قال الشاعر:
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها====ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها===يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
ثمة أبيات كثيرة اشتهرت بين الناس ولم يعرف قائلوها، ولعل هذان البيتان منها، فقد وردا بالنص المثبت أعلاه في كتاب ألف ليلة وليلة . ومع أن مؤلف هذا الكتاب مجهول لكون حكاياته باتت من الأدب الشعبي، فإن كثيرا من الأشعار التي كان يستشهد بها في الكتاب قد استطاع بعض الباحثين نسبتها إلى أصحابها.
ولقد وجدت في كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لابن تغري بردي هذين البيتين من غير نسبة وهما على النحو التالي :
دع المقادير تجري في أعنتها===واصبر فليس لها صبر على حال
ما بين رقدة عين وانتباهتها =======يقلب الله من حال إلى حال
وقد اعتبر عبد الله فكري ( ت 1889 م ) في كتابه " نظم اللآل في الحكم والأمثال" البيت الأول منهما من بين الحكم والأمثال السائرة ولخصه بقوله : خل القدر يفعل ما يشاء ، ونم مستريح البال .
ويبدو أن الشعراء أكثروا من التنويع على هذين البيتين اللذين أصبحا من المشاع وذلك إما بتغير قافيتهما نحو قول الشاعر عبد الله الصيرفي ( ت 1904 م ) :
ودع أمورك تجري في أعنتها===وظُنّ خيرا ولا تسأل عن الخَبَرِ
ما بين غمضة عين وانتباهتها=====يغير الله من عسر إلى يُسُرِ
ومن هؤلاء أيضا الشاعر المصري صالح مجدي ( ت 1881 م ) في قوله من قصيدة من بيت واحد :
دع المقادير تجري في أعنتها===ولا تكن يائسا من نيل آمال
وقد لفت انتباهي في هذا الشاعر الذي يرجع نسبه إلى الشريف مجد الدين وهو من أشراف مكة الذين هبطوا مصر، أنه كان باحثا مترجما فقد تعلم بمدرسة الألسن بالقاهرة " ترجم عن الفرنسية كتبا كثيرة، ولما ولي الخديوي إسماعيل، انتدبه لترجمة القوانين الفرنسية المعروفة باسم كود نابليون Code Napleon فترجمها إلى العربية ، وتعلم الإنجليزية سنة 1286 هـ .. وله من الكتب المترجمة والمؤلفات ما يزيد على 65 كتابا ورسالة".
من أجل ذلك أقترح على إدارة هذه الجمعية تخصيص جائزة في الترجمة باسم صالح مجدي لعلنا بذلك نفيه حقه من الريادة ، ولأن هذا الرجل، رحمه الله، مات وفي نفسه غصة من سوء حاله لأنه امتهن هذه المهنة التي آمل أن تكون ظروفها قد تحسنت في هذا الزمان عن زمانه، قال في أولها :
طال انتظاري وعيل الصبر وانقطعت====من كل شيء مدى الأيام آمالي
وخاب ظني وضلّ السعي وانكتبت ====عليّ في صُحف الأوزار أقوالي
وأدركتني من الآداب حرفتها======من قبل تكوين أعضائي وأوصالي
وكلما ازددتُ في نظمي وترجمتي=======تفنّناً جَدّ بي جَدبي وإمحالي
ثم ختمها بقوله:
وما مُنِحتُ على ما قلتُ جائزةً ========= بها تَبدّل إعزازي بإذلالِ
ولا قبضتُ لطِرسٍ قَطّ من ثمنٍ=========ولا حظيتُ بإنعام وأموالِ
ولا أخذتُ على ما كان من كذبٍ========كفّارة غيرَ تسويفٍ وإمهالِ
وطالما قيل لي سَل ما تؤمّلُ من ======== مراتبَ والتزاماتٍ بلا مالِ
فقلت إني سأحظى بالمَرام إذا ====== ما شاء ربي بلا سؤلٍ من الوالي
فهو الذي لجميع العالمين قضى==========كما أراد بأرزاق وآجالِ
وهو الذي إن يشأ يذهب بقدرته=======وينقل الدهر من حال إلى حالِ
أما قوله السابق :
دع المقادير تجري في أعنتها===ولا تكن يائسا من نيل آمال
فلا ندري إن كان قاله قبل هذه القصيدة المتشائمة أم بعدها .

توضيح:

كان أصل هذه المشاركة جوابا على سؤال طرحه أخي الدكتور محمد باسيدي على منتدى المساجلة الشعرية ، ولكني أرى إثباته ثانية هنا أعم للفائدة.