ماذا تقول الموسوعة الكاثوليكية عن الإسلام ورسوله؟
د. إبراهيم عوض

Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/‎
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9‎

أول ما نلاحظه أن عنوان مقال "الموسوعة الكاثوليكية" ليس هو ‏‏"‏Islam‏" كما كان ينبغى أن يكون، بل "‏Mohammed and ‎Mohammedanism‏"، أى "محمد والمحمدية"، رغم أن المصطلح ‏الموجود فى قائمة مواد الموسوعة هو "الإسلام"، فكان المتوقع أن يكون ‏عنوان المقال هو "الإسلام". ولا أدرى لماذا هذا التفاوت بين ظاهر الأمر ‏وباطنه. على كل حال لا أحد من المسلمين يقبل أن يُدْعَى: "محمديًّا"، بل ‏هو مسلم ليس إلا. ذلك أن المسلمين ينظرون إلى تسمية "المحمديين" على ‏أنها تعنى، ولو من طَرْفٍ خَفِىٍّ، أن الإسلام من صنع محمد عليه الصلاة ‏والسلام، أو أنهم يرتفعون برسولهم فوق البشرية كما يفعل بعض أصحاب ‏الديانات الأخرى. وفضلا عن ذلك فهم يؤمنون بأن "الإسلام" ليس دين ‏محمد وحده، بل دين الأنبياء والرسل جميعا من لدن آدم حتى نبيهم عليه ‏الصلاة والسلام حسبما وضحنا فى موضع آخر من هذا الكتاب. ‏
كذلك نلاحظ أن كاتب المقال قد ترجم كلمة "محمد" على أنها ‏‏"‏the Praised One‏"، وهى ترجمة قاصرة بعض الشىء، إذ تعنى ‏‏"محمود" لا "محمد"، التى كان ينبغى أن يضاف إلى ترجمتها "‏adverb‏: ‏حال" تحدد الحمد بأنه كثير متكرر (هكذا مثلا: "‏the Much-‎Praised One‏"). ويقول الكاتب أيضا إن عبد الله بن عبد المطلب ‏‏(والد الرسول) قد مات بعد ولادة ابنه بقليل: "‏soon after his son's ‎birth‏"، وهو خطأ صوابه أنه مات قبل أن يشرِّف الابن الوجود. وبالمثل ‏يقع الكاتب فى غلطة أخرى من هذا النوع الذى يدل على الاستعجال ‏وعدم التدقيق، إذ نراه يزعم أن الذى تولى أمر الصبى محمد عقب موت ‏والدته هو عمه أبو طالب، مع أن الدنيا كلها تعرف أن الذى فعل ذلك هو ‏الجد عبد المطلب لا العم أبو طالب، الذى تولى أمر ابن أخيه بعد موت ‏الجد. ‏
وبالنسبة للمهمة التى نهض بها النبى عليه السلام نجد الكاتب ‏يحددها بالـ"‏religious reform and political campaign‏: ‏الإصلاح الدينى والكفاح السياسى". ورغم أن مهمته عليه السلام تتضمن ‏فعلا هذين الأمرين فإنه لم يكن مصلحا دينيا ومجاهدا سياسيا وحسب، ‏بل كان أولا وقبل كل شىء رسولا نبيا يُوحَى إليه من السماء ولم يقم من ‏تلقاء نفسه بهذا الإصلاح وذلك الكفاح، بل عَرَضا أثناء نهوضه بمهمته ‏الأصلية التى انتدبته لها السماء، ألا وهى "النبوة". وهذه ليست من ‏الملاحظات البسيطة التى يمكن الإغضاء عنها، بل هى من الأخطاء ‏القاتلة، إذ تنفى عنه، بصنعة لطافة، صفة النبوة، ولكن هيهات! ويشبهها ‏قول الكاتب إنه، صلى الله عليه وسلم، قد تعرف باليهود والنصارى فى ‏رحلاته إلى الشام مع قوافل قومه حيث حصّل معرفته الناقصة بدين هاتين ‏الطائفتين. وهى غمزة وراءها ما وراءها، إذ يقصد الكاتب إلى القول بأن ‏الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتلق الوحى من ربه، بل أتى بالقرآن من ‏عنده وعبر فيه عن أفكاره الخاطئة التى اكتسبها فى تلك البلاد. وهذا ‏كله غير صحيح، وإلا لانبرى له صلى الله عليه وسلم من تعلم على أيديهم ‏هناك وذكَّره نقاشاته معه، فضلا عن أن القرآن يصحح كثيرا مما جاء فى ‏كتب القوم مبينا مفارقتها للمنطق والإيمان المستقيم. ‏
ولا يتوقف الكاتب فى افتراءاته عند هذه النقطة، بل يمضى فيزعم ‏أنه، صلى الله عليه وسلم، كان عرضة للإصابة بالصَّرْع بين الحين والحين: ‏‏"‏subject to epileptic fits‏"، مع أنه لم يحدث قط أن أصيب بالصَّرْع ‏فى أى وقت، ولا كانت الأعراض التى تعتريه لَدُنْ نزول روح القدس عليه ‏بالوحى القرآنى هى أعراض الصَّرْع على الإطلاق، وهو ما بينته بالتفصيل ‏المرهِق فى كتابىَّ: "مصدر القرآن- دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين ‏حول الوحى المحمدى" و"دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل ‏وأباطيل"، إذ استقصيت كلا من أعراض الوحى كما وصفتها كتب ‏الحديث والسيرة النبوية وأعراض الصَّرْع كما وردت فى كتب الطب ‏وقابلت بينهما فثبت ثبوتا قاطعا أننا بإزاء أمرين مختلفين تمام الاختلاف ‏وأن ما يقوله مروجو نظرية الصَّرْع هو كلام فارغ من ألفه إلى يائه، ومن يائه ‏إلى ألفه، ولم يحدث أنْ وَضَع أى من مروجى هذه التهمة أيدينا على أى ‏عَرَضٍ من أعراض الصَّرْع فى حالته صلى الله عليه وسلم. إنما هى مجرد ‏دعوى مرسلة والسلام، اعتمادا منهم على أن للتكرار أثرا نفسيا يتعاظم مع ‏الأيام. ‏
ومن المعروف أن الشخص إذا ما أصابته نوبة صَرْعٍ فإن من حوله ‏يسارعون إلى معاونته ومنعه من إيذاء نفسه بعض لسانه مثلا. إلا أننا نقرأ ‏السيرة النبوية وما كان يقع له عليه السلام أثناء تلقيه الوحى فلا نجد شيئا ‏من ذلك بتاتا، بل كان الصحابة يتركونه صلى الله عليه وسلم حتى يقوم من ‏غفوته وهو فى قمة رباطة الجأش وسكينة النفس. كما أنه عليه السلام ما ‏إن يقوم من غاشية الوحى حتى يتلو على الحاضرين نص الايات التى نزلت ‏عليه بمنتهى التدفق والوضوح فى النطق والفكر مَصُوغَةً بأسلوب أدبى باهر ‏دون أن يكون قد سبق له التفكير فيما يتلوه عليهم، إذ يأتى الوحى عادة ‏عقب سؤال أو موقف يستدعى تعليقا أو جوابا أو حكما، ولا يكون هناك ‏وقت لتجهيز أى شىء. ولم يحدث أن أصيب النبى عليه السلام بما يعترى ‏المصروعين من تشنج أو سَقَط من طُوله أو سال الزَّبَد من شفتيه أثناء ‏تلقيه الوحى كما يحدث لمن يأتيهم الصرع. ومعروف أن المصروع حين يفيق ‏من غاشية الصرع يكون مرهقا خائفا مشوش الذهن مما يثير الشفقة ‏والعطف، وهو ما لم يُلْحَظ قَطّ فى حالة الرسول صلى الله عليه وسلم. ‏كما أن الأعراض المصاحبة للوحى لا وجود لها فى حالة المصروعين، ‏كالدوىّ الذى كان يُسْمَع حول وجهه الشريف، والثقل الذى كان يحل فى ‏جسده ساعتها فلا يستطيع أحد تحمله إذا ما تصادف أن كان جزء من ‏جسده تحته آنذاك كالصحابى الذى كانت فخذه تحت فخذ الرسول ثم ‏هبط الوحى عليه فشعر الصحابى أن فخذه تكاد تَُرَضّ، وكالناقة التى ‏كان يركبها آنئذ فبركتْ تحت الثقل الذى اعتراه. وهل يا ترى كان اليهود ‏والمشركون من قبلهم ليفلتوا هذه الفرصة لو أن النبى كان فعلا مصروعا ولا ‏يغتنموها ويشنعوا بها عليه صلى الله عليه وسلم؟ المضحك أن الذين ‏أشاعوا عنه هذه الفرية هم الكتاب البيزنطيون، الذين لم يَرَوْه قط ولا ‏شاهدوا وحيا ينزل عليه ولا على غيره. فكيف يصح أن يحكموا على ‏شىء لم يَرَوْه؟ ثم منذ متى كان المصروعون يصنعون مثل تلك الإنجازات ‏الفريدة التى صنعها النبى عليه السلام والتى لم تقع على يد أى نبى أو ‏رسول أو حاكم أو قائد آخر؟ وناهيك بمبادئ دينه الراقية وعقائده ‏العظيمة، ونفسه النبيلة وإنسانيته العالية وحلمه وصبره وتواضعه وثقته ‏بقضيته طوال الوقت واتزانه التام وتحديه الكفار وغير الكفار طوال الوقت ‏وفى كل الظروف والمواقف بأن دينه منتصر لا محالة، وذلك منذ وقت ‏مبكر وقبل أن يهاجر إلى المدينة ويكون له أتباع وجيش ودولة يُحْسَب ‏حسابها. ‏
ويمضى الكاتب مدعيا أن كتب السيرة النبوية ليست أهلا للثقة، إذ ‏تمتلئ كما يقول بالخرافات والروايات المصنوعة وما إلى ذلك. وهو ادعاء ‏عجيب من شخص يمتلئ دينه من أوله إلى آخره بهذا الذى يحاول إلصاقه ‏بالسيرة المحمدية. ولنفرض أن فى كتب السيرة بعض ما زعمه عنها إن فيها ‏مع ذلك كثيرا مما يقبله بل يستلزمه العقل والمنطق وسياق الأحداث، فما ‏بالنا لو عرفنا أن هذا الجانب الذى يذكره لا يبرز إلا فى كتب السيرة ‏المتأخرة ذات النزعة الشعبية، وفى أضيق نطاق مع ذلك؟ وحتى لو ‏جردنا سيرته صلى الله عليه وسلم من كل أثر إعجازى، أو من ‏‏"الخرافات" حسب تعبيره، لظلت شخصيته عليه السلام لألاءة ساطعة ‏تُعْشِى عيون المفترين. ويزعم الكاتب أيضا أن كتب السيرة لم تدوَّن إلا بعد ‏نحو قرن ونصف من وفاته عليه السلام وأن أقدم كتاب من هذا النوع هو ‏سيرة ابن إسحاق. وهذا خطأ، إذ هناك السِّيَر التى كتبها أو أملاها عبد ‏الله بن عمرو بن العاص والبراء بن عازب الصحابيان الجليلان، وعروة بن ‏الزبير وابن شهاب الزهرى وأَبَان بن عثمان وعامر بن شرحبيل الشعبى ‏ومقسم مولى ابن عباس وعاصم بن عمر وشرحبيل بن سعد من التابعين ‏قبل ذلك بكثير، بالإضافة إلى أسماء أخرى. على ألا ننسى أن العرب فى ‏ذلك الوقت كانوا يعتمدون على ذاكرتهم اعتمادا كبيرا، وكانت تلك الذاكرة ‏مؤهلة تأهيلا ممتازا لهذه المهمة بحكم أنهم كانوا آنذاك شعبا تغلب عليه ‏الأمية. فكانت السيرة مسجلة فى ذلك الجهاز البشرى الذى كان يقوم مقام ‏الصحائف والكتب إلى حد كبير. ثم يضيف كاتبنا قائلا إن تأليف كتب ‏السيرة يقوم على كتب الحديث، وهذه ليست مشكوكا فيها فحسب، بل ‏أسوأ من ذلك كثيرا، محاولا بهذه الطريقة إيهام القارئ الغربى بأن الأحاديث ‏هى مجرد نصوص مجموعة كيفما اتفق، فلم تخضع لتمحيص أو تحقيق ولم ‏يوضع لها منهج دقيق محكم يتم بناءً عليه قبولها أو ردّها. إنه يطلق ‏الأحكام إطلاقا دون أدنى إحساس بالخجل. وليس هذا من العلم فى قليل ‏أو كثير. ‏
ومن أكاذيبه التى يطلقها إطلاقا دون ذكر المصدر زَعْمه أنه، صلى ‏الله عليه وسلم، كان انفعاليا شديد الانفعالية ويخشى الألم الجسدى لدرجة ‏غير معقولة. ثم يشير إلى ما كتبه المستشرق البريطانى وليام بالجريف من أن ‏سيرة النبى إنما تقوم على تصوّر الفضائل التى يعتز بها العربى مسبقا، إذ ‏جمع كتّاب السيرة تلك الفضائل ثم أسندوها إلى محمد زاعمين أنه كان ‏يتصف بها كلها. والعجيب أن الكاتب، بعد كل هذه الادعاءات التى ‏مارسها بدم بارد، يعود فيقول إن محمدا، رغم كل شىء، كان عظيم ‏الشجاعة والعطف والرحمة، قوى الشعور الوطنى، محبا للتسامح والغفران. ‏فالحمد لله، الذى أنطقه بمثل ذلك الكلام على رغم أنفه! وإن كان قد ‏سارع إلى نقضه قائلا إنه، عليه الصلاة والسلام، كان شديد القسوة مع ‏اليهود! ويا لها من شهادة من أحد أتباع السيد المسيح المؤمنين بأن اليهود ‏قد قتلوه وصلبوه ولم يؤمنوا بدعوته واتهموه واتهموا أمه بما لا يقال. لكن لا ‏ينبغى أن نسقط من حسابنا كراهية الكاتب للنبى محمد، فهذه الكراهية ‏كفيلة بأن تنسيه ما قاله المسيح ذاته، وكذلك ما قاله العهد القديم من قبل ‏المسيح، فى حق اليهود، الذى يأكله قلبه كل هذا الأكلان رحمة بهم ‏وعطفا عليهم وتظاهرا منه بإنسانية كاذبة، إذ ليست العبرة بالشدة أو ‏القسوة فى حد ذاتها، بل فى المواطن التى تستعمل فيها. ولقد اشتد النبى ‏على اليهود بعدما ذاق منهم هو والمسلمون الأَمَرَّيـْن وضاقت صدورهم ‏وبلغت منهم الروح الحلقوم بسبب مؤامراتهم وغدرهم ونقضهم للعهود ‏والمواثيق التى عقدها النبى معهم وساوى فيها بين المسلمين وبينهم تمام ‏المساواة، فأبت نفوسهم الملتوية إلا أن تنزل على طبيعة الخيانة والغدر ‏المتأصلة فيهم الجارية فى عروقهم. فماذا تراه، عليه الصلاة والسلام، كان ‏ينبغى أن يصنع؟ طبقًا للكاتب لقد كان ينبغى أن يتركهم يقتلونه ويخنقون ‏دينه ويقضون عليه وعلى دولته والمسلمين والعرب أجمعين، على ألا ينسى ‏أن يدعو لهم قبل هذا بالتوفيق والسلامة! إن النبى إنما كان يعيش فى دنيا ‏البشر، ودنيا البشر تعجّ بضروب المتاعب والشرور والمشاكل، ولا يصلح ‏لها التسامح على طول الخط، وبخاصة إذا كانت الحقوق التى يراد فيها ‏التسامح هى حقوق الرعية لا حقوقا شخصية لصاحبها أن يتنازل عنها إذا ‏أراد، فعندئذ لا ينفع إلا الضرب بشدة على أيدى الغادرين، وإلا انتهى كل ‏شىء. ‏
ثم يقول الكاتب إن الرأى منقسم إزاء الحكم على شخصية الرسول ‏صلى الله عليه وسلم ما بين منحاز إليه يصفه بكل فضيلة ومكرمة ‏ومنحاز ضده لا يذكره إلا بالشر والسوء. وهو يرفض الرأى الأخير قائلا ‏إنه ينضح بالتحامل ويناقض الواقع التاريخى. يقول هذا وكأنه هو نفسه قد ‏قال فيه صلى الله عليه وسلم شيئا آخر غير هذا. إلا أن أصول الصنعة ‏لدى أمثاله تقتضى هاتين الكلمتين اللتين لا تقدمان ولا تؤخران كى يبدو ‏محايدا متجردا عن التعصب والتحامل، وهيهات! وممن أشار إليهم بين ‏المتحاملين على نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه مارتن لوثر الزعيم ‏البروتستانتى المعروف، الذى وصف نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه ‏‏"شيطان وأول ولدٍ لإبليس": ‏
‎"a devil and first-born child of Satan"‎
‏ ولا ندرى على أى اساس وصف هذا الـمُهَلْوِس سيدنا وسيده ‏محمدا بما وصفه به كذبا ومَيْنًا، وهو النبى الكريم الذى دعا إلى الإيمان ‏بالسيد المسيح وبرّأه هو وأمه مما رماهما به يهود، فضلا عن دعوته ‏المستقيمة إلى الوحدانية المطلقة والأخلاق الطاهرة والفضائل الإنسانية ‏والاجتماعية التى لا نظير لها. وفوق ذلك شن دين محمد صلى الله عليه ‏وسلم حملة عنيفة على الأحبار والرهبان وتأليه المتدينين لهم باتباعهم لما ‏ابتدعوه من تشريعات لم ترد فى دعوة عيسى عليه السلام. كذلك ليست ‏فى الإسلام وساطات بين العبد وخالقه، فضلا عن أنه لا توجد فيه ‏أيقونات ولا اعترافات ولا رهبانية ولا صكوك غفران، وهو ما كان ينبغى ‏أن يخفف على الأقل من هذا الحقد المسعور على سيد الأنبياء والمرسلين ‏لأن هذه الأشياء هى مما نادت به البروتستانتية مذهب هذا التعيس. ‏ولكن متى كان لأمثاله عقول يفكرون بها؟ ‏
ولنفترض أن الرسول الكريم كان سيئا إلى ذلك الحد، إنه لأفضل ‏رغم ذلك من كل أنبياء العهد القديم، الذين ينسب ذلك الكتاب إليهم الزنا ‏والدياثة والغدر والقتل ومضاجعة المحارم والكذب والحقد والطمع والجشع ‏وتشجيع الوثنية والتطاول على الله والتصارع معه، وهو ما لم يفعل نبينا ‏العظيم شيئا منه. وهذه بعض النصوص التى تتحدث عن أولئك الأنبياء ‏الكرام، بعضها فقط لا كلها. وبديهى أننا نحن المسلمين لا نوافق على هذا ‏الذى يقوله الكتاب المقدس فى حقهم عليهم السلام. كل ما فى الأمر أننا ‏نحاجّ الكاتب بكتابه هو: "30وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، ‏وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ ‏وَابْنَتَاهُ. 31وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ ‏لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. 32هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، ‏فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 33فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ ‏الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. 34وَحَدَثَ ‏فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. ‏نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». ‏‏35فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ ‏مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، 36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. ‏‏37فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. ‏‏38وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ ‏إِلَى الْيَوْمِ" (تكوين/ 20)، "11وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ ‏إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ ‏إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ ‏وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ" (خروج/ 2).‏
‏"2وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ ‏بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ ‏الْمَنْظَرِ جِدًّا. 3فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ ‏بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، ‏فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى ‏بَيْتِهَا. 5وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». ‏‏6فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَأَرْسَلَ يُوآبُ ‏أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ. 7فَأَتَى أُورِيَّا إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ ‏الشَّعْبِ وَنَجَاحِ الْحَرْبِ. 8وَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ ‏رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ ‏الْمَلِكِ. 9وَنَامَ أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ ‏إِلَى بَيْتِهِ. 10فأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ ‏لأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟» 11فَقَالَ أُورِيَّا ‏لِدَاوُدَ: «إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ ‏وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ ‏وَأَضْطَجعَ مَعَ امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ». ‏‏12فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أُطْلِقُكَ». فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي ‏أُورُشَلِيمَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ. 13وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. ‏وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ ‏يَنْزِلْ. 14وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوبًا إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ أُورِيَّا. ‏‏15وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، ‏وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ». 16وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ ‏أَنَّهُ جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ. 17فَخَرَجَ رِجَالُ ‏الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا ‏الْحِثِّيُّ أَيْضًا. 18فَأَرْسَلَ يُوآبُ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ. 19وَأَوْصَى ‏الرَّسُولَ قَائِلاً: «عِنْدَمَا تَفْرَغُ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ الْمَلِكِ عَنْ جَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ، ‏‏20فَإِنِ اشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَكَ: لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِلْقِتَالِ؟ أَمَا ‏عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ 21مَنْ قَتَلَ أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ ‏تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ ‏السُّورِ؟ فَقُلْ: قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا».22فَذَهَبَ الرَّسُولُ ‏وَدَخَلَ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا أَرْسَلَهُ فِيهِ يُوآبُ. 23وَقَالَ الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: «قَدْ ‏تَجَبَّرَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ وَخَرَجُوا إِلَيْنَا إِلَى الْحَقْلِ فَكُنَّا عَلَيْهِمْ إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ. ‏‏24فَرَمَى الرُّمَاةُ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ الْبَعْضُ مِنْ عَبِيدِ الْمَلِكِ، ‏وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». 25فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: « هكَذَا تَقُولُ ‏لِيُوآبَ: لاَ يَسُؤْ فِي عَيْنَيْكَ هذَا الأَمْرُ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ. شَدِّدْ ‏قِتَالَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا. وَشَدِّدْهُ».26فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ ‏مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا، نَدَبَتْ بَعْلَهَا. 27وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا ‏إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ ‏فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (صموئبل الثانى/ 11).‏
‏"1وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ ‏وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ 2مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ ‏الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ ‏قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. 3وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ ‏مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ. ‏‏4وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، ‏وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. 5فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ ‏عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. 6وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ ‏فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. 7حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ ‏مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ ‏رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. 8وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ ‏وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. 9فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ ‏إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، 10وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً ‏أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. 11فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ ‏أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ ‏الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ" (الملوك الأول/ 11)... إلخ. ‏
ثم إن المؤمنين بالكتاب المقدس يقولون إن الله قد غفر خطايا أولئك ‏الأنبياء، فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يغفر سبحانه لمحمد أيضا أخطاءه ‏إن كانت له مثل تلك الأخطاء؟ وبكل يقين هو لم يرتكب شيئا من هذا ‏ولا نصفه ولا ربعه ولا عشره ولا واحدا على المائة ولا على الألف ولا ‏حتى على المليون. وهذا الكلام ينبغى توجيهه أيضا إلى المبشر الأمريكى ‏صمويل زويمر، الذى استشهد الكاتب بما سطره فى أحد كتبه زاعما أن ‏محمدا صلى الله عليه وسلم قد فشل فى اجتياز الامتحان الأخلاقى الذى ‏عقده هو له بناءً على مقاييس العهد القديم، إذ ما دام النبى عليه الصلاة ‏والسلام قد رسب فى ذلك الامتحان، فأَحْرِ بأنبيائه أن يكون رسوبهم ‏بجدارة. وفى هذه الحالة على زويمر أن يعلن هذا الرأى فيهم وأن يرفض ‏الإيمان بهم بناء على مقاييس ذلك الكتاب. فهل يفعل؟ وأخيرا وليس ‏آخرا أين توصية السيد المسيح فى العهد الجديد للوثر وغيره من أتباع ‏النصرانية بأن يحبوا أعداءهم ويباركوا لاعنيهم؟ وهذا إن كان النبى قد ‏لعن لوثر أو أباه مثلا. فما بالنا إذا كان لم يصنع شيئا من ذلك البتة وأن ‏المسيح ومريم العذراء عليهما السلام لم يلقيا منه إلا كل حفاوة وتكريم ‏وتبرئة من التهم المجرمة التى قرفهما بها اليهود؟
وهذا التطاول من لوثر على سيدنا رسول الله واتهامه له بأنه ‏شيطان وأول من أنجب إبليسُ من أبناء يذكرنى بما كان ذلك السليط ‏اللسان يعتقده فى أبى الشياطين، إذ كان يتصور أنه يظهر للبشر عيانا بيانا ‏وكأنه مخلوق مادى. ولقد ركبته الهلاوس ذات مرة فظن أنه يرى الشيطان ‏واقفا قبالته يحدق فيه فقذف فى وجهه المحبرة ليتطاير منها السائل الأسود ‏على الجدار، فضلا عما ذكره هو نفسه من لجوئه إلى الضُّرَاط كى يطرده ‏بعيدا عنه. وقد اكتشف العلماء كذلك أنه لم يكن دائما بالصادق فى ‏كلامه، فقد كان يزعم مثلا أن أباه عاملُ منجمٍ فقير، على حين كان مالكا ‏للمنجم لا عاملا من عماله. كذلك اكتشف الدارسون فى الفترة الأخيرة ‏أن بعض بذور المذهب البروتستانتى قد واتت مارتن لوثر وهو فى ‏المرحاض يقضى حاجته، وأنه كان نهما مولعا بالبيرة يطفئ بها نيران الطعام ‏الذى يَكُظّ به بطنه والذى أوصل وزنه إلى نحو 150 كيلوجراما! (يمكن ‏القارئ الرجوع إلى مقال مترجم عن الألمانية على الرابط التالى: ‏http://www.spiegel.de/international/...86847,00.html‏ عنوانه "‏Archaeologists Unveil ‎Secrets of Luther's Life‏"، بقلم ‏Matthias Schulz، وترجمة ‏Christopher Sultan‏).‏
وبالعودة إلى موضوعنا نجد أن الكاتب يسارع بعد هذا مشيرا إلى ‏الرأى الذى أصبح يعتقده كبار المؤلفين الغربيين الآن فى الرسول الكريم ‏حسبما يقول، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان فى مبتدإ دعوته مخلصا، ‏ثم انقلب رأسا على عقب، فأضحى غدارا لا يبالى بخلقٍ ولا دينٍ ما دام ‏الغدر والقسوة هما السبيل الذى يوصله إلى غايته: ‏
‎"According to Sir William Muir, Marcus Dods, ‎and some others, Mohammed was at first sincere, ‎but later, carried away by success, he practised ‎deception wherever it would gain his end".‎
‏ فما معنى أنه عليه الصلاة والسلام كان مخلصا؟ أليس معناه أنه ‏كان نبيا حقيقيا ما داموا يقرون بإخلاصه فى دعواه وسلوكه؟ ثم ما معنى ‏أنه لم يعد مخلصا؟ أليس معناه أنه لم يعد صادقا فى دعواه النبوة؟ عظيم! ‏لكن هل يمكن أن ينقلب النبى فلا يعود نبيا؟ ألا يرى القارئ معى مدى ‏التخبط الذى يتخبطه أولئك الملفقون؟
كذلك ليس صحيحا ما قاله الكاتب من أن الإسلام لم يطمح إلى أن ‏يكون دينا عالميا إلا بعد وفاة الرسول: "‏After Mohammed's ‎death Mohammedanism aspired to become a world ‎power and a universal religion‏". ذلك أنه دين عالمى منذ هَلَّ ‏على الكون فى مكة. والآيات التى تتناول هذا المعنى متعددة فى تلك ‏الفترة المبكرة، مثل: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وما أرسلناك إلا كافة ‏للناس بشيرا ونذيرا". فليس صحيحا إذن أن عالمية الإسلام قد تأخرت ‏إلى ما بعد وفاة الرسول. ولم يقف الأمر عند النص على ذلك الأمر فى ‏الآيات القرآنية، بل أتبع النبى القول بالعمل حين بعث برسله إلى حكام العالم ‏من حوله فى الشام وفارس والحبشة ومصر وعلى حدود الجزيرة العربية ‏وداخلها على ما هو معروف. ‏
ومن عجب أن يزعم هذا الزعمَ ذاتَه كاتب سودانى هو عون ‏الشريف قاسم، إذ قال فى كتابه: "دبلوماسية محمد- دراسة لنشأة الدولة ‏الإسلامية فى ضوء رسائل النبى ومعاهداته" (جامعة الخرطوم/ 57- ‏‏92) ما معناه أن الرسول لم تكن لديه القوة فى ذلك الوقت كى يقدم على ‏هذه الخطوة. ومن ثم نراه يشكك فى صحة رسائله صلى الله عليه وسلم ‏إلى الملوك والأمراء من حوله رغم إقراره فى ذات الوقت بعالمية الإسلام. ‏وقد تناولت تلك القضية فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية ‏الاستشراقية- أضاليل وأباطيل" وبينت أن أتباع النبى، لا النبى نفسه، لم ‏يجدوا فى هذا الأمر ما يحملهم على التردد أو التلكؤ، فما بالنا بالنبى ذاته، ‏وهو من هو، وهم ليسوا سوى أتباع له، فوق أنهم لم يقفوا عند حد التمنى ‏أو النية، بل فتحوا بلاد الشام وامتلخوها من البيزنطيين، وفتحوا بلاد فارس ‏وامتلخوها من الأكاسرة... وهكذا؟ ‏
وفى تناول كاتب المادة لموضوع الجزاء الأخروى نجده يلح على ‏القول بأن ألوان الثواب والعقاب فى الإسلام كلها حسية تعكس ما كان ‏العربى فى ذلك الوقت يتطلع إليه. يريد أن يقول إن الإسلام من صنع ‏محمد، وإنه راعى فيه أن يخاطب غرائز العرب ويداعب حاجاتهم التى ‏كانوا يفتقدونها ويريدون أن يجدوا إشباعا لها، فقام هو بهذه المهمة. ‏ولنفترض أن الإسلام قد راعى أوضاع البشر فى تصوير الجنة والنار، فما ‏وجه الخطإ فيه؟ هل المطلوب هو أن تعاكس متع الجنة تطلعات البشر؟ ‏وأية جاذبية ستكون لها إذن حتى يكون لها التأثير المرغوب فى نفوس ‏الناس؟ سيقال: لكن هذه التطلعات هى تطلعات عربية صرف. ‏والجواب: وهل هناك بشر ينفرون من الماء الزلال أو اللحم الشهى أو ‏النساء الجميلات مثلا؟ فلماذا إذن كل تلك الحروب التى يشنها الغربيون ‏علينا وعلى الدنيا كلها إن لم يكن من أجل تلك المتع وأمثالها؟ وهل ‏الحضارة الغربية الآن من ساسها إلى راسها إلا جرىٌ وراء تحقيق هذه المتع ‏إلى الحد الذى أضحت تتطلع عنده إلى كل شاذ من اللذائذ؟ ألا يرى ‏القارئ أن الكاتب هو ممن يقال فيهم: "رَمَتْنى بدائها وانسلَّتِ"؟ لقد كنا ‏نظن أن النفاق الغربى مقصور على عالم السياسة، فإذا هو نفاق عام حتى ‏ليشمل أيضا أمور الدين والعقيدة، وهى التى لايصلح فيها نفاق ولا التواء! ‏
على أنه لا بد من التنبيه إلى أن ثواب الجنة فى الإسلام لا يتوقف ‏عند المتع المادية وحدها رغم أهمية هذا الضرب من اللذائذ وعدم وجود ‏إنسان واحد ينفر من تلك المتع حقيقةً لا ادعاءً، بل هناك أيضا الود ‏المتبادل بين أهل الجنة والسلام العميم والسكينة الشاملة التى يتقلبون فيها ‏فلا يعرفون قلقا ولا خوفا ولا شحناء ولا لغوا ولا تأثيما، وهناك الحب ‏والرضا الإلهى الذى يتمتع به سكان الفردوس. كما أن القرآن والحديث ‏النبوى يلحان دائما على أن لذائذ الجنة ليست من جنس لذائذ الدنيا ‏ومتعها، بل الوصف فيها للتقريب ليس إلا. إذن فالجنة فى الإسلام تشبع ‏تطلعات البشر المادية والروحية جميعا، وهذا هو الوضع المثالى لدار ‏الخلد. ‏
وقَفْزًا فوق بعض الموضوعات التى لا نجد ما يدفعنا إلى الوقوف ‏إزاءها نصل إلى قول الكاتب عن عقيدة "القضاء والقدر" إنها تعنى ‏الحتمية المطلقة، فكل شىء مقدَّرٌ سَلَفًا طبقا للمشيئة الإلهية على نحو لا ‏تفيد معه الإرادة الإنسانية فى شىء. فإذا عرفنا أن الإنسان سوف يُسْأَل ‏يوم القيامة عما فعل ويثاب ويعاقَب عليه كان معنى ذلك أننا أمام مسألة ‏عبثية تماما، وإن كان المفكرون المسلمون فى العصر الحديث قد حاولوا ‏سُدًى تحسين الصورة كما يقول. وإلى القارئ كلام الكاتب بالنص فى أصله ‏الإنجليزى:‏
‎"The Mohammedan doctrine of predestination ‎is equivalent to fatalism. They believe in God's ‎absolute decree and predetermination both of good ‎and of evil ; viz., whatever has been or shall be in ‎the world, whether good or bad, proceeds entirely ‎from the Divine will, and is irrevocably fixed and ‎recorded from all eternity. The possession and the ‎exercise of our own free will is, accordingly, futile ‎and useless. The absurdity of this doctrine was felt ‎by later Mohammedan theologians, who sought in ‎vain by various subtile distinctions to minimize it". ‎
والواقع أن الكاتب لا يفهم القضية حق فهمها. صحيح أن هناك ‏فعلا آيات قرآنية وأحاديث نبوية يفهم منها أن كل شىء خاضع لإرادة الله ‏لا يفلت منها، لكنْ هناك فى المقابل آيات وأحاديث يفهم منها أن للإنسان ‏مشيئة حرة وأن تحججه بحتمية المشيئة الإلهية لا معنى له. وكلا النوعين ‏من النصوص صحيح ومفهوم، ولا تعارض بينهما: فكل شىء فى الكون ‏يخضع حقا وصدقا لمشيئة الله، بما فيه المشيئة الإنسانية أيضا، بمعنى أن ‏للإنسان إرادة حرة، إلا أن حريتها ليست نابعة من ذاتها، بل موهوبة من الله ‏سبحانه وتعالى. ومن هنا كان الحساب على قدر نصيب كل فرد من تلك ‏الحرية فى هذا العمل أو ذاك. كذلك هناك الرحمة الإلهية التى يمكن العفو ‏معها عما يرتكبه الشخص من السيئات كلها أو بعضها. وفوق ذلك فعند ‏الحساب الأخروى لا بد أن يؤخذ الضعف البشرى فى الاعتبار. ‏
مما سبق يتضح أنه ليس فى الأمر حتمية مطلقة ولا حرية مطلقة، بل ‏الأمور نسبية. ولسوف يكون حسابنا على هذا الأساس. وأنا أومن بأن ‏فى كل عمل من أعمالنا تقريبا نسبة من الجبر، ونسبة من الاختيار، وهذه ‏النسبة تختلف من عمل إلى عمل، ومن سياق إلى سياق، ومن شخص إلى ‏شخص، ومن وقت إلى وقت... وهكذا. والمهم فى ذلك كله أن يظل ‏الإنسان فى حالة جهاد ويقظة فلا ييأس أو يستسلم للشيطان وينهار. ‏ومهما يرتكب الإنسان من أخطاء فإن باب التوبة مفتوح دائما ما لم يقنط ‏من رحمة ربه ويسلّم بالهزيمة وينطلق فى دنيا الكفر والتمرد والشهوات ‏ويتخلَّ عن ممارسة مسؤوليته الأخلاقية المنوطة به بوصفه واحدا من أبناء ‏آدم وحواء. وللدعاء مدخل فى الحساب والثواب والعقاب لأنه برهان ‏على الإيمان بالله والأمل فى الله والتعلق بما عند الله. ‏
ومن الأخطاء التى وقع فيها الكاتب، وإن لم تكن من نوعية ‏الأخطاء السابقة الخطيرة، تحديده مواقيت الصلوات اليومية الخمس على ‏النحو التالى: قبل الشروق، وفى منتصف النهار، والساعة الرابعة بعد ‏الظهر، وعند الغروب، وقبل منتصف الليل بقليل. وهذا غير دقيق، إذ إن ‏ميقات صلاة الصبح يبدأ عند الفجر وينتهى عند الشروق. فمن الواضح ‏أن الكاتب قد ركز على نهاية ميعاد الصلاة ولم يتطرق إلى الحديث عن ‏وقت ابتدائها. كما أن العصر لا يحل عند الساعة الرابعة بعد الظهر ضربة ‏لازب، بل يختلف من بلد إلى بلد، ومن فصل إلى فصل. كذلك فميعاد ‏العشاء الآخرة يأتى قبل منتصف الليل بكثير، مع وجوب التنبه إلى أن ‏حلوله هو أيضا يختلف من فصل إلى فصل، ومن إقليم إلى إقليم. يقول ‏المؤلف فى نص كلامه الأصلى:‏
‎"The daily prayers are five in number: before ‎sunrise, at midday, at four in the afternoon, at ‎sunset, and shortly before midnight".‎
وفى مثل هذا النوع من الأخطاء يقع الكاتب فى حديثه عن ميقات ‏الصيام فى رمضان، إذ إن الصيام، حسب كلامه، يبدأ من شروق ‏الشمس، رغم ما هو معروف من أن ميعاد بدئه هو الفجر لا الشروق. ‏ومرة أخرى هذا نص ما قال: "‏It begins at sunrise and ends ‎at sunset‏".‏
أما فى كلامه عن الزكاة فالخطأ فادح، إذ لم يذكر منها إلا زكاة ‏الفطر، فضلا عن أنه لم يخصص لهذا الركن الركين من الإسلام إلا سطرين ‏وثلثا لا غير. ولا شك أن هذا خطأ لا يغتفر من كاتب فى موسوعة كالتى ‏بين أيدينا. وكان ينبغى أن يكون أكثر دقة واهتماما بموضوعه. ومن ‏الواضح أنه ليس على مستوى المهمة التى انتدب لها وأنه لا علاقة له ‏مباشرة بموضوعه، بل ينقل عن الآخرين دون فهم، مع تعمد سوء النية ‏والإفساد فيما يكتب. أى أنه يجمع بين الجهل والإساءة المقصودة.‏
وكان قبل قليل قد اقترف خطأ شنيعا حين زعم أن يوم الأضحى ‏فى الإسلام مأخوذ من يوم كيبور (يوم الغفران) فى اليهودية مع بعض ‏التحويرات. وفى موسوعة "الويكبيديا" نقرأ أن "يوم كيبور" هو اليوم العاشر ‏من شهر تشريه، الشهر الأول في التقويم اليهودي، وهو يوم مقدس عند اليهود ‏مخصص للصلاة والصيام فقط، ويتمم أيام التوبة العشرة التي تبدأ بيومي رأس ‏السنة. وحسب التراث اليهودي فهذا اليوم هو الفرصة الأخيرة لتغيير ‏المصير الشخصي أو مصير العالم في السنة الآتية. ويبدأ ذلك اليوم حسب ‏التقويم العبري في ليلة التاسع من شهر تشريه في السنة العبرية ويستمر حتى ‏بداية الليلة التالية. وهو في الشريعة اليهودية يوم عطلة كاملة يحظر فيه كل ‏ما يحظر على اليهود في أيام السبت أو الأعياد الرئيسية مثل الشغل وإشعال ‏النار والكتابة بالقلم وتشغيل السيارات وغير ذلك، بالإضافة إلى أعمال ‏أخرى تحظر في هذا اليوم بشكل خاص مثل تناول الطعام والشرب ‏والاغتسال والاستحمام والمشي بالأحذية الجلدية وممارسة الجنس وأعمال ‏أخرى مشابهة. وبينما تعد أيام السبت والأعياد الأخرى فرصا للامتناع ‏عن الكد وللتمتع إلى جانب العبادة، يعد يوم كيبور فرصة للعبادة ‏والاستغفار فقط. ‏
وبحسب التراث الحاخامي فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه ‏موسى من سيناء للمرة الثانية ومعه لوحا الشريعة، حيث أعلن أن الرب ‏غفر لهم خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي. وعيد يوم الغفران هو العيد ‏الذي يطلب فيه الشعب جميعا الغفران من الإله. ولهذا السبب كان ‏الكاهن الأعظم في الماضي يقدم كبشين قربانا للإله نيابة عن كل جماعة ‏يسرائيل وهو يرتدي رداءً أبيض (علامة الفرح)، وليس رداءه الذهبي ‏المعتاد. وكان يذبح الكبش الأول في مذبح الهيكل ثم ينثر دمه على قدس ‏الأقداس. أما الكبش الثاني فكان يُلْقَى من صخرة عالية في البرية لتهدئة ‏عزازئيل (الروح الشريرة)، وحَمْل ذنوب جماعة يسرائيل. وكما هو واضح ‏فإنه من بقايا العبادة اليسرائيلية الحلولية ويحمل آثارًا ثنوية، ذلك أن عزازئيل ‏هو الشر الذي يعادل قوة الخير. ولا يزال بعض اليهود الأرثوذكس يضحّون ‏بديوك بعدد أفراد الأسرة بعد أن يُقْرَأ عليها بعض التعاويذ. وهناك طقس ‏يُسمَّى: "كابّاروت" يقضي بأن يمسك أحد أفراد الأسرة بدجاجة ويمررها ‏على رؤوس البقية حتى تعلق ذنوبهم بالدجاجة. وفي هذا العيد كان ‏الكاهن الأعظم يذهب إلى قدس الأقداس ويتفوه باسم الإله «يهوه» الذي ‏يحرم نطقه إلا في هذه المناسبة. ولا تزال لطقـوس الهيكل أصداؤها في ‏طقـوس المعـبد اليهـودي في الوقت الحاضر، إذ يُلَفّ تابوت لفائف الشريعة ‏بالأبيض في ذلك اليوم على عكس التاسع من آف حيث يُلَفّ بالأسود. ‏
ويبدأ الاحتفال بهذا اليوم قبيل غروب شمس اليوم التاسع من ‏تشري، ويستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي، أي نحو خمس وعشرين ‏ساعة، يصوم اليهود خلالها ليلاً ونهارًا عن تناول الطعام والشراب والجماع ‏الجنسي وارتداء أحذية جلدية. كما تنطبق تحريمات السبت أيضا في ذلك ‏اليوم. وفيه لا يقومون بأي عمل آخر سوى التعبد. والصلوات التي تُقَام في ‏هذا العيد هي أكثر الصلوات اليومية لليهود، وتصل إلى خمس: الصلوات ‏الثلاث اليومية، مضافا إليها الصلاة الإضافية (مُوساف) وصلاة الختام ‏‏(نعيَّلاه)، وتتم القراءة فيها كلها وقوفا. وتبدأ الشعائر في المعبد مساءً ‏بتلاوة دعاء كل النذور، ويُخْتَتَم الاحتفال في اليوم التالي بصلاة النعيلاه التي ‏تعلن أن السماوات قد أغلقت أبوابها. ويهلل الجميع قائلين: "العام القادم في ‏أورشليم المبنية"، ثم يُنْفَخ في البوق (الشوفار) بعد ذلك.‏
هذا ما قالته "الويكبيديا" فى المادة المخصصة لهذا اليوم. وهو، ‏كما يرى القارئ بكل وضوح، يختلف عن يوم الأضحى عندنا تمام ‏الاختلاف: سواء فى التاريخ أو الغاية أو الشعائر أو المعنى أو المدى أو ‏التفاصيل والدقائق. ومع هذا يظن الكاتب أنه يمكن أن يغمز من قناة ‏الإسلام بهذه البساطة وينجو، مع أن من الميسور التحقق من كل زيف يراد ‏له الانتشار وفضح صاحبه. كذلك ليس فى عيد الأضحى صوم ولا ‏توقف عن العمل ولا كهانة ولا عزازيل ولا وثنيات. بل إن التضحية فى ‏الإسلام ليست فرضا بل سنة، وهى تضحية فردية لا عن الأمة كلها مثلما ‏هى فى اليهودية. ذلك أن المسلمين لم يعبدوا العجل لا فى غياب رسولهم ‏ولا فى حضوره كما فعل اليهود عند مغيب موسى عليه السلام فى لقائه ‏بربه فوق الجبل لتلقى الألواح، إذ يقول العهد القديم إن هارون صنع لهم ‏أثناء ذلك عجلا ذهبيا عبدوه ورقصوا حوله وهم عرايا، مرتدِّين بذلك إلى ‏الوثنية. وفوق ذلك فتوقيت الشعيرة الإسلامية توقيت قمرى لا شمسى كما ‏هو الوضع لدى اليهود، ولا يرتبط عندنا بتلقى نبينا وحيا خاصا ولا ‏بالخروج من مكة، ولا علاقة له بموسى أو بالتوراة أو باليهود وخروجهم من ‏مصر، بل بتاريخ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبشعيرة الحج، وهو ما ‏يسبق موسى وخروج بنى إسرائيل من مصر بأزمان وأزمان. ثم إن ‏الأضحية فى الإسلام هى للأكل والصدقة والإهداء، وليست لمجرد ‏التضحية كما هو الحال فى اليهودية. والذى يذبحها هو أى شخص يستطيع ‏ذلك، بخلاف الامر فى ديانة يهود، فهو الكاهن حسبما رأينا. كما يسبق ‏الذبحَ لدينا ويعقبه أمورٌ أخرى لا صلة بينها وبين يوم كيبور وما يفعله اليهود ‏فيه. إنهما أمران مختلفان تمام الاختلاف كما قلت. ‏
وحين يبلغ الكاتب سياق الحديث عن الأخلاق فى الإسلام نراه ‏يزعم دون أدنى دليل، بل ضد كل دليل، أنها أقل من نظيرتها فى اليهودية، ‏بَلْهَ النصرانية، التى تتفوق على الإسلام فى هذا المجال تفوقا أكبر حسب ‏دعواه. وكيف تكون أخلاق اليهودية أفضل منها فى الإسلام، واليهود إنما ‏ينظرون إلى غيرهم من البشر على أنهم أحط من الحيوان، ويفرقون فى ‏المعاملة بين اليهودى وغير اليهودى كما هومعروف، على حين أن أخلاق ‏الإسلام هى أخلاق إنسانية الطابع، ومن ثم لا تجعل للاعتبار الدينى محلا ‏فى تأدية الحقوق إلى أصحابها أو عمل الخير للآخرين؟ ثم إن الإسلام لا ‏يكتفى بالكلام المنمق الجميل الذى لا يؤكِّل عيشا، بل يضع له الإطار ‏التطبيقى كما هو الحال مثلا فى الزكاة والصدقات غير مكتف بالحديث ‏عن ضرورة رحمة الفقير والمسكين، بل يُتْبِعه بتنظيم هذه الدعوة وجعل ‏تنفيذها فريضة دينية يحاسَب الشخص على تأديتها أو إهمالها. وأين هذا ‏فى اليهودية أو النصرانية؟ وعلى أية حال فإن أمم الغرب ماضية منذ ‏قرون فى الاعتداء على المسلمين وتقتيلهم وتدمير بلادهم وحضارتهم، ‏وفى القرن المنصرم أنشأوا لليهود دولة فى قلب العالم العربى. نعم لليهود، ‏الذين يتهمونهم بقتل المسيح، لا لشىء سوى نكاية المسلمين وإفساد حياتهم ‏حاضرا ومستقبلا. إى نعم لليهود، الذين يقول العهد الجديد، وهو الكتاب ‏المقدس لدى صاحب المقال الذى بين أيدينا، عن شيوخهم وكهنتهم وعما ‏صنعوه مع المسيح عليه السلام: "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ ‏كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ" (متى/ 26/ 59). أما إذا ‏كان يريد الإيماء إلى موعظة الجبل وما فيها من كلام مثالى مغرق فى المثالية ‏فإننا نسأله: أين يا ترى يمكننا أن نعثر على ما يجعلنا نصدّق قدرة أى ‏إنسان أو أية جماعة على تطبيق ما جاء فى تلك الموعظة؟ أما أخلاق ‏الإسلام فإنها تجمع بين المثالية وشىء من الواقعية، ولهذا كانت أقمن أن ‏ينفذها أتباعها بسهولة لا تتوفر لغيرهم. ‏
ثم انظر الآن إلى الكاتب كيف يلوى الحقائق بدم بارد فيذكر، من بين ‏المحرمات فى الإسلام، شهادة الزور ضد المسلم. ومعنى هذا بطبيعة الحال ‏أن المسلم يجوز له، إن لم يكن واجبا عليه، أن يشهد بالزور ضد غير ‏المسلم. أرأيت أيها القارئ كيف يتعمد الكاتب تشويه الإسلام بالباطل؟ ‏ولكى يرى القارئ بنفسه مدى التدليس الذى يمارسه الكاتب أسوق له ‏بعض الآيات القرآنية التى تتعلق بهذا الموضوع: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا ‏قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ ‏غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ ‏تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (النساء/ 135)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ‏آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ ‏تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ‏‏(المائدة/ 8). هذا عن وجوب تأدية الشهادة على وجهها الصحيح دون ‏أدنى اعتبار لأى شىء آخر من غنى أو فقر أو قرابة أو غرابة أو دين ‏حتى لو كانت بيننا وبين من نشهد عليه شنآن، أى بغضاء مستحكمة. إن ‏الكاتب ليعلم علم اليقين أن ما قاله عن الإسلام لا وجود له فى الإسلام، ‏بل فى اليهودية، إذ نقرأ فى سفر "الخروج" (20/ 16): "لاَ تَشْهَدْ عَلَى ‏قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ". ومعنى ذلك أن شهادة الزور على الغريب وغير ‏اليهودى أمر جائز، إن لم تكن أمرا واجبا. ومثله الإقراض الربوى، إذ يحرم ‏على اليهودى أن يُقْرِض يهوديا بربا، بخلافه مع الأجنبى، فهو عندئذ حلال ‏تماما.‏
ترى هل هناك شنآن كالذى كان بين اليهود والمسلمين، والذى طَوَّعَ ‏ليهود أن يؤلبوا الوثنيين على أصحاب التوحيد ويكذبوا على الله وعلى ‏الحق وعلى الشرف والصدق والأمانة فيؤكدوا لهم أن وثنيتهم خير من ‏توحيد الإسلام؟ ومع ذلك فها هو ذا القرآن الكريم ينزل على رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم فى الآيات التالية مدافعا عن يهودى اتهمه بعض من ‏كان ينتسب إلى الإسلام بأنه الفاعل فى قضية تختص بسرقة سلاح، على ‏حين كان السارق هو ذلك المتَّهِم نفسه: "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ‏لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ ‏اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ‏إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا ‏يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا ‏يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ ‏يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَنْ يَعْمَلْ ‏سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ ‏يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ ‏يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) ‏وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ ‏أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ‏مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)" (النساء). وأرجو ‏أن يتملى القارئ جيدا تلك اللهجة النارية التى يصطنعها النص والتى قلما ‏نجد لناريتها شبيها فى مثل ذلك السياق من القرآن.‏
لكن هذا فى الواقع ليس غريبا أبدا على دين يوصى أتباعه بما ‏يوصيهم به الإسلام تجاه عدوهم، فيقول لهم: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ ‏وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمُ ‏اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ‏وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ ‏قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ ‏تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)" (الممتحنة)، ويحذرهم من ‏العدوان على أى إنسان أو أية جماعة، وإن كان يسمح لهم بالرد على ‏العدوان بمثله: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا ‏يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة/ 190)"، مع إيثار التسامح على الانتقام رغم ‏مشروعيته ما دامت الظروف تسمح بالتسامح دون أن يستتبع ذلك ضررا ‏أشد: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ‏مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ ‏انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ ‏يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) ‏وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (43)" (الشورى)، "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ‏فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" (النحل/ ‏‏126).‏
هذا ما يقوله القرآن. والآن إلى هذا النص من رسالة بولس إلى أهل ‏رومية، وفيه أن الكذب مشروع ما دام يؤدى إلى تمجيد الله: "3فَمَاذَا إِنْ ‏كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ اللهِ؟ 4حَاشَا! بَلْ ‏لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي ‏كَلاَمِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ».5وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِثْمُنَا يُبَيِّنُ بِرَّ اللهِ، فَمَاذَا ‏نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ اللهَ الَّذِي يَجْلِبُ الْغَضَبَ ظَالِمٌ؟ أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ. ‏‏6حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ اللهُ الْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ؟ 7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ‏ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟". وهذا يكفى فى ‏الرد على كاتبنا الهجّام الذى يلصق بالإسلام ما ليس فيه متصورا أن ‏بمستطاعه الحديث عن الإسلام من طرف مناخيره دون أن يعقّب أحد ‏على كذبه. ‏
ويستمر الكاتب فى تزييفه فيزعم أنه، من بين الكفر والردة والزنا ‏وشرب الخمر والاستقسام بالأزلام، لا يوجد عقاب فى الإسلام إلا للكفر ‏والردة، أما الخطايا الباقية فيُسْمَح فيها بوجه عام أن يذهب مقترفها لحال ‏سبيله دون عقاب، اللهم إلا إذا مست مصلحةَ المجتمع أو اصطدمت ‏بالنظام السياسى بشكل خطير، وكأنه لا عقوبة على شارب الخمر ولا ‏على الزانى ولا على شاهد الزور. لو أنه قال إن بعض هذه الخطايا لا ‏عقاب معين لها مثل شهادة الزور لم يكن على كلامه غبار، وإن لم يَعْنِ هذا ‏أنه لا توجد فعلا أية عقوبة لمرتكب شهادة الزور، بل كل ما يعنيه هو أنه لا ‏يوجد حد مقرر لمثل تلك السيئة، ومن ثم يُتْرَك أمرها إلى رجال القانون ‏يؤاخذون مجترحها بالعقوبة التى يَرَوْنَها ناجعة رادعة، وهو ما يسمى فى ‏الفقه الإسلامى بــ"التعزير"، ذلك الباب الشرعى للعقوبة التى لم يحدَّد ‏مقدارها سلفا. أما شرب الخمر ففيه الجلد، وأما الزنا فالجلد عقوبة غير ‏المحصن، وثم خلاف حول عقوبة المحصن: أهى الـجَلْد كما فى غير ‏المحصن، أم هى الرَّجْم كما يقول جمهور الفقهاء؟
ومن تزييفات الكاتب دعواه أنه فى حالة ارتكاب أحد الزوجين ‏للفاحشة فإن شهادة الرجل على زوجته تُقْبَل للتو واللحظة ودون نقاش، ‏على عكس شهادتها عليه، فإنها لا تُقْبَل بحال. وهو كلام لا صدق فيه ‏على الإطلاق، إذ من المعروف أن فى الفقه الإسلامى بابا لما يسمَّى ‏بـ"اللِّعَان"، وهو أن يتهم أحد الزوجين الآخر بالفاحشة، فعندئذ يجب عليه ‏أن يكرر شهادته أربع مرات أمام القاضى حتى يكون لشهادته قبول وتتم ‏معاقبة الطرف المتَّهَم، ولكن بشرط ألا يردّ فيشهد أربع مرات بأن متَّهِمه ‏كاذب فيما قاله عنه. وعلى هذا فلا تمييز هنا بين زوج وزوجة، بل ‏مساواة تامة. كذلك فإن قوله إن الأخذ بالثأر من الأمور المسموحة فى ‏الإسلام هو من المزاعم الفارغة التى لا تستند إلى أى أساس خارج دعوى ‏الكاتب السخيفة، إذ على رأس الإصلاحات التى أتى بها الرسول الكريم ‏إلغاؤه الثأر، وكان شائعا بين العرب يفتك بهم ويحيل حياتهم إلى سلسلة لا ‏تنتهى من القتل والقتل المضاد، ومن ثم أصبح واجبا على أولياء القتيل ‏عندئذ تفويض الأمر إلى القضاء يأخذ لهم حقهم. وهذا من المتعالم المشهور ‏الذى لا يحتاج إلى سوق الدليل عليه.‏
ومن أكاذيب الكاتب أيضا زعمه أن الإسلام السياسى يقوم على ‏الاستبداد فى الداخل، والعدوان فى الخارج. وهذا كلامٌ سخيفٌ سُخْفَ ‏عقل قائله، إذ لا وجود للشورى فى أى كتاب دينى كما هو الحال فى ‏القرآن الكريم، الذى تكررت الإشادة بها فيه أكثر من مرة. وفى سورة ‏‏"الشورى" نجد القرآن قد جعلها من سمات المؤمنين المخلصين. أى أنها ‏ليست شأنا من شؤون السياسة فحسب، بل هى أولا وقبل كل شىء من ‏صميم الإيمان، ومن ثم تُُكْسِب صاحبها رضا الله سبحانه وتعالى: " فَمَا ‏أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا ‏وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا ‏غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ ‏شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)" (الشورى). ولنلاحظ أن ‏السورة التى وردت فيها الآية تُسَمَّى بـ"الشورى"، وهذه دلالة لا تخطئها ‏العين على المكانة التى تحتلها الشورى فى الإسلام. أما آية "آل عمران" ‏فموجهة إلى النبى نفسه صلى الله عليه وسلم بما يفيد أن الشورى أكبر من ‏أى شىء، وأن الكل ينبغى أن يخضع لها وينزل على مطالبها: "فَبِمَا رَحْمَةٍ ‏مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ ‏عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ ‏يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" ( آل عمران/ 159). ومن العجيب أن تكون هذه الآية ‏قد نزلت بعد أن أصاخ النبى إلى اقتراحٍ لطائفة من المسلمين فى غزوة أحد ‏يختلف عما كان هو يزمع تنفيذه، وكانت النتيجة هزيمة المسلمين فى تلك ‏الغزوة. ولقد كانت هذه فرصة لأى مستبد كى يقرّع مخالفيه وينصبّ ‏عليهم عسفا وترويعا واستبدادا، إلا أن القرآن كانت له كلمة أخرى، إذ ‏نراه رغم كل ما حدث قد أوجب على النبى المزيد من الشورى، مع ‏اعتماد اللين والرحمة وسيلة للتعامل مع مستشاريه ورعيته بدلا مما ينتهجه ‏الحكام الآخرون من الفظاظة وغلظة القلب. فهل بعد هذا كله موضع ‏لتساخف هذا المتساخف؟ ‏
وبالنسبة للسياسة الإسلامية الخارجية التى يَسِمُها بالعدوانية نجده ‏يؤكد أن المسلمين فى العصور الوسطى والحديثة قد اضطهدوا اليهود ‏والنصارى اضطهادا شديدا. ولا ريب أن هذا تعبير عن فقدان العقل، ‏وإلا فلماذا لم يذكر لنا الكاتب وقائع محددة تدل على صحة ما يقول؟ ‏أليس من العجيب أن يقلب الرجل الحقائق على أم رأسها فيزعم أن ‏المسلمين قد اضطهدوا اليهود والنصارى، وبالذات فى العصر الحديث، ‏ذلك العصر الذى يتناوش المسلمين فيه الاضطهادُ والاكتساحُ والاستنزافُ ‏والتدميرُ الصليبهيونى من كل جانب؟ أليس من العجيب أن يتجاهل الرجل ‏حملات الصليبيين والغزو المغولى، ثم الغزو الاستعمارى الحديث بدءا من ‏الحملة الفرنسية على مصر، واحتلال فرنسا للجزائر ثم المغرب وتونس بعد ‏ذلك، واحتلال بريطانيا لمصر فى ثمانينات القرن التاسع عشر ثم للسودان ‏بعد ذلك، واحتلال إيطاليا لليبيا فى العقد الثانى من القرن العشرين، ‏واغتصاب اليهود لفلسطين بتخطيط الغرب الصليبى ومعاضدته لهم بالمال ‏والسلاح والدعاية والمواقف والمؤامرات السياسية، ويروح يهيم فى وادى ‏الكذب والتضليل محاولا لىّ الحقائق التاريخية التى لا تقبل الالتواء؟ ‏

Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/‎
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9‎