يتوقف الحكم بمدي المسئولية الجنائية بالنسبة للمصابين بالأمراض النفسية و العقلية علي مدي ما تحدثه هذه الأمراض من تأثير علي الوعي أو الإدراك أو الإرادة ، يصاحب اضطراب الوعي اضطرابات في الانفعالات و خلل في السلوك ، كما يصاحبها هلاوس سمعيه و بصرية و ينتج عن هذه الاضطرابات حالة هياج مصحوبة عادة بمخاوف و تصرفات غير سوية و غير صحيحة مبنية علي هذه المخاوف و الهلاوس . و نجد اضطراب الوعي في حالات الاختلاط العقلي و حالات الاضطرابات العضوية ، كما أنها تحدث نتيجة الأرق الشديد أو نقص التغذية أو اضطراب الوظائف الميثابولية التى قد تصاحب حالات الاضطراب العقلية الأخري .
و يقصد بالإدراك هنا الدراية أو الفطنة ، بمعني فهم ما يدور حوله من أحداث و ربط الأمور و الأحوال التى تجري في محيطه ربطاً صحيحاً و استخلاص النتائج الصحيحة . و من الواضح أن اضطراب الوعي لابد أن يصاحبه اضطراب الإدراك – كما انه قد يحدث نتيجة لكثير من أعراض الأمراض العقلية مثل التفكير الاجتراري و الاستجابة للهلاوس و الضلالات و كذلك حالات التخلف العقلي و العته بأنواعه .
أما الإرادة فهي تعني الإرادة الحرة النابعة من وعي و إدراك صحيح ، أو الإرادة التي لا تسيطر عليها هلاوس أو ضلالات مرضية تجعل المريض في الحقيقة مسلوب الإرادة .
و بناء علي ما تقدم ، سنقوم بسرد بعض أنواع الجرائم و ارتباطها بأعراض الأمراض العقلية و النفسية المختلفة :
1- الهوس : لما كانت من أهم أعراض هذا المرض الهياج و النشاط الزائد المصحوب بالمرح المرضي ، و الإحساس بالقوة و الذكاء الخارقين مع المقدرة علي عمل المعجزات ، لذا كان أكثر أنواع الجرائم التى ترتكب هي جرائم الضرب ، و أحداث العاهات و الاعتداء علي الأشخاص و الممتلكات ، أما جرائم القتل فإنها عادة تكون في صورة ضرب أو اعتداء أفضي إلي الموت ، أما القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد فهو ليس شائعاً في هذه الحالات . أما الانتحار فإن هذه الحالات لا تقدم علي الانتحار حيث إنهم يعيشون في حالة مرح شديد ، و لكنهم قد يتسببون في قتل أنفسهم بغير نية الانتحار ، نتيجة شدة النشاط و الإحساس المرضي بالقوة و القدرة الخارقة .أما جرائم التزوير و النصب و الاحتيال فإنها عادة ما تكون فجة و غير متقنة ، كأن يغير من قيمة الشيك إلي رقم خيالي أو يستعمل حبراً مخالفاً .
أما الجرائم الجنسية فهي ليست شائعة ، حيث إن جزءاً كبيراً من طاقة هؤلاء المرضي مستنفذة في كثرة النشاط و الحركة ، أما جرائم مخالفة التعليمات و اللوائح و مخالفات المرور فهي كثيرة في هذه الحالات .
2- الاكئتاب :لما كان الاكئتاب و الحزن و اليأس من الحياة من أهم أعراض هذا المرض ، فإن أهم الجرائم التي ترتكب هي الانتحار ، أما جرائم القتل فهي ليست بالقليلة ، و لكن لها مواصفات خاصة ، فإن مريض الاكئتاب عادة ما يقتل المقربين له و من يحبهم أو من يعيشون في كنفه مثل أولاده أو زوجته أو والديه المسنين ، و يكون دافع القتل في هذه الحالات بدافع الشفقة و الرحمة بهم ، فهو يري الحياة مظلمة و كئيبة و قاسية و لا معني لها .
أما حالات الاعتداء الجنسي فهي أكثر في حالات الاكئتاب عن حالات الهوس ، و قد يبدو هذا غريباً و لكن لذلك تفسير علمي و هو أن الحزن من الناحية البيولوجية مثير للغريزة الجنسية ، و خصوصاً الحزن بسبب الوفاة.
2- الفصام بأنواعه : لما كان الفصام من أشد أنواع الأمراض العقلية تعقيداً و أكثرها تأثيراً علي الشخصية و السلوك ، و لما كانت مظاهره و أعراضه متعددة و متباينة ، لذا كان المرضي المصابون به معرضين لارتكاب جميع أنواع الجرائم و المخالفات . و يغلب علي هذه الجرائم المرتكبة بفعلهم مظاهر الغاربة و الشذوذ في دوافع ارتكاب الجريمة أو في طريقة تنفيذها . و كثير من الجرائم التي توجه تهماً للفصامين تكون في الحقيقة احدي أعراض المرض مثل جرائم التشرد أو التسوك أو دخول منزل . .
3- الصرع و الذهان الصرعي : يشكل الصرع صعوبات معينة عند تحديد المسئولية الجنائية ، و ذلك بسبب تغير حالات الوعي الذي يصاحب النوبات الصرعيه التى تحدث . و بالرغم من أن أغلب مرضي الصرع يعتبرون أسوياء إلا أنه نظرا لأن بعض النوبات الصرعية قد يسبقها أو يعقبها فترات اضطراب في الوعي و السلوك ، و هذه الفترات قد تقصر إلي دقائق و قد تطول إلي ساعات و في بعض الحالات إلي أيام ، و بالطبع يبدو واضحاً أن المسئولية الجنائية تنتفي تجاه الأفعال التي قد ترتكب خلال هذه الفترات ، و ذلك بسبب الاختلاط العقلي و اضطراب الوعي .
أما عن انواع الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المرضي فلا يوجد بالنسبة لهم أنواع محددة ، و بكن نلاحظ عادة ارتفاع درجة العدوانية و الاندفاعية عندهم مما يزيد من حالات التعدي و الضرب و إحداث العاهات أو القتل ، كما نلاحظ أن ذاكرة المرضي للفعل الذي ارتكب كثيراً ما تكون ضعيفة أو معدومة .
4- النقص أو التخلف العقلي : ينقسم التخلف العقلي إلي ثلاث أو أربع أنواع متوقفاً علي درجة الذكاء و ما نتيجة من إمكانيات و هي العُته و البله و الضعف العقلي و الغباء .
و فيما يتعلق بالجرائم المرتبطة بهذه الحالات ، نجد أن عدداً كبيراً منهم يكونون عرضة لاستعمالهم كمخالب القطط ، بمعني أن يكلفوا بواسطة آخرين لارتكاب أعمال إجرامية مثل نقل المخدرات أو الممنوعات أو إتلاف الممتلكات .
تحية تقدير احترام
المفضلات