المقاومة المسلحة
ضد المشروع الصهيوني في فلسطين
1920 - 2001

د. محسن محمد صالح
الأستاذ المشارك في الدراسات الفلسطينية
وتاريخ العرب الحديث


الفصل الأول
المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني
والكيان الإسرائيلي

يستعرض هذا الفصل مجمل الانتفاضات والثورات والحروب ضد إقامة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. وقبل أن نشرع في ذكر التفصيلات، نضع للقارئ بعض الملامح العامة المتعلقة بالموضوع:
1. كان هناك وعي مبكر بخطورة المشروع الصهيوني، وكانت مقاومة هذا المشروع سياسياً أو عسكرياً قديمة قِدَم هذا الوعي، وقِدَم المشروع الصهيوني نفسه.
2. تدرجت مقاومة المشروع الصهيوني قوة (في أثناء الاحتلال البريطاني 1917 ـ 1948)، بحسب ازدياد الخطورة العملية لهذا المشروع من هجرةٍ يهودية واستيطان وبناءٍ للمؤسسات.
3. أثبت شعب فلسطين استعداده للتضحية والمبادرة والعطاء، بل وفي أحيان عديدة كانت المبادرة الشعبية تفرض نفسها على القيادة السياسية، وتدفعها للجهاد، وبعبارة أخرى فإن شعب فلسطين كان يقود قيادته نحو الثورة والمقاومة.
4. إن المشاركة العربية والإسلامية في الدفاع عن فلسطين كانت محدودة وضعيفة، وارتبطت أساسا بثلاثة حروب كبيرة، أدّت اثنتان منها إلى كوارث حقيقية. ذلك أن البلاد العربية والإسلامية كانت تعاني من الاستعمار ونفوذه،كما عانت بعد ذلك من قياداتها السياسية، ومن السياسات الإقليمية المحلية التي لا تعطي أولوية كبرى للقضية الفلسطينية، فضلا عن الخلافات والصراعات بين بلدان العرب والمسلمين.
5. إنه لم يحدث - حتى الآن - أن عُبِّئت طاقات الأمة العربية والإسلامية بشكل وحدوي منهجي جاد متكامل، متسم بالاستمرارية، في مواجهة المشروع الصهيوني.
6. إنه منذ زيارة أنور السادات للكيان الصهيوني في نوفمبر 1977، وتوقيع اتفاقية تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني (كامب ديفيد سبتمبر 1978)، فإن محاربة الدول العربية والإسلامية ومقاومتها للمشروع الصهيوني قد فقدت زخمها، وأخذت تعاني من التفسخ والضعف.
7. إن الاتجاهات والحركات الإسلامية التي كان لها دور مشهود في المقاومة في النصف الأول من القرن العشرين، عادت لتلعب دورها المتميز من جديد في عقدي الثمانينات والتسعينيات. لكن دورها ظل شعبياً بشكل أساسي، لأنها لم تنجح في الوصول إلى القيادة السياسية، وخصوصا على الساحة الفلسطينية، وفي دول الطوق.
8. إن جذوة المقاومة المسلحة لم تنقطع على الإطلاق منذ البداية وحتى الآن، وإن اتخذت أشكالاً وحركاتٍ واتجاهاتٍ مختلفة. وكان هناك دائما من يصوب البندقية على المشروع الصهيوني، أو على الأقل من يعد بندقيته لذلك.

المقاومة في أثناء الاحتلال البريطاني لفلسطين 1917 - 1948
ترجع أولى علامات المقاومة الفلسطينية المسلّحة إلى سنة 1886 (أي قبل الاحتلال البريطاني بـ31 عاماً)، عندما هاجم الفلاحون المطرودون من الخضيرة وملبس (بتاح تكفا) اليهود في قراهم المغتصبة التي أُجْلُوا عنها رغماً عنهم، بعد أن اشتراها المستوطنون اليهود من ملاك كبار. وقد دفع ذلك السلطات العثمانية إلى فرض قيود مشددة على الهجرة والاستيطان اليهودي. وتزايد بعد ذلك الوعي بمخاطر المشروع الصهيوني، فقد احتج وجهاء القدس المسلمين ضد رشاد باشا متصرف القدس في مايو 1890 عندما أبدى محاباة للصهاينة، وقدموا عريضة لرئيس وزراء الدولة العثمانية في 24 يونيو 1891 طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين، وتحريم استملاكهم للأراضي فيها. وكان لكتابات وأنشطة المصلح الإسلامي الشيخ محمد رشيد رضا والسياسي الفلسطيني يوسف الخالدي ومفتي القدس محمد طاهر الحسيني، وممثلي مناطق فلسطين في البرلمان العثماني أمثال روحي الخالدي وسعيد الحسيني، وصحف الكرمل وفلسطين والمنادي وغيرها، كان لها أدوار في زيادة الوعي، وتعبئة الجماهير ضد المشروع الصهيوني، قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914.[1]
احتل البريطانيون سنجق القدس (جنوب ووسط فلسطين) في ديسمبر 1917، وأكملوا احتلال شمال فلسطين في سبتمبر 1918. ولكنهم دخلوا فلسطين كقوة حليفة للثورة العربية التي قادها الشريف حسين، ولذلك لم يَلْقوا مقاومةً من أبناء فلسطين، على اعتبار وعودهم للعرب بالحرية والاستقلال. لكن تَنكُّرِ بريطانيا لعهودها، وإعطائها وعد "بلفور" لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، فَتحَ الباب عريضاً لمقاومة المشروع الصهيوني والاستعمار البريطاني. غير أن الفترة 1917 ـ 1929 اتسمت بتبنِّي قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية للمقاومة السياسية السلمية، لأن المشروع الصهيوني لم يأخذ أبعاداً خطيرة بَعدُ (كان اليهود 8% من السكان سنة 1918، ويملكون 2% فقط من أرض فلسطين)، ولأنه كان لا يزال هناك أمل بأن تَعدِل بريطانيا عن موقفها (أقرت عصبة الأمم رسميا الانتداب البريطاني على فلسطين سنة 1922)، فضلا عن ضعف الفلسطينيين، وقلة خبرتهم في مواجهة بريطانيا "العظمي"، التي كانت أكبر قوة استعمارية في العالم.

كانت أولى بوادر مقاومة المشروع الصهيوني إنشاء جمعية "الفدائية" أوائل 1919 وقد تكونت لها فروع في يافا والقدس وغزة ونابلس وطولكرم والرملة والخليل، وتولى زعامتها في البداية محمد الدباغ، ثم محمود عزيز الخالدي، واستمرت بأشكالَ مختلفةٍ حتى سنة 1923. وكان من الشخصيات الموجهة لها في الخفاء الشيخ سعيد الخطيب، والحاج أمين الحسيني، والشيخ حسن أبو السعود، والشيخ محمد يوسف العلمي. ونشطت في تجنيد الأعضاء وسط الجندرمة والشرطة الفلسطينية. ورغم أنه تم القبض على كثير من عناصرها، إلا أنه يظهر أن أفرادها شكَّلوا عناصر تحريض مهمة في انتفاضة موسم النبي موسى في القدس في أبريل سنة 1920.[2]
وخلال الفترة ديسمبر 1919 ـ مارس1920، وقعت هجمات عربية على المستعمرات اليهودية في الجليل الأعلى حيث دُمِّرت مستعمرات المطلة وتل حاي وكفر جلعادي، واضطر اليهود للفرار.[3]
انتفاضة موسم النبي موسى، القدس أبريل 1920:
تعد هذه الانتفاضة أولى الانتفاضات الشعبية في فلسطين، وقد حدثت الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة بينما كانت وفود القرى محتشدة في القدس يوم 4 أبريل 1920 للمشاركة في هذا الموسم الديني السنوي.وقد خطب في هذه الحشود عدد من رجالات فلسطين مثل موسى كاظم الحسيني والحاج أمين الحسيني وعارف العارف ... فألهبوا حماس الجماهير. وفي هذه الأثناء، يظهر أن أحد اليهود قد أهان العلم الإسلامي لأهل الخليل، وقام بتلويثه، فهاجمه المتظاهرون وضربوه. ثم تفجر الموقف واتسعت الاشتباكات لتشمل مدينة القدس، وفرضت السلطات البريطانية الأحكام العرفية، وحاولت السيطرة على الوضع،لكن ذيول الأحدث استمرت حتى 10 أبريل 1920.[4]
أسفرت هذه الانتفاضة عن مقتل خمسة يهود وجرح 211 آخرين بينهم 18 إصابة خطيرة. أما من العرب فقد استشهد أربعة وجرح 24 آخرين، كما جرح سبعة جنود بريطانيين.[5]
ورغم أن هذه الانتفاضة بدت انفعالاً عفوياً، إلا أنه من الواضح أن عدداً من القيادات الوطنية والجمعيات والمنظمات التي يقودونها قد قامت بدور تحريضي، ونسّقت بشكل منظم الهجمات ضد اليهود. وكان للحاج أمين الحسيني دور بارز في ذلك، حيث ذكر أحد معاصريه (عجاج نويهض) أنه "في موسم النبي موسى كان للحاج أمين اليد المدبرة الحكيمة في إعطاء اليهود أول درس"؛ وقد حُكم على الحاج أمين وعلى عارف العارف، بعد أن استطاعا الهرب، بالسجن غيابياً لمدة عشر سنوات، لكن المندوب "السامي" البريطاني أصدر عفواً عنهما بعد ذلك، في محاولة لتهدئة الأوضاع. وإثر هذه الانتفاضة قامت السلطات البريطانية بإقالة موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس، حيث تفرغ لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية حتى وفاته سنة 1934، وقد عيَّنت مكانه راغب النشاشيبي في رئاسة البلدية، لتلعب منذ ذلك الوقت ورقة الصراع العائلي (حسينية ونشاشيبية)، والتي انعكست سلباً على حركة المقاومة طوال الاحتلال البريطاني.[6]
انتفاضة يافا: مايو 1921
عاش شعب فلسطين أجواء من الغضب وخيبة الأمل إثر زيارة وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل إلى فلسطين في 28 مارس 1921، والذي أكد بشكل قاطع دعم بريطانيا للوطن القومي اليهودي، وكان لقاؤه بالوفد العربي الفلسطيني في القاهرة في 22 مارس، وفي القدس في 28 مارس مخيباً للآمال. كما قمعت الشرطة بعنف مظاهرة قامت في حيفا في 28 مارس وقتلت اثنين من العرب، ومنعت المظاهرات ... مما أثار جواً من التوتر.[7]
وقد وقعت شرارة الانتفاضة عندما اعتدت مجموعة من الشيوعيين اليهود ـ المحتفلين بعيد العمال في أول مايو1921 على المسلمين القاطنين في حي المنشية في يافا وحدث إطلاق نار على المارة العرب، صدر - على ما يبدو - من منـزل للمهاجرين اليهود شرقي شارع العجمي. فهاجم العرب منـزل المهاجرين اليهود وقتلوا 13 يهودياً وجرحوا 24 آخرين من أصل مائة يقيمون فيه معظمهم من الشباب. ثم اتسعت الاشتباكات والأحداث لتغطي أجزاء عديدة من شمال فلسطين، ولتستمر جذوتها حتى منتصف مايو1921.[8]
واستفاد اليهود من وجود أفراد الكتيبة اليهودية الذين تسلموا البنادق بحجة الدفاع عن تل أبيب، لكنهم ما لبثوا أن تسرّبوا منها إلى شوارع وأسواق يافا وأخذوا يطلقون النار على العرب وهم يلبسون الزي العسكري البريطاني. وتظاهر أهل يافا مطالبين السلطات بإحلال جنود هنود مكان البريطانيين لأن العرب لا يستطيعون التفريق بينهم وبين اليهود، وقد استجابت السلطات جُزئياً لطلبهم.[9]
ومع اتساع الانتفاضة خارج يافا، قام ثلاثة آلاف عربي بمهاجمة مستعمرة بتاح تكفا، وقد تصدت لهم قوة بريطانية من فوج الفرسان الهندي الثامن وساعدها الطيران البريطاني الذي قام بقصف المهاجمين وقد فقد العرب في هذا الهجوم 28 شهيداً و15 جريحاً وفقد اليهود 4 قتلى و12 جريحا.[10] وفي يوم 6 مايو هاجم حوالي 400 عربي مستعمرة الخضيرة وأحرقوا منـزلين، وكان يمكن أن تدمر المستعمرة لولا تدخل الطيران البريطاني، الذي قصفهم وأجبرهم على الانسحاب.[11] وفي اليوم نفسه، هاجم حوالي 600 عربي مستعمرة رحوبوت، لكن الجيش البريطاني استطاع الوصول في الوقت المناسب، والدفاع عنها. كما هاجم العرب مستعمرتي كفر سابا وعين حاي (اللتين هرب أهلهما إلى بتاح تكفا)، وأوقعوا فيهما الكثير من الدمار.[12]
ومن جهة أخرى، قام اليهود بأسر العرب الموجودين عندهم في مستعمرة بتاح تكفا وقتلوا خمسين مسلماً. ووجد بين القتلى المسلمين من قُتل حرقاً بماء الفضة، وبالآلات القاطعة، ومن شُوِّه وعذب قبل قتله، وكان بين الشهداء أطفال ونساء وبنات هتكت أعراضهن وبقرت بطونهن، وجُرِّدن من ملابسهن، وبلغت هذه الأخبار حد التواتر وثبتت بتقارير الأطباء.[13]
وحسب الإحصاءات الرسمية البريطانية قتل من اليهود 47 وجرح 146، وقتل من العرب 48 وجرح 73.[14] ويبدو أن هذه الأرقام أقل من العدد الحقيقي، ففي اليومين الأولين فقط قُتل من اليهود 40 وجرح 130، كما يظهر أن الإحصائية لم تشمل الشهداء العرب الخمسين الذين قُتلوا في مستعمرة بتاح تكفا. وربما انفرد سامي الجندي بذكر أن شهداء العرب بلغوا 157 وأن جرحاهم وصلوا إلى 705، وأن قتلى اليهود وجرحاهم يزيد عن ذلك.[15] وقد اعترف تقرير اللجنة الملكية البريطانية أن معظم الإصابات وسط العرب كانت على أيدي القوات البريطانية.[16] وذكر تقرير بريطاني آخر أن معظم إصاباتهم كانت برصاص البريطانيين أو اليهود، وأن معظم إصابات اليهود كانت بالسكاكين والعصي على أيدي العرب.[17]
وقد ظهر أيضاً الأداء المتحيز للسلطات البريطانية من خلال الإجراءات القضائية التي اتخذها النائب العام "نورمان بنتويش" - وهو بريطاني يهودي صهيوني كان يتولى أمور القضاء والعدالة في فلسطين - حيث أحال القضايا المتعلقة بالفظائع التي ارتكبها الصهاينة إلى المحاكم كقضايا شخصية بسيطة.[18]
وكان يمكن لهذه الانتفاضة أن تتفاعل وتتسع لولا أن موقف الزعامات السياسية الفلسطينية مال إلى تهدئة الوضع. وقام عدد من الوجهاء ورؤساء البلديات بتهدئة الجماهير. وقدَّرت السلطات البريطانية "خدمات" رؤساء بلديات القدس وطولكرم ويافا وقاضي القدس ومفتيا عكا وصفد فمنحتهم وسام عضو الإمبراطورية M.B.E. وحتى موسى كاظم - رئيس اللجنة التنفيذية التي تُمثل قيادة الحركة الوطنية- قام بنفسه بجولة لتهدئة الوضع، لأن القيادة كانت لا تزال تأمل بحل سياسي، ولم تكن في وضع يؤهلها لأي عمل ثوري.[19]
ومن جهتها، قامت السلطات بعمل استرضائي، إذ أوقفت الهجرة اليهودية مؤقتاً اعتباراً من 14مايو1921. وألقى المندوب السامي هربرت صمويل بيانا في 3 يونيو 1921 ذكر فيه أن بريطانيا لن تفرض على شعب فلسطين سياسة تجعلهم يعتقدون أنها مناقضة لمصالحهم الدينية والسياسية والاقتصادية.[20] وقد نشر هذا جواً من الارتياح في الوسط العربي، غير أنه لم يكن عملياً سوى وسيلة لتهدئة الأمور وترتيب الأوضاع، ليمضي المشروع الصهيوني بوسائل أكثر احترافاً ونجاحاً. وقد اعترف السكرتير العام للحكومة "ديدز" أن الغالبية العربية شعرت بعد ذلك بأشهر بأن الحكومة البريطانية "مقيدة اليد والقدم"، وأن هذا البيان مجرد ذرٍّ للرماد في العيون، وأن الشقة قد اتسعت بين العرب والإدارة البريطانية، التي أصبحوا يرونها والصهيونية شيئاً واحداً.[21]
ثورة البراق: أغسطس 1929
لم تحدث ثورات على مدى واسع بعد ثورة يافا وحتى ثورة البراق. ولكن حدثت بعض الأحداث المتفرقة مثل مظاهرة القدس في ذكرى وعد بلفور في 2نوفمبر1921، التي أدت إلى مقتل خمسة يهود واستشهاد ثلاثة من العرب وإصابة 36 من الطرفين.[22] وفي 20 مارس 1924، كان اليهود يحتفلون بعيد المساخر، وأشركوا في مساخرهم زي العلماء المسلمين مما أثار حفيظة المسلمين، فقُتل يهودي وآخر مسلم، وجرح يهودي واثنان من المسلمين.[23] وفي 25 مارس 1925 أضربت فلسطين إضرابا شاملا بمناسبة زيارة بلفور إلى فلسطين.[24] وكان من أسباب حالة الهدوء خلال 1922-1928 تراجع معدلات الهجرة اليهودية، وحالة الانقسام والتفكك التي شهدتها الحركة الوطنية الفلسطينية.
وحائط البراق هو الحائط الغربي للمسجد الأقصى، ويسميه اليهود حائط المبكى، وكان المسلمون يسمحون لليهود بزيارة المكان الذي هو وقف إسلامي من باب التسامح الديني. وقد حدث أول تصعيد خطير بشأن حائط البراق في 23 سبتمبر 1928 عندما حاول اليهود تغيير حالة الأمر الواقع، وتحويل المكان إلى ما يشبه الكنيس اليهودي. فأسس المسلمون في 30 سبتمبر "لجنة الدفاع عن البراق الشريف". وعقدوا في القدس مؤتمراً إسلامياً في الأول من نوفمبر 1928، حضرته وفود من الأردن والعراق ولبنان وسوريا والهند، وقرر المؤتمر تشكيل "جمعية حراسة المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة".[25]
ثم حدث تصعيد يهودي آخر في 15أغسطس1929 حيث نظم اليهود مظاهرات في القدس اتجهت إلى حائط البراق وهناك رفعوا العلم الصهيوني، وأنشدوا نشيدهم الوطني، وشتم خطباؤهم رسول الله r والإسلام والمسلمين. وقام المسلمون في اليوم التالي بمظاهرة مضادة من المسجد الأقصى. وحدث شجار بين العرب واليهود في 17 أغسطس زاد الأوضاع توتراً. ثم وقعت صدامات واسعة بعد صلاة الجمعة يوم 22 أغسطس في القدس. ولم تكد أخبار هذه الصدامات تصل إلى الناس حتى عمت المظاهرات والصدامات جميع أنحاء فلسطين واستمرت بشكل عنيف أسبوعاً كاملا، غير أن جذوتها لم تنطفئ إلاّ بعد أيام أخرى تالية.[26]
وفي 24 أغسطس قام العرب في الخليل بمهاجمة الحي اليهودي فقتلوا أكثر من ستين يهودياً وجرحوا أكثر من خمسين آخرين، وتمكنت الشرطة من الحؤول دون وقوع مذبحة هائلة لليهود، فاصطدمت بالمتظاهرين،[27] وذُكر أنها قتلت عشرة منهم وجرحت آخرين.[28] وفي يوم 29 أغسطس هاجم العرب الحي اليهودي في صفد فقتلوا عشرين وجرحوا 25 آخرين.[29] وفي الفترة من 24 أغسطس وحتى 2 سبتمبر هاجم العرب الكثير من المستعمرات اليهودية، ودمروا ستة منها تدميراً كاملاً. وهوجم اليهود في يافا وبيسان. وتحولت فلسطين إلى ساحة قتال، ولم تستطع السلطات البريطانية الإمساك بزمام الأمور إلاّ في 28 أغسطس، عندما اكتملت التعزيزات العسكرية.[30]
أسفرت هذه الثورة عن مقتل 133 يهودياً وجرح 339 آخرين، معظمهم أصيب على أيدي العرب. واستشهد من العرب 116 وجرح 232 معظمهم على يد الشرطة والجيش البريطاني.[31] وكانت الإصابات بين البريطانيين نادرة جداً، لأن الثورة كانت موجهة ضد اليهود فقط. وقد سِيق إلى المحاكمة حوالي 1300 شخص 90% منهم من العرب.[32] واتهم العرب مرة أخرى مسؤول "العدالة" في فلسطين اليهودي "بنتويش" بالظلم والتحيز الفاضح. وذكروا أنه أخذ يتهم العرب بالعشرات، ويُفرج عن اليهود حتى القتلة بكفالة وبدون كفالة، وأنه أفرج عن مجرم يهودي متهم بقتل أربعة من العرب، أحرق أحدهم حرقاً.[33] وقد جرت محاولة لاغتيال بنتويش، أصيب على إثرها في فخذه، ثم إن السلطات البريطانية أعفته من منصبه سنة 1931.[34] وقد نفذت السلطات البريطانية ثلاثة أحكام بالإعدام على ثلاثة من العرب هم عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي. وكان استشهادهم في 17يونيو1930، يوماً مشهوداً في تاريخ فلسطين عرف بـ"الثلاثاء الحمراء". وقد أبدى الثلاثة ضروباً من الشجاعة والثبات عند التقدم إلى حبل المشنقة، وطلب الزير وجمجوم "حناء" ليخضبوا أيديهما، وهي عادة عربية في منطقتهما للدلالة على الاغتباط بالموت، وأنشدوا وأنشد أهل فلسطين معهم:
إننا نهوى الظلاما
نور فجر يتسامى[35]
يا ظلام السجن خيِّم
ليس بعد الليل إلاّ

كانت هذه الثورة أولى الثورات التي تشمل كل فلسطين، لكنها استهدفت كسابقتيها اليهود فقط وليس البريطانيين، حيث كان لا يزال بعض الأمل في أن يغير البريطانيون مواقفهم. ولكن الفلسطينيين أدركوا تماماً بعد هذه الثورة أن المشروع الصهيوني تحميه الحراب البريطانية، وأن صراعهم يجب أن يوجه بالدرجة الأولى ضد بريطانيا نفسها.
وقد اتخذت هذه الثورة بُعداً إسلامياً واضحاً من خلال سعي المسلمين للدفاع عن حرمة المسجد الأقصى وحقهم في حائط البراق. كما ثبت بعد ذلك أن الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى) كان وراء التخطيط والإعداد السري لهذه الثورة.[36]
ثورة الكف الأخضر: 1929 ـ 1930
كانت الكف الأخضر هي أولى المجموعات الثورية ظهوراً بعد ثورة البراق. وقد تركز نشاطها في شمال فلسطين وخصوصاً في قضاءي صفد وعكا. وبدأت هذه المجموعة بـ 27 رجلاً من الثوار الذين شاركوا في ثورة البراق، والذين هربوا من قبضة السلطات الأمنية. وقد انضم إليهم عشرات آخرين ليصل عددهم إلى نحو ثمانين رجلاً، وقد لاقوا تعاطفا واسعا من السكان. وقامت هذه المجموعة بهجمات على اليهود وضد الشرطة، ونشطت خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 1929. وقد تولى قيادتها أحمد طافش.
وقد قامت السلطات البريطانية بعمليات مسح شاملة، وبتسيير الدوريات الراجلة، وتفتيش القرى، وقام الطيران البريطاني بالمساعدة في عمليات المسح الجوي. كما تم التعاون مع السلطات الفرنسية وقوات حدود شرق الأردن في عمليات الملاحقة، التي استمرت بشكل مكثف طوال شهري يناير وفبراير 1935. وتمكنت من القبض على أحمد طافش في شرق الأردن في 27 يناير 1930.
ولم تستطع هذه المجموعة الثورية من الاستمرار بسبب ما تعرضت له من حملات، ولأن الزعامات السياسية الفلسطينية لم تتبن أسلوبها في العمل، ولم تدعمها، ولم تتعاون معها.[37]
انتفاضة أكتوبر 1933:
أخذت الهجرة اليهودية تتزايد بشكل خطير منذ مطلع الثلاثينيات، ونشطت الحركة السياسية الفلسطينية، وتزايد الوعي بأن بريطانيا هي "أصل الداء وسبب البلاء"، حيث تأكد للفلسطينيين أن مشكلتهم هي أساساً مع بريطانيا، وركَّزت على ذلك حملات حزب الاستقلال وجمعيات الشبان المسلمين. وطالبت اللجنة التنفيذية العربية-التي تمثل العرب الفلسطينيين سياسياً - بوقف الهجرة، وهدّدت بتبني سياسة اللاتعاون مع السلطات. وعندما رفضت السلطات البريطانية الطلب، قررت اللجنة تصعيد الموقف بتسيير المظاهرات دون إذن السلطات. وقررت الإضراب العام في فلسطين يوم 13 أكتوبر 1933، وإقامة مظاهرة كبرى في القدس، بحيث تتوالى بعد ذلك المظاهرات في مدن وقرى فلسطين، وتُضرب البلاد في كل مرة تحدث فيها المظاهرات. وألزمت اللجنة التنفيذية أعضاءها بتقدم المسيرات، وأصدرت بياناً أكدت فيه أن"عرب فلسطين قد يئسوا يأسا تاماً من الحكومة، فهم لا يخاطبونها في شيء، ولا يطلبون منها شيئاً".[38]
وفي يوم 13 أكتوبر أضربت فلسطين وخرجت مظاهرة كبيرة من المسجد الأقصى بقيادة اللجنة التنفيذية، وقامت الشرطة بتفريق المتظاهرين بالقوة مما أدى إلى وقوع 11 جريحاً بينهم خمسة من الشرطة.[39]
وفي يوم 27 أكتوبر عمّ الإضراب فلسطين، وخرجت مظاهرة كبيرة في يافا بعد صلاة الجمعة بقيادة اللجنة التنفيذية، وحاولت الشرطة تفريق المتظاهرين، إلا أن الأمر تحوّل إلى مواجهاتٍ عنيفةٍ، أدّت - حسب المصادر البريطانية - إلى مقتل 14 عربياً بالرصاص وجرح العشرات. بينما ذكر بيان اللجنة التنفيذية أن ثلاثين قد قتلوا وجرح مائتين. واعتقلت السلطات 12 من القادة الفلسطينيين، بينهم ثلاث أعضاء في اللجنة التنفيذية، وأصيب موسى كاظم الحسيني -رئيس اللجنة- بكدمات، وذُكر أنه تُوفي متأثراً بهذه الإصابة في مارس 1934.[40]
وقد أحدثت "مجزرة يافا" ردود فعل غاضبة، فقامت مظاهرات عنيفة في مدن فلسطين، واستمر الإضراب العام أسبوعاً كاملاً. وحدثت مواجهات مع الشرطة في حيفا ونابلس والقدس. وحسب الإحصاءات العربية فقد استشهد في القدس ويافا وحدهما 35 وجرح 255.[41] أما المصادر البريطانية فأشارت إلى استشهاد ما مجموعه 26 عربياً وجرح 187 آخرين، بينما قتل شرطي واحد.[42]
وكان من الواضح أن مشاعر العداء ضد بريطانيا قد وصلت حداً كبيراً، وكانت هذه أولى المواجهات العامة الموجهة مباشرة ضد بريطانيا وسياستها. وقد حاول المندوب "السامي" البريطاني تهدئة الوضع قُبيل أحداث يافا عندما اجتمع باللجنة التنفيذية في 25 أكتوبر، لكن أحد أعضائها نقل له طلب كثير من الناس أن يخبروه أنه "ليس لدينا ما نخسره، لقد فقدنا الثقة بالحكومة، لقد فقدنا أرضنا، فقدنا كل شيء، ولن نبالي بما سيحدث لنا".[43]




عبد القادر الحسيني الشيخ عز الدين القسام


الحاج أمين الحسيني


استشهاد الشيخ عز الدين القسام: نوفمبر 1935
نتحدث في مكان آخر من هذا الكتاب عن جماعة القسام"الجهادية" ودورها، غير أننا نكتفي هنا بالتركيز على إعلان الشيخ القسام الثورة في فلسطين. فبعد نحو عشر سنوات من التنظيم والإعداد السري الجهادي، قرر الشيخ القسام إعلان الثورة في نوفمبر 1935. وقد توافق ذلك مع الازدياد الهائل في الهجرة اليهودية والاستيطان، وتهريب اليهود للسلاح بكميات ضخمة، فضلاً عن ازدياد الرقابة على القسام ورفاقه. وتلخصت خطة القسام في الخروج إلى القرى، وحضّ الناس على شراء السلاح، والاستعداد للثورة. وقد خرج القسام مجاهداً في الجبال في شمال فلسطين مع نفر من أصحابه، بعد أن باع بيته، وبعد أن باع أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم، ليشتروا بها البنادق والرصاص.
وقد فقد القسام وإخوانه عنصر المباغتة عندما كُشف أمرهم ومكانهم قبل أوانه، حيث كانوا يخططون للهجوم على إحدى المستعمرات اليهودية "بيت ألفا". وبعد فجر يوم20نوفمبر1935، طَوّقت قوات كبيرة من الشرطة تقدر ب400 رجل - مُعظمُهم من الإنجليز - القسامَ وعشرةً من إخوانه، في أحراش بلدة يعبد، واستمرت المعركة أربع ساعات ونصف. وحسب المصادر العربية فإن البريطانيين خسروا 15 رجلاً، لكن التقارير البريطانية تشير إلى مقتل شرطي واحد وجرح آخر. وقد استشهد في هذه المعركة الشيخ القسام نفسه واثنان من رفاقه، كما قُبض على ستة آخرين.[44]
ولا تنبع أهمية الحادثة من الاشتباك نفسه أو من عدد القتلى والجرحى، وإنما من أن استشهاد القسام قدم نموذجاً عملياً في التضحية والفداء لأحد كبار العلماء في فلسطين. وكان استشهاده علامة فارقة في تاريخ فلسطين الحديث، وأحدث تَغيّراً أساسياً في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية. إذ أنه كرس البديل الجهادي بعد سنوات من العمل السياسي غير المجدي. وألهبت حركته وتضحيته الحماس "وصارت مثلاً رائعاً للجرأة والجهاد العلني ضد الإنجليز"،[45] "وقامت البلد وقعدت، واهتزت أيما اهتزاز، وزُلزلت أيما زلزال".[46] وأطلق شعب فلسطين على القسام لقب "أبو الوطنية".[47] وكان القسام محقاً قبل استشهاده، عندما قال قبل ابتداء المعركة أنه وإخوانه عبارة عن عود ثقاب "كبريت" سيشعل الثورة في البلاد. فاستشهاد القسام لم يكن نهاية حركته، بل بداية الثورة.[48] وقد شارك في جنازة القسام ثلاثون ألفا من مختلف أرجاء فلسطين، وبلغ حماس الجماهير مداه وترددت صيحاتها بالانتقام.[49]
الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939:
تعد هذه الثورة من أعظم الثورات في تاريخ فلسطين في القرن العشرين وقد عبّرت عن روح التضحية والفداء والمصابرة والإصرار على الحقوق التي تميز بها أبناء فلسطين. وتمكنت هذه الثورة في بعض مراحلها من السيطرة على كل الريف الفلسطيني، بل والسيطرة على عدد من المدن، بينما انكفأت السلطات البريطانية في بعض المدن المهمة. وقدّمت هذه الثورة نموذجاً عالمياً هو أطول إضراب يقوم به شعب كامل عبر التاريخ حيث استمر 178 يوما. وربما لو كان الأمر مقتصرا على الصراع بين شعب فلسطين وبين الاستعمار البريطاني لنالت فلسطين حريتها واستقلالها منذ تلك الثورة، إذا ما قارنا هذه الثورة بثورات الشعوب التي نالت استقلالها. ولكن وجود العامل اليهودي-الصهيوني وتأثيره القوي داخل فلسطين وفي بريطانيا والدول الكبرى جعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً، وفرض أن تتسع دائرة مشروع التحرير إلى الدائرة العربية والإسلامية.

وتنقسم الثورة إلى مرحلتين، كانت بينهما مرحلة توقف أشبه "بالهدنة المسلحة" المشوبة بالتوتر.

المرحلة الأولى من الثورة: أبريل - أكتوبر 1936
لم تُلق جماعة "الجهادية" (القساميون) السلاح بعد استشهاد قائدها، فقامت باختيار قائد جديد هو الشيخ فرحان السعدي - على الرغم من كونه في الخامسة والسبعين من عمره - إلا أنه كان لا يزال مقاتلاً صلباً نشطاً مشهوراً بدقته في إصابة الهدف. وقد عملت هذه الجماعة على تهيئة الظروف لانطلاقة أقوى وأوسع.
وقد تفجّرت الشرارة الأولى للثورة الكبرى في فلسطين يوم 15 أبريل 1936، عندما قامت مجموعة قسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي بقتل اثنين من اليهود وجرح ثالث على طريق نابلس-طولكرم. وقد ردّ اليهود باغتيال اثنين من العرب في اليوم التالي، ثم حدثت صدامات واسعة بين العرب واليهود في منطقة يافا يوم 19أبريل أدت إلى مقتل تسعة يهود وجرح 45 آخرين،وقتل من العرب اثنان وجرح 28.[50] وساد البلاد جو شديد من التوتر، أعلنت الحكومة على إثره منع التجول في يافا وتل أبيب كما أعلنت حالة الطوارئ في كل فلسطين.[51]
وفي 20 أبريل شُكِّلت في نابلس لجنة قومية غير حزبية، كان وقودها الدافع مجموعة من الشبان المثقفين في مقدمتهم أكرم زعيتر. وقد دعت اللجنة إلى الإضراب العام في فلسطين، على أن يستمر إلى أن تعلن الحكومة البريطانية استجابتها للمطالب الوطنية.[52] وقد لقي الإضراب استجابة واسعة، وتشكلت لجان قومية في أنحاء فلسطين لتأمين الإضراب وإنجاحه، وتجاوبت الأحزاب العربية الفلسطينية مع الإضراب وأيدته. ثم ما لبثت-تحت الضغط الشعبي- أن وحدت القيادة الفلسطينية بتشكيل "اللجنة العربية العليا" في 25 أبريل والتي وافق الحاج أمين الحسيني على رئاستها. وهكذا نزل الحاج أمين لأول مرة منذ 16 عاما إلى ميدان المعارضة المكشوفة للسلطات البريطانية. وقد قررت اللجنة العليا الاستمرار في الإضراب، وأكدت على مطالب الشعب الفلسطيني المعروفة بإيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود، وإنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي.[53]
وهكذا، دخلت فلسطين في إضراب شامل استمر ستة أشهر، وأصيبت فيه مظاهر العمل والنشاط التجاري والصناعي والتعليمي والزراعي والمواصلات في جميع المدن والقرى بالشلل.[54] وقد زاد من حدة الإضراب تبنّي الفلسطينيين سياسة "العصيان المدني" بتنفيذ الامتناع عن دفع الضرائب اعتباراً من 15 مايو.[55] وأخذ الوضع الفلسطيني يأخذ شكل الثورة الشاملة مع مرور الوقت، فأخذت العمليات الثورية المسلحة التي بدأت محدودة متفرقة-في الانتشار والتوسع حتى عمت معظم أرجاء فلسطين، وبلغ معدلها خمسين عملية يومياً،[56] وزاد الثوار حتى بلغوا حوالي خمسة آلاف،[57] معظمهم من الفلاحين الذين يعودون إلى قراهم بعد القيام بمساعدة الثوار الذين تفرغوا تماماً. وبعد جهود سرية قام بها الحاج أمين ورفاقه، حدث تطور نوعي في الثورة، وذلك بقدوم تعزيزات من الثوار العرب من العراق وسوريا وشرق الأردن بلغت حوالي 250 رجلاً. وكان على رأسها القائد العسكري المعروف فوزي القاوقجي الذي وصل في 22 أغسطس وتولى بنفسه القيادة العامة للثورة، ونظم الشؤون الإدارية والمخابرات، وأقام محكمة للثورة، وأسس غرفة للعمليات العسكرية.[58] وقد اعترفت القيادة العسكرية البريطانية في تلك المدة بتحسن تكتيكات الثوار، مشيرة إلى أنهم أظهروا علامات على فعالية القيادة والتنظيم.[59]
ولم تنفع الوسائل السياسية والعسكرية البريطانية في إيقاف الإضراب والثورة، بما في ذلك إعلان بريطانيا في 18 مايو إرسال لجنة ملكية "لجنة بيل" للتحقيق في أسباب "الاضطرابات"، ورفع التوصيات لإزالة أي"ظلامات مشروعة"، ومنع تكرارها.[60] ولم تتوقف المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى والإضراب إلا في 12 أكتوبر 1936 إثر نداء وجهه زعماء السعودية والعراق وشرق الأردن واليمن لأهل فلسطين بـ"الإخلاد إلى السكينة حقناً للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثِقُوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم".[61]
بلغت عمليات المجاهدين في هذه المرحلة من الثورة حوالي أربعة آلاف. ويبدو أن السلطات البريطانية تكتمت كثيرا على خسائرها وخسائر الأطراف الأخرى، لتُهوِّن من شأن الثورة، فذكرت أنه قُتل من اليهود 80 وجرح 288، وقتل من الجيش والشرطة البريطانية 35 وجرح 164، فيما قتل من العرب 193 وجرح 803. وحسب عزة دروزة فإن عدد قتلى العرب زاد عن 750 وعدد الجرحى زاد عن 1500.[62] واستدل مكتب الإحصاء الفلسطيني على "كذب البيانات الرسمية" بأنه بعد أقل من شهرين من بدء الإضراب بلغ عدد قتلى الجنود الذين دفنتهم إدارة الصحة في نابلس 162 جندياً.[63] وقد بلغت خسائر الحكومة البريطانية بسبب الإضراب 3.5 مليون جنيه استرليني عدا خسائر توقف التجارة والسياحة، وهو ما يوازي ميزانية فلسطين لسنة كاملة في ذلك الوقت.[64] وقُدّرت خسائر العرب بعدة ملايين من الجنيهات، رغم أن كل ما جاءهم من إعانات خارجية لم يصل إلى 20 ألف جنيه. وبلغ عدد المنكوبين العرب 300 ألف (ثلث الشعب الفلسطيني). بينهم 40 ألفا من مدينة يافا وحدها.[65]
مرحلة التوقف المؤقت للثورة: أكتوبر 1936 - سبتمبر 1937
دخلت فلسطين بعد توقف الإضراب في شبه هدنة مؤقتة، بانتظار نتائج توصيات اللجنة الملكية "لجنة بيل"، التي أرسلت للتحقيق في مطالب أهل فلسطين. وقد حافظ الثوار على درجة من التوتر يسهل معها انتقال البلاد إلى الوضع الثوري السابق، في حالة عدم تحقيق المطالب العربية. ولذلك، فقد استمرت عمليات المجاهدين ذات الطابع الفردي كالنسف والقنص والاغتيالات السياسية. وقد اعترفت الحكومة البريطانية بمقتل 97 شخصا بينهم 9 جنود بريطانيين، وجرح 149 بينهم 13 من الشرطة والجيش خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 1937.[66]
وقد أوصت اللجنة الملكية في خلاصة تقريرها - الذي رفعته للحكومة البريطانية في 22 يونيو 1937، ونشرته الحكومة في 7 يوليو - بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية، على أن تبقى الأماكن المقدسة وممر إلى يافا تحت الانتداب البريطاني، وقد اجتاحت البلاد موجة من السخط أدّت إلى تفجُّر المرحلة الثانية من الثورة.
المرحلة الثانية من الثورة: سبتمبر 1937 - سبتمبر 1939
كان حادث اغتيال أندروز Andrews حاكم لواء الجليل-على يد جماعة القسام يوم26 سبتمبر 1937 - المؤشر البارز على بدء المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية.وقد عُدَّ مقتل أندروز صدمة كبيرة للسلطات البريطانية إذ كان أول اغتيال لشخصية مدنية كبيرة، وعُدَّ إعلاناً صريحاً للثورة ضد الحكم البريطاني.[67] ويبدو أن حكومة فلسطين كانت مستعدة تماماً للقيام بإجراءات ثورية قمعية قاسية، وكان من الواضح وجود روح من التوافق بين السلطات المدنية والعسكرية لاعتماد أسلوب الشدة والقوة لسحق أي "اضطرابات" من جذورها ... ولذلك لم تتردد هذه المرة - اعتباراً من الأول من أكتوبر 1937 - من حل اللجنة العربية العليا، وإبعاد بعض أفرادها إلى جزر سيشل، وإقالة المفتي من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى،وحل اللجان القومية والقيام بحملة اعتقالات واسعة.[68]
وكان متوقعاً بالنسبة لمؤيدي سياسة "القبضة الحديدية" الذين انتقدوا بمرارة "عجز" السلطات المدنية في ثورة1936، أن يؤدي أسلوب السلطة الجديد إلى سحق الثورة في مهدها. ولكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما، فقد تفجرت ثورة كبرى استمرت أربعة أضعاف تلك المدة التي عاشتها المرحلة الأولى من الثورة ...،ولم تتوقف هذه الثورة إلاّ بعيد اندلاع الحرب العالمية الثانية في أواخر سنة 1939.
ففي يوم فرار الحاج أمين الحسيني إلى لبنان في 14 أكتوبر استؤنفت العمليات الجهادية بشكل واسع.[69] ورغم محاولات الجيش سحق هذه الثورة بكل الوسائل، إلا أنها استطاعت الاستمرار والانتشار، وعاشت فلسطين جواً من الثورة الوطنية العارمة التي حظيت بدعم شعبي هائل. وفي صيف 1938 وصلت الثورة إلى قمة نفوذها، وخضعت لهيمنتها مناطق واسعة، خصوصا شمال فلسطين ووسطها، وتحطمت الإدارة المدنية في معظم مناطق فلسطين. واقتحم الثوار العديد من المدن المهمة، وكانوا يسيرون وهم مسلحون تماماً في شوارع نابلس دون خوف، وأظهر الثوار قدرة جيدة على التنظيم وفعالية في "حرب العصابات"، وشكلوا محاكم للفصل في القضايا، وعاقبوا بحسم السماسرة والجواسيس والعملاء.[70] وأصبح قادة الثوار بمثابة الحكام الإداريين في مناطقهم ... وعندما كان يَحلُّ القائد في قرية كانت تزدحم بأهل القرى المجاورة ووفود المدن القريبة"وتقام فيها الولائم والحفلات، وتنشد الأهازيج، وترسل الزغاريد، كأن الناس في عرس أو عيد، غير مبالين ولا متحسبين، كأنه لم يكن للحكومة وجود.[71] وزادت أعداد الثوار حتى بلغت حوالي عشرة آلاف، غير أن عدد المتفرغين منهم تماماً للثورة لم يكن يزيد على ثلاثة آلاف، وكان هناك ألف يعملون في المدن، والباقي من الفلاحين الذين يقومون بنجدة إخوانهم في المعارك عندما تستدعي الحاجة.[72] وبلغ من شدة الثورة أن وزير المستعمرات عدَّ فلسطين "أصعب بلد في العالم"،[73] ووصف مهمة المندوب السامي والقائد العام للقوات البريطانية بأنها "أشق مهمة واجهت السلطات البريطانية في أية بلاد أخرى بعد الحرب العظمى".[74]
وشُكّلت في سوريا ولبنان "لجنة الجهاد المركزية" تحت إشراف وتوجيه الحاج أمين، وتولى إدارتها الفعلية في دمشق محمد عزة دروزة، وقد اهتمت اللجنة بتوجيه الثورة وإمدادها وإسعاف منكوبيها.[75] أما قيادة الثورة في فلسطين فقد تولاها الفلسطينيون أنفسهم، وأبدى العديد من قادتهم مهارة كبيرة، غير أن قادة الثورة لم يتوحدوا جميعا تحت قائد واحد، بسبب وجود شيء من التكافؤ جعل من الصعب قيادة أحدهم للجميع. لكن جماعة القسام استطاعت أن توحد تحت قيادة أبي إبراهيم الكبير -وبمساعدة عدد من إخوانه أعضاء الجماعة كيوسف أبو درة ومحمد الصالح وأبو إبراهيم الصغير وسليمان عبد القادر - مناطق شمال فلسطين وقسماً من مناطق نابلس وقسماً من منطقة القدس الشمالية، وهي من أكثر المناطق التي تركزت فيها الثورة. وبرز من القادة أيضا عبد الرحيم الحاج محمد في منطقة طولكرم الشرقية، وكان يعرف في بعض مراحل الثورة بالقائد العام، كما برز عارف عبد الرزاق في منطقة طولكرم الغربية، وتولى حسن سلامة قيادة منطقة اللد، وتولى عيسى البطاط قيادة منطقة الخليل، كما تولى عبد القادر الحسيني قيادة منطقة القدس.[76]
وقد اتخذت هذه الثورة طابعاً إسلامياً جهادياً عاماً من خلال الدور العظيم لجماعة القسام في شمال فلسطين ووسطها، وحركة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني في مناطق القدس والخليل، ومن خلال القيادة السياسية لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني للحركة الوطنية الفلسطينية، وكذلك عبد الرحيم الحاج محمد المشهور بتدينه والتزامه ... وغيرهم، وفي التعميم على محاكم المجاهدين بالحكم بكتاب الله وسنة رسوله.[77]
وكانت أحلك الأيام التي واجهت السلطات البريطانية ومخابراتها هي صيف 1938، إذ قُضي على الجواسيس في معظم المناطق، ولم تجد السلطات ما تفرق به بين الثوار في المدن عن غيرهم سوى اعتبار كل لابس للكوفية والعقال ثائرا، (وكان هذا غطاء الرأس المعتاد للفلاحين) فتقوم السلطات بملاحقته. ولذلك أصدر الثوار أمراً في أغسطس 1939 لأهل المدن الفلسطينية بنـزع الطربوش (غطاء الرأس في المدن)، ولبس الكوفية والعقال، وذلك إعلاناً للتضامن التام مع الثوار ورمزا لكون الجميع ثواراً. وما أن صدر الأمر حتى سارع أهل فلسطين إلى الاستجابة فزال الفارق الظاهري بين الثوار وغيرهم، وزال الطربوش نهائياً، مما أدهش السلطات، التي فوجئت أن شعبا بكامله ينـزع لباس رأسه، الذي هو من تقاليده الموروثة.[78]
وقد اضطرت السلطات البريطانية إلى إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة يقودها أفضل قادة بريطانيا العسكريين أمثال ديل Dill، وويفل Wavell، وهنينج Haining، ومونتجمري Montgomery. وقامت عملياً بإعادة احتلال فلسطين قرية قرية، مستخدمة كافة وسائل البطش والدمار والعقوبات الجماعية، ومستعينة بكافة الوسائل الحديثة لجيش من أقوى جيوش العالم من طيران ودبابات ومدافع وغيرها. واستمرت الحملة عنيفة قاسية خصوصاً من شهر أكتوبر 38 وحتى شهر أبريل 1939. وخلال عام واحد (نوفمبر 1938 - نوفمبر 1939). كانت القوات البريطانية قد قامت باحتلال 2088 قرية وتفتيشها.[79] أي أن كل قرية في فلسطين احتلت وفتشت بما معدله مرتين، لأن مجموع قرى فلسطين يبلغ حوالي ألف قرية. ولذلك فقد عانت الثورة من حالة من التراجع والضعف خصوصا منذ أبريل 1939. حيث فقدت الكثير من زخمها، واستشهد الكثير من قادتها بينما اضطر آخرون للانسحاب. غير أن جذوة الثورة استمرت بالانطفاء التدريجي حتى أواخر سنة 1939.
وحسب الإحصائيات البريطانية فإن مجموع العمليات التي قام بها الثوار خلال فترة 1936-1939 كانت كما يلي:[80]
1939 1938 1937 1936 السنة
952 4969 598 4076 مجموع العمليات
ولا يظهر أنه توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول الإصابات في المرحلة الثانية من الثورة لكن تقدير أحد القادة السياسيين المؤرخين المعايشين لتلك الأحداث، وهو محمد عزة دروزة، وكان يتولى إدارة اللجنة المركزية للجهاد في أثناء الثورة،يذكر أن إصابات اليهود كانت نحو 1500 ربعهم إن لم يكن ثلثهم من القتلى، وهو قريب من الإحصائيات الرسمية اليهودية، وقَدَّر الإصابات في الجيش والشرطة البريطانية بـ1800 قتيل وجريح، بينما قَدَّر قتلى العرب بثلاثة آلاف وجرحاهم بسبعة آلاف.[81]
توقفت هذه الثورة نتيجة إعادة احتلال بريطانيا "العظمى" لفلسطين، ونتيجة تنسيقها وتعاونها الميداني مع اليهود في فلسطين. وكذلك بسبب حالة الإنهاك والإعياء والانهيار الاقتصادي التي أصابت شعب فلسطين طيلة ثلاث سنوات ونصف، دون أن يجد عوناً جاداً من بلاد العرب والمسلمين، التي كانت هي الأخرى ترزح تحت النفوذ الاستعماري. وبسبب استشهاد كثير من قادة الثورة، ثم بسبب الخلافات الداخلية الفلسطينية الحزبية والعائلية التي ظهرت أواخر مراحل الثورة، واستثمرتها بريطانيا بشكل يسئ إلى الثورة ويضعفها.
على أن هذه الثورة أجبرت بريطانيا على إصدار كتابها الأبيض[82] في مايو 1939 الذي وعدت فيه باستقلال فلسطين خلال عشر سنوات، وبإيقاف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات، ووضع قيود مشددة على انتقال الأراضي لليهود، وقد كان ذلك أحد العوامل التي أسهمت في تهدئة الثورة.

الحرب العربية الإسرائيلية
حرب 1948:
تمثل هذه الحرب أحد أكبر مآسي التاريخ الفلسطيني والعربي والإسلامي الحديث والمعاصر، إذ إنها الحرب التي أدت إلى سقوط 77% من أرض فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني وإنشاء كيانه"الإسرائيلي" عليها، وتشريد نحو ثلثي شعب فلسطين.
ولا تستطيع بضعة وريقات أن تغطي أحداث هذه الحرب - المأساة التي كتب حولها الكثير من الكتب والدراسات،لكننا نأمل أن نقدم صورة عامة تتوافق مع منهجنا في كتابة هذا الكتاب، والذي يميل إلى التركيز والاختصار ووضع اليد على المفاصل الهامة للأحداث.
كانت هذه الحرب نتيجة مباشرة لقرار الاستعمار البريطاني الانسحاب من فلسطين وإيكال الأمر إلى الأمم المتحدة، التي أصدرت تحت ضغط القوتين العظميين آنذاك (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) قرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية (45%) ويهودية (54%) ومنطقة دولية (1%).
ولا يمكن فهم تطورات الحرب ونتائجها إلا بتصور أوضاع القوى المختلفة ذات العلاقة، وفيما يلي أبرز ملامحها:
فلسطينياً:
- خرج شعب فلسطين منهكاً من ثورته الكبرى ضد بريطانيا، وعانى من الحكم العسكري الصارم طيلة الحرب العالمية الثانية 1939- 1945.
- افتقد شعب فلسطين القيادة السياسية والعسكرية المحلية الميدانية المتماسكة، ذات القدرة الفاعلة على الحشد والتعبئة والتنظيم.
- افتقد شعب فلسطين البناء المؤسسي العسكري والاقتصادي القادر على مواجهة الأحداث، لأسباب متعددة أهمها، سياسات الاستعمار البريطاني.
- عانت القيادة السياسية من مشاكل جمة داخل فلسطين وخارجها، فالعديد من القادة لم يكن قادراً على دخول فلسطين كالحاج أمين نفسه زعيم فلسطين، الذي كانت له مشاكله أيضاً مع بلاد كالأردن والعراق، واللتان سعتا لتجاوزه وتهميش دوره، كما لم يكن حراً في حركته داخل مصر نفسها.
- كان قرار الدول العربية هو تولي أمر تحرير فلسطين بنفسها، وإلزام الفلسطينيين بما يرتأونه، وفق قرارات الجامعة العربية وقادة هذه الدول. ولذلك خرج القرار السياسي والعسكري عملياً من أيدي الفلسطينيين.
- عانى الفلسطينيون من ضعف مُريعٍ في التسليح، فضلاً عن الضعف الشديد في الإمكانات الاقتصادية التي يمكن أن تسهم في شراء الأسلحة، وفضلا عن حظر الدول الكبرى وصول هذه الأسلحة إليهم، فإن الدعم العربي كان هزيلاً جداً. وعلى الرغم من أن المقرر لأبناء فلسطين كان قليلاً، إلا أن الحكومات العربية لم تعطهم منه سوى رُبعِهِ، وكان الكثير من هذا الربع غير صالح للاستعمال!![83] وقد زاد الأمر مأساوية أن بعض الجيوش العربية قامت بنـزع أسلحة الفلسطينيين ـ بدل تسليحهم ـ بحجة المحافظة على الأمن والنظام.[84]
عربياً:
- كانت البلاد العربية إما مستقلة حديثاً، ولم يشتد عودها بعد، أو لا تزال تحت بعض أشكال النفوذ الاستعماري، بحيث لم تكن كاملة الحرية في قرارها السياسي.
- كانت الجيوش العربية قليلة الخبرة، لم تخض حرباً حقيقية قبل ذلك، وكان معظم ضباط أحدها (45 من أصل 50) من البريطانيين.[85] كما لم تكن تملك معلومات كافية من فلسطين، بل إن بعضها جاء للحرب دون خرائط كالجيش العراقي، وكانت معلوماتها ضعيفة، إن لم تكن منعدمة، عن القوات الصهيونية وإمكاناتها.
- رغم أن الدول العربية قررت تولي زمام الأمر بنفسها، إلا أنها لم تحشد ولم تعبِّئ كافة طاقاتها للمعركة، وتعامل البعض معها وكأنها نزهة عسكرية، مهونين تماماً من شأن القوات اليهودية التي أساءوا تقديرها. ولم تكن المعركة بالنسبة لها معركة مصير بقدر ما كانت مساعدة بلد شقيق.
- عانت الجيوش العربية من ضعف التنسيق الميداني، وعدم وجود قيادة عسكرية مشتركة ذات صلاحيات حقيقية.
- أصدر قائد الجيش الأردني (الجنرال البريطاني جلوب) أوامر مشددة لجيشه بعدم تجاوز خطوط التقسيم التي فرضتها الأمم المتحدة، أي أنه أراد أن يثبت قرار التقسيم بدلاً من تحرير فلسطين.
- نجح اليهود إلى حد ما في زرع بذور الشك بين الفلسطينيين وبعض قادة الجيوش العربية، إذ إن اليهود العرب لبسوا ملابس الفلسطينيين ليوهموا الجيوش أن الفلسطينيين ضدهم، فقام هؤلاء بنـزع أسلحة الفلسطينيين وتحييدهم، ولم يكلّفوا أنفسهم عناء بعض الترتيبات الأمنية لمواجهة الأمر بطريقة أفضل.
- كان تسليح الجيوش العربية ضعيفاً مقارنة باليهود. خصوصا بعد حظر الدول الكبرى تصدير الأسلحة إليهم في أثناء الحرب.[86]
صهيونياً - يهودياً:
- تمكن المشروع الصهيوني من بناء مؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية والتعليمية والاجتماعية وتنميتها طيلة فترة الاحتلال البريطاني.
- كانت القيادة الصهيونية حاضرة بشكل فاعل وميداني، وتتمتع بقدرات قيادية وتنظيمية وتعبوية عالية.
- استفادت القيادة الصهيونية من دعم الدول الكبرى السياسي والاقتصادي والعسكري، واستثمرت بفاعلية انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية،كما استخدمت معاناة اليهود في الحرب كقضية رابحة للحصول على الدعم بإنشاء الدولة.
- أمكن لليهود تعبئة جيش قوي مدرب متماسك حسن التسليح من 60 -70 ألف جندي منذ بداية الحرب. واستفادوا من خبرة الفرقة اليهودية التي شاركت في الحرب العالمية الثانية والمكونة من 26 ألف جندي.[87]
- كانت المعركة بالنسبة لليهود معركة حياة أو موت، ولذلك تم تعبئة كافة الطاقات الممكنة للمعركة في فلسطين، ومن خلفها يهود العالم ودوائر نفوذهم.
- كانت أوضاع اليهود الاقتصادية،وعلاقاتهم السياسية تُمكّنهم من شراء حاجاتهم من الأسلحة المتطورة. فقد اشتروا من الإنجليز قبل خروجهم من فلسطين 24 طائرة وأَلْفَ سيارة نقل كبيرة. كما اشتروا كميات ضخمة من الأسلحة التشيكية (بإذن وتوجيه من الاتحاد السوفيتي) منها 40 طائرة مقاتلة. كما اشتروا ثلاث طائرات قاذفة من الولايات المتحدة من نوع ب - 17.[88]
دولياً:
- بعد ثلاثين عاماً من الاحتلال البريطاني، نجحت بريطانيا في تنمية المشروع الصهيوني ورعايته،في الوقت الذي سحقت فيه شعب فلسطين وأضعفته، ومنعت نمو مؤسساته السياسية والاقتصادية والعسكرية واستقرارها.
- حظي الكيان الصهيوني بدعم القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي). وتم تجهيز الظروف الدولية بشكل يضمن التفوق الصهيوني وقيام دولته.
- استخدمت بريطانيا نفوذها على الدول العربية، وخصوصاً في مصر والأردن والعراق، ومارست ضغوطها بشكل كبير بحيث لا يتجاوز دور جيوش هذه البلدان الخطوط الحمراء للسياسة البريطانية، كما ضغطت ضد قدوم المجاهدين والمتطوعين العرب إلى فلسطين، وخصوصا الإخوان المسلمين من مصر.
- تم تنفيذ قرار حظر بيع السلاح على الجانب العربي دون الجانب اليهودي.
أما ميزان القوة العسكرية العددية فقد ظل طوال الحرب لصالح الكيان الصهيوني، الذي كان أكثر عدداً وأفضل انضباطاً وتدريباً وتسليحاً من مجموع الجيوش العربية والمتطوعين. ورغم أن هناك تقديرات متفاوتة ومختلفة في المصادر حول الأعداد، إلا أننا يمكن أن نوجز تطورها بالشكل التالي (بناء على دراسة د. هيثم الكيلاني):[89]
القوات اليهودية بالألف القوات العربية بالألف
60 12 مرحلة ما قبل دخول الجيوش العربية (ديسمبر 47- مايو 1948)
67 21 المرحلة الأولى من القتال (عند دخول الجيوش العربية)
106 40 المرحلة الثانية من القتال (عند نهايات الحرب)
أما القوات العربية النظامية فكانت تتكون من جيوش سبعة دول. وحسب تقرير مؤرخ هذه "النكبة" عارف العارف، فقد بلغ عدد الجيش المصري في البداية 6000، والجيش السوري 1500، والجيش العراقي 1500، والجيش الأردني 4500، والجيش السعودي 1500، والجيش اللبناني 1000.[90] وزاد عدد الجيش المصري بعد ذلك إلى 20 ألف، كما تضاعفت مرة أخرى-على ما يبدو- أعداد الجيوش السورية والعراقية والأردنية فيما بعد.أما اليمنيون فكانت مشاركتهم رمزية.
أما القوات العربية غير النظامية فكانت تتكون أساسا من:
ـ جيش الجهاد المقدس: وهو الجيش الذي شكلته القيادة السياسية الفلسطينية "الهيئة العربية العليا لفلسطين" بقيادة عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل في 8 أبريل1948. وكان أساساً جيشاً فلسطينياً من 5 - 7 آلاف مقاتل، تسانده فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم،والذين يستدعون عند الحاجة، وكان مجموعهم نحو عشرة آلاف.[91]
وقد كان هذا الجيش ضعيف التسليح والتدريب، وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع"الهيئة العربية العليا" في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي يتم التبرع بها إلى هذا الجيش، الذي كان بأمس الحاجة إليها. ولقد صرخ عبد القادر الحسيني قبل استشهاده بيومين في وجه رئيس اللجنة العسكرية العربية الذي رفض التعاون معه وتزويده بالسلاح "أنتم خائنون، أنتم مجرمون، سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين"[92] وهانحن كُتَّاب التاريخ نحفظ شهادته للتاريخ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقد توزع هذه الجيش في كثير من مدن وقرى فلسطين، وقام بالكثير من العمليات البطولية الناجحة، لكن إمكاناته المحدودة حرمته من الدور الذي يمكن أن يقوم به،كما أن تداخل قيادات المناطق بينه وبين جيش الإنقاذ، ووجود قائدين يعملان بشكل مستقل في منطقة واحدة كان له عواقب وخيمة.[93]
ـ جيش الإنقاذ: تأسس هذا الجيش بقرار من الجامعة العربية، وقوامه متطوعين من مختلف البلدان العربية. وبلغ عدد الذين تقدموا للتطوع فيه حوالي عشرة آلاف، أما الذين دخلوا فلسطين فعليا ضمن تشكيلاته فكانوا حوالي 4630 مقاتلا.وقد تولى القيادة الميدانية لهذا الجيش فوزي القاوقجي. وقد تركز عمله في شمال فلسطين ووسطها، وقد شارك في هذا الجيش أخلاط من الناس من عسكريين محترفين ومتطوعين غير متدربين، ومن رجال دفعهم الإيمان والوطنية للتضحية، ومن آخرين كانوا للأسف من المتبطلين والمتكسبين وأصحاب السوابق ممن أساءوا إلى هذا الجيش، وإلى أهل فلسطين عندما قاموا بنهب وسرقة العديد من القرى والمدن التي جاءوا للدفاع عنها، كما حدث في يافا. وعانت قيادة هذا الجيش من سوء الإدارة والتسيب واللامسئولية، ووجهت أصابع اللوم والاتهام إلى القاوقجي نفسه. ومع ذلك، فإن هذا الجيش خاض كثيراً من المواجهات الضارية مع الصهاينة.[94]
ـ الإخوان المسلمون: مثلت مشاركة الإخوان المسلمين في حرب فلسطين سنة 1948 أحد النماذج المتميزة للحركات والتنظيمات العربية الإسلامية التي كسرت الطوق الإقليمي، وعبرت عملياً وجهادياً عن روح الأمة الواحدة. فقد شاركت تنظيمات الإخوان في مصر وسوريا والأردن والعراق بفعالية في التعبئة الجماهيرية، وفي جمع التبرعات، وجمع السلاح والقتال في فلسطين.
وقد أفردنا مبحثاً خاصاً في نهاية هذا الفصل لدراسة النموذج الذي قدمه الإخوان المسلمون بوصفه نموذجاً إسلامياً شعبياً.
مجريات الحرب:[95]
بدأت المرحلة الأولى من الحرب منذ صدور قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947، وحتى انتهاء الانتداب البريطاني، ودخول الجيوش العربية في 15 مايو 1948. وفي هذه الفترة تحمل الفلسطينيون العبء خصوصا من خلال "الجهاد المقدس"، فضلاً عن متطوعي جيش الإنقاذ والإخوان المسلمين وغيرهم.
وقد تمكن أبناء فلسطين من الثبات وتحقيق انتصارات وإنجازات مهمة، دفعت الولايات المتحدة في شهر مارس 1948 إلى التفكير في التراجع عن تأييد قرار التقسيم، غير أنه في الوقت الذي كان اليهود يُحسِّنون أوضاعهم بالتجنيد واستيراد كميات ضخمة من الأسلحة المتنوعة والمتطورة، كانت أسلحة الفلسطينيين تتناقص وذخيرتهم تنفد. وقد أخذ الوضع بالتدهور خصوصا في شهر أبريل، وبالذات بعد استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 8 أبريل، ثم قيام العصابات الصهيونية بمجزرة دير ياسين في مساء 9 إبريل وحتى ظهر اليوم التالي، والتي أدت إلى استشهاد 253 من الرجال والأطفال والنساء، حيث أثار ذلك حالة من الذعر في أوساط الفلسطينيين. وتتابع سقوط مدن فلسطينية مهمة مع عمليات تهجير جماعي للفلسطينيين، فسقطت مدن: طبريا في 19 أبريل، وحيفا في 22 أبريل، وبيسان وصفد في 12 مايو، ويافا في 14 مايو.
وبشكل عام فقد حافظ أهل فلسطين على نحو 80- 82% من أرض فلسطين حتى لحظة دخول الجيوش العربية.
ويصعب تتبع خطوات المعارك خلال هذه الحرب لكن الجيوش العربية حققت في البداية نجاحات لا بأس بها، وتمكن الجيش المصري من السيطرة على خط: المجدل- الفالوجة - بيت جبرين - الخليل، وخط: أسدود - القسطينة، وعَزَل المستعمرات الصهيونية في النقب. وتحرك الجيش الأردني ليركز قطاعاته في وسط فلسطين في مناطق القدس ورام الله واللد والرملة على بُعد نحو 10كم من تل أبيب، بينما تركز الجيش العراقي في مناطق جنين ونابلس وطولكرم ووصل إلى مسافة 10كم شرق نتانيا. وسيطر الجيش السوري على سمخ شمال شرقي فلسطين، فيما تركز جيش الإنقاذ في مناطق الجليل الأعلى شمال فلسطين. وأصبح وضع اليهود سيئاً في جنوب فلسطين لكنه تحسن بعض الشيء في شمالها بسيطرتهم على عكا في 17 مايو 1948.
وتمكن اليهود (في أثناء فرض الهدنة الأولى (11 يونيو - 8 يوليو 1948) بقرار مجلس الأمن الدولي) من إعادة تنظيم قواتهم وتطويرها كماً وتدريباً وتسليحاً، وتسلموا 40 طائرة تشيكية وأسلحة ضخمة، بينما أُغلق باب شراء السلاح دولياً في وجه العرب. وعندما اندلعت الجولة الثانية من القتال في 9- 17 يوليو 1948، تمكن اليهود من توسيع دائرة احتلالهم فاحتلوا خلال ثلاثة أيام مدينتي اللدفي 10 يوليو، والرملة في 12يوليو، مُوسِّعين احتلالهم وسط فلسطين شرقاً بضم قرى بير معين والبرج والحديثة وبيرنبالا وقوله ومجدل يابا. كما احتل اليهود أجزاء من شمال فلسطين، فضموا خلال هذه المدة القصيرة مناطق الناصرة في 15يوليو، وشفا عمرو وكفر ياسيف،كما حسنوا مواقعهم في منطقة القدس فاحتلوا، قرية المالحة.
ثم بدأت الهدنة الثانية بقرار من مجلس الأمن في 18 يوليو، حيث استفاد منها اليهود في تحسين مواقعهم وتوسيع احتلالهم. وفي 15 أكتوبر شن اليهود حملة جديدة ركزت على الجنوب، فاستطاعوا السيطرة على التلال المحيطة بعراق المنشية، وسقطت الحليقات في أيديهم في 20 أكتوبر وبالتالي انفتح الطريق أمامهم إلى النقب، ليتصلوا بالمستعمرات اليهودية التي كانت معزولة هناك. ووجدت القوات المصرية نفسها معزولة في المجدل وأسدود فقامت في الأسبوعين التاليين بالانسحاب منهما، وبسقوط عراق السويدان في 9 نوفمبر، اكتمل طوق القوات اليهودية حول الفالوجة، حيث حوصر نحو أربعة آلاف من الجيش المصري بقيادة العميد سعيد طه (كان جمال عبد الناصر تحت إمرته ضمن المحاصرين في الفالوجة). وقد ثبتت الفالوجة في وجه الحصار والهجمات المختلفة، إلى أن انسحبت بشرف بعد عقد الهدنة مع مصر في 24 فبراير 1949. وبينما كانت هذه المعارك دائرة قام اليهود بهجوم على بئر السبع في 18 أكتوبر وتمكنوا من احتلالها في 21 أكتوبر 1948. وبذلك انفتح أمامهم الطريق إلى احتلال باقي النقب، فاحتلوا العسلوج في 15 ديسمبر. وكان يوجد في باقي أراضي النقب وحدات أردنية صغيرة تم تجاوزها بسهولة في حملة سريعة قامت بها القوات اليهودية في الفترة من 6 - 10 مارس 1949، حيث وصلت إلى موقع أم الرشرش على خليج العقبة في 10 مارس، والذي أنشأ عليه الكيان الصهيوني ما يعرف الآن بميناء ومدينة إيلات.
أما الجيب العربي الذي ثبت في أقصى شمال فلسطين فقد تم احتلاله في الفترة 29 - 31 أكتوبر 1948، وهو يضم قرى كوكب وعيلبون وسخنين والرامة وترشيحا وسعسع شمالاً باتجاه الحدود اللبنانية.
وبذلك أكملت القوات اليهودية احتلالها 77% من أراضي فلسطين (20700 كم مربع) مقيمة عليها كيانها الصهيوني"إسرائيل".
وبعد أن وقعت مصر اتفاقية الهدنة في 24 فبراير 1949، تبعتها لبنان في 23 مارس، ثم الأردن في 3 أبريل، ثم سوريا في 20 يوليو 1949.
ومن الملاحظ أن اليهود عانوا من صعوبات بالغة ووجدوا أنفسهم في أوضاع حرجة في الستة أشهر التي سبقت دخول الجيوش العربية، وفي الشهر الأول لدخول هذه الجيوش. لكنهم بعد ذلك تمكنوا من تحقيق انتصارات مهمة، وسهلة أحياناً كاحتلال باقي شمال فلسطين، واللد والرملة، واحتلال النقب الذي يشكل لوحده نحو نصف مساحة فلسطين.
لقد قاوم الفلسطينيون بضراوة وبكل ما يملكون، وهناك في كل مدينة وقرية قصص ثبات وبطولة وتضحية، وحكايات مؤلمة من انعدام السلاح أو فساده أو نفاذ الذخيرة، أو سوء إدارة المعركة من الجيوش العربية... وغيرها.
وقد ارتكب اليهود 34 مذبحة في أثناء هذه الحرب وأجبروا حوالي 800 ألف فلسطيني على الهجرة وترك ديارهم من أصل مليون و290 ألف فلسطيني عربي أي أن نحو 60% من شعب فلسطين وجد نفسه لاجئا بعد هذه الحرب.[96] وهاهم بعد 53 عاما من التهجير القسري محرومون من العودة إلى أراضيهم.

هوامش الكتاب
________________________________________

[1] انظر: الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 41-67.
[2] See: Report on the Arab Movement & Zionism, by J. Camp, 12 Aug 1919, F.O. 371/4182, Yeshoa Porath, The Emergence of the Palestine National Movement, 1918-1929 (London: Frank Cass, 1974), p. 129.
[3] انظر: كامل خلة، مرجع سابق، ص 230-232، وانظر أيضاً: تقارير حول هذه الهجمات في ملفات الخارجة البريطانية F.O. 371/5117.
[4] انظر: خليل السكاكيني، مرجع سابق، ص 193، وانظر:
Frances Newton, Fifty Years in Palestine (London: Cold Harbour Press, 1948), p. 133-135.
[5] Palin Report, p. 75, F.O. 371/5121.
[6] انظر: تقرير بيل، ص 234، وعجاج نويهض، مرجع سابق، ص 319.
[7] الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 142-144، وكامل خلّة، مرجع سابق، ص 250.
[8] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 72، وانظر أيضاً:
Disturbances in May 1921: Report of the Commission of Inquiry with Correspondence Relating There to Oct. 1921, Cmd. 1540 (London: H.M.S.O., 1921), p. 60. (Hereafter referred to as Haycraft Report).
[9] انظر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 62، وانظر:
Haycraft Report, pp. 30-33, and Report on Political Situation in Palestine for the Month of May 1921, H. Samuel to Churchil, 6 Jun. 1921, F.O. 371/6375.
[10] Haycraft Report, pp. 38-41, and Dispatch, Samuel to Churchil, 15 May 1921, AIR5/1243.
[11] Haycraft Report, pp. 5-16.
[12] Ibid, pp. 36-41.
[13] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 73-74، ووثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية 1918-1939، إعداد عبد الوهاب الكيالي، ط2 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1988)، ص 20-21.
[14] Haycraft Report, p. 60.
[15] سامي الجندي، عرب ويهود: العداء الكبير (بيروت: دار النهار للنشر، 1968)، ص 61.
[16] تقرير بيل، ص 65-66.
[17] See: The Situation Palestine, Memorandum by S. Of S. Colonies to the Cabinet, 9 Jun. 1921, Enclosing a Report by C.D. Brunton, 13 May 1921, Secret, F.O. 371/6375.
[18] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 73.
[19] كامل خلة، مرجع سابق، ص 256، وانظر:
Report on the Political Situation in Palestine for the Month of May 1921, F.O. 371/6375.
[20] انظر نص كلمة صمويل في ملف: F.O. 371/6375.
[21] Letter, Deeds to Shuckburgh, 22 Nov. 1921, C.O. 537/852.
[22] كامل خلة، مرجع سابق، ص 273.
[23] عمر أبو النصر بالاشتراك مع إبراهيم نجم وأمين عقل، جهاد فلسطين العربية: فصول تبحث في تاريخ القضية الفلسطينية وما طرأ عليها من تطور وتحول منذ النضال العربي الأول وحتى الثورة الحاضرة (يافا (فلسطين): دون ناشر، 1936)، ص 260، وإحسان النمر، قضية فلسطين في دورها البلدي (نابلس (فلسطين): جمعية عمال المطابع التعاونية، دون تاريخ)، ص 112، وانظر أيضاً: P.D., Commons, Vol. 171, Col. 1796.
[24] كامل خلة، مرجع سابق، ص 399-404، وانظر:
P.D., Commons, Vol. 182, Col. 1804, and Vol. 183, Col. 564.
[25] انظر: الكيالي، وثائق المقاومة، ص 119-126، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 20-21، وعيسى السفري، فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، ط2 (القدس: منشورات صلاح الدين، 1981)، ج1، ص 122.
[26] انظر: الكيالي، وثائق المقاومة، ص 141-141، والكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 202، وأميل الغوري، فلسطين عبر ستين عاماً، ص 115.
[27] Report of the Commission on the Palestine Disturbances of Aug. 1929, March 1930, Cnd. 5350 (London: H.M.S.O., 1930), p. 64 (Hereafter referred to as Shaw Report).
[28] جريدة الشورى (مصر)، 18 سبتمبر 1929.
[29] Shaw Report, p. 65.
[30] انظر: كامل خلّة، مرجع سابق، ص 455، وانظر:
Shaw Report, p. 65, and Report on Palestine Riots 23 Aug. - 11 Sep. 1929, by Group Captain P.H.L. Play fair, 26 Dec. 1929, pp. 14-20, p. 29, p. 41, p. 49, AIR5/1243.
[31] Shaw Report, p. 65.
[32] تقرير بيل، ص 250.
[33] جريدة الشورى، 9 أكتوبر 1929.
[34] جريدة الشورى، 30 إبريل 1930، وانظر:
Norman Bentwich, Mandate Memories: 1918-1948 (London: The Hogarth Press, 1965), pp. 136-137.
[35] جريدة الشورى، 25 يونيو 1930، وكامل خلة، مرجع سابق، ص 484-485.
[36] انظر: أميل الغوري، فلسطين عبر ستين عاماً، ص 135-136، وإحسان النمر، مرجع سابق، ص 193، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 231، وأيضاً: Porath, The Emergence, p. 271.
[37] حول الكف الأخضر:
Report on Safad Gang, 1930, C.O. 733/190/5, & Summary of Items of Interest, Air H.Q., Palestine Command, Jan. & Feb. 1930, AIR5/1245.
[38] انظر: الكيالي، وثائق المقاومة، ص238-239، ومحمد دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 30.
[39] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 378، وانظر:
Resume of Operations for Oct. 1933, Air H.Q., 23 Nov. 1933, AIR5/1246,. & Report of the Commission Appointed by His Excellency the High Commissioner for Palestine by Notification No. 1561 Published in the Official Gazette, Extraordinary, 7 Feb. 1934. (Hereafter referred to as Murison Report).
[40] انظر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 379-381، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 31-32، وزهير المارديني، مرجع سابق، ص 79. وانظر:
Murison Report, & Tel. H.C. to S.of.S. Colonies, 27 Oct. 1933, C.O. 733/239/5.
[41] Murrison Report.
[42] الكيالي، وثائق المقاومة، ص 341-344.
[43] Note of an Interview Granted by H.C. to Members of the Arab Executive, 25 Oct. 1933, C.O. 733/239/5 Part 2.
[44] حول حركة القسام واستشهاده، انظر مثلاً: صحبي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين: 1936-1939 (القاهرة: وزارة الثقافة، مؤسسة التأليف والنشر ودار الكتاب العربي، 1967)، ومحسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 231-317، وسميح حمودة، الوعي والثورة: دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام (عمّان: دار ابن رشد، 1984).
[45] محمد عزة دروزة، العدوان الإسرائيلي القديم والعدوان الإسرائيلي الحديث على فلسطين وما جاورها (بيروت: دار الكلمة، 1980)، ج2، ص 52.
[46] محمد نمر الخطيب، من أثر النكبة (دمشق: المطبعة العمومية، 1951)، ص 88.
[47] كامل خلة، مرجع سابق، ص 594.
[48] عبد الستار قاسم، الشيخ المجاهد عز الدين القسام (بيروت: دار الأمة للنشر، 1984)، ص 106.
[49] أكرم زعيتر، الحركة الوطنية الفلسطينية: 1935-1939 "يوميات أكرم زعيتر"، ط3 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1980)، ص 32.
[50] انظر: يوميات أكرم زعيتر، ص 53-56، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 331-332، وانظر أيضاً:
Dispatch on the Disturbances in Palestine, 19 Apr. to 14 Sep. 1936, by Air Vice-Marshal R.E.C. Peirse, submitted to Air Ministry, 15 Oct. 1936, W.O. 32/4177, p. 13. Hereafter referred to as Peirse Dispatch.
[51] تقرير بيل، ص 126، ووثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 412.
[52] يوميات أكرم زعيتر، ص 60-63.
[53] نفس المرجع، ص 64-77، ووثائق المقاومة الفلسطينية العربية، ص 378-379، وانظر:
Periodical Appreciation Summary, No. 9/36, C.I.D. 6 May 1936, F.O. 371/20018.
[54] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 39-40.
[55] يوميات أكرم زعيتر، ص 99-100، وانظر: Peirse Dispatch, p. 20.
[56] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها (بيروت: المكتبة العصرية، 1959) ج1، ص 128-129.
[57] J. Marlowe, Rebellion in Palestine (London: The Cresset Press, 1946), p. 156.
[58] انظر: فلسطين في مذكرات القاوقجي: 1936-1948 (الجزء الثاني)، إعداد خيرية قاسمية (بيروت: مركز الأبحاث ودار القدس، 1975)، ص 20-22.
[59] Peirse Dispatch, p. 94.
[60] تقرير بيل، ص 7-8.
[61] وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ص 458.
[62] انظر: يوسف رجب الرضيعي، ثورة 1936 في فلسطين: دراسة عسكرية (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1982)، ص 61، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 43.
[63] عن ثورة فلسطين سنة 1936: وصف وأخبار ووقائع ووثائق، إعداد مكتب الاستعلامات الفلسطيني بمصر (القاهرة: اللجنة الفلسطينية العربية، ديسمبر 1936)، ص 43.
[64] الرضيعي، مرجع سابق، ص 62.
[65] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 44، ومكتب الاستعلامات الفلسطيني، ص 28.
[66] يوميات أكرم زعيتر، ص 286.
[67] Yeshoua Porath, The Palestinian Arab National Movement: From Riots to Rebellion 1929-1939 (Great Britain: Frank Carr, 1977), p. 235.
[68] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 187-188.
[69] Report on the operations carried out by the British force in Palestine and Trans-Jordan in Aid of the Civil Power for 12 Sep. 1937 to 31 Mar. 1938, by R.P. Wavell sent to Under S. of S. War, 7 Apr. 1938, Secret, p.1, W.O. 32/9401, and Resume of Operations: for Oct. 1937, Air H.Q., 23 Nov. 1937, AIR 5/1247.
[70] انظر: محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 193-207، وانظر أيضاً:
Tel, H.C. to S. of S. Colonies, 25 May 1938, Secret, Most Immediate, C.O. 733/36/1, Militry Intelligence Summary, No. 19/38, 23 Sep. 1933, C.O. 733/81/9, and Dispatch, H.C. to S. of S. Colonies, 24 Oct. 1939, Secret, C.O. 935/21.
[71] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 53-54.
[72] صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، ودار الكتاب العربي، دون تاريخ)، ص 75-77، وقد قدر مارلو عددهم بـ15 ألفاً. انظر: Marlowe, op. cit., p. 194.
[73] زهير المارديني، مرجع سابق، ص 284.
[74] يوميات أكرم زعيتر، ص 427.
[75] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 209.
[76] المرجع نفسه، ص 211-212.
[77] انظر حول الطابع الإسلامي للثورة في: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 354-360.
[78] يوميات أكرم زعيتر، ص 440، وجريدة الشباب، مصر، 21 سبتمبر 1938.
[79] Tel., General Officer Commander to W.O., 18 Nov. 1939, Secret, C.O. 733/404/2.
[80] انظر: الرضيعي، مرجع سابق، ص 61-62، وص 69، وص 73، وص 78.
[81] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية، ج1، ص 220.
[82] Palestine: Statement of Policy, May 1939, Cmd. 6019 (London: H.M.S.O., 1939).
[83] محمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 80.
[84] انظر مثلاً: شكيب الأموي، شهادة من الميدان: وثائق عن حرب فلسطين 1948 (تونس: الدار التونسية للنشر، 1980)، ص 41-47، وكامل الشريف، الإخوان المسلمون في حرب فلسطين (الزرقاء (الأردن): مكتبة المنار، 1984)، ص 50-51، وص 53، وص 55.
[85] انظر: عارف العارف، مرجع سابق، ج6، ص 225.
[86] حول الوضع العربي في حرب 1948 انظر: هيثم الكيلاني، الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية الإسرائيلية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991)، ص 71-72، وص 103-153.
[87] انظر: المرجع نفسه، ص 75-76، وعرب فلسطين 1947-1948 (الرواية الإسرائيلية الرسمية)، ص 18.
[88] الكيلاني، مرجع سابق، ص 74-76، وص 82، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 88-89.
[89] الكيلاني، مرجع سابق، ص 76.
[90] عارف العارف، مرجع سابق، ج2، ص 342.
[91] الكيلاني، مرجع سابق، ص 70.
[92] صالح أبو يصير، مرجع سابق، ص 349.
[93] انظر: بيان الحوت، مرجع سابق، ص 615-616، ومحمد أمين الحسيني، حقائق عن قضية فلسطين، ط2 (القاهرة: مكتب الهيئة العربية العليا لفلسطين، 1957)، ص 91.
[94] انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 68، وكامل الشريف، مرجع سابق، ص 28، وصالح أبو يصير، مرجع سابق، ص، ومحمد محمود الصواف، معركة الإسلام أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم (لبنان: دون ناشر، 1969)، ص 158-159.
[95] حول مجريات حرب 1948، انظر: الكيلاني، مرجع سابق، ص 77-78، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 82-89، وصالح أبو يصير، مرجع سابق، ص ، وانظر:
Chaim Herzog, The Arab-Israeli Wars: War & Peace in the Middle East (New York & London: Random House, 1982), pp. 17-108.
[96] Salman Abu Sitta, Palestinian Right to Return (London: Palestinian Return Centre, 1999), p. 16 & p. 27.

يتبع عرض الموضوع