صدقت مقولة أحد الحكماء حين قال : كلما ازددت ثقافة ازددت بؤسا .

ولكن على رغم البؤس والاكتئاب والخوف والقلق الذي ينتابني وأنا أتصفح المواقع والصحف , حتى بت لا أستطيع التخلي عن القراءة التي أصبحت طبقي المفضل الذي أورثني حالة نهم لا إرادي أشعر معه بالحاجة اليها حتى في أوقات استرخائي .

وعلى رغم ما أعانيه من آلام قولونية جراء الأحداث المتسارعة , والقتال العشوائي ومناظر الجثث المشوهة , وأخبار قنبلة إيران النووية , وحتى أخبار الجو العربي المتقلب بين الصاحي والغافي .. أقول على رغم ذلك لم أتميز من الغيظ قهرا , وغبنا , واستكبارا , قدر ما اغتظت من خبر قرأته في احدى الصحف عن زوج بادر زوجته بالضرب المبرح فقط لأنها داعبته , ربما لأننا قد وطنا أنفسنا على التكيف مع ردود أفعالنا بعد كل مرة نقرأ فيها تلك الأخبار آنفة الذكر , أما خبر كهذا فهو من الأمور المهيجة للغيظ . مستبعدة الحصول .

والخبر لمن لم يقرأه هو كالآتي : تحقق شرطة جدة الشمالية في حادثة غريبة من نوعها تعود تفاصيلها بحسب محضر التحقيق وأقوال الزوج والزوجة الى أن الزوج اعتدى على زوجته العشرينية التي كانت في بيتها تستعد لاستقباله , وتناول وجبة الغداء , وفور دخول الزوج بادرته الزوجة بابتسامة خفيفة وقامت بملاطفته بحركة زوجية جريئة اعتبرها الزوج مخلة بالآداب , ومهينة لرجولته , وفور انتهاء الزوجة من تلك الحركة بادرها الزوج بالضرب بواسطة آلة ثقيلة على رأسها , ما أدى الى تدفق الدماء من الرأس , الأمر الذي استدعى إدخالها العناية المركزة في المستشفى .. وقد تم تحويل ملف القضية الى المحكمة , إذ برر الزوج اعتداءه بأنه كان في حالة نفسية سيئة .!

ألم أقل إنها حادثة تهيج في النفس الشعور بالغيظ , والقهر , تجاه بعض الذين يحسبهم الجاهل رجالا , وهم أصناف من رجال أساءوا لمعنى وقيمة الرجولة لأنهم استغلوا ضعف المرأة , وعدم قدرتها على المواجهة بأسلوب القوة الضاربة نفسه الذي يلجأ اليه هذا النوع من الرجال, وإذا حاولت المرأة الرد بالأسلوب نفسه فتلك محاولة عبثية , فلا الأخلاق , ولا بنية الجسم , يؤهلها لرد الصدمات الرجولية .

هذا غير تبريره غير المنطقي لضربها فلا يعقل أن تداعبه فيضربها , في حين أنها زوجته ومن حقها أن تداعبه .. وكان الأولى أن يتبع سبيل الصالحين من الرجال الذين هجر أحدهم زوجته , وعندما سئل : ما الذي يريبك فيها ؟ قال : ( العاقل لا يهتك سر امرأته ) ولما طلقها قيل له : لم طلقتها ؟ فقال : ( قد أصبحت أجنبية عني والحديث عنها غيبة , والغيبة حرام ) حسبي أن أذكر بعض الرجال بأن للزوجة حرمة ولأسرار المداعبة والنوم حرمة , فرفقا بالقوارير , رفقا بهن فهن عوان لكم , وستر , ومودة , وحنان , وأمان , وأحضان , وإني أضعكم أمام مشهد عظيم كعظم العقد الغليظ الميثاق , والمشهد كان لصحابي جليل هو ( سلمان الفارسي ) رضي الله عنه , بتصرفه الحكيم حين تزوج امرأة من كندة فلما دخل عليها مسح بناصيتها ودعا بالبركة , فلما أصبح غدا عليه بعض الرجال , فقالوا : كيف وجدت أهلك ؟ فأعرض عنهم , ثم أعادوا السؤال فأعرض عنهم , ثم قال : ( إنما جعل الله تعالى الستور , والخدور , والأبواب لتواري ما فيها , حسب امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له , فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك ) وخلاصة الأمر هل أصبحت المداعبة سببا للضرب وهتك ستر بيت الزوجية ؟ وهل نسي هؤلاء مداعبة سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لزوجاته ووصيته لأحد الصحابة بهلا داعبتها وداعبتك .

الآن أستطيع القول بأن تميزي من الغيظ قد خفت وطأته بعد كتابتي لهذه السطور ..
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي