هل ستشعل الأزمة الأوكرانية الحريق في أوروبا؟
الدكتور عزت السيد أحمد


آفاق الأزمة الروسية الأوكرانية
هل ستدخل روسيا في حرب مع أوكرانيا؟
ما موقف أمريكا من الغزو الروسي لأوكرانيا؟
ما موقف أوروبا فيما لو كان غزو روسي لأوكرانيا؟
روسيا بالعقلية البوتينية لن تسمح بخسارة أوكرانيا... والعزيمة على التدخل قوية ونهمة. فاليوم، وفي ظاهرة ديمقراطية غريبة جديدة استنها باراك أوباما، أحال بوتين إلى المجلس الفيدرالي الروسي طلباً بتفويضه بالتدخل العسكري في أوكرانيا لحماية المصالح الروسية. وقد صفق له المجلس بحرارة وردَّد الأعضاء: بوتين بوتين بوتين... بما يعني بالدلالة العربية: بوتين أو لا أحد، بتوتين أو نحرق أوكرانيا... وانتهى المجلس إلى الإجماع على تفويضه بالتدخل في جزيرة القرم لحماية المصالح الروسية والرعايا الروس. بل إن بعضهم قال: كل شبر في أوكرانيا لنا مصالح فيه يجب التدخل فيها... ذكرنا بعضو مجلس الشعب السوري في أول خطاب لبشار السد في مجلس الشعب بعد اندلاع الثورة السورية، ذۤلكَ الذي قال: أنت قليل عليك أن حكم سوريا.. أنت يجب أن تحكم العالم...
على أي حال، نحن هنا أمام نتيجة تريث أيام بدا فيها أنَّ الروس يدرسون الخريطة السياسية الدولية، خلاف ما كان في مواقفهم فيما سبق مع سوريا والعراق وغيرهما...
لا داعي للتفكير كثيراً في سبب التأخر بضع أيام للتحرك أو إعلان نية التحرك فلذۤلك ألف سبب وسبب. المهم والغريب هو طلب بوتين التفويض من مجلس الاتحاد الروسي. وليس غريباً أن يوافق المجلس بالإجماع على ذۤلكَ.
رُبَّما يشبه هٰذا التهديد الروسي بالتدخل العسكري في أوكرانيا التهديد الأمريكي عندما استخدم النظام السوري الكيماوي، أي إنَّهُ نوعٌ ممن الاستفزاز والضغط على أوكرانيا من أجل البقاء تحت المظلة الروسية. إذا كانت روسيا تفكر بهذه الطريقة فهي تضيف برهاناً قاطعاً جديداً على أنها تمارس البلاهة السياسية بجدارة.
وإذا تدخلت روسيا في أوكرانيا فعلاً وقامت بالغزو على غرار ما حدث مع جورجيا، فإنها ستضيف برهاناً آخر على بلاهتها في إدارة الأزمات... وذۤلكَ بسبب الخصوصية الكراوتية وكونها الخاصرة الشرقية لأوروبا الغربية، إلى جانب كون الشعب الكرواتي معظمه قد كره العلاقة الروسية ويتطلع إلى أوروبا الغربية.
أما أن لا تتدخل وتترك الأمور تسير على ما تقتضيه الأحوال. فهنا أيضاً ستكون روسيا قد أضافت برهاناً قاطعاً أيضاً على بلاهتها السياسية وغبائها في إدارة الأزمات. لأنها هددت وأرغدت وأزبدت وجمعت المجلس الفيدرالي ومع ذۤلكَ لم تفعل شيئاً... وخسرت رئتها الكبرى ولم تفعل شيئاً...
الاحتمالات الثلاث هي النتيجة الحتمية للغباء السياسي، والبلاهة في إدارات الأزمات، وروسيا مشتهرة في ذۤلكَ، إنها تختار الوقوف دائماً في الموقف المريب المحرج الذي سيجعلها في مأزق مهما فعلت مهما كانت النتائج، ويضطرها أخيراً للخروج بأقل ما يمكن من الخسائر.
قد تتدخل روسيا وتحتل جزيرة القرم، الأمر ليس مستبعداً، ولٰكن إلى أين ستسير المركبة بعد ذۤلكَ؟
أغلب الظنِّ أنَّ الأمور لن تكون بخيرٍ ولن تصل إلى أيِّ استقرارٍ لأنَّ المناخ العالمي، بغضِّ النَّظر عن تدخلات خارجيَّة، لن يسمح للأوكرانيين بالسكوت أو الرضوخ للاحتلال الروسي لأي جزء من أراضيهم. وستشتعل المنطقة بكل تأكيد.
فإذا أضفنا إلى ذۤلكَ أنَّ الولايات المتحدة الأمريكيَّة ترغب بشدَّةٍ في توريط روسيا بأزمةٍ في هٰذه المنطقة، أزمة حرب تشغلها وتستهلكها فترةً من الزمن تتكسر فيها الأجنحة الروسية والإرادة الروسية، أمكننا القول إن تورط روسيا بهٰذه الحرب سيكون مغنمةً أمريكيَّة ترعاهاً بشدَّةٍ وتغذيها.
هٰذا الموقف الأمريكي نتيجةٌ منطقيَّةٌ لا حتمية. أعني بذلك أنَّ المنطق يقول إنَّ مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تقصقص أجنحة روسيا التي بدا أنها في السنوات الأخيرة آخذة في التعاظم والتمرد والخروج الفاضح على السيادة الأمريكية، خلاف ما كان منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولكن ألا يحتمل أن بينهما توافق ضمني؟
الأمر ممكن. ولكنَّهُ مهما كان لن يكون تمازج مصالح على غرار تمازج المصالح الأمريكيَّة مع أوروبا الغربية. ولذۤلك فإنَّ أيَّ فرصةٍ تتاح لأيٍّ منهما للنيل من الآخر لن يتركها تفوت هٰكذا من دون استثمار.
قبل أن نذهب إلى العامل الثالث في هٰذه الأزمة. أرجو ألا يربط أحدٌ بَيْنَ الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية إلا من باب أزمة إضافية تكون عبئاً على روسيا. ولن يكون هناك أي صفقة أمريكيَّة روسيَّة من أيِّ نوعٍ لترك سوريا مقابل السَّماح لروسيا بأوكرانيا، أو حَتَّى العكس. بل لا أظن إلا أن الولايات المتحدة ستعطي الضمانات الكافية لروسيا ببقاء الوضع السوري على ما هو عليه، فيما لو أرادت روسيا التدخل في أوكرانيا، واليوم تحديداً في تسريب ما عاد تسريباً، اقترح فريق من البنتاجون على باراك أوباما أن يعطلوا الطيران السوري ويمنعوه من الإقلاع من المطارات بطريقة إلكترونية لوضع حدٍّ لإلقاء البراميل والصواريخ على المدنيين، بعيداً عن التدخل العسكري ومخاطره. ولٰكنَّ أوباما رفض ذۤلكَ... أراد أن تسير الأمور على ما هي عليه.
هنا يبرز العامل الثالث. أوكرانيا أكبر دولة أوروبية مساحة بعد روسيا. وهي جبهة عريضة جداً أمام أوروبا الغربية. فإذا ما اشتعلت المنطقة فإنَّ أوروبا لن تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي. أرجو أن لا نقارن بينها وبين البوسنة والهرسك فلا مجال أبداً للمقارنة بَيْنَ الحالتين، للقول بأنَّهُ كما سكتت أوروبا في أزمة البوسنة ستسكت الآن. لا مجال للمقارنة. ولا مجال للمقارنة كذۤلكَ بالتدخل الروسي في جورجيا أيضاً فأيضاً الفرق شاسعٌ واسعٌ.
إذا اشتعلت أوروبا ستحترق كل أوروبا. هل ستقبل أوروبا بذۤلكَ؟
ثَمَّة سهولةٌ في التغطية على ما يحدث في سوريا للجم الرأي العام الأوروبي. فهل سيكون من السهولة التستر على ما سيكون في أوكرانيا إذا اشتعلت أوكرانيا؟
أوروبا لن تسمح أبداً باشتعال المنطقة.
لن تسمح طالما تستطيع ذۤلكَ.
ولأنَّ السياسية لا دين لها لا ندري كيف ستكون التسويات الأوروبية الأمريكية الروسية فيما لو تورَّط الروس ودخلوا إلى أوكرانيا... التسويات التي ستكون من أجل إطفاء النار في المنطقة، فالمؤكد تماماً أن الشعب الأوروبي والحكومات الأوروبية مثل الشعب الأمريكي غير مستعدين لدفع ضريبة أي صراع مهما كانت نتائج هٰذا ا لصراع. أعني بذلك أنَّ أوروبا في محصلة الأمر لن تفعل شيئاً سوى العمل على إطفاء النار لأنه لا أحد مستعد لدفع ضريبه أزمات خارجية. وستكون أوكرانيا خارجية.
ولكن في كلِّ الأحوال. يبقى الدُّبُّ الروسي هو سبب هٰذا الغليان الذي لا ندري إلى أين سيقود أوروبا في المنعطف القادم، فيما لو أصرَّ الدُّبُّ الروسيُّ على التَّمادي في البلاهة.