صديق من أيام الدراسة الجامعية في دمشق ، استلم منصبا رفيعا في أحد أجهزة الدولة ، وكان قد مر على عدم لقائنا حوالي ربع قرن تقريبا بسبب الظروف .. قلت من واجبي أن أزوره وأقدم واجب التحية ، توجهت إلى مدينة رام الله ،وعلى باب مكتبه ذهلت من الحرس الذين تناولوني بالأسئلة التي لا تنتهي ، ما سبب الزيارة ؟ وهل هناك موعد مسيق ؟؟ وما ذا تريد ؟؟ ظننت أنني أخطأت في العنوان ، فسألت أحدهم أليس هذا مكتب السيد إبراهيم فارس ؟؟؟ قال بلى ؟؟ قلت له : لو سمحت أخبره أن صديقك لطفي بالباب ، ألحّ ، هل هنالك موعد ؟ قلت له : يا أخي لو سمحت بلّغه بذلك وكفى وانظر ماذا يقول ... ذهب الرجل متثاقلا ، وما كاد يدخل حتى انفتح الباب وخرج صديقي بلحمه ودمه وابتسامة عريضة على وجهه ... واحتضنني لدقائق مرحبا ... والحرس حواليه في ذهول ... دخلنا مكتبه الفاخر .. وبدأنا نتحدث بكل الأمور إلا السياسة ، مستعرضين بعض الذكريات الدمشقية .... صمت لحظة ... نظر إلي بابتسامته الرقيقة ... وقال : اطلب ... ماذا تريد ... أنا تحت أمرك ... أي خدمة أن مستعد .... قلت له : لا أريد شيئا ... إنما جئت مسلّما ... يدفعني الشوق و واجب الأخوة والصداقة ... ألحّ مرة أخرى سألتك بالله لا تخجل اطلب ما تريد .. أنا الذي أعرض عليك وأنا مستعد وبكل سرور سألبي لك ما تريد .... وقفت .. وقلت له إنني حضرت لأسلم على صديقي إبراهيم بدافع الشوق فقط ... ولم أحضر لمقابلة رئيس جهاز ....... اسمح لي الآن فقد تأخرت على موعد السيارة ... أمسك بيدي وخرجنا من مكتبه ... أصر أن يوصلني بسيارته إلى مركز المدينة ...وفي الطريق قال لي :أتعرف يا أخي ، قسما بالله العظيم ثلاثا أنك الوحيد الذي دخل مكتبي دون أن يطلب شيئا ، فاعذرني إذا أسات الفهم ... تذكرت هذه الحادثة عندما اتصل بي امس مهنئا بالعيد ( وقد علا مركزه وأصبح مسؤول الجهاز في منطقة الشمال وليس في رام الله فقط كما كان )... فقلت له مازحا وما الذي ذكرك بنا ؟؟؟ فاجاب إذا نسيت كل شيء فلن أنساك ، ولن أنسى ذكرياتنا .... قلت له ضاحكا : حقا كل ما فيك جميل إلا منصبك فهو يخيفني . قال هي سنوات ثلاث ثم أحال على التقاعد وعندها يذهب خوفك من هذا المنصب الذي يتعبني ويؤرقني ويقلقني .
لطفي منصور
المفضلات