آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: خلاصة في تاريخ وعقيدة فرقة الســامريين اليهودية

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    باحث ومترجم وأكاديمي عراقي الصورة الرمزية عبدالوهاب محمد الجبوري
    تاريخ التسجيل
    30/01/2008
    المشاركات
    2,549
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي خلاصة في تاريخ وعقيدة فرقة الســامريين اليهودية

    خلاصة في تاريخ وعقيدة فرقة الســامريين اليهودية

    ظهر خلال تاريخ اليهود الكثير من الفرق الدينية واختلافاتها المتشعبة من حيث المعتقدات والنظرة إلى الكون والتعامل في داخل المجتمع اليهودي وخارجه ، ومن أهم هذه الفرق الفريسيون والصدوقيون والقراءون والكــتبة والســامريون والأســاة ( أو الاســينيون أو المتقون )والقبّالة والحسيدية والاصلاحيون والعنانية والعيسوية واليوذعانية والموشكانية ..
    وقد بدا أول خلاف بين هذه الفرق حول قدسية أجزاء العهد القديم .. إذ ظهرت فرقة من اليهود يقطنون منطقة السامرة ( التي كانت عاصمة مملكة إسرائيل التي انشقت بعد وفاة سليمان عليه السلام ) ينكرون قدسية أسفار الأنبياء والمكتوبات من العهد القديم ولا يعترفون بغير الأسفار الخمسة إلى جانب سفر يشوع ، وهذا يعني أن كتابهم المقدس هو أسفار موسى الخمسة أو التوراة وحتى هذه الأسفار الخمسة المتداولة بينهم تختلف عن الأسفار المدونة في نحو ستة آلاف موضع (ويتفق نص التوراة السامرية مع الترجمة السبعينية في ألف وتسعمائة موضع من هذه المواضع ، الأمر الذي يدل على أن مترجمي الترجمة السبعينية استخدموا نسخة عبرية تتفق مع النسخة السامرية) وهم ينكرون الشريعة الشفوية ، شأنهم في ذلك شأن الصدوقيين والقرّائين (ومن هنا التشابه بين الفرق الثلاث في بعض الوجوه) كما أنهم يأخذون بظاهر نصوص التوراة ..هذه المجموعة سميت بالسامريين نسبة إلى السامرة ..
    يقول الشهرستاني في الملل والنحل : إنهم اثبتوا نبوة موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام ، وأنكروا نبوة من بعدهم إلا نبيا واحدا ، وقالوا : إن التوراة ما بشرت إلا بنبي واحد بعد موسى يصدق ما بين يديه من التوراة ويحكم بحكمها ولا يخالفها البتة ، وظهر في السامرة رجل يقال له ( الألفان ) ادعى النبوة وزعم انه هو الذي بشر به موسى ، وانه الكوكب الذي ورد في التوراة انه يضيء ضوء القمر .. وذكر ابن حزم ، أنهم يبطلون كل نبوة في إسرائيل بعد موسى ويوشع ( عليهما السلام ) ويقولون أن مدينة القدس هي نابلس ، ولا يعرفون حرمة البيت المقدس ولا يعظمونه ولا يستحلون الخروج إلى الشام ..
    وقد اشتدت العداوة بين هذه الفرق وبقية اليهود عندما رفضوا بناء الهيكل الثاني - حسب رواياتهم - إذ كانوا يعتبرون المكان المقدس لليهودية هو جبل جرزيم ( الجبل المختار ) وليس جبل صهيون وأورشليم ، وهم يؤمنون بعودة الماشيَّح إلى جبل جرزيم برغم أنه لا توجد في أسفار موسى الخمسة أية إشارة إليه ، حتى أنهم أضافوا إلى توراتهم عبارات توحي بقدسية هذا الجبل ، وهم يعتبرون اليهود ضلوا عن طريق اليهودية الصحيح ، لذا فهم يعيشون في عزلة ولا يتزاوجون مع بقية اليهود ، وكان من نتيجة هذه العزلة أن انتشر الجهل بينهم ..
    والسامريون كلمة معربة من كلمة ( شوميرونيم) العبرية، أي سكان السامرة ، ويُشار إليهم في التلمود بلفظة ( كوتيم ) وتعني ( الغرباء) .. لكن هذه التسميات هي تسميات اليهود الحاخامين لهم ، وكان يوسيفوس (*) يسميهم الشكيميين نسبةً إلى (شكيم ) (نابلس الحالية) ، ويدعي اليهود أن السامريين ينتمون إلى سلالات غريبة عن بني إسرائيل ، ولكن السامريين يعتبرون أنفسهم من بني إسرائيل أو ( بنو يوسف ) ، باعتبار أنهم من نسل يوسف.. كما يطلقون على أنفسهم اسم ( شومريم ) ، أي (حفظة الشريعة ) ، باعتبار أنهم انحدروا من صلب يهود السامرة الذين لم يرحلوا عن فلسطين عند تدمير المملكة الشمالية عام 722 ق.م ، فاحتفظوا بنقاء الشريعة ..
    ومهما كانت التسمية ومهما كان تفسيرها، فمن المعروف تاريخياً أنه، بعد تهجير قطاعات كبيرة من سكان المملكة الشمالية قام الأشوريون بتوطين قبائل من بلاد عيلام وسوريا وبلاد العرب لتحل محل المهجّرين من اليهود، وتسكينهم في السامرة وحولها ، وامتزج المستوطنون الجدد مع من تبقَّى من اليهود، واتحدت معتقداتهم الدينية مع عبادة يهوه (**) ، وقد نتج عن ذلك اختلاف عن بقية اليهود ، لكن الانشقاق النهائي حدث عام 432 ق.م ، بين اليهود والسامريين، بعد عودة عزرا ونحميا من بابل ، حيث دافعا عن فكرة النقاء العرقي ..
    وثمة قصتان لتاريخ الانشقاق، أولاهما ترد في العهد القديم (نحميا 13/23 ـ28 ): ( في تلك الأيام، كان واحد من بني يوياداع بن الياشيب الكاهن العظيم صهراً لسنبلط الحوروني فطردته من عندي) ، وقد وردت عن يوسيفوس رواية أخرى مفادها أن منَسَّى شقيق الكاهن الأعظم تزوج من ابنة حاكم السامرة سنبلط الثالث (الفارسي)، فخيَّره الكهنة بين أن يطلق زوجته أو أن يتخلى عن مكانته وسلطاته الكهنوتية ، فلجأ منَسَّى لحميه الذي بنى لزوج ابنته هيكلاً على عادة العبرانيين القدامى على جبل جريزيم لينافس هيكل القدس، وأصبح الشاب المطرود كاهن السامريين ، وبعد أن أسس الهيكل انضم إليه عشرات الكهنة الآخرين المتزوجين من أجنبيات وعناصر يهودية أخرى غير راضية عن المؤسسة الدينية في القدس ..
    ومن الواضح أن ثمة عناصر مشتركة بين القصتين تتمثل في بعض الأسماء والعلاقات الأساسية وفي عملية الطرد ، ومع أن هناك قرناً من الزمان يفصل بين القصتين الأولى والثانية ، فإن من الواضح أنهما تشيران إلى الواقعة نفسها ، ويميل المؤرخون إلى الأخذ بقصة يوسيفوس ويرجعوا بتاريخها إلى زمن نحميا ..
    وقد نشبت صراعات بين السامريين وبقية اليهود، لكنهم تعرضوا لكثير من التوترات التي تَعرَّض لها اليهود في علاقتهم بالإمبراطوريات التي حكمت المنطقة.. فبعد أن فتح الإسكندر المنطقة عام 323 ق.م ، هاجر بعض السامريين إلى مصر وكونوا جماعات فيها، وهذه هي بداية الشتات السامري أو الدياسبورا السامرية التي امتدت وشملت سالونيكا وروما وحلب ودمشق وغزة وعسقلان ..
    وحينما قرر أنطيوخوس الرابع (175 ـ 164 ق.م) دَمْج يهود فلسطين في إمبراطوريته لتأمين حدوده مع مصر، كان السامريون ضمن الجماعات التي استهدف دمجها وإذابتها رغم أنهم أعلنوا أنهم لا ينتمون إلى الأصل اليهـودي ، وحينمـا اسـتولى الحشـمونيون على الحكم (164 ق.م)، واجه السامريون أصعب أزمة في تاريخهم إذ سيطر الحشمونيون على شكيم وجرزيم واستولوا على مدينة السامرة وحطموها، كما حطم يوحنا هيركانوس هيكلهم عام 128 ق.م. ، ومع هذا ، فقد استمر السامريون في تقديم قرابينهم على جبل جرزيم..
    كما أن هَدْم الهيكل لم ينتج عنه انتهاء طبقة الكهنة على عكس اليهود أو بني إسرائيل الذين انتهت عبادتهم القربانية المركزية وطبقـة الكهنـة التي تقـوم بها بهـدم هيكـل القـدس ، ويبـدو أن السامريين لم يساعدوا اليهود أثناء التمرد اليهودي الأول، ومـع هذا نشـب تمـرُّد مستـقل في صفـوفهم ضد فســبسيان عام 67 ق.م، وتم قمعـه.. كمــا ثـار السـامريون ضـد الرومان عام 79 ـ 81 م ، فهُدمت شكــيم وبُني مكانها نيابوليس (نابلس) أي ( المدينة الجديدة ) .. وتمتع السامريون بمرحلة ازدهار فكري في القرن الرابع الميلادي تحت قيادة زعيمهم القومي بابا رابا ، ومن أهم مفكريهم الدينيين مرقه الذي عـاش في القرن نفسـه، وكاتب الأناشـيد التي تُسـمَّى ( إمرالم دارا) ..
    وقد عانى السامريون من الاضطهاد على يد الإمبراطورية البيزنطية ، وفي عام 529 الميلادي، قام جوستينيان بشن هجمة شرسة عليهم لم تقم لهم قائمة بعدها ، ويُقال إن الرومان سمحوا للسامريين ببناء هيكلهم الذي دمره الحشمونيون حينما رفضوا الانضمام إلى ثورة بركوخبا ، ولكن هذا الهيكل دُمِّر بدوره عام 484 ميلادية ..
    وثمة نقط اتفاق بين السامريين واليهود الحاخاميين قبل ظهور القبَّالاه وحركات الإصلاح الديني اليهودي ، فكلا الفريقين يؤمن بالله الواحد وباليوم الآخر والملائكة ، ولكن السامريين احتفظوا بقدر أكبر من الوحدانية التي تراجعت في اليهودية إلى أن اختفت تماماً تقريباً ، وكانوا يشيرون إلى الخالق بلفظة (إل ) (***)، أو ( أللا ) القريبة من كلمة ( الله ) ، ولكنهم كانوا أيضاً يسمونه ( يهوه ) .. كما كانوا يؤمنون بأن موسى نبي الله الأوحد وخاتم رسله وبأنه تجسيد للنور الإلهي والصورة الإلهية .. وقبلة السامريين جبل جرزيم بين المقدس ونابلس ، دون سائر اليهود .. ولغة العبادة عند السامريين هي العبرية السامرية، وكان كتابهم المقدَّس يُكتَب بحروف عبرية قديمة ( مع تحفظ الباحث على تسمية العبرية القديمة التي كانت في أصلها إحدى اللهجات الكنعانية الممزوجة بالفينيقية والآرامية ) ويزعم السامريون أن اللغة والحروف جاءتهم صحيحة من عهد النبي موسى .. ويحتفل السامريون بالأعياد اليهودية مثل يوم الغفران وعيد الفصح، ولكن كانت لهم أعياد مقصورة عليهم وتقويم خاص بهم ، وهم لا يعترفون بداود أو سليمان ( عليهما السلام ) ، ويُلاحَظ أن الأفكار الأخروية لم تلعب دوراً مهماً في التفكير الديني لدى السامريين رغم إيمانهم بالقيامة والحساب في يوم القيامة ، كما حدث مع اليهودية بعد العودة من بابل ، وينفي بعض اليهود عن السامريين صفة الانتساب إلى اليهودية، كما أنهم يعاملونهم معاملة الأغيار في أمور الزواج والموت ..
    وقد استمر العداء بين السامريين واليهود الحاخاميين، إذ يذهب السامريون إلى أن اليهودية الحاخامية هرطقة وانحراف ، وأن قيادة اليهود الدينية أضافت إلى التـوراة وأفسـدت النص ليتفق مع وجهة نظرها .. ويُعَدُّ السامريون جماعة شبه منقرضة ، وهم، في واقع الأمر، أصغر جماعة دينية في العالم، فعددهم لا يتجاوز خمسمائة، يعيش بعضهم في نابلس ويعيش البعض الآخر في حولون
    (إحدى ضواحي تل أبيب) وفـــي بعـــض طبعات التلمود، تحــل كلمة ( السامريين) محل كلمة ( الأغيار) حتى تبدو عبارات السباب العنصري وكأنها موجهة إلى السامريين وحدهم وليس إلى كل الأغيار ..

    هوامش

    (*) يوسفوس فلافيوس (لغة لاتينية: Josephus Flavius) أو يوسيپوس (لغة يونانية: Ιώσηπος) أو باسمه العبري الأصلي يوسف بن ماتيتياهو (יוסף בן מתתיהו) (38-100 للميلاد) وهو من مواليد القدس لعائلة كهنوتية يهودية .. كان أديبا مؤرخا وعسكريا ، يهودي الدين ، رومانيا عاش في القرن الأول للميلاد واشتهر بكتبه عن تاريخ منطقة يهودا، والتمرد اليهودي على الإمبراطورية الرومانية والتي تلقي الضــوء على الأوضاع والأحداث في فلسطين خلال القرن الأول للميلاد .. بعد توطينه في روما كتب يوسفوس بعض المؤلفات حيث سرد سيرة حياته وأحداث التمرد في منطقة يهودا على الرومان وتاريخ سكان يهودا حسب ما علمه من التراث والمصادر اليهودية المتوفرة له في ذلك الحين ، وتحتوي هذه المؤلفات على تقارير مفصلة خاصة بشأن الأحداث التي شهدها يوسفوس بنفسه، ويعد معظم المؤرخين المعاصرين هذه التقارير ذات مصداقية ويستندون إليها في الأبحاث التي تتناول تاريخ الشرق الأوسط في القرن الأول للميلاد ، وأهم مؤلفات يوسفوس هي كتابان تاريخيان ، هما ( تاريخ حرب يهودا ضد الرومان والمعروف اختصارا تاريخ اليهود )
    و ( عاديات يهودا ) يصف فيه تاريخ أتباع الديانة اليهودية .. انظر : موسوعة ويكيبيديا ..
    (**) يهوة هو الاسم الخاص باله شعب إسرائيل حسب التوراة ولا يوجد عند الشعوب الأخرى ، وورد أيضا في وثائق لاكيش وفي نقوش ملك مواب ، وتقديسا له يلفظه اليهود عند القراءة ( أدوناي ) ..
    (***) إل أو ايل : اسم علم يطلق على سيد الآلهة ، وبحسب الفهم الإسرائيلي لا يوجد إلا اله واحد فلذلك وضع الاسم
    ( إل ) في إسرائيل اسما علما للإله الواحد ..

    مراجع

    1 . د. حسن ظاظا ، الفكر الديني اليهودي – اطواره ومذاهبه ، القاهرة ، 1975
    2 . دكتور محمد بحر عبدالحميد ، كلية الآداب – جامعة عين شمس ، مكتبة سعيد رأفت ، القاهرة ، 1978
    3 . دكتور كامل سعفان ، اليهود تاريخا وعقيدة ، دار الاعتصام للطبع والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1988
    4 . الدكتور عبدالوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، القاهرة 1999
    5 . الإمام أبو محمد علي بن احمد بن حزم الظاهري ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ، وبهامشه الملل والنحل للإمام أبي الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني ، طبع على نفقة احمد ناجي الجمالي ومحمد أمين الخانجي وأخيه ، طبع في المطبعة الأدبية ، سوق الخضار القديم ، سنة 1320 هجرية

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالوهاب محمد الجبوري ; 24/02/2012 الساعة 12:04 PM

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •