الحرب ضد حماس في غزة خاسرة

حدد العدو الصهيوني معالم خريطة طريق لحرب واسعة النطاق ضد حماس في غزة، وبات الأمر لا يحتاج سوى قرار سياسي وضوء أخضر أمريكي. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالحسابات الدقيقة والتقديرات الصحيحة لهذه الحرب تؤكد أنها تقود حتماً إلى هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني.

العدو الصهيوني يسابق الزمن من أجل تهيئة الرأي العام العالمي لمثل هذه الحرب التي من المتوقع أن توقع خسائر فادحة في صفوف الفلسطينيين، عبر اختلاق الأكاذيب فيما يتعلق بالقدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والتهويل من الاستعدادات الدفاعية التي تقوم بها حماس لمواجهة العدوان، والمبالغة في الحديث عن التهديد الذي تشكله صواريخ المقاومة على الكيان الصهيوني.

فالعدو الصهيوني يتذرع لعدوانه المتوقع بسعيه لوقف عملية التسلح والحشد العسكري التي تقوم بها حماس في غزة، وهي في حقيقة الأمر مجرد استعدادات دفاعية ضد العدوان الصهيوني، الأمر الذي يعده الصهاينة تهديداً استراتيجياً لكيانهم ومبرراً لحرق غزة وتدميرها، ولذا فهم يسعون لحشد الرأي العام الغربي ضد حماس وسائر الشعب الفلسطيني.

وزعمت دراسة صهيونية قام بها مركز الاستخبارات ومعلومات الإرهاب، الذي يرأسه العقيد الصهيوني المتقاعد "روبين إيرليك"، أن حماس تقوم الآن بأوسع وأهم بناء عسكري في تاريخها بمساعدة إيران وسوريا، وأنها تقوم بإعادة هيكلة تنظيمها ليصبح أكثر هرمياً، وأنها تخزن كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة والصواريخ طويلة المدى لاستخدامها ضد الكيان الصهيوني، مسترشدة بالتكتيكات العسكرية لمنظمة حزب الله.

ولا شك أن حماس، وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، ماضية في التعبئة والإعداد لصد أي هجوم صهيوني على غزة، خاصة أن الاجتياحات الصهيونية لغزة لا تتوقف قط، وأن الصهاينة لا يكفون عن إطلاق تهديداتهم بسحق غزة وحرقها. المشكلة أن آلة الكذب الإعلامية الصهيونية تحاول إقناع الرأي العام الغربي بأن المحتلين الصهاينة هم ضحايا للعنف الفلسطيني!!

ورغم أن حماس أعلنت عن موافقتها على هدنة متبادلة ومتزامنة وشاملة مع العدو الصهيوني، إلا أن هذا العدو يرفض هذه الهدنة. ويبرر وزير الحرب "أيهود باراك" وغيره موقفهم الرافض لهذه الهدنة بأن حماس تستغل الهدوء النسبي لبناء قوتها العسكرية وتطويرها. ولذلك فإن الحرب التي يعد لها الصهاينة ضد حماس في غزة تأتي في سياق "الضربات الاستباقية والوقائية"، وهو مبدأ عسكري ابتدعه الصهاينة لتبرير عدوانهم وإجرامهم ضد الفلسطينيين.

ولكن من المؤكد أن أي ضربة وقائية استباقية من النوع الذي يفكر فيه الصهاينة ستؤدي إلى سقوط سلطة أوسلو، وإفشال عملية أنابوليس، وإلحاق خسائر فادحة في صفوف العدو الصهيوني، وفتح جبهة جديدة تستنزف جيشه، الذي لن يكون قادراً على الخروج من غزة سالماً...

وفي هذا السياق، ذكر "جاكسون دايل" في مقال له نشرته واشنطن بوست الأسبوع الماضي أن رسميين صهاينة أبلغوه أن قوة حماس العسكرية تزداد مع الوقت، وأن حماس على وشك أن تصبح قادرة على إلحاق خسائر فادحة في جانب العدو الصهيوني ما لم تتعرض لضربة وقائية استباقية، غير أن توقيت هذه الضربة غير محسوم صهيونياً وأمريكياً.

فالرئيس الأمريكي بوش ووزيرته رايس يؤيدان تأجيل هذه الضربة إلى أن يتمكن عباس وأولمرت من التوصل إلى اتفاق مبادئ حول ما يسمى الحل النهائي للصراع العربي–الصهيوني، وبعد ذلك ستمنح الإدارة الأمريكية باراك الضوء الأخضر لشن حرب واسعة ضد حماس في غزة. ولكن الأوضاع العربية تنذر بانفجار كبير يغير المعالم السياسية للمنطقة ويؤدي بالجهود الأمريكية لحماية أصدقائها وحلفائها في المنطقة إلى الجحيم، ولذلك سيكون من الصعب على إدارة بوش التضحية باستقرار المنطقة ومصالحها ونفوذها من أجل ضربة غير مضمونة النتائج.

ولذلك فإن رايس تضغط على أولمرت لتقديم بعض التسهيلات لسلطة عباس وفياض، كرفع بعض الحواجز العسكرية أو إعادة تمركزها، ومنح رجال أعمال فلسطينيين تصاريح للسفر والمرور، وتسهيل حركة المواطنين في الضفة، والسماح لأجهزة عباس وفياض بالانتشار في بعض المناطق في الضفة، والسماح بتسليح تلك الأجهزة وتدريبها في الدول العربية...

وهناك مشكلة أخرى تجعل من الحرب ضد حماس في غزة خاسرة، وهي عجز السلطة الفلسطينية عن السيطرة على الضفة وغزة، فالنظام الصهيوني لا يثق في قدرة السلطة على السيطرة على الضفة وغزة، بل إن الصهاينة يدركون أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع السيطرة على الضفة دون حماية من جيش الاحتلال الصهيوني، وبعبارة أخرى، لا يوجد لدى العدو الصهيوني استراتيجية خروج من غزة بعد اجتياحها وضرب حماس.

ولذلك فهناك سياسيون صهاينة مثل "نمرود نوفاك"، الذي ساهم في التوصل إلى اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الصهيوني، يرون أن الحرب على غزة ستكون بلا جدوى، وأنه لا بد من التعامل مع حماس من خلال عباس!! ويرى آخرون ضرورة التعاطي بإيجابية مع الهدنة طويلة الأمد التي تدعو إليها حماس في مقابل إقامة دولة مستقلة ضمن حدود 1967م دون أي اعتراف بما يسمى (إسرائيل).

على أي حال، خريطة طريق الحرب ضد حماس في غزة تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، وجيش الاحتلال الصهيوني يفتقر إلى استراتيجية للنصر. ولذلك على العدو الصهيوني أن يستعد لتلقي ضربة أخرى كتلك التي أدمت أنفه لبنان، وعليه أن يستعد لنكسة جديدة. وعلى الإدارة الأمريكية أن تستعد هي الأخرى لنكسة استراتيجية غير مسبوقة، فالمنطقة باتت على وشك الانفجار الكبير!

11/04/2008م