من ابرز السمات الاساسية للازمة التي يعاني منها النظام الرأسمالي سقوط النظرية الرأسمالية القائمة على الحرية المطلقة لرأس المال, واطلاق العنان لآلية السوق ووقف تدخل الدولة في كافة النشاطات الاقتصادية بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليمية, وخصخصة مؤسسات الدولة والتخلي عن الاصول لصالح القطاع الخاص, فرضت الولايات المتحدة الامريكية ايديولوجيتها هذه على معظم دول العالم, وكان الاردن من بين ضحاياها, سقطت هذه الايديولوجية التي تبناها النظام الرأسمالي منذ حوالي ثلاثة عقود فمنذ عصر ريغان في امريكا وتاتشر في بريطانيا ويجري العمل على فرض هذه السياسة التي عرفت بالليبرالية الجديدة. والتي ادت الى تجويع وافقار مئات الملايين من البشر في مختلف انحاء العالم, كما ادت الى قتل وتشريد الملايين في الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية لفرض سياستها على العالم, ان هذه السياسات تنهار امام سمع وبصر شعوب العالم, هذا الانهيار المدوي هو النتيجة الحتمية للسياسة العدوانية التي تمارسها الولايات المتحدة الامريكية ضد شعوب العالم بما في ذلك الشعوب العربية, هذا الانهيار النتيجة الحتمية للسياسة المالية والاقتصادية التي افرزت تمركز رأس المال بأيدي حفنة من طغاة المال, وافقار العمال والشغيلة والطبقات الوسطى في المجتمع, ان افلاس عشرات المؤسسات المالية ومن ابرزها بنك »ليمان براذرز« والذي قدرت قيمته قبل افلاسه ب¯ 209 مليارات دولار, والذي كان يستخدم 25000 موظف, وشراء الحكومة لابرز مؤسسات الرهن العقاري »فاني ماي« و »فريدي ماك« واكبر شركة تأمين في العالم, وقيام قطاع النقل الجوي في امريكا بالتخلص من 22000 وظيفة بعد خسائر قدرت بعشرات المليارات من الدولارات, كل ذلك تعبيرا عن الفشل الذريع للسياسات الليبرالية.
ضخت الولايات المتحدة الامريكية واوروبا اكثر من ثلاثة الاف مليار دولار لانقاذ المؤسسات المالية وشركات التأمين من الانهيار, فبعد القرار الامريكي بتخصيص 700 مليار دولار جاء القرار الاوروبي بتخصيص 2300 مليار دولار, سوف تدفع هذه المبالغ الضخمة من جيوب دافعي الضرائب, وعلى حساب بؤس وافقار وتجويع ملايين البشر في بلدان العالم الثالث, وقد تبرز نزعات فاشية لدى الطغمة المالية الحاكمة واحتكارات الصناعات العسكرية في امريكا بالقيام بمغامرة عسكرية على غرار العدوان الامريكي على العراق, للخروج من الازمة مؤقتا, لكن ذلك لن يضع حدا لازمة النظام الرأسمالي, كما ان تدخل الدولة بشراء مؤسسات مالية متعثرة خشية من انهيار النظام المصرفي, وتجنيب النظام الاقتصادي من الانهيار, لن تفلح في انقاذ النظام الرأسمالي من الوقوع في ازماته, فكافة المعطيات تشير الى ان الازمة في صلب الاقتصاد الحقيقي للنظام الرأسمالي, ولا تنحصر بالسياسة المالية ونقص السيولة في المؤسسات المصرفية وانهيار عشرات المؤسسات المصرفية وشركات التأمين, وتبخر مئات المليارات من الدولارات في مختلف ارجاء العالم فحسب, فالازمة في جوهر الاقتصاد الرأسمالي, فعلى سبيل المثال يعاني قطاع صناعة السيارات من خسائر فادحة قد تعرضه للافلاس, فقد حذر تقرير في مجلة نيوزويك الامريكية من ان مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في العالم على حافة الافلاس بسبب الازمة المالية التي عقدت في الولايات المتحدة الامريكية, واوضح التقرير ان شركة جنرال موتورز وفورد تفتقران الى السيولة النقدية, وان خسائر جنرال موتورز لعام 2007 تقدر بحوالي 38.7 مليار دولار علما ان الشركة حققت ارباحا في جميع مصانعها في العالم باستثناء الولايات المتحدة الامريكية, بسبب ضعف الاقتصاد الامريكي, وقد اغلقت 12 مصنعا واستغنت عن 30 الف وظيفة. وان معظم الصناعات الامريكية ليس افضل حالا من قطاع صناعة السيارات.
فالرأسمالية تحمل في طياتها اسبابا موضوعية لبروز ازمات اقتصادية واجتماعية دورية, هذا ما اكده كارل ماركس في كتابه الشهير رأس المال, لقد كشف بوضوح ان الرأسمالية تتعرض لازمات دورية ومتعاقبة مشبها ازمتها الدورية بالاجرام السماوية التي ما ان تأخذ حركة التوسع والتقلص التناوبية حتى تتجدد بشكل متواصل. وان النتائج تصبح بدورها اسبابا, ومراحل العملية المتعاقبة هذه تجدد باستمرار شروطها الخاصة وتأخذ شكلا دوريا, موضحا ان المراحل الاساسية في دورة رأس المال هي (الازمة, الانحطاط, الانتعاش, النهوض).
ان التناقض الرئيسي بين العمل ورأس المال يؤدي الى فيض الانتاج, وتكديس البضائع في المستودعات لعدم قدرة المنتجين (الطبقة العاملة) على شراء هذه البضائع نتيجة انخفاض مداخيلهم الفعلية واغراقهم بالقروض والالتزامات المتعددة, وقد شهد النظام الرأسمالي منذ القرن التاسع عشر العديد من الازمات, منها الازمة الاقتصادية العالمية لعام 1882 والتي استمرت ثلاث سنوات وكان مركزها امريكا, وفي عام 1890 نشأت ازمة اقتصادية بلغت ذروتها 1892 - 1893 في المانيا وانكلترا, وانفجر فيض الانتاج في روسيا عام ,1899 سرعان ما انتشرت في عام 1900 الى مختلف دول اوروبا, اما الازمة الشهيرة التي اندلعت في عام 1929 - 1933 فقد شملت جميع البلدان الرأسمالية دون استثناء.
ان الازمات المتكررة للاقتصاد الرأسمالي تضع مسألة وجود النظام الرأسمالي موضع بحث, حيث يستذكر العالم في هذه الايام ما توصل اليه ماركس حول مصير النظام الرأسمالي, وان فشل التجربة السوفييتية لا يعني بحال من الاحوال ان البديل لهذه التجربة الليبرالية المتوحشة التي فرضت هيمنتها على العالم مستفيدة من انهيار التجربة السوفييتية, فجاءت الازمة المالية الحالية لتعصف في الليبرالية الجديدة, ليس هذا فحسب فقد اضطر زعماء الليبرالية الجديدة في امريكا الى استخدام ادوات محرمة وفقا لايديولوجيتهم لانقاذ النظام الرأسمالي - تأميم اهم القطاعات المصرفية وشركات التأمين - فشهد العالم تدخلا حكوميا غير مسبوق في النظام الرأسمالي منذ عدة عقود, بعد ما حرمت الولايات المتحدة دول العالم من التدخل باعتبار ذلك من المفاهيم التي تنتمي للماضي. ان الانهيار الكبير يؤكد ان العالم بحاجة الى نظام سياسي واقتصادي متواز يعترف بحق الشعوب بتقرير مصيرها ويوفر التعاون بين الدول ويحقق العدالة الاجتماعية.
ان الازمة التي يمر بها الاقتصاد الامريكي خلقت وقائع جديدة على الارض, فقد ترجلت الولايات المتحدة الامريكية, وغادرت موقعها الذي كانت تطل على العالم من خلاله لفرض شروطها على القارات الخمس دون منازع, فقد حان الوقت لطرح الملفات الثلاثة على طاولة المفاوضات, الملف الاقتصادي, والملف الامني, والملف السياسي. ان انهيار السياسة الاقتصادية الامريكية سوف يمهد الطريق امام اوروبا بقيادة فرنسا والمانيا وبالتعاون مع روسيا والصين من اعادة صياغة العلاقات الدولية على اسس جديدة, وبما يسمح بتوفير تعدد القطبية وانهاء التفرد الامريكي في العالم.
[/align]
الأخ فهمي الكتوت،
كي تنشر مشاركة جديدة لك عليك أولاً أن تذهب إلى المنتدى المطلوب كما في تعليمات الأستاذة راوية أعلاه تحت عنوان "لافتتاح ونشر موضوع جديد". ربما أنك سترغب في إعادة نشر مقالتك في المنتدى المناسب إن لم تكن قد فعلت أصلاً. سوف يتم حذفها من هنا بعد بعض الوقت لعدم صلتها بهذا المسار. وشكراً
المفضلات