بسم الله الرحمن الرحيم...
الأخ الأستاذ الجليل منذر أبو هواش سلام الله عليك و على ضيوفك الكرام في صفحتك الرائعة...أتمنى أن يتسع صدرك الرحب لكلامي الذي ما أريد به إلا وجه الله عز و جل...
يقول لسان العرب في كلمة المكر...
@مكر: الليث: المَكْرُ احتيال في خُفية، قال: وسمعنا أَن الكيد في الحروف
حلال، والمكر في كل حلال حرام. قال الله تعالى: ومكروا مكراً ومكرنا مكراً
وهم لا يشعرون. قال أَهل العلم بالتأْويل: المكر من الله تعالى جزاء سُمي
باسم مكر المُجازَى كما قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة منها، فالثانية ليست
بسيئة في الحقيقة ولكنها سميت سيئة لازدواج الكلام، وكذلك قوله تعالى:
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه، فالأَول ظلم والثاني ليس بظلم ولكنه سمي
باسم الذنب ليُعلم أَنه عِقاب عليه وجزاءٌ به، ويجري مَجْرَى هذا القول قوله
تعالى: يخادعون الله وهو خادعهم والله يستهزئ بهم، مما جاء في كتاب الله عز
وجل. ابن سيده: المَكْرُ الخَدِيعَة والاحتيال، مَكَرَ يَمْكُرُ مَكْراً
ومَكَرَ به. وفي حديث الدعاء: اللهم امْكُرْ لي ولا تَمْكُرْ بي؛ قال ابن
الأَثير: مَكْرُ الله إِيقاعُ بلائه بأَعدائه دون أَوليائه، وقيل: هو
استدراج العبد بالطاعات فَيُتَوَهَّمُ أَنها مقبولة وهي مردودة، المعنى:
أَلْحِقْ مَكْرَكَ بِأَعْدائي لا بي: وأَصل المَكْر الخِداع. وفي حديث عليّ
في مسجد الكوفة: جانِبُهُ الأَيْسَرُ مَكْرٌ، قيل: كانت السوق إِلى جانبه
الأَيسر وفيها يقع المكر والخداع. ورجل مَكَّارٌ ومَكُورٌ: ماكِرٌ.
و المعروف أن الإنسان هو المخاطب بالقرآن و من بعده الجن...و ما يهمنا في الحديث في صفحة أستاذنا منذرهو عن الكيد و المكر و عن الآية التي كانت مدخلا لهذا النقاش... {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }يوسف28
فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف, وقال لزوجته: إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن جملة مكركن -أيتها النساء-, إنَّ مكركن عظيم[التفسير الميسر]...و من هنا جاء التعميم في الآية الذي انتقل من جيل إلى جيل على أساس معادلة مفادها المكر و الكيد من خصائص النساء الثابتة و الاستثناء هو من رحم ربي...و ليرحمنا جميعا...
و بداية هل يحق لنا طرح قضية السبب و المسبب...و التساؤل عن سبب و جعل قول الزوج ينصب على كل النساء...ما أظن أن ذلك تم عبثا أو صدفة أو دون مقدمات...فقول الزوج نسبي من حيث دلالته الواقعية و قول الحق جل و علا مطلق في حقيقته الكلية...كما قول الله عز وجل : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }فاطر6
إن الشيطان لبني آدم عدو, فاتخذوه عدوًّا ولا تطيعوه, إنما يدعو أتباعه إلى الضلال؛ ليكونوا من أصحاب النار الموقدة...[التفسير الميسر]
و من هنا يمكن القول أن إغواء الشيطان لامرأة العزيز و تعلقها به كان سببا في النتيجة التي عانت منها النساء إلى يومنا هذا... {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }يوسف30
ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به, وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه, وتدعوه إلى نفسها, وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه), إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح...[التفسير الميسر]...
فالكيد غالبا يكون من الشيطان كدافع يأز بني آدم على الفعل الشرير[الباطل]...و كيد الله أقوى لأنه القوي ذو القوة المتين...[الحق]...
و المكر يكون من بني آدم كفعل يزينه الشيطان أو هوى النفس لارتكاب ما لا يرضي الله جل و علا[الباطل] ...و الله خير الماكرين...لأنه خالق الإنسان و يعلم ما توسوس به نفسه...[الحق]...
و من هنا كانت حكمة الله عز و جل في ذكر الكيد إذا كان المحرك هو الشيطان و في ذكر المكر إدا كان بني آدم هو المحرك للفعل...و بطبيعة الحال فالله عز و جل هو المدبر لكل شيء لحكمة لا يعلمها إلا هو....
{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } النساء 76
الذين صدَقُوا في إيمانهم اعتقادًا وعملا يجاهدون في سبيل نصرة الحق وأهله, والذين كفروا يقاتلون في سبيل البغي والفساد في الأرض, فقاتلوا أيها المؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولَّون الشيطان, ويطيعون أمره, إن تدبير الشيطان لأوليائه كان ضعيفًا[التفسير الميسر]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } آل عمران30
واذكر -أيها الرسول- حين يكيد لك مشركو قومك بـ"مكَّة"; ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك. ويكيدون لك, وردَّ الله مكرهم عليهم جزاء لهم, ويمكر الله, والله خير الماكرين[التفسير الميسر]
هل يمكن القول أنه لو قمنا بالنظر إلى الآيتين من منطلق صراع الحق و الباطل...فالأولى فيها قتال بين من ينصر الحق و بين من ينصر الباطل...و كل من الفريقين يقاتل في سبيل غاية يعتقد أنها أسمى الغايات...فالغاية في سبيل الله عز و جل و هي أسمى غاية في الوجود بلا شك و لا منازع و من تم يكون الاعتماد على الحق في عملية الصراع و القتال هي الأحق...أما القتال و الصراع في سبيل الطاغوت هي غاية دنيئة تعتمد على قوة الشيطان...و ما دامت القوة هي أساس من أسس الانتصار و ليست القوة المادية وحدها بل القوة بكل معانيها الفكرية و التخطيطية و الإيمانية هي وحدها الفيصل في الحسم في النتيجة...فمن تولى الشيطان خسر و من تولى الله جل و علا ربح و نجا في الدنيا و الآخرة...
و هذا في اعتقادي ما يؤكد أن الكيد من الشيطان و المكر من تدبير " النفس الأمارة بالسوء" و الله فوق كيد الكائدين و مكر الماكرين...
و الله أعلم بالحق و هو يهدي السبيل...
و للحديث بقية إن كان في العمر بقية...
المفضلات