شاهد من أهلها " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "
البطل المغربي الراحل . عبد السلام الراضي جاوي , من مواليد تاونات 1929 م , جندي متقاعد يوم تحدثنا إليه . كان له أربعة أبناء , 3 ذكور وبنت واحدة , أكبرهم يبلغ من العمر 21 سنة وأصغرهم يبلغ 6 أشهر . كان ذلك سنة 1986 م – له ماض حافل بالانتصارات في العدو الريفي والمارطون , انه بطل فرنسا عدة مرات , وبطل العالم في العد و الر يفي العسكري , وبطل عدة مسابقا ت دولية , كما أنه صاحب الرقم القياسي المغربي في مسافة 10000 م بتوقيت 29 د 20 ثا , وصاحب الميدالية الفضية في مارطون الألعاب الأولمبية بروما سنة 1960 م وهو يعيش ساعتها ذائقة مالية تكلفه مشقتها إعالة أسرته بما لا يزيد عن 275,00 درهم شهريا من تقاعده من الجندية الفرنسية , قد ر المجلس البلدي الاتحادي بفاس أدواره وعطاءاته الرياضية , وما آلت إليه وضعيته الاجتماعية , فوهب له سكنى تخفف عنه العبء, وتسلم مفاتيحها في أول دوري باسمه, نظمه فريق المغرب الفاسي لألعاب القوى , وبعد أن أعطى البطل انطلاقة الدوري في حلبة ملعب الخيل بفا س اغتنمنا الفرصة فأجرينا معه حديثا صحفيا يوم 14 دجنبر 1986م اختتمه رحمه الله , بفرحة الفقير بالعطية قائلا " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" . 19-12-86
الملاحظة الجوهرية أن البطل عبد السلام الراضي , لم يكن خريج معهد رياضي , ولم يتلق أي تكوين . وذلك لأنه ينتمي إلى العالم القروي عالم المزارعين والأنشطة الفلاحية
وقد عانى – زيادة على معاناته مع الفقر – من طغيا ن المستعمر الفرنسي , الذي ألحقه بالجندية , فكانت فرصته أن كشف عن مؤهلا ته البد نية وسرعته في العد و وطول قامته, إلى أن حقق ما حقق من الألقاب , ولم ينله ما يحسن وضعيته الاجتماعية قدر السمسمة, فعاش فقيرا, وتجند فقيرا وحقق البطولات فقيرا , وتقاعد فقيرا , إلى أن وافته المنية فقيرا
ومسيرته الرياضية سواء بعفوية أو انتظامية , جعلته شاهدا على أن الرياضي إذا اكتسب خبرات أكثر,أو استفاد من تأطير أنسب , فإنه يحقق ما لم يحققه غيره وكان خير نموذج في الستينات, حيث يسجل له التاريخ الرياضي– رغم غيا ب التأهيل والتكوين أنه حقق ما اعتبر مفتاحا لدخول أبطال شبا ب حلبة المنافسة من الباب الواسع , وحققوا الصعود إلى منصات التتويج , وهذا ما كان يفرحه في حياته ويجد فيه عزاءه , لأنه لم يكن أقل من غيره , ولم يصبه الملل واليأس , ولم تسيطر عليه يوما . فكرة الهجرة وترك الأهل والوطن الذي عانى من فراقه طويلا أيام الجندية , ولم يعطل طاقته الجسدية إلا عامل السن وكان سلاحه – كما عرفته دائما – الإيمان بالله والرسول , مؤكدا أن الله لا ينسى عباده المخلصين , واضعا نصب عينيه قول الرسول " ص "
" إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت "
وهذا نص الاستجواب الشهادة , كما أجريناه معه بتاريخ 19 دجنبر 1986 م
فوجئت بالتفاتة المجلس البلدي ورددت :
" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "
البطل عبد السلام الراضي , هنيئا لك بمسكنك , وهنيئا لك بهذه الالتفاتة الاجتماعية والرياضية , وبعد . هل لك أن تحدثنا عن بدايتك الرياضية ؟
ج - لقد كانت بدايتي الرياضية تعود لسنة 1950 م , بعد أن اختارت فرنسا من ينخرط في الجندية من البادية , وكنت أحدهم , وفي تازة كانت فرنسا تختبر المجندين في الحقل الرياضي , فنجحت في السباقات المنظمة, وخاصة بين مجموعات الجنود, فتعجب المسئولون لسرعتي , فتعهدوني إلى درجة أن رفضوا طلبي للذهاب إلى حرب الصين , وربحت البطولة الفرنسية العسكرية لمدة 7سنوات , ودفعوا بي للتجربة مع المد نيين
فربحت سباق بلجيكا – هولندا – اسبانيا – فرنسا – ألمانيا , وطلب مني الفرنسيون أن أتجنس جنسيتهم لأشا رك في سباق أنجلترا سنة 59 فرفضت . وتمت مشاركتي كمغربي . فربحت الصف الأول لسباق الأمم
- هل كان لك مدربون أو ظللت تعتمد على إمكانياتك ؟
ج - حينما أخذوني إلى فرنسا أصبح لي مدرب فرنسي اسمه " أندريانو " نظم تداريبي وسهر على تغذيتي ومراقبة صحتي لأكون دائما ذا عطاء جيد
ما الذي تتذكره عن سباق روما سنة 1960 م ؟
ج - كان هذا السباق ضمن الألعاب الأولمبية ومسافته 42 كلم , ولولا أني أخطأت نقطة الوصول , والتي أرجع سببها إلى غياب توجيها ت اللجنة التقنية التي لم تخبرنا بتلك التقنيات التي نجهلها , لكنت صاحب الميدالية الذهبية
- هل كنت تعرف خصمك الذي انتزع منك الميدالية الذهبية ؟
ج - طبعا كنت أعرفه . انه “ بيكيلا فيدي " أقل مني قوة ودراية وبشهادة فحوص الأطباء علينا معا , وشها د ته شخصيا في حقي , حيث يعترف بأنني أتمتع بصحة جيدة تمكنني من السباق لسنوات أخرى قد تزيد عن الخمسة . بينما ليست له نفس المؤهلات
- كيف تقارن بين الحياة الرياضية قديما – على عهد ممارستك لها – وبينها اليوم؟
ج - الحياة الرياضية الآن طغى عليها الجانب المادي, بينما كنت أجري مجانا , وأحضر من فرنسا لأشارك مجانا , والرياضة اليوم لها من التجهيزات ما لم يكن متوفرا في عهدنا , ولو أضيف إليه حب الرياضة والإخلاص لها لحققت مزيدا من المعجزات , أتساءل هل يمكن لمتسابق اليوم أن يجري بنفس الأحذية المتواضعة التي كنا نجري بها , ففي حياتي الرياضية – وأنا لا أ قول عيبا في أحد – لم أنو أن تكون نهايتي سيئة من الناحية المادية , فبعد كبري في السن أصبحت معيشتي ناقصة, وليست لي مدا خيل , وليس لي سوى الله , أتقاضى شهريا من التقاعد العسكري 275,00 درهما , هل أعيش بها ؟ وأنا مسئول عن عائلة من أربعة أبناء ولدان يدرسان بمنحة في فرنسا وبنت وطفل عمره 6 أشهر, عندما يزورني أبنائي قادمين من فرنسا , لا أجد حولا لهم , فلا تتعدى زيارتهم لي أربعة أو خمسة أيام -
- كيف تقبلت هدية المجلس البلدي المجسمة في تمليكك سكنى - ج - خلا ل سبا ق عيد الاستقلال المجيد لسنة 1985 م بفاس , فوجئت عند تسليم الجوائز , بالأخت خديجة طنانة , تعلن عن تمليكي السكنى كهدية من المجلس البلدي , ففوجئت واعتقدت أ نني في حلم ورددت قول الله عز وجل: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" لقد حقق لي هذا المجلس ما لم تفعله المجالس الأخرى , وهذا المسكن سيوفر لي مبلغا ماليا أحسن به حيا تي ووضعيتي الاجتماعية, بل انه هبة دائمة لا تنقضي مع انتهاء مدة قصيرة , إنها هدية أصبح لها وقعها الهائل على نفسي , وأدخلت السرور على عائلتي , لأنها دائمة وستبقى لأبنائي آنا ومستقبلا, إنني أشك
المجلس البلدي وأشكر السيد الرئيس بصفة خاصة.وأشكر كل الذين قدموا لي مساعداتهم وتبرعا تهم , وأنا عاجز ولا أعرف عبارات أخرى للشكر
- هل صادفت مواقف لا تزال تذكرها في حياتك الرياضية ؟
ج - رغم أنها كثيرة , فأنا لا أذكر إلا بعضها وأهمها أنني عندما ربحت سباق بلجيكا سنة 1961 م سمعت مكبر الصوت بالملعب أو المذياع لا أدري , ينقل نبأ وفاة المغفور له محمد الخامس , فلم أتناول طعاما طيلة ذلك اليوم – وأذكر مرة - نسيت السنة بالضبط - في لوس أنجلوس بأمريكا أننا فوجئنا بأ ن الرئيس الأمريكي – جيمي كارتر– سيجري معنا في سباق, وبالفل جرى مسافة 2 كلم شرفيا . ثم غادر الحلبة
ومن النوادر أنني عندما كنت أحضر إلى المغرب للمشاركة في سبا ق , أخرج إلى أحد الشوارع لأستعد جريا , فيعترضني أناس متسائلين عما إذا كان لي من بأس , ولما ذا أجري, إذ لم يكن الوعي الرياضي بأهمية الرياضة قد بلغ مداه لدى عامة الناس خلاف ما هو عليه الآن " وقطع الحديث بيننا مكبر الصوت يعلن عن تسليم الهدية– مفاتيح السكنى- لبطلنا . فتمنيت له أن ينعم بها
فاس : محمد التهامي بنيس