العلاقة الجدلية بين العلكة والانهيار الاقتصادي.
لبنى ياسين
في الأيام الماضية وبينما أنا أتسكع في السوق لشراء بعض الاحتياجات الطارئة، لفتت نظري ظاهرة غريبة، فأبناء آدم من خلق الله ذوو الشوارب الطويلة والعريضة التي يقف عليها نسر دون أن تهتز شعرة فيها، يضعون (نص متر لبان) أو علكة في أفواههم وهات يا طقطقة علك عياناً بياناً، دون خجل أو حياء.
وأنا وإن لم استسغ العلكة أصلاً وفصلاً ومقعداً ومدرسة، ولو كنت ناقمة على من اخترع هذا الشيء الذي يشبه فيما يشبه نعل الحذاء المطاطي قلباً وقالباً، إلا أنني قد احتمل لبضعة دقائق رؤية امرأة تضع ذلك الشيء في فمها وتمضغه وتعلكه إلى ما لا نهاية دون كللٍ أو مللٍ على ألا تقع تحت خط الطول والعرض الموافق لمدى نظري لمدة طويلة، إلا أن رؤية ذوي الشوارب يطقطقون بها فذلك كثير جداً على مزاجي الرجعي جداً.
إلا أنني- وبعد دراسة وتمحيص- ولاحظوا أن التمحيص فعل بغيض يأخذ وقتاً وجهداً ليسا بقليلين على الإطلاق- اكتشفت من وراء ذلك وجود علاقة طردية بين الانهيار الاقتصادي وبين النص متر لبان في أفواه الرجال، سأحاول أن اعمل بها بحثاً أنال به براءة اختراع أو دكتوراة أو أي شيء ممكن، وأرجو ألا يكون هذا الشيء عصا ترتفع في وجهي وتنزل علي كالصاعقة من قبل السادة الرجال.
فقبل الانهيار الاقتصادي كانت الدنيا بخير، والازدهار يزهر ويورق في كل مكان صحرا إن كان أو بستان، وكان لكل خريج جامعي- أسعفته علاماته السقفية أو ما تحتها بدرجة في دخول كلية ما والتخرج منها- خمس فرص عمل يتعامل بها على طريقة العم جورج ومليوناته، حيث يحذف فرصتين، ويغير فرصة، ويسأل الجمهور في الرابعة، فتذهب أربع فرص أدراج الرياح، ولا تتبقى له إلا واحدة عليه أن يتمسك بها بالنواجذ والأسنان، ولذلك لن يكون في مقدوره أن يضع العلكة في فمه لئلا تفلت منه آخر فرصة يرجوها فيما هو يفتح شدقيه معلـِّكاً، وهي الفرصة التي يهديه الله بها إلى الاتصال بصديق، ويجب أن يكون هذا الصديق من المثقفين في الحياة الاجتماعية، وأصحاب قائمة الاتصالات الأقوى والأوسع لكي يقوم بدوره بإجراء اتصال بصديق آخر، فيشتعل المصباح الأخضر وتكون الإجابة صحيحة، ويذهب الرجل إلى عمله مبتهجاً في صبيحة اليوم التالي، وقد يتلقى ترقية في اليوم الثالث ويصبح مديراً، من جراء مكالمة صحيحة للرجل الصحيح تجعله الرجل المناسب في المكان ..... المناسب، وليس لديه وقتاً لا للعلك ولا للمسك.
أما إن أتعسه الحظ واختار صديقاً غير مؤهل لترقيته وتثبيته في العمل فقل للفرصة الخامسة وداعا، واشترِ عشرة متر لبان واعلك معها خيبتك وأنت صامت.
أما بعد الانهيار الاقتصادي فقد أصبح لكل دفعة خريجة سنتها وظيفة واحدة بخمس احتمالات، أولها وثانيها وثالثها ورابعها الفشل في شغل تلك الوظيفة، أما خامسها فهو الفشل أيضاً، فمن بين كل خريجي الدفعة بأوائلهم وأواخرهم، ومتفوقيهم ومشحوطيهم، سوف يفلح اتصال واحد يكون الصديق فيها من علية القوم وبوسعه أن يلغي كل الاتصالات الأخرى بغض النظر عن كون المكان الشاغر يحتاج إلى تخصصٍ مختلفٍ أو حتى نسبة تقدير شهادة التخرج بين المتقدمين، فالمهم هنا الاتصال بصديق.
وويلك يا من لا تجد صديقاً يشعل لك الضوء الأخضر ليقال لك مبروك لقد فزت ليس بالمليون ...وإنما بالوظيفة.
وهكذا فعلى بقية الدفعة أن تعلك خيبتها جيداً، وبما أن طعم الخيبة مر فلا بد إذن من تغيير طعمه بنكهة ما، ولا بد لهذا الـنكهة الـ(ما) أن تكون قابلة للعلك والمضغ فقط دون الابتلاع لأن الخيبة عادة ما تبقى في الحلق.. فنغص بها ولا نستطيع ابتلاعها.
ومبروك يا صاحب (الاتصال بالصديق) الأفضل، وحظاً أوفر أيها العالـ(قـ،كـ)ـون في البطالة.