السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أثناء تصفحي لموقع الشبكة الإسلامية وقعت عيني على هذه الفتوى والتي أعجبتني بحسن استدلال المفتي وبراعته في تقديم الكلمات فأبيت إلا أن أطلع إخواني عليها عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قرأنا أحاديث تم تفسيرها بأنها تحرم سماع الموسيقى والأغاني. وقد استمررت في امتناعي عن سماع الموسيقى لفترة طويلة من حياتي... إلا أنني في الأشهر الأخيرة بدأت في الاستماع كنوع من التغيير.

لاحظت أن نفسيتي قد تحسنت ونشاطي الاجتماعي قد زاد وتحسن أدائي في عملي وتحسن نومي وأشياء كثيرة خلاصتها أن الموسيقى أثرت في بشكل إيجابي.

بالطبع لم أكن لأنسب هذا التحسن بالموسيقى على الفور لأنني قمت بعدة أبحاث لتقصي سبب تحسني وكنت أجهل السبب إلى أن صادفت موقفاً دلني على الإجابة التي أبحث عنها.
كان في الطائرة طفل كثير البكاء وحاولت أم الطفل تهدئته بشتى الطرق لكنها فشلت إلى أن نصحتها إحدى الراكبات بالغناء للطفل. وما إن بدأت الأم بالغناء إلا والطفل قد سكت! وارتحنا من بكائه.

في تلك اللحظة قررت البحث عن دراسات تتعلق بتأثير الغناء والموسيقى على الإنسان، وبعد بحث وتقصي في مختلف ملفات بحوث عدة جامعات من عدة دول قام بها طلاب وأكاديميون وكلهم توصلوا إلى تأثير الموسيقى الايجابي على نفسية الإنسان وأثرها في تحسن حياته.. طبعاً ليس كل أنواع الموسيقى، بل أنواع معينة تترك أثراً ايجابياً للمستمع يستمر لفترة طويلة حتى بعد التوقف عن سماع الموسيقى.

نعم الصلاة تبعث بالطمأنينة في نفسي والقرآن أيضاً والذكر أيضاً لكن لا أستطيع نكران أثر الموسيقى أيضاً فهو إيجابي.

بعض الموسيقي مضر مثل موسيقى عبدة الشيطان وما شابههم! لكن هناك ما هو مفيد.

نعم هناك محرمات تبعث بشعور طيب للإنسان مثل الخمور والمخدرات، لكن الكل متفق على ضررها الهائل مع كثرة الاستخدام. ولا ننسى أن شربة ماء حلال شعوره طيب .. ورائحة الورد في صباح ندي شعوره طيب..

الموسيقى لا تضر ولا تسود القلب كما يقول كثير من المشايخ بل إن أكثر الناس حساسية وإرهافاً في المشاعر هم الموسيقيون.. مجمل الأغاني تدعو إلى الحب، وإلى المشاعر. نعم هناك موسيقى تدعو إلى المحرمات، لكن الإنسان عاقل بالفطرة ويعرف طريق الخطأ وطريق الصواب.

سؤالي هو كيف لشيء جميل ورائع مثل الموسيقى يلقى مثل هذا الهجوم الشرس والضاري من بعض المشايخ، وكأن سبب مصائب الناس هو أنهم انتشوا من إحساس رائع تقدمه الموسيقى؟


الجـــواب
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الفاضل/ بدر الشامان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن أول سمة تؤخذ من كلامك الكريم أنك - بحمد الله عز وجل-صاحب مشاعر رقيقة لطيفة، ولك تقدير للأحاسيس الإنسانية كالحب والحنان والعطف، وكذلك نرى - بحمد الله عز وجل - محاولة للالتزام بطاعة الله عز وجل بل وحرصًا على اتباع الحق الذي جاء به هذا النبي الأمين - صلوات الله وسلامه عليه - وقد أشرت إشارة واضحة إلى أن الموسيقى لها تأثير في النفس وهذا قد يقع في كلام بعض الناس إنكاره وليس الأمر بصواب، ولا ريب أن للموسيقى تأثيرًا في النفس بلا ريب، فإنها قد تحرك المشاعر وهنالك من الموسيقى الحزينة التي تنزل الدمعات من عيون كثير من الناس، ومنها من يحمل على شيء من النشاط وإظهار الفرح فيشعر المستمع بنوع من هذا، وكذلك منها ما يؤثر حتى في جلب النعاس والنوم، وقد نُقل عن أبي نصر الفارابي وهو الذي كان يضرب بآلة القانون الموسيقية المعروفة أنه جلس في مجلس بعض الأمراء فأخرج الآلة ونصب أعوادها وهم يستغربون من شأنه لأنهم لا يعرفونها فضرب عليه حتى أبكاهم ونزلت دموعهم تأثرًا لما سمعوا، ثم ضرب عليه حتى أضحكهم، ثم بعد ذلك أخذ يضرب عليه بطريقته حتى نعسوا ونالهم النوم.

والمقصود أن للموسيقى تأثيرًا في النفس - كما هو معلوم – ولهذا التأثير جاءت هذه الشريعة الكاملة بحكمها البيِّن الذي سوف نشير إليه - بإذن الله عز وجل – فثبت بهذا أن إنكار تأثير الموسيقى في النفس هو إنكار غير سليم، بل إن تأثيرها هو الذي تسبب في إيجاد الحكم الشرعي فيها، فليس من شرط الشيء إذا ورد تحريمه أن يكون غير مؤثر وأيضًا فليس من شرطه ألا يكون فيه نفع بوجه من الوجوه بل قد يكون فيه بعض النفع الذي لا يُنكر، ومن ذلك ما أشرت إليه من أن بعض الناس لو سمعوا شيئًا من آلات الطرب فرحوا وابتهجوا وحصل لهم شيء من النشاط الزائد أو الهدوء النفسي الذي يجدونه وغير ذلك من الأمور، فهذا حسب أحوال الناس، والذي يقودك إلى تقرير هذا المعنى أن تعلم أن الأمور على ثلاثة أقسام:

1- القسم الأول: إما أن تكون نفعًا محضًا خالصًا وذلك مثلاً في الطاعات التي أمر الله تعالى بها، كذكر الله جل وعلا بالتسبيح وتحميده وتهليله وقراءة القرآن وكذلك بِر الوالدين ونحو ذلك من الطاعات التي هي خير محض خالص.

2- والقسم الثاني: هو ما كانت مضرته محققة تمامًا فليس فيه نفع بوجه من الوجوه، فمضرته متحققة محضة وذلك كالزنا وكعمل قوم لوط، فإن كل ذلك من الفواحش التي ليس فيها نفع بوجه من الوجوه، بل مضرتها كاملة شاملة، ولذلك قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}.

3- والقسم الثالث: هو ما كان جامعًا بين المضرة وبين النفع، فمن هذا الخمر مثلاً فإن فيها قدرًا من النفع الذي كان يحصله الناس بالبيع والتجارة وكذلك كان من عوائدهم أنهم إذا شربوا الخمر بذلوا المال وأطعموا الناس فكان هذا من عاداتهم التي يقومون بها، ومن هذا أيضًا الميسر – الذي هو القمار – فإنهم كانوا يلعبون الميسر وما خرج سهمه وفاز نحر الجزور (الجمل) وأطعم المحتاجين، فكان هنالك نفع بوجه من الوجوه في الخمر والميسر، ومع هذا كان فيهما الضرر من جهة أخرى، وهو أن الخمر تحمل على فقدان العقل وعلى ارتكاب الأفعال الطائشة التي لا يفعلها الإنسان المتزن، فضررها أعظم بهذا الاعتبار، وكذلك الميسر فإن فيه إهداراً للمال وأكل أموال الناس بالباطل، عدا أنه قد يؤدي إلى ذهاب المال من أصله فيفتقر الإنسان، ويوجد البغضاء والشحناء، فكانت مضرته محققة، وقد قرر ربك العظيم الحكيم جل وعلا هذا المعنى تمام التقرير فقال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.

فتأمل في هذه الآية العظيمة المحكمة كيف أثبت جلَّ وعلا أن فيهما نفعًا بوجه من الوجوه، ثم بيَّن جل وعلا أن فيهما مضرة كذلك، ثم بيَّن أن الغالب هو المضرة ولذلك حكم جل وعلا بتحريمهما.

فعُلم بهذا أنه ليس من شرط الموسيقى والمعازف أن تكون خالية من أي نفع لكي تكون من المحرمات، بل قد يكون فيها بعض الأمور التي ينتفع بها الناس ولكن لضررها المحقق الغالب حرمت في هذه الشريعة الكاملة كما قررنا أدلة تحريمها في غير هذا الجواب.

فإن قلت: فما هو الضرر المحقق من الموسيقى؟

فالجواب: إن الموسيقى أنواع عديدة ومن الأنواع ما يؤدي إلى إثارة النفس إثارة بالغة حتى إنه ليحمل على ارتكاب الجرائم وتقوية الجانب العدواني في النفس، فكما أنها تؤثر في النفس وفي المشاعر في الجانب الذي تشير إليه فإنها قد تؤثر أشد وأنكى في الجانب الآخر، ولذلك كانت من البحوث الاختصاصية التي يقرر فيها بعض المختصين من الباحثين الأمريكيين - الذين هم ليسوا بمسلمين أصلاً – من بيَّن أن أسباب الجرائم وانتشار الإدمان أنواع من الموسيقى الذي يتعاطاها كثير من الناس وهي (موسيقى الروك)، بل إن بعض الباحثات الأمريكيات قد بيَّنت أنه لا يمكن للشعب الأمريكي أن يكون له نهضة إلا بالقضاء على هذا النوع من الموسيقى وسمته باسمه (روك آند رول Rock and roll)، وذكرت كذلك أموراً أخرى ليس هذا مجال سردها.

إذا عُلم هذا فإنك لو تأملت لوجدت أن كثيرًا من أنواع الموسيقى تحمل على هذه المعاني كما أشرنا في (موسيقى الروك) فإنها تثير النزعة العدوانية في الإنسان وكذلك مثلاً (موسيقى الريجي reggae) فإنها تهيج إلى شرب المسكر لاسيما المخدرات وإدمانها فلا تكاد ترى مدمنًا يسمع (موسيقى الريجي reggae) إلا وهو يقابل مدمناً للمخدرات. أو على أقل تقدير يتعاطاها ويستعملها. وكذلك بعض أنواع الموسيقى الأخرى مثل (البريك دنص) ورقصاتها، فإن هذا النوع من الموسيقى الغالب على أهله أن يكونوا من أهل الدياثة بل من أهل عمل قوم لوط والذي يُعرف في الاصطلاح الحديث بالشذوذ الجنسي مع حركات التثني والتكسر (التخنث) التي لا تكاد ترى من يدمن سماع هذه الموسيقى إلا وقد تأثر بها تأثرًا بالغًا.

فإن قلت: سائر الموسيقى الأخرى كالموسيقى الهادئة (slow)؟

فالجواب: إن جميع أنواع الموسيقى تحمل على تهييج النفس إلى الفواحش وإلى المحرمات، فإنك لا تكاد أن ترى من يستمع إلى الموسيقى وإلى الغناء إلا ووجدت أنها تحرك نفسه إلى طلب الشهوات وإلى إقامة العلاقات، حتى ولو كان خاليًا من الغناء والكلام، فمجرد السماع يحرك الأشجان إلى ذلك، ولذلك كان القطع بتحريمها في هذه الشريعة الكاملة بإشارة كتاب الله وبنص النبي - صلوات الله وسلامه عليه – . وأمر يدعو إلى ارتكاب الفواحش ويهيج النفس له جدير بأن يكون من المحرمات، فتحريم الموسيقى هو من تحريم الوسائل المؤدية إلى الحرام، وهذه هي قاعدة الشرع العظيم وهو أنه يحرم الفواحش ويحرم الوسائل التي تؤدي إليها، فأنت نفسك تُقر بأن هذه الموسيقى تحرك العواطف وتحرك النفس.

فإن قلت: إنها تحركها إلى الزوجة مثلاً؟

فالجواب: كلا..بل تحركها إلى عموم المعاني التي يكون فيها العلاقة بين الرجال والنساء، بل إنك لو تأملت الآن ونظرت وفحصت من هم أهل الغناء وأهل المعازف: هل هم الأبرار الأتقياء أم هم الفجار الأشقياء؟! فانظر في المغنين والمغنيات وانظر في المواقع التي يكونون فيها وانظر كذلك في الحفلات الماجنة التي يكونون فيها، ولذلك كان من عظيم فقه الإمام مالك - رحمه الله رحمة واسعة – فيما يروى عنه أنه جاءه رجل فسأله عن هذا الغناء بالمعازف عن حكمه فقال له الإمام مالك: (إذا فصل الله يوم القيامة بين الحق والباطل، فمع أيها يضعه؟ فقال الرجل: مع الباطل، قال: اذهب فقد أفتيت نفسك). وهذا يُروى عنه من كلامه - رحمه الله رحمة واسعة - فلابد إذن من النظرة الفاحصة في هذا الأمر، فإن الله جل وعلا قد بعث نبيه - صلوات الله وسلامه عليه – بما يعود على الإنسان في دينه بالخير والفائدة على أتم الأمور، فهذا الدين العظيم قائم على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتعطيلها، وعلى ارتكاب أخف الضررين، فهذا أمر لابد من الانتباه له، ولابد من النظرة المتزنة فيه، حتى تصل فيه إلى أفضل الأمور وأحسنها، فالمشاعر الإنسانية أمر قد نمته الفطرة على أتم الأمور وأكملها ولذلك فإن الإنسان يؤجر على مجرد بذل الكلام الطيب لزوجه، وهي تؤجر على ذلك، حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك) متفق على صحته. وقال - صلى الله عليه وسلم – (وفي بُضع أحدكم صدقة - يعني الجماع - فقالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر على ذلك؟ فقال: أرأيت إن وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ فكذلك إن وضعها في حلال يكون له أجر) أخرجه مسلم في صحيحه.

هذا مع أنه - بحمد الله عز وجل - يجوز الاستماع للأناشيد الخالية من الموسيقى مما لها معانٍ حسنةٍ أو مباحةٍ وذلك معروف بشروطه في موضع آخر.

وهذا أمر يحتمل البسط بأكثر من هذا الكلام وقد أشرنا لك فيه بما فيه غنى - بإذن الله عز وجل – وواجب المؤمن أنه إذا ثبت لديه أمر قد حرمه الله جل وعلا أن يكون أبعد الناس عنه، كما أنه إن علم أمرًا أوجبه الله جل وعلا أن يكون أول المبادرين إليه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}. وقال - صلوات الله وسلامه عليه -: (لا يؤمن أحدكم حتَّى يكون هواه تبعاً لما جئت به) أخرجه أبو نعيم في الأربعين.

ونسأل الله عز وجل لكم التوفيق والسداد وأن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين، وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه وأن يزيدكم من فضله وأن يفتح عليكم من بركاته ورحماته.

ونود تواصلك مع الشبكة الإسلامية التي ترحب بكل رسالة تصلها منك وأهلاً وسهلاً بك ونسأل الله أن يبصرك ويفقهك في دينك وأن يجعلك من الداعين إلى رضوانه.



المصدر:

http://www.islamweb.net/ver2/Istisha....php?id=280589