أخي الأستاذ العزيز الكريم هلال الفارع
الشكر الجزيل لك على توضيحك المفصل المفيد. كما ذكرت في جوابك, فإني أجبت على مقدار علمي, ولم أقطع بصحة ما قلت, وأنا أعترف بقلة زادي في علوم اللغة العربية, وتفوقك الواضح, لكني عدت فتفحصت أدلتك, فتوصلت إلى بعض النتائج:
جاء في لسان العرب:
وأَنشد أَبو العباس مـحمد بن يزيد:
فصُيِّروا مِثْلَ كعَصْفٍ مأْكولْ
أَراد: (مثل عصف مأْكول), فزاد الكاف لتأْكِيد الشبه كما أَكّده بزيادة الكاف فـي قوله تعالـى: {لـيس كمثله شيء}، إِلا أَنه فـي الآية أَدخـل الـحرف علـى الاسم وهو سائغ، وفـي البـيت أَدخـل الاسم وهو مثل علـى الـحرف وهو الكاف، فإِن قال قائل بماذا جُرَّ عَصْف أَبالكاف التـي تُـجاوِرُه أَم بإِضافة مثل إِلـيه علـى أَنه فصل بـين الـمضاف والـمضاف إِلـيه؟ فالـجواب أَن العصف فـي البـيت لا يجوز أَن يكون مـجروراً بغير الكاف وإِن كانت زائدة، يدُلّك علـى ذلك أَن الكاف فـي كل موضع تقع فـيه زائدة لا تكون إِلا جارَّة كما أَنَّ من وجميع حروف الـجرّ فـي أَي موضع وقَعْن زوائد فلا بد من أَن يجررن ما بعدهن، كقولك ما جاءنـي من أَحد ولست بقائم، فكذلك الكاف فـي {كعصف مأْكول} هي الـجارَّة للعصف وإِن كانت زائدة علـى ما تقدَّم، فإِن قال قائل: (فمن أَيْنَ جاز للاسم أَن يدخـل علـى الـحرف فـي قوله مثل كعصف مأْكول؟) فالـجواب أَنه إِنما جاز ذلك لـما بـين الكاف ومثل من الـمُضارَعة فـي الـمعنى، فكما جاز لهم أَن يُدخـلوا الكاف علـى الكاف فـي قوله:
وصالِياتٍ كَكما يُؤَثْفَـينْ
لـمشابهته لـمثل حتـى كأَنه قال: (كمثل ما يؤثفـين), كذلك أَدخـلوا أَيضاً مثلاً علـى الكاف فـي قوله: مثل كعصف، وجعلوا ذلك تنبـيهاً علـى قوَّة الشبه بـين الكاف ومثل.
جاء في العين:
وقالتْ حاضِنة الأحنَف:
واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ***********ما كانَ في فِتْيانِكم كمِثْلِهِ
وجاء حاشية الخضري على ابن عقيل:
(وإنما زيدت الكاف في الآية لتوكيد نفي المثل لأن زيادتها كإعادة الجملة), ثم زاد: (وذلك كناية عن نفي المثل للمبالغة في التنزيه كما في قولهم: (مثلك لا يبخل) حيث نفوا البخل عن مثله).
جاء في موسوعة النحو والصرف والإعراب للدكتور اميل يعقوب في مادة (كاف التوكيد) في إعراب قوله تعالى: {لـيس كمثله شيء} :
ليس: فعل ماض ناقص مبني على الفتح لفظاً.
كمثله: الكاف حرف تشبيه وجر زائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. مثله: اسم مجرور لفظاً منصوب محلاً على أنه خبر ليس. والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه.
شيء: اسم (ليس) مرفوع بالضمة الظاهرة.
وأرى – والله أعلم – أن الكاف تأتي لتوكيد الشبه أو لتأكيد نفي الشبه , وتوكيد الشبه أو نفيه يكون:
1- إدخال الحرف وهو الكاف على الاسم وهو مثل, نحو قول حاضِنة الأحنَف:
واللَّهِ لولا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ***********ما كانَ في فِتْيانِكم كمِثْلِهِ
ونحو قوله تعالى: {لـيس كمثله شيء}
2- إدخال الاسم وهو مثل علـى الـحرف وهو الكاف, نحو قول أَبو العباس مـحمد بن يزيد:
فصُيِّروا مِثْلَ كعَصْفٍ مأْكولْ
فالكاف تأتي في الحالتيين السبقتين مع مثل لتوكيد الشبه أو لتأكيد نفي الشبه وذلك لقوَّة الشبه بـين الكاف ومثل كما ذكر صاحب لسان العرب.
3- إدخال الحرف وهو الكاف علـى الحرف وهو الكاف فـي قوله:
وصالِياتٍ كَكما يُؤَثْفَـينْ
ولا تأتي الكاف للتوكيد لغير ذلك لعدم وجود أدلة عن العرب تثبت ذلك, أما البيت (لَوَاحِقُ الأَقْرابِ فـيها كالـمَقَقْ) فقد ذكر صاحب لسان العرب أن صاحبه سيبويه, ومع أن سيبويه علم من أعلام اللغة العربية, فهو ليس عربياً, وهناك العديد من الشواهد التي تدل على اكتمال سليقته اللغوية, لذلك لا يمكن الاستشهاد بشعره, خاصة إذا عرفنا أنه خالف في بعض كتاباته العرب بإدخاله – مثلاً – لام التعريف على بعض وكل, والمسألة الزنبورية خير شاهد على ذلك, وهي المسألة التي وقعت بين سيبويه والكسائي في مجلس يحيى بن خالد البرمكي, وقد سميت كذلك نسبة إلى الزنبور الذي ورد في العبارة المتناظر عليها. وفيها أن الكسائي سأل سيبويه عن قول العرب: (وقد كنت أظن ان العقرب أشد لسعاً من الزنبور فإذا هو هي أو إذا هو إياها؟) فقال سيبويه: (فإذا هو هي؟), ولا يجوز النصب, فقال الكسائي: (العرب ترفع وتنصب), فقال يحيى: (اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما, فمن يحكم بينكما؟), فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد سمع منهم أهل البلدين (أي البصرة والكوفة), فيحضرون ويُسألون, فأُحضر بعض العرب, فوافقوا الكسائي, فاستكان سيبويه.(موسوعة النحو والصرف والإعراب – الدتور اميل يعقوب).
فإن وُجدت أمثلة عن العرب على مجيء كاف التوكيد في غير توكيد الشبه أو تأكيد نفي الشبه, فيكون كلامك أستاذي العزيز هلال حفظك الله صحيحاً, وأنا في انتظار تعقيبكم الكريم.
المفضلات