مشكلة تفسير القرآن بالرأي

لكل منحى من مناحي الحياة مثل الطب والهندسة واللغة وغيرها علوم متأصلة مبنية على قواعد وأصول محددة تراكمت عبر التاريخ البشري الإنساني، وهذه العلوم يتم التخصص فيها وتحصيلها ولا يسمح بالعمل فيها إلا بعد المرور بامتحانات والحصول على إجازات. فالأمور الطبية لا يستطيع العمل فيها والإفتاء في شؤونها إلا طبيب، والأمور الهندسية لا يفتي فيها إلا مهندس، ولا يجوز أن يفتي في اللغة إلا عالم لغة. أي أن لكل تخصصه، ولا يجوز لكل أحد أن يتحدث كأنه مرجع في غير مجال تخصصه، وذلك لأن التفسيرات التي تخرج من العامة في "معمل الحياة" تكون أبعد ما تكون عن الفهم الصحيح المبني على العلم الراسخ.

لكن الغريب أن نرى بعض غير المتخصصين في الأيام الأخيرة يسمحون لأنفسهم بتفكيك آيات التنزيل الكريم بشكل واضح فاضح ويضربون بعرض الحائط كل ما ورد عن السلف الصالح، ويعيدون تفسير آيات القرآن الكريم بالرأي بشكل يخالف جمهور علماء المسلمين.

ومن أشد ما يثير الدهشة والغضب أنهم يقومون بنشر أفكارهم وتفسيراتهم الغريبة المخالفة لما هو متواتر والمبنية في غالبها على التفسير بالرأي في مختلف وسائل النشر مثل الانترنت والفضائيات بشكل مباشر من دون عرضها على مختصين رغم أنهم لا يملكون الحد الأدنى من أدوات التفسير أو مواصفات المفسر الذي ينبغي عليه أن يكون ملما بعلوم اللغة والنحو والصرف والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والقراءات وأصول الدين وأصول الفقه وأسباب النزول والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم، فضلا عن علم الموهبة الذي يورثه الله تعالى لمن يعمل بما يعلم من إخلاص النية وصحة الاعتقاد ولزوم سنن الدين.

ولما كانت العقيدة والفقه والأمور والعلوم الشرعية الأخرى من "العلوم" المتأصلة ذات القواعد والأصول مثلها مثل العلوم الأخرى، فإنه لا يجوز لغير الفقيه العالم أن يفتي في الدين مثلما لا يجوز لغير الطبيب أن يفتي في الطب، ولا يجوز لغير عالم اللغة أن يفتي في اللغة. وليس كل من قرأ كتاباً أو كتب بحثاً بمؤهل للحديث في أمور اللغة أو الدين، ولا يجوز أن يفسر القرآن دون سند من علم، كما لا يجوز الخلط بين الرأي الشخصي وبين ما ينص عليه دين الله. وليس المجتهد طالب العلم، وإنما هو العالم المتخصص الذي توفرت له شروط الاجتهاد، ولا يكون الاجتهاد فيما فيه نص.

من المتعارف عليه بين جمهور علماء المسلمين أن الإفتاء بالرأي أو حسب الفهم الشخصي لا يجوز وخاصة في مجال الدين، وأن على كل صاحب رأي حين يتحدث في الأمور الشرعية ألا يفتي برأيه .

قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب)؟ رواه الترمذي بألفاظ مختلفة منها: "فليتبوأ مقعده من النار"، والمقصود من الحديث التحذير من تفسير القرآن بغير علم والتوقف على ما تواتر إلينا عن الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي عليه الصلاة والسلام.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: فمن قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب ( مجموع الفتاوى 13/371).

والأصل في تفسير القرآن أن يفسر بالقرآن، أو بالحديث النبوي، ثم بأقوال الصحابة، وإن لم يجد في تفسير الصحابة، فقد رجع كثير من أئمة التفسير إلى أقوال التابعين كمجاهد وغيره، فمن خالف هذه الأصول فهو مخطئ وإن أصاب.

لذلك يرجى الانتباه والحذر، والله أعلم

منذر أبو هواش