الناتو وإسرائيل.. ذراعا أمريكا في الشرق الأوسط


ترجمة/ علاء البشبيشي

تحرص الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها من الغربيين، دائمًا على إبقاء سلطة لها في منطقة الشرق الأوسط. وتشير مجريات الأحداث في المنطقة، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الناتو وإسرائيل يعتبران فرسا رهان الغرب الرابحان، وقبضتاه الفولاذيتان، اللتان يستخدمهما لتنفيذ سياساته، وتحقيق طموحاته، والوصول إلى مآربه في المنطقة.
هذا الموضوع تناوله "مركز أبحاث العولمة" بالبحث والتحليل، مؤكدًا أن أي تطورات إقليمية على أي من هذين الصعيدين (الناتو – إسرائيل) إنما ينبع من حاجة في نفس أمريكا وحلفائها الكبار، ويصب في مصالحهم.

قبضة حديدية

وتعتبر منظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، بمثابة القبضة الحديدية لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول الغربية الأربع التي تمثل أركان الحلف الذي أصبح، في فترة ما بعد الحرب الباردة أداة دعمٍ للأهداف الأمنية والخارجية الأنجلوأمريكية، والفرنسية-الألمانية.
ورغم وجود بعض الخلافات داخل الحلف الأطلسي، إلا أن المصالح المتشابكة لأمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل- التي تعتبر عضوًا في الناتو، وفق سياسة الأمر الواقع – ربما تجعل من أي خلاف أمرًا غير ذي بال.


عسكرة الشرق

لقد قامت القوى الغربية بعسكرة منطقتين في حدود الشرق الأوسط: هما الخليج العربي/الفارسي، وما يطلق عليه بالفرنسية (Levant) أو بالعربية "منطقة الشرق الأدنى"، وتشمل: الأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا ولبنان والأردن وتركيا ومصر.
وبهذا الخصوص، كان هناك مرحلتان أساسيتان لعسكرة الشرق الأوسط منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت أولاهما أنجلوأمريكية، والأخرى حلف أطلسية، بانضمام فرنسا وألمانيا كلاعبين رئيسيين.
ورغم أن عسكرة منطقة الشرق الأدنى بدأت بُعَيد الحرب العالمية الثانية بتأسيس إسرائيل، إلا أن الدور الحقيقي للناتو لم يتشكل إلا بعد إطلاق ما يسمى بـ:"الحرب على الإرهاب" عام 2001.
أما الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا وألمانيا، فلطالما دعم بقوة السياسة الخارجية الأنجلوأمريكية، منذ نشوب، ما أطلق عليه "الحرب العالمية ضد الإرهاب"، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في توغل الناتو في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا.
وقد هُيِّئت الأوضاع ليتخذ الناتو وإسرائيل مسئوليات كبيرة في الصراعات الإقليمية المرتقبة مع سوريا وإيران، إذا ما حدثت. ويؤكد ذلك وضع قوات الناتو، وسفنها الحربية في الشرق الأوسط وأفغانستان، وعلى حدود كل من سوريا وإيران.

إسرائيل والناتو

"لابد وأن يكون واضحًا، أن هدف إسرائيل الدبلوماسي والأمني هو: الانضمام للناتو، ودخول الاتحاد الأوروبي"، هذه الجملة التي نطق بها "أفيغدور ليبرمان، وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي السابق، تضع كثيرًا من النقاط على الحروف.
فـلإسرائيل بالفعل، تعاون عسكري رفيع المستوى مع الناتو، لكن ليبرمان ربما كان يهدف من تصريحه السابق إلى تأصيل الثوابت الإسرائيلية؛ استعدادًا لتطورات مرتقبة على الجبهتين السورية والإيرانية.
لقد ظهرت إسرائيل منذ نشأتها على أنها يد الغرب وامتداده في الشرق الأوسط، والعالم العربي. كما أن لها مشاركات فاعلة في عمليات الناتو التي يقوم بها في منطقة شرق المتوسطي. ورغم أن إسرائيل ليست عضوًا، على الأقل قانونيًا، في حلف شمال الأطلسي، إلا أنها تمثل العمود الفقري للناتو في المنطقة، وقد تم تهيئتها بالفعل لتتحمل دورًا عسكريًا كبيرًا في هذا الشأن.
فمع نهاية عام 2007، بدأت إسرائيل تلوّح بأنها تلقت الضوء الأخضر من أمريكا والاتحاد الأوروبي، وذراعهما العسكري المشترك (الناتو)، باستهداف إيران عسكريًا، وهو ما يضع المنطقة بأسرها على شفير حرب شاملة، خاصة وأن قادة الجيش الإسرائيلي يطلبون من قواتهم الاستعداد لـ(حرب شاملة).

تمزيق فلسطين..خطوات محسوبة!

كثيرون في إسرائيل، وحتى فلسطين، يشبهون غزة بـ "المعتقل الكبير"؛ فالتحركات محظورة، وحقوق التنقل منتهكة، والقطاع بأكمله محاط بالحواجز والأسلاك الشائكة، فضلاً عن احتلال الجيش الإسرائيلي لأجزاء من غزة، حيث يُبقِي عليها كمنطقة فاصلة. وتبلغ مساحة قطاع غزة الكلية 360كم2 (139 ميل2)، أما حدوده مع دولة الاحتلال الإسرائيلي فيبلغ طولها 51 كم (32 ميل).
أما الضفة الغربية، فتبلغ مساحتها الكلية رسميًا 5.949 كم2 (2.297 ميل2)، ومن المخطط لها أن تكون حاجز الصد بقيادة حركة فتح وبمساعدة القوات الأجنبية، ضد المقاومة الفلسطينية، في حالة نشوب حرب شرق أوسطية. وليس من المستبعد تدويل القضية في قطاع غزة والضفة، وإدخال قوات أجنبية تابعة للناتو، والدول العربية، كجزء من خطة تأمين حدود إسرائيل عسكريًا.
وقد كان "جدار الفصل العنصري" جزءًا من هذه المنظومة المستقبلية، التي تحدث عنها مطولاً، رئيس الأركان الإسرائيلي "جابي أشكنازي"، الذي جاء خلفًا لـ "دانيل حالوتس"، ورغم عدم اكتماله بعد، إلا أنه وفي حالة نشوب حرب إقليمية شاملة، سيعمل على عرقلة المقاومين الفلسطينيين في حربهم ضد القوات الإسرائيلية.

حدود إضافية بين لبنان وإسرائيل

قوات اليونيفيل ما بعد 2006، والتي تم نشرها جنوب لبنان بعد حرب إسرائيل الأخيرة، ليست كقوات اليونيفيل بعد نفس التاريخ. فالأخيرة تعتبر أكثر نشاطًا، واستعدادًا للمعارك، كما أنه يمكن استخدامها كدرع لإسرائيل ضد لبنان ذاتها، في حالة نشوب الحرب الإقليمية سالفة الذكر.
نقطة أخرى بالغة الأهمية، تكمن في 3 ملايين، أو أكثر، من القنابل العنقودية أمريكية الصنع، أمطرت بها إسرائيل الجنوب اللبناني في حربهما الأخيرة عام 2006، بصورة كونت فيما بعد، منطقة ألغام على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مما يصبّ أيضًا في صالح خطة تأمين الحدود الإسرائيلية عسكريًا في حالة نشوب حرب مع الرباعي (إيران، سوريا، الفلسطينيون واللبنانيون).
وبينما تستعد إسرائيل لمواجهة عاصفة صاروخية انتقامية، إذا ما حدث هذا السيناريو، نجد مشروع "الشرق الأوسط الجديد" يسير بخطًى حثيثة، حيث يعمل الحلفاء الغربيون جاهدين على إتمامه بأي ثمن، ولو كان هذا الثمن حربًا مدمرة، وهم بما سبق ذكره قد استعدوا لذلك جيدًا؛ فالقوات الدولية منتشرة في لبنان، ويتم التخطيط لتواجدها في الضفة والقطاع، وحدود إسرائيل مؤمّنة من كل الجوانب، ويد الغرب أضحت تطول كل جوانب المنطقة، وقبل كل ذلك وبعده يوجد الانقسام في الداخل الفلسطيني، وعلى رأس الهرم اللبناني، وفي القلب العراقي.