http://www.nowlebanon.com/Arabic/New...aspx?ID=142729

زاوية

غادا فؤاد السمّان، الاثنين 1 شباط 2010

هل قدر لبنان أن يكون صاحب الرقم الصعب الذي يؤهّله لدخول موسوعة "غينس" للأرقام القياسية، كأصغر بلد، وأكبر مُصَدِّر للشهداء؟..

هل مكتوب على لبنان أن يجفف دموع العين اليمنى لتطفح بالمقابل العين اليسرى، وتستمر المفارقة بلا هوادة على امتداد المواسم ليصير "الدمع ع الجرّار" إلى ما شاء الله؟!.

فما إن يخلع القلب غيمة سوداء حتى تداهمه الأكثر سواداً لتلفّه بشراسة بل تعتصره حتى تدميه، وهكذا ينام اللبناني على وجع ليصحو على فاجعة، آخرها سقوط الطائرة الأثيوبية في الرحلة الأخيرة 409 قبالة الشاطئ اللبناني ليتحوّل وداع الأذرع الممتدّة باتّجاه الأحبّة الذين غادروا ذويهم ولا تزال أعناقهم ملتوية باتّجاه أرض بيروت وأنظارهم موزّعة بالتساوي للتفرّس بما هو مرئيّ من تفاصيل المكان الذي غادروه توّا، وفي جعبتهم أكداس من الأحلام والآمال والمواعيد وجدول لمواقيتَ محدّدة لطريق العودة، لكنّ هذه المرّة طريق العودة ليس ببعيد، وليس جوّا كما سيشاء القدر، بل عبر غياهب 1300 م من العمق البحري، ينتظرون يد الغواصين البواسل المُدججين باللهفة والإصرار رغم أنف الطقس اللدود.

.. حسرتهم ربّما أنّهم لا يحملون الهدايا إلى ذويهم هذه المرّة بل يحملون الحزن الشديد والقهر الذي لا يسلوه سوى الزمن ولا تُساعد عليه سوى العناية الإلهية وتلك أمنية كلّ لبناني رأيته، وسمعته، وصببت جام لوعتي أمامه، بعدما تحوّل قسط من المتوسط المالح إلى قناتي الدمعية وهي تطفح بغزارة أجهل دافعها علما بأنه ما من جثّة أعرفها تتواجد بين الراحلين سوى جثّتي التي لا يمكن العثور عليها، نظراً لتفسّخ الواقع وتحللها فيه منذ ضغائن وأحقادٍ ومراوغات تزداد تفشيّا في المجتمع كوباء خطير.

فاجعة الطائرة الأثوبيّة أعادت للأذهان تآزر الشعب اللبناني بجميع أطيافه مع المنكوبين أيام حرب تموز، يوم اختلط الدمع بالجرح، وتواتر العناق بين كلّ اللبنانيين دون تمييز لطائفة أو لمذهب، هكذا صار المشهد في قاعة الشرف لمطار رفيق الحريري وصارت القاعة اسماً على مسمّى حين توجّه سعد الحريري الرئيس الشاب باكراً دون تردد وقد آزر حضوره الجميع كلّ أخٍ وأمّ وأبّ وزوجه، لم يضنّ بمشاعره الصادقة على أحد من أيّ حزبٍ كان، أو طائفة انتمى، صافح الجميع بلا استثناء مواسياً وشدّ على أياديهم يستحلفهم بالصبر، ممّا زاد على هيبة حضوره وقار الغصّة التي تقاسمها مع الجميع، كتفاً إلى كتف مع الرئيس نبيه برّي.

لعلّها رسالة السماء لمن يؤمن بالله وبحزبه وبلبنان، على أن هذا الشعب بجميعه، أمانة في أعناق الجميع، وليس من الضروري أن تقع الفاجعة حتى يلتئم الشمل وتتصافى القلوب والأذهان لأوان إنسانيّ سرعان ما يمحوه أوان سياسيّ يزاحم الشرعية والمنطق والذرائع والودّ المُتبادل والعقول، ليغلّب العناد والأطماع والمصالح على كافّة الموازين.

رحم الله شهداء اليوم الذين طالتهم يد المنون، وليرحم الله شهداء الأمس الذين طاولتهم يد الغدر ولا يزال القتلة في غيّهم يعمهون.