المعنى الحقيقي للبدون ... في ضوء الواقع الأليم

الأخوة الأعزاء،

لعله لا يخفى على أحد ما في كلمة (بلا وطن) أو (بدون وطن) من تجاوز للمنطق وللأعراف الانسانية، فكما لا يجوز أن يكون الانسان عبدا وقد ولدته أمه حرا، كذلك لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون الانسان (بلا وطن) وقد ولدته أمه مواطنا.

هذا التجاوز المنافي للمنطق الذي يطلق على بعض الناس مصطلح (بدون وطن) ويختصره في المصطلح الخجول (بدون) ليس مصطلحا قديما موغلا في القدم، مما يدل على أنه اختراع حديث نسبيا، ومع قليل من البحث تكتشفون أنه لم يستخدم إلا منذ سقوط أراضي دولة الخلافة العلية العثمانية تحت احتلال الدول الكافرة الصليبية، التي قسمت البلاد، وقامت بتوزيعها على من والاها من الاقطاعيين ومن زعماء العشائر والقبائل المحليين، ليجعلوها مزارع شخصية لهم، وليتصرفوا بالارض وكأنها ملك لهم، وبالشعوب وكأنهم دجاج أو خراف أو عبيد عندهم.

البدون في الأصل هم المواطنون الذين كانوا لأسباب ما يتخلفون عن تسجيل أنفسهم أو تسجيل أبنائهم في سجلات الدولة الرسمية، فهم إذن ليسوا في الأصل (بدون أوطان)، لكنهم (بدون وثائق)، وهذه الحالة حالة دائمة في الماضي، وفي الحاضر، وفي المستقبل، وهي حالة قائمة في كل بقاع الأرض بلا استثناء.

ونظرا لأن بلادنا العربية كانت تنضوي تحت لواء دولة الخلافة العلية العثمانية في وقت من الأوقات، دعونا نسأل: كيف كانت دولة الخلافة تتعامل مع مثل هؤلاء المواطنين؟ وهل كانت تعاملهم على أنهم (بدون وطن) لمجرد كونهم (بلا وثائق)؟

في زمن الدولة العثمانية، كان المواطنون على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم يعتبرون من التابعية أو الجنسية العثمانية، وإذا حدث (ولسبب ما) أن فاتهم التسجيل في سجلات النفوس والأحوال المدنية، لم يكن يقال لهم (بدون)، وإنما كان يقال لهم (مكتومون) بالتعبير العثماني والتي تعني (منسيون) باللغة العربية. وكان بامكان هؤلاء (المنسيين) أن يتقدموا بكل فخر، وفي أي وقت من الاوقات، إلى السلطات العثمانية، حيث كانت تنظم بحقهم معاملة تسمى معاملة المكتومين أي المنسيين، مقابلة غرامة تأخير معينة، يدفعها منهم المقتدرون ماليا فقط، في حين كان يعفى منها غير المقتدرين، ثم يتم تسجيلهم في السجلات الرسمية العثمانية بشكل روتيني، مع كامل الاحترام، ليتمكنوا بعد ذلك من مواصلة حياتهم بشكل عادي، مثل سائر المواطنين العثمانيين الآخرين.

هكذا كان (بدون) الدولة الاسلامية، فشتان بين دولة اسلامية دستورها القرأن والسنة والشرع الاسلامي، وبين دول وريثة للمستعمر، لا تحكم بما أنزل الله، ولا تخجل من أن تسرق من مواطنيها أموالهم وأرواحهم و ... أوطانهم.

حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

منذر أبو هواش