آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ترجمة قصة "مكان نظيف جيد الإضاءة"

  1. #1
    أستاذ علم اللغة - قسم اللغة الإنجليزية
    كلية اللغات والترجمة - جامعة الأزهر
    الصورة الرمزية Prof. Ahmed Shafik Elkhatib
    تاريخ التسجيل
    27/09/2006
    المشاركات
    1,295
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي ترجمة قصة "مكان نظيف جيد الإضاءة"

    مكان نظيف جيد الإضاءة*

    للكاتب الأمريكي إرنست هيمنجواي



    كان الوقت متأخرا ، وكان كل الناس قد غادروا المقهى عدا رجل عجوز جلس في الظل الذي نتج عن سقوط الضوء الكهربي على أوراق شجرة . وفي أثناء النهار كان الشارع متربا ، أما في الليل فإن الندى كان يُسكن التراب . وكان الرجل العجوز يحب أن يبقى جالسا حتى وقت متأخر لأنه كان أصم . والآن في الليل كان يسود الهدوء وكان يشعر بالفرق . وكان الساقيان داخل المقهى يدركان أن الرجل العجوز قد ثمل قليلا . وبالرغم من أنه كان زبونا طيبا إلا أنهما كانا يعرفان أنه لو سكر كثيرا فإنه سوف ينصرف دون أن يدفع ، ولذا فقد كانا دائمي المراقبة له.

    - "في الأسبوع الماضي حاول الانتحار" ، قال ذلك أحد الساقيين.

    - "لماذا ؟"

    - "لقد كان يائسا."

    - "بخصوص ماذا ؟"

    - "لا شيء."

    - "وكيف تعرف أنه كان بخصوص لا شيء ؟"

    - "إن لديه الكثير من المال."

    وجلسا سويا إلى مائدة قريبة تستند إلى الحائط قرب باب المقهى ، ونظرا إلى الحديقة حيث كانت الموائد جميعها خالية فيما عدا المائدة التي جلس إليها العجوز في ظل أوراق الشجرة التي كانت الريح تحركها بخفة . ومرت فتاة وجندي في الشارع ، والتمع ضوء عامود النور على الرقم النحاسي المثبت على ياقته . أما الفتاة فإنها لم تكن تضع غطاء على رأسها وكانت تسرع الخطى إلى جواره.

    - "سوف يمسك به الحارس" ، قال ذلك أحد الساقيين.

    - "وماذا يحدث إذا ما حصل على بغيته ؟"

    - "من الأفضل له أن يترك الشارع الآن ، إذ إن الحارس سوف يمسك به ، فقد انصرفوا منذ خمس دقائق."

    ونقر العجوز الجالس في الظل على طبق الفنجان مستخدما القدح ، فذهب الساقي الأصغر سنا إليه.

    - "ماذا تريد ؟"

    ونظر العجوز إليه ، قائلا :

    - "زجاجة أخرى من البراندي."

    - "سوف تسكر" ، قال الساقي ذلك ، فنظر العجوز إليه ، وانصرف الساقي.

    - "إنه سوف يبقى طوال الليل" ، قال هذا لزميله ، وأردف : "إن بي ميلا إلى النوم الآن ، فلست أدخل فراشي قبل الساعة الثالثة . كان ينبغي عليه أن يقتل نفسه الأسبوع الماضي."

    وأخذ الساقي زجاجة البراندي وطبقا آخر من فوق الطاولة داخل المقهى وسار إلى مائدة العجوز ، فوضع الطبق وصب البراندي حتى امتلأ به القدح.

    - "كان ينبغي أن تقتل نفسك في الأسبوع الماضي" ، قال ذلك للرجل الأصم ، وأشار العجوز بإصبعه قائلا : "أكثر قليلا." وأخذ الساقي يصب في القدح إلى أن طفح البراندي وجرى أسفل القدح إلى أن وصل إلى أعلى طبق في ركام الأطباق. وقال العجوز : "شكرا" ، وأعاد الساقي الزجاجة إلى داخل المقهى ، وعاد إلى الجلوس إلى المائدة مع زميله مرة أخرى ، وقال :

    - "لقد سكر الآن."

    - "إنه يسكر كل ليلة ."

    - لأي شيء أراد أن يقتل نفسه ؟"

    - "كيف لي أن أعرف ؟"

    - "وكيف فعل ذلك ؟"

    - "لقد شنق نفسه بحبل."

    - "ومن أنزله ؟"

    - "ابنة أخيه."

    - "ولماذا فعلوا ذلك ؟"

    - "خوفا على روحه."

    - "كم لديه من المال ؟"

    - "لديه الكثير."

    - "لابد أن سنه ثمانون سنة."

    - "على أية حال يمكنني القول إنه في الثمانين."

    - "أتمنى لو يعود إلى منزله ، إذ إنني لا أتوجه إلى الفراش قبل الثالثة ، ويالها من ساعة تلك للذهاب إلى الفراش ؟"

    - "إنه يظل متيقظا لأنه يحب ذلك؟"

    - "إنه وحيد ، أما أنا فلست وحيدا ، إذ إن لي زوجة تنتظر في الفراش عودتي."

    - "لقد كانت له زوجة أيضا في وقت من الأوقات."

    - "لن تنفعه زوجة بشيء الآن."

    - "لا يمكنك أن تعرف ، إذ ربما يكون أفضل حالا مع زوجة."

    - "إن ابنة أخيه ترعى شئونه."

    - "أعرف ، فقد قلتَ إنها أنزلته من على الحبل."

    - "لست أريد أن أصبح عجوزا في مثل سنه ، فالرجل العجوز شيء كريه."

    - "ليس دائما ، فهذا العجوز نظيف ، إذ إنه يشرب دون أن يريق ما يشربه ، حتى الآن وهو سكران ، انظر إليه."

    - "لا أريد النظر إليه ، بل أتمنى أن يعود إلى بيته ، إنه لا يبالي بأولئك الذين يضطرون للعمل."

    وابتعد العجوز ببصره عن القدح ونظر عبر الميدان ثم عاد ببصره إلى الساقيين. "زجاجة أخرى من البراندي" ، قال هذا وهو يشير إلى كأسه ، وجاءه الساقي الذي كان في عجلة من أمره.

    - "انتهى" ، قالها وهو يتكلم حاذفا بعض أجزاء الجملة وهو ما يفعله الأغبياء من الناس عندما يتحدثون إلى السكارى أو الأجانب. "لا مزيد الليلة. نغلق الآن."

    - "زجاجة أخرى" ، قالها العجوز.

    - "لا ، انتهى" ، ومسح الساقي حافة المائدة بمنشفة وهز رأسه.

    ووقف العجوز ، وأخذ يعد الأطباق ببطء[1] ، وأخرج كيس نقود جلدي من جيبه ودفع ثمن مـا شربه ، تاركا نصف "بيزيتا"[2] كبقشيش.

    وأخذ الساقي يرقبه وهو يسير في الشارع ، رجل عجوز جدا يمشي في غير ثبات ولكن في وقار.

    - "لماذا لم تدعه يبقى ويشرب ؟" سأل الساقي غير المتعجل ، وهما يُنزلان المصراع المعدني للمقهى ، وأضاف :

    - "إن الساعة لم تصل إلى الثانية والنصف بعد."

    - "أريد أن أعود إلى البيت لأنام."

    - "وماذا تعني ساعة ؟"

    - "تعني بالنسبة لي أكثر مما تعني بالنسبة له."

    - "الساعة هي الساعة."

    - "أنت نفسك تتحدث مثل رجل عجوز ، إن بإمكانه أن يشتري زجاجة وأن يشرب في البيت."

    - "إن هذا ليس الشيء نفسه ."

    - "لا ، ليس الشيء نفسه " ، قالها الساقي ذو الزوجة موافقا ، إذ إنه لم يُرد أن يكون غير منصف ، فقد كان في عجلة من أمره فحسب."

    - "وأنت ؟ أليس لديك خوف من الذهاب للبيت قبل ساعتك المعتادة ؟"

    - "هل تحاول إهانتي ؟"

    - "لا ، يا فتى ، إنني فقط أمزح."

    - "لا" ، قالها الساقي المتعجل ، وهو ينهض بعد أن أنزل المصراع المعدني ، "إن عندي ثقة ، بل إنني كلي ثقة."

    - "لديك الشباب والثقة ووظيفة" ، قال ذلك الساقي الأكبر سنا ، وأضاف : "إن لديك كل شيء."

    - "ماذا ينقصك ؟"

    - "كل شيء عدا العمل."

    - "إن لديك كل شيء عندي."

    - "لا ، فلم تكن لديَّ ثقة أبدا ، كما أنني لست شابا."

    - "هيا ، فلتتوقف عن قول هذا الهراء ولتغلق الأقفال."

    - "إنني من أولئك الذين يحبون أن يبقوا حتى وقت متأخر في المقهى" ، قال ذلك الساقي الأكبر سنا ، وأضاف "مع كل أولئك الذين لا يريدون الذهاب إلى الفراش ، مع كل أولئك الذين يحتاجون إلى مصباح طوال الليل."

    - "أريد أنا أن أعود إلى البيت وأن أدخل الفراش."

    - "إننا من نوعين مختلفين" ، قال ذلك الساقي الأكبر سنا ، والذي كان قد ارتدى ملابسه الآن للعودة إلى المنزل ، وأردف " "ليس الأمر فقط مسألة شباب وثقة بالـرغم من أن تلك الأشياء بديعة جدا ، كل ليلة لا تكون بي رغبة في الإغلاق لأنه قد يكون هناك شخص ما بحاجة إلى المقهى."

    - "أيها الرجل ، هناك حانات مفتوحة طوال الليل."

    - "إنك لا تفهم ، هذا مقهى نظيف ومبهج ، وهو جيد الإضاءة ، والضوء حسـن جدا ، وهناك الآن أيضا ظلال لأوراق الشجر."

    - "طابت ليلتك" ، قالها الآخر ، واستمر في الحديث مع نفسه وهو يطفئ الضوء الكهربي ، إنه الضوء بالطبع ، ولكن من الضروري أن يكون المكان نظيفا ومبهجا ، فلست تريد موسيقى ، من المؤكد أنك لا تريد موسيقى ، ولا يمكنك أن تقف أمام حانة باعتداد بالنفس بالرغم من أن هذا هو كل ما يقدم في تلك الساعات ، مم كان يخشى ؟ لم يكن خوفا أو فزعا ، لقد كان لا شيء ، وهو اللاشيء الذي كان يعرفه جيدا، لقد كان كل شيء لاشيء، والإنسان لاشيء أيضا ، لقد كان هذا فحسب ، وكان الضوء هو كل ما يحتاجه وقدرا معينا من النظافة والنظام ، والبعض يعيشون فيه ولم يشعروا به أبدا ولكنه كان يعرف أن كل شيء كان لا شيء وثم لا شيء ولا شيء وثم لا شيء[3] ، لا شيئنا الكائن في اللاشيء ، لا شيء اسمك ، مملكتك لا شيء، وسوف لا شيء في اللاشيء كما أنت في اللاشيء ، امنحنا في هذا اللاشيء لا شيئنا اليومي ، ولا شيء لنا لا شيئنا طالما نحن لا شيء للاشيئنا ، ولا شيء بنا إلى اللاشيء ، بل خلصنا من اللاشيء، لا شيء[4]. مرحى باللاشيء ، المليئة باللاشيء، فاللاشيء معك[5]. وابتسم ووقف أمام بار ذي ماكينة لامعة لصنع القهوة تعمل بضغط البخار.

    - "ما النوع الخاص بك ؟" سأله ساقي الحانة.

    - "لا شيء."

    - "شخص مجنون آخر" ، قالها ساقي الحانة واستدار مبتعدا.

    - "كأس صغيرة" ، قالها الساقي ، وصب ساقي الحانة الكأس له.

    - "إن الضوء ساطع جدا ومبهج ، ولكن البار غير مصقول" ، قال هذا الساقي.

    ونظر ساقي الحانة إليه ولكنه لم يجب ، فقد كان الوقت متأخرا في الليل للبدء في الحديث.

    - "هل تريد كأسا صغيرة أخرى ؟" سأله ساقي الحانة.

    - "لا ، شكرا: ، قالها الساقي وخرج ، فقد كان يكره الحانات والخمارات ، وكان مقهى نظـيف جيد الإضاءة شيئا مختلفا تماما ، والآن ، وبدون مزيد من التفكير ، سوف يعود إلى حجرته ، وسوف يرقد في الفراش ، وأخيرا ، ومع ضوء النهار ، سوف يبدأ في النوم ، وقال لنفسه ، كل ما في الأمر أنه ربما يكون الأرق ، ولابد أنه لدى الكثيرين."











    --------------------------------------------------------------------------------

    * نُشرت في مجلة القاهرة ، العدد 109 (25 ربيع الأول 1411 هـ - 15 أكتوبر 1990م) ، ص ص 52 – 54.

    [1] عدد الأطباق يدل على عدد الأقداح التي شربها والتي سيدفع ثمنها. (المترجم)



    [2] البيزيتا هي وحدة النقد الإسباني قبل انضمام إسبانيا للاتحاد الأوروبي واتخاذ اليورو عملة لها. (المترجم)

    [3] باللغة الإسبانية في النص الإنجليزي nada y pues nada y nada y pues nada . (المترجم)



    [4] هذه الفقرة عبارة عن صلاة تُعرف باسم صلاة الرب ، بعد أن استبدل هيمنجواي معظم الكلمات. (المترجم)



    [5] حدث الاستبدال نفسه في هذه الصلاة لكلمتي مريم العذراء. (المترجم)

    أ. د. أحمد شفيق الخطيب
    أستاذ علم اللغة - قسم اللغة الإنجليزية - كلية اللغات والترجمة - جامعة الأزهر
    (حاليا أستاذ بكلية التربية للبنات - الطائف - السعودية)
    مشرف على منتدى علم اللغة
    محرر باب (مقالات لغوية (وترجمية)) على بوابة الجمعية

  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    09/09/2007
    العمر
    42
    المشاركات
    38
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بروفيسور احمد..اشكرك على ترجمة ساعدت في فهم النص الاصلي...واقترح ان تستعمل كلمة ( عدم ) مع كلمة ( لا شيء) في فقرة ( اللاشيء).

    تحياتي


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •