الأخلاق والأدب - فيصل عبد الوهاب


قبل سنوات حضرت مناقشة أطروحة ماجستير في الأدب العربي وكانت عن شعر نزار قباني ففوجئت بأن أحد الأساتذة المناقشين يشن هجوما على الشاعر ويصفه باللا أخلاقي ويستنكر على الباحث أن يتناول شعر هذا الشاعر بالبحث والدراسة..ولاحظت حيرة الباحث في الرد حينما أجاب بأنه غير معني بالنواحي الأخلاقية في شعر الشاعر بقدر ما هو معني بالنواحي الفنية في شعره..ولم يقتنع الأستاذ بهذا الجواب وقال بأن الأدب والأخلاق أحدهما يكمل الآخر ولا انفصام بينهما..وبالطبع فان نظرة الأستاذ للأخلاق نظرة ليست بمعناها الواسع أو الفلسفي بل كانت منحصرة في مشكلة الجنس في شعر نزار. وبعد سنوات أيضا التقيت بالباحث صدفة فسألته إن كان قد أكمل دراسته للدكتوراه في الأدب العربي أم لا أجابني أنه قد أكمل الدكتوراه في اللغة وليس في الأدب ! ولم أتمالك نفسي من الدهشة وقبل أن أبادره بالسؤال أجاب : لقد أقنعني الأستاذ المناقش في مرحلة الماجستير بآرائه وقد اكتشفت لاحقا أن نزار قباني لم يكن شاعرا صادقا بل كان يركب عواطف الشباب ويتلون حسب طبيعة كل مرحلة في شعره السياسي وليس له موقف مبدئي، وقد غيرت اتجاهي الدراسي من الأدب إلى اللغة متأثرا بهذه المسألة.
ومثلما تعج النصوص الأدبية بمواقف إنسانية وأخلاقية رائعة فإنها تعج أيضا بالمواقف اللا أخلاقية واللا إنسانية أيضا باعتبار أن الكاتب يعكس الواقع في كتاباته بغض النظر عن المسألة الأخلاقية. ولكن المشكلة الأساس هو في موقف الكاتب أو الأديب من هذا الواقع فقد يعكس النص تعاطف الكاتب مع وضع إنساني معين وقد يعكس عدم تعاطفه أيضا بل يعرض الموضوع بطريقة حيادية والأكثر من هذا أن يوغل في عدم تعاطفه إلى درجة يمكن اتهام ذلك الأديب باللا إنسانية واللا أخلاقية. . وهنا تبرز إشكالية مهمة تعود بنا إلى نظريتي (الفن للفن) و (الفن للمجتمع) وعن دور الأديب ورسالته ، وسيكون الانحياز قائما باتجاه نظرية الوظيفة الاجتماعية للأدب ولكن بشرط الابتعاد عن الطريقة الممجوجة في المباشرة والوعظية التي تقرب الأدب من لغة الخطابة والمقالة.