أحبتي الكرام..
على الرغم من قدم القصيدة، فلقد قرأت المساجلة الجميلة بيت الشاعرين: الفارع والعاني حول قضية (فاعِلُ) في بحر الخبب للتو، وقرأتُ ما استشهد به أستاذنا الفارع من أمثلة قديمة كنت قد سجلتُها في أكثر من موقع. وأحببت أن أضيف هنا بعض ما سجلته حديثاً في أحد المواقع فأقول:
هنالك خلطٌ شنيع بين (المتدارك) الذي على (فاعلن)، و(الخبب) الذي على (فعْلن). ولنا أن نقرر بدايةً أن مصدر الخلط هم العروضيون، لأن الشعراء – أصحابَ الآذان الموسيقية المرهفة- قدماءَ ومحدثين- لم يخلطوا بين البحرين أبداً.
وكان الخليل –رحمه الله تعالى- قد صنف البحر الأول في مهملات دوائره، ولم يتعرّض للخبب بالتأصيل، على الرغم مما نُقِل عنه من أبيات قالها على وزنه.
فلما كثرت الكتابة على الخبب أراد بعض العروضيين أن يجد له مكاناً بين البحور، فألصقه خطَلاً بمهمل الخليل الذي على (فاعلن)!!
وكانت أولى مشاكل هذا التصنيف هي ظهور (فعْلن) في حشو البحر، بديلاً لفاعلن.. لأنها (علّةٌ) لازمة، لا تردُ إلاّ في الأعاريض والأضرب كما هو معروف. ولذلك قال أبو الحسن العروضي عنه: إنه مخالف لسائر أنواع الشعر، وإنه لحقه فساد في نفس بنائه. ومن هنا أيضاً كانت أولى تسميات هذا البحر: (الغريب).
ولقد نبه بعض العروضيين إلى أن تحوّل (فاعلن) إلى (فعْلن) في حشو الخبب هو مما يُخالف أصول القواعد الخليلية، واعتبروا ذلك حالة شاذة يختص بها هذا البحر دون سواه، وحكم معظمهم بشذوذ هذا البحر سالمَ التفاعيل، وصحّته معتلاًّ. بل جزم آخرون بأنه لا يُستعمل إلاّ مخبوناً أو مقطوعاً.
من هنا كان من الواجب على العين الفاحصة الناقدة أن تنظر إلى هذا البحر نظرة مختلفة عن سائر البحور، للخروج من ذلك بقواعد تتناسب مع ذلك الاختلاف.
وليس في ذلك نبذ للمصطلحات التي تواضع عليها الأقدمون، وإنما هو محاولة إحقاق حقّ، والحقّ إذا ظهر أحقّ أن يُتّبع.
أما فيما يتعلق بمسألة (فعِلَتُ)، فهي مثل (مُتَعِلُن) في الرجز والسريع والمنسرح، قليلة الورود في الشعر، ولا يعني استقباحُها عدم ورودها، ولكن ورودها يؤكد صحة ما ذهبنا إليه.
وأما كون أمثلتها من الشعر (المعاصر)، فلا يقدح في صحتها، لأنّ البحرَ هو من البحور المحدثة كما هو معلوم.
وأنا على يقين أن فيما ضاع من قصائد الخبب الكثيرة، بسبب رفض القدماء تسجيلها، كفيلٌ بأن يُظهِرَ لنا مثل هذه التفعيلة، كالذي استطعتُ أن أُسجّله من ظهور (فاعِلُ) في بعض أشعار القدماء، لأنها من خواصّ هذا البحر.

والسلام