الكتابة بين الإبداع والإتباع
أو في الخروج عن إجماع الصحابة
شهادة
إبراهيم درغوثي / تونس

كلما هممت بالقرطاس والقلم واجهني هذا السؤال : لماذا تكتب ؟ فأهم بترك القلم والاستلقاء أمام شاشة التلفزيون والانهماك في البحث عن قنوات الترفيه والتسلية . فهذا السؤال الذي أسال كثيرا من الحبر في السنوات السابقة لسقوط حائط برلين أرى أنه ما عاد له من موجب هذه الأيام ، لأن عالم الكتاب في تلك السنين الخالية كان يتجاذبه قطبان :
أن تكون أحمر أو أبيض ، تقدمي أو رجعي ، اشتراكي تحج إلى موسكو ، وبالتالي فأنت صديق للإنسانية . أو أنت رجعي متعفن بالرؤى والأفكار البورجوازية ، تأكل من فتاة الأسياد . وبالتالي فأنت عدو نفسك قبل أن تكزن عدوا لمجتمعك وللشعب الكريم .
لو طرح علي السؤال في تلك السنوات التي صرت – على قربها زمنيا منا – أراها وكأن ملايين السنوات الضوئية تفصلها عنا ، لأجبت هكذا وبتواضع العالم الجليل :
إنني أكتب لأغير العالم .
ولكن ، وبعد هذه الهزات العنيفة التي تعرض لها العقل الباطن للأديب في كل بقاع الأرض . وساد فيها منطق روما الجديدة ، أقول : إنني أكتب لأحافظ على توازني النفسي . أكتب حتى لا أصاب بالجنون . أكتب حتى لا تلتهمني طاحونة الشيء المعتاد .أكتب حتى أكون قطرة ماء عذب في بحر الظلمات .
أما عن سؤال : " لمن تكتب ؟ " فالأمر يختلف أيضا . فلأن كان الاختيار واضحا في سنوات الشد بين المعسكرين الشرقي والغربي ، فإن ذلك اختلف الآن . فالكتابة ما عادت ذلك العمل الواعي . وإنما صارت عملا مجنونا ينظر له فلاسفة نهاية التاريخ . والمرسل المهووس بكل ما يخالف السائد ، صار يبحث عن متلق أكثر منه جنونا . وإن كان الكاتب قديما يبحث عن أكبر عدد من القراء الذين يتفاعلون مع إنتاجه مثل السياسي الناجح ، فإن التعقيد الذي صاحب الكتابة الحداثية جعل عدد المتلقين لهذه الأعمال يقل .
ولكن من نختار ؟
أنا شخصيا أحلم بقارئ يرمي وراء ظهره بعقده الطارفة والتليدة . قارئ لا يخجل من عري سوأته ولا يسب اللغة حين تخز ضميره بمهماز الكلمات . قارئ يشاركني كتابة نصي ويملأ الفراغات التي أتركها ورائي حين يخونني القلم . لأن الكتابة مغامرة ، بحث في المجهول ، ارتياد لأقاصي النفس البشرية ، هيام بما يقال وما لا يقال .
الكتابة عندي مغامرة في اتجاهين :
* الأول : أن أكتب نصي في شكل يقطع مع المتداول حد الابتذال ، المكرر منذ مائة سنة . منذ أن وفد على الشرق نص الغرب ( قصة ورواية ) ، فهيمن النص الغربي على السرد العربي وأجهض إرهاصات نص عربي حديث بدأ في الظهور مع كتابات " المويلحي " و " أحمد فارس الشدياق " .
إن الكتابة عندي هي عود إلى الشكل العربي القديم مع مزج الأساليب القديمة ( الخبر والطرفة والحكاية والخرافة والاستدارة الحكائية وتضمين قصة في قصة والاستشهاد بالشعر والاستطراد ... ) بمنجزات السرد الحديث للوصول إلى النص المفرد . لذلك يصدم هذا النص ذائقة المتلقي التقليدي لأنه يقطع مع عاداته القديمة في القراءة .
* الثاني : أن أكتب النص الممنوع وأتجرأ على المحرم من المواضيع فألامس المدنس ( الذي نأنف من الحديث فيه جهارا لنمارسه في الخفاء ممارسة مرضية ) وألفت النظر إلى ما تراكم على المقدس من عادات وتقاليد تتنافى وجوهر الدين لأننا أمة قلدت الغرب في كل شيء سوى الخوض في المواضيع التي صفى معها فلاسفة الأنوار الحساب منذ مئات السنين .
لكل هذا تتعدد مستويات السرد في نصوصي بتعدد حقل الدلالات فيها كما يلي :
1 – في معجم التلفظ :
لئن كنت أكتب بلغة سهلة ، فإن المعاني المطروحة تصبح ذات دلالات مختلفة للمتقبل حسب مستوى فهمه للكلام المرسل ، فتقرأ نصوصي قراءات متعددة ، مختلفة حد التناقض . وتذهب الآراء في فهمها مذاهب شتى . وهذا الاختلاف يفتح تارة باب التأويل وتارة أخرى يدعو إلى قراءة مضادة للمعنى المصرح به علنا في النص .
2 – في معنى المعنى :
ليس من السهل على الأديب العربي الخوض في غمار المحرم دون أن يكون قد جهز نفسه كما يجب ولبس ألف وجه ووجه ، وذلك باستحضار التراث تارة ليقول من خلاله الحاضر والأمثلة كثيرة سأكتفي بذكر ثلاثة منها : جمال الغيطاني وعزالدين المدني وسالم حميش . أو باستعمال الرموز والإتكاء على الأسطورة والخرافة والحكايات الشعبية تارة أخرى
إن رواياتي مثلا ترتبط بخيوط كثيرة في المعنى والمبنى مع التراث والمعاصرة . ذلك أنني أملك مشروع قول أريده أن يصل إلى القارئ العربي . هذا المشروع يتمثل في ملامسة المحظور والاقتراب منه في كل واحدة من رواياتي قدر الإمكان .
فلئن كانت روايتي الأولى " الدراويش يعودون إلى المنفى " قد لامست موقف المواطن العربي من حرب الخليج الثانية واهتمت بالسياسة الرسمية والشعبية التي سادت في تلك الآونة ، فإنها عادت بتلك الهموم إلى العهود السحيقة . فقد حضر مثلا في روايتي حنبعل المهزوم وشيوخ روما المنتصرة . كما حضرت شروطها في فرض الاستسلام على قرطاج . ولكن السؤال الجوهري الذي أردت الإجابة عنه هو : لماذا انهزم حنبعل وانتصرت روما القديمة ؟ وربطت ذلك بحرب الخليج الثانية وتداعياتها المختلفة .
لقد أحضرت لهذا النص المغول والمماليك وشيوخ القبائل العاربة والمستعربة والدراويش والمتصوفة وكرامات الأولياء وهوس المنجمين .وحضرت أيضا روما الجديدة بكل ثقلها ودمارها ( قصف ملجئ العامرية مثلا في بغداد ) .
وقد عرضت كل هذا الهم العربي بطريقة فانطاستيكية ، في نص متقطع الأوصال ، للتعبير من خلاله عن حالة التشرذم والقطيعة التي أصبح عليها هذا الوطن الكبير .
أما في روايتي الثانية " القيامة ... الآن " ، فقد حاولت الاقتراب من هم آخر من همومنا الكثيرة وهو الحضور الطاغي للغيبي في حياتنا العامة والخاصة ومعايشتنا له بطريقة سوريالية . وحللت مدى تأثير هذا الغيبي على الحياة اليومية للمواطن العربي خاصة بعد هيمنة الفكر " الإسلاموي " على الساحة ومحاولته فرض نمط من التفكير الدوغمائي على سير حياة البشر ، مما يجعلنا نعيش القيامة قبل أوانها .
لقد حاولت في تلك الرواية الاقتراب من " يوم القيامة " بعد أن أحضرت شروطها التي وردت في كتب التراث الديني : كظهور يأجوج ومأجوج ، والأعور الدجال ، والدابة ، والشمس التي تطلع من مغربها كل ذلك في قراءة جديدة للأحداث تختلف عن تلك الطريقة الواردة في موسوعة ابن الأثير " الكامل في التاريخ " . ولئن اشتركت قراءتي مع قراءة ذلك المؤرخ القديم في العلامات ، فإنها تختلف معها في مصائر الأبطال . فقد تحول عندي " الأعور الدجال " إلى ساحر يعرض فنه على المتفرجين في ملعب لكرة القدم . وصارت " الدابة " ، " القرد كينغ كونغ " في الفيلم الأمريكي المشهور . وأصبح عبث " يأجوج ومأجوج " في الأرض معادلا لاستهتار الأمريكان بمصير البشرية جمعاء . ثم في تخييل غرائبي جعلت مجموعة من أبطال رواية عبد الرحمان منيف " الآن هنا ... أو شرق المتوسط مرة أخرى " يشهدون أهوال يوم الحشر ليدعوا بعد ذلك للحكم لهم أو عليهم بالثواب أو العقاب .... فيودع طالع العريفي و عادل الخالي – وهما سجينات سياسيان- الجنة . ويقصف ب " سالم العطيوي " و" الشهيري " – وهما آمرا سجنين – في النار ، ليعذبهما الزبانية بمثل صنيعهما في الدار الفانية .
الرواية الثالثة : " شبابيك منتصف الليل " ، هي رواية التناقض والانفصام النفسي الذي يعاني منه المواطن العربي حاليا بعدما سدت في وجهه كثير من أبواب الرحمة .
وقد ركزت فيها على ثلاثة نماذج من الشخصيات :
الشخصية الأولى ، رجل مهووس بالماضي حد المرض . والثانية ، شخصية مسكونة بالجنس ووهم الفحولة . والثالثة ، شخصية متدين لا يرى خلاصا لهذه الأمة إلا في العودة للجذور القديمة للمجتمع الإسلامي وتطبيق قوانين ذلك المجتمع دون المساس بها من قريب أو بعيد ، ودون تطبيق أي اجتهاد على مجتمع القرن العشرين للوصول بنا إلى حالة
( أفغانستان / طالبان ) على وجه المثال فقط .
أما في روايتي الرابعة " أسرار صاحب الستر " فقد عدت مرة أخرى إلى التراث العربي المكتوب ( الأغاني – والموسوعات التاريخية القديمة كالكامل في التاريخ و" البداية والنهاية " و تاريخ بن خلدون ... )واخترت شخصية إشكالية هي الخليفة الأموي " الوليد بن يزيد بن عبد الملك " للحديث من خلاله عن واقع المجتمع العربي الإسلامي في تلك الفترة العصيبة ( قرب سقوط الدولة الأموية وقيام دولة بني العباس ) مع محاولة لإسقاط ذلك التاريخ على الزمن العربي الحاضر .
لقد استحضرت شخصيات حقيقية جاء ذكرها في موسوعة " الأغاني " لأبي الفرج الأصفهاني للإيهام بواقعية المروي . ولكنني في الحقيقة كتبت نصا متخيلا هو نصي أنا حضر فيه الخلفاء والوزراء وقواد الجيش والثوار والإماء والنخاسة والمغنون وعامة الشعب الكريم للشهادة على الممارسات المرضية لخليفة للمؤمنين يجاهر بسكره وعربدته ومروقه عن الدين على رؤوس الأشهاد . لهذا جاءت الرواية صدامية لا تخشى الحديث عن هوس الأمير بالجنس وعن شذوذه وبالتالي شذوذ جلاسه وندمانه . وقد استلهمت عند كتابة هذه الرواية شكل كتب التاريخ القديم ، فاستعملت الأخبار واستثمرت الطرف والنوادر والأشعار وجعلت للرواية أبوابا معنونة وحولت التاريخ من قصور السلاطين إلى مشارح الأطباء وعيادات علماء النفس .
إنني حين أشرع في كتابة نص ما ، أستحضر ما اختزنته ذاكرتي من حكايات الطفولة إلى آخر نص قرأته البارحة . فأنا أتبنى رأي نقاد الأدب القدامى الذين كانوا يطالبون من يحاول كتابة الشعر بحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر لينساها لاحقا . فمن يحفظ هذا الكم الهائل من الشعر أو بعضه حتى لا نبالغ لا بد أن يصبح شاعرا بالفعل والقوة أيضا . وأنا أرى أن هذه النصيحة تصح أيضا على من يريد كتابة الرواية . على هذا الكاتب أن يقرأ حد التخمة نصوصا سردية ، من كتب التراث العربي حتى آخر إصدارات المطابع . وأن يحاول الإطلاع على الآداب الأجنبية من الصين واليابان مرورا بالهند وإفريقيا وصولا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية .
كل هذه القراءات مع الخبرة في الحياة والمجتمع تصنع أدب الأديب وتجعله يكتب المختلف ويتفرد في النهج الذي يخطه لنفسه .
إنني أكتب نصوصا يحضر فيها التراث بشدة ( شخصيات وطرق سرد ) . ولكنني أتمايز على هذه النصوص ولا أبقى أبدا أسيرا لسطوتها ، فاستحضار الشخصيات التاريخية عندي ضرورة يحتمها المعنى الذي أبغي إيصاله للمتلقي . فأختار من الشخصيات الإشكالي الذي لم يقع حوله إجماع أهل السنة وأبني به ومن خلاله نصي . إنني أستحضر هذه الشخصيات من غياهب الماضي لأجعلها تعايش واقعنا اليومي بروح العصر الحديث مع ما تحمله هي من عبق الأسطورة وسطوة التاريخ .
إن الرواية الجديدة ما عادت ذلك النص الذي يقص المؤلف من خلاله قصة تشد القارئ بأحداثها الحزينة أو المسلية وبنهاية مأساوية أو على شاكلة الأفلام التي تنتهي بالزغاريد .
الرواية الجديدة أصبحت رواية عالمة يكتبها راو مثقف يمزج الحكي التقليدي بالسرد الحديث والواقع بالأسطورة والتاريخ بالتجربة الحياتية الآنية .
في الرواية الجديدة يستعرض المؤلف معارفه وتجاربه مؤالفا بين سرد الحكاية الإطارية وما يريد أن يضمنه داخلها من علوم حديثة ومعارف تراكمت في لا وعيه .
الروائي الحديث هو اليوم ذلك العالم الكسموبوليتيكي الذي يمسك من كل شيء بطرف ليعيد صياغة العالم على هواه .
لا أريد أن أنهي هذه الشهادة دون التعريج على ما أصطلح على تسميته بالمسألة الجنسية في كتابات إبراهيم درغوثي . فأنا لا أكتب روايات بورنوغرافية رخيصة تستدر عطف القراء وتفجر الدموع من العيون الكحيلة . ولا روايات تهيج المشاعر وتحرك السواكن ، وإنما أكتب نصوصا قد يستدعي بناؤها الفني ومعمارها اللغوي توظيف الجنس للتحريك والدفع بالأحداث إلى أقصاها . حينها لا أرهب الاقتراب من هذا المحظور ولا أدعو شخصياتي الورقية معلقة بين السماء والأرض وإنما أجعلها تمشي اليابسة وأشبع نهمها إلى أن تبلغ " الأورقازم " .
إن في كثير من بقاع العالم المتخلف يعيش المبدع ازدواجية في شخصيته تصل في أحيان كثيرة إلى حدود المرض . ذلك أنه معرض في حياته العامة والخاصة إلى ضغوط تفوق حدود التصور . فهو مطالب حين يكتب بتجميل واقع قبيح – قد يصل في قبحه إلى حدود البشاعة - . إنه مطالب بأن يرى كل شياطين العالم ملائكة بأجنحة من نور وكل القذارات التي تغطي أديم الأرض زنابق ورياحين فواحة يعبق شذاها حتى تخوم السماوات العلى .
ولكن هذا المبدع إذا قرر أن يفتح عينيه ليرى الأشياء على حقيقتها بدون رتوش ولا زينة ، يجلد بسياط من نار ويرجم بحجارة من سجيل وتتآكله النيران من كل جانب وتتكاثر عليه الأعداء ويقل نصيره . فملامسة الخطاب الجنسي مثلا وخلخلة المنظومة الأخلاقية السائدة والتعبير الجريء على الحياة الداخلية للإنسان وتسمية الأشياء بأسمائها بدون خجل المنافقين وتحدي النظم الأخلاقية السائدة منذ زمن الرق والإقطاع واستعمال القاموس البذيء والكلام العدواني واستفزاز القارئ المحتمل للأثر المكتوب – أيا كان هذا القارئ – رجلا أو امرأة ، كهلا أو شابا ، شيخا أو مراهقا ن متدينا أو عربيدا ، في تونس أو على ضفاف بحر العرب ، الآن أو بعد مئات السنين . يحتاج كل هذا إلى كثير من الشجاعة والصبر على الأذى والسكوت على هجمات الطهرانيين . لأنه ليس من السهل الاقتراب من ذائقة المتلقي الدينية والجنسية ومحاولة خلخلة مسلمات سكنت الذاكرة الجماعية لشعب من الشعوب .
وقد اعترضتني بعد صدور روايتي " شبابيك منتصف الليل " نماذج تستحق العرض والتشريح لما في ذلك من دلالات على جميع المستويات
النموذج الأول : مثقف يدرس الأدب الحديث في الجامعة التونسية ولا يقرأ هذه الرواية إلا بعد أن يغلق أبواب مكتبه بسبعة مفاتيح حتى لا يقبض عليه أطفاله بالجرم المشهود .
النموذج الثاني : ناقد يقسم بالطلاق ثلاثا وتحريم أم أولاده إن هو وضع هذه الرواية الملعونة على رف مكتبته – خوفا من العدوى – ربما .
النموذج الثالث : يتهمني بأنني أكتب للغرب حتى تتم ترجمة كتبي إلى اللغات الحية ، فأكسب من وراء طبعها في فرنسا وربما في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا آلاف الفرنكات والدولارات والماركات ...
النموذج الرابع : يتهمني بالعمالة للإمبريالية والصهيونية العالمية
وخامس يصرح لخلانه بأنني مفسد في الأرض ومقوض للأخلاق الحميدة والسنن النبيلة التي يجب أن نربي عليها الناشئة .
ويصل السيل الزبى ، حين يستعدي " مثقفون " الرقابة على هذه الرواية فتأمر بجمعها من على رفوف المكتبات العمومية وبركنها في الأرشيف . كل هذا وأكثر ، لأنني استعملت في هذه الرواية – كما في أعمالي الأخرى – بعض الأسماء لأعضاء يمتلكها كل البشر . ويسرد عليك أصغر طفل من أطفال الروضة مرادفات لها تفوق الحصر . واستعملت بعض الحكايات التي وردت في الموسوعات العربية القديمة ك " الأغاني " و " الحيوان " و " الروض العاطر" و " تحفة العروس " و " نزهة الألباب " و " كتاب القيان " لتذكير قارئ اليوم بهذه الكنوز وحثه على العودة إليها والنظر فيما جاء فيها وتدبرها .
إنني أتساءل ، ونحن نعيش نهاية هذا القرن الذي غزت إنجازاته العلمية : كالبارابول والفيديو والأنترنيت كثيرا من البيوت إن كان في الإمكان تغطية السماء بواق يمنع عنا بث الأقمار الصناعية ويحمينا من القنوات الفضائية التي ترجم الأرض على مدار الساعة بأفلام البرنو والجنس الرخيص .
فماذا تساوي الآن رواية يوظف فيها المبدع الجنس لبناء أحداث قصته وسبر أغوار نفوس أبطاله والكشف عن احباطاتهم ومعاناتهم و أمراضهم وفشلهم و ... ( تطبع في ألف نسخة يركن معظمها في داخل المخازن ) مقابل ما نتلقى كل ليلة من بث بالألوان الطبيعية وعلى المكشوف من أفلام خليعة ، ودون حسيب ولا رقيب .
إن المقارنة لن تكون في صالح الأديب ولو كان الكتاب " مدار الجدي " أو " الخبز الحافي " أو ... " شبابيك منتصف الليل " .

Dargouthibahi@yahoo.fr