بسم الله الرحمن الرحيم...



مكانة المنطق في التفكير المعاصر بين الدين و العلم.

يأخذ المنطق في عالم الفكر حيزا مهما من حيث كونه يعتبر المحك الأساسي في الأخذ بالفكرة أو برفضها، في الاعتماد عليها أم في استبعادها، و لذلك يمكن اعتباره الحد الفاصل بين الفكر المنظم و الفكر العشوائي أو بين الفكر التنظيمي و الفكر الفوضوي. و قد تكون فكرة التنظيم هي الفكرة الأم في العملية المنطقية التي تتحكم في الذهن، و التي من خلالها يتم استخدام أدوات المنطق حتى يتم الحكم و الفصل في قضية معينة باعتبارها خاضعة للمنطق و تدخل في إطار التفكير المنطقي المنظم الذي يتميز به العقل الإنساني.

و من هنا كان التفكير الإنساني الخاضع أصلا لمختلف النشاطات التي يقوم بها الإنسان داخل مجتمع معين و في إطار زمان و مكان معينين لا يخلو من أصناف متعددة من أنواع التفكير، يدل كل صنف على اتجاه معين يحقق رغبة معينة و يلبي حاجة معينة.تساعد الإنسان على تحقيق نوع من التوازن و مستوى من الطمأنينة يشكلان أساس من أسس الاستقرار و الاستمرارية التي تعرفها صيرورة جماعة معينة.

و عليه يمكن اعتبار التساؤل عن مكانة المنطق في التفكير المعاصر بين مختلف النشاطات التي يقوم بها الإنسان و خاصة منها ما يشكل محور الجدل إن لم يكن الصراع بين الدين كمكون من مكونات الإنسان المعرفية و العلم كأحد أبرز أصناف التفكير الذي يقوم عليه بنيان العقل و الحضارة المعاصرة.و الذي يمكن اعتباره أحد أشكال المعرفة القائمة على مستوى كبير من الحقائق التي يمكن التحقق من صحتها بالتجربة و المشاهدة و بالممارسة الحسية و العقلية على السواء.إذ يعتبر التساؤل عن مكانة المنطق تساؤلا مشروعا على أساس أنه أحد سمات التفكير السليم و القويم، الذي يتحقق معه الاقتناع على عدة مستويات مما يؤدي إلى إتباع بشكل تلقائي و برضا طوعي للحقائق الذي يصادق عليها التفكير السليم، و التي تنتفي معها حالة القلق و عدم الاستقرار، إحدى أسس مشكلات العصر الحالي.

لذلك يتعين في البدء تعريف المنطق و الحديث عن أنواع المنطق و عن العلاقة الموجودة بين المنطق و كل من الحق و الباطل،أو بين الخير و الشر، أو بين العدل و الظلم، فكل هذه الثنائيات و غيرها تشكل المظهر الخارجي للمنطق الذي يشكل الأساس العقلاني لتصرفات الإنسان"العاقل" في مقابل تصرفات الإنسان "المجنون" و الذي يتوفر هو الآخر على منطق مغاير لما اجتمع عليه الفكر البشري كمنطق موضوعي تنتظم فيه ظواهر الإنسان و الطبيعة دون وجود تناقض بينهما.

و من هنا يمكن القول أن الحق و الباطل هما أساس الدين و العلم ، كما أن الخير و الشر هما المظهر الأخلاقي للإنسان، كما أن العدل و الظلم هما أساس العلاقات التي تقوم بين أفراد المجتمع الواحد و بين باقي أفراد الإنسانية جمعاء، و كل هذه الثنائيات هي خاضعة في الأصل لمنطق واحد يأخذ أبعاده المناسبة تبعا لكل نشاط من نشاطات الإنسان.

و من تم كان من المفروض أن نعرف الدين و أنواع الديانات و الفرق بين الدين السماوي و الأرضي وهل يشكل اختلاف الأزمنة اختلاف الأسس التي من أجلها وجد الدين كمكون معرفي؟ و عليه ننظر إلى علاقة المنطق بالدين كعلاقة عضوية لا يمكن الاستغناء عنها.

وكذلك بالنسبة للعلم من حيث التعريف و بالتالي هل هناك وحدة المنطق في العلم أم أن هناك تعدد في أشكال المنطق تبعا لتعدد العلوم؟

و بعد ذلك أطرح الإشكالية الجوهرية في هذه الكلمة هل هناك اختلاف بين منطق العلم و منطق الدين أم أن هناك ائتلاف و ما هي المكانة التي يحتلها المنطق في التفكير المعاصر، و هل هذه المكانة الموجودة في زمننا المعاصر قد حققت الغرض المطلوب من كل الدراسات التي تعج بها المكتبات و التي قد يشكل البحر الأسود مدادا للكلمات التي سطرتها البشرية مند وجد الإنسان على هذه الأرض من أجل الوصول إلى حالة الطمأنينة و الاستقرار و انتفاء حالة القلق و الصراع و سيادة المحبة بدل العداوة؟

أم أنها لم تستوعب بعد أداة المنطق التي تختبئ تحت النطق و المتوفرة لكل الكائنات، و تحت اللسان الذي ينفرد به الكائن الإنساني ككائن حامل للكلمة المقروءة و المكتوبة و الذي يشكل أمة من بين الأمم التي خلقها الله عز و جل كما أخبر بها الدين الخالص و كما أتبثها العلم كظاهرة واقعية و موجودة تنتج نفسها بناء على شروطها المؤسسة لها كقوانين تتحكم في صيرورتها؟

من الأكيد أن المنطق يشكل حجز الزاوية في عملية التفكير ، و من المؤكد أنه يشكل قوام الفكر السليم و التفكير القويم، إذا صادف سلامة الفطرة و نبت في فضاء خال من الأمراض الاجتماعية و النفسية ، التي قد تجعل منه أداة هدم بدل أن تكون أداة بناء.على أساس أن من مهام الإنسان على هذه الأرض هو عمارتها و ليس تخريبها، و بالتالي الارتقاء بآدمية الإنسان من مستوى البهيمية إلى المستوى الإنسانية التي تناسب التكريم الذي فضل به الله عز و جل الإنسان على سائر المخلوقات بالعديد من الخصائص و المميزات.

و الجدير بالإشارة أن تعريف أي علم أو فن أو أية ظاهرة من الظواهر لها علاقة بالإنسان بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر يخضع تعريفها للشروط المعرفية التي تم إنتاج مفهوم التعريف في ظلها. و المنطق كعلم أو فن أو أنه يحتل مكانة بينهما هو الآخر خضع تعريفه لعوامل النمو و التطور الذي يخضع لها الكائن البشري،مع العلم أن الكائن البشري من الناحية البيولوجية مند خلق آدم عليه السلام إلى يومنا هذا و إلى اليوم الآخر الذي يعيشه الإنسان فوق هذه الأرض، ظل على شكله الحالي، أما معارفه فقد تطورت بتطور درجة مداركه و مدى تمكنه من الأدوات التي بحوزته و التي استطاع التحكم فيها. و المنطق كأداة من أدوات العقل و الفكر، هو الآخر خضع تعريفه لما خضع إليه علم الإنسان من تطور و نمو و رقي. و لذلك سوف أقتصر في التعريف على البعض دون التركيز على الحقب التاريخية مما يبين الفكرة من أساسها و يوضح الإشكالية المطروحة مكانة المنطق في التفكير المعاصر بين الدين و العلم.

قبل ذلك أريد التذكير بإشارة إلى أن التفكير بصفة عامة كلما مر بحقبة من الحقب التاريخية التي تمت فيها اكتشافات غيرت مجرى تاريخ البشرية، تغير معها نمط التفكير و طريقة التفكير، وذلك ليس بالشكل الجدري، فمهما تغير الفكر و تطور يظل شيء قليل أو كثير من النمط السابق يعشش في أعماق الإنسان كرواسب لا يمكن إزالتها، الشيء الذي يجعل من وجود عدة أنماط من التفكير في مجتمع واحد ، و قد تعشش في رأس إنسان واحد. لذلك فالدين و العلم مند وجد الإنسان و هما يشكلان الشمس و القمر للإنسان كضياء و سراج يهتدي بهما في بحثه عن الحق و العدل و الخير و الجمال متجنبا قدر المستطاع الباطل و الظلم و الشر و القبح.

و للحديث بقية إن شاء الله...