كان حاكما على الذين غلبوا على أمرهم، هيأ نفسه لدوره الجديد، كان عليه إيجاد شاعر يحيي ذكرى أفعاله التي كان يعتبرها بطولية، ليكون تأثيره حقيقي على الشعب. كان الاعتقاد السائد عند الشعراء الذين هم على دينه أن الشعر طريقة للكسب في كل الأزمنة، كانت تجرحهم حقيقة الشاعر المؤمن المغتال بأن القصيدة متى دخلها كلام النفاق أفسدها وجعل جمال أبياتها عهرا، كان الشعراء يثـقون ثقة تامة بأن العطاء الجزيل المضاعف لمن يبدع في الحاكم قصيدة بطولية، مدحوه كثيرا طويلا، عظّموا شأنه حتى لمس غروره عنان السماء ، تداول اسمه وكان حاكما على الذين غلبوا على أمرهم. حين توفى تفرقت كلمات لقبه ورغب خليفته أن يذكر كالبطل مثله ، المنشدون كانوا يحفظون القصيدة ذائعة الصيت عن ظهر قلب، القصيدة موضوعها مليء بذكر الرخاء وضجيجها كهزيم الرعد، المنشدون في حفل تنصيب الحاكم الجديد دسوا أسماء جديدة في القصيدة، وجدوها صارت مملة لا يمكن للسامع احتمالها، دائما كانت القصيدة تتقيأ الأسماء على ركح النفوس المتسخة بشخصيات بطولية وهمية، المستمعون في الصفوف الأولى وحدهم كانوا يعرفون لون القيئ الممزوج بنفاق الشعراء، صفقوا طويلا لنشيد الحاكم الجديد الذي ينتظره الدور كغيره ممن سبقه.
المفضلات