الغير ..
سمعنا ( السح الدح امبو ، الواد طالع ل أبوه .. ( هو يعني حيطلع لصاحب أبوه ..؟!)
وسمعنا : طل علي الحليوه من سطوح البيت .. قلت القمر في السما إيه دخله التواليت ..!وأيضا : صنعوا الأستيك من البلاستيك .. يا حنين عالوسط يا أستيك ..!
وسمعنا :
( إديني بقرش لب .. أتسلى عشان بحب / إديني بقرش تاني .. وحياة والدك سوداني )
ومن عندي قال الغلبان : أقدم لهم عناوين أغاني :
( يا مخصخص يا حلو .. يابو جفن مكحلو )
( يا شرق أوسطيه يا ميه ميه)
( الزوج من حق الزوجه .. والبيت كمان يا عينيه )
..

ثم جاءنا الطشت ، وبسبوسه بس ، وأشخاص يغنون لا نعرف جنسهم .
والآن في عصر الحرية السكسية ، كما قال حرفيا ، نسمع بوس الواوا ، والحنطور يا محنطر ، والتفاحة والرمانه ، ونرى الرعاشات والهزازات ، والتي تعرض نفسها للدفيعه ..!
وآخرتها يقولون حقوق ومساواة للمرأة بعد ما عملوا منها سلعة رخيصة ، إلا من رحم ربي ..
قال :
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .. ونسأل الله أن يقينا شر القادم الأعظم ..!

قلت : ( فرفطت روحي منك ) .. وهل هناك أعظم مما نحن فيه يا مولانا ..؟!
قال : سأخبرك لاحقا .. بيني وبينك ، ومن يرغب من الزبائن ..!!


حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com