في غزة طرفة شائعة بين الناس:
سأل رئيس أحد العصابات شابا كان يمر في الجوار قائلا له: أنت معنا أم مع الآخرين. فأجاب الشاب قائلا: أنا معكم. فأمر رئيس العصابة أصحابه بإطلاق النار على الشاب الذي تساءل بعد إصابته بطلقات نارية في رجليه: لماذا أطلقتم النار عليَّ ألم أقل لكم أنني معكم. فرد عليه رئيس العصابة قائلا: نحن الآخرون
ورغم ما تثيره هذه الطرفة من ضحك وسخرية، فهي تثير الخوف والفزع الشديدين، لأنها تمثل واقعا مؤلما يعيشه الناس، ليس في غزة فحسب، بل في معظم المجتماعت العربية. ولا يقتصر الأمر على إطلاق النار على المناوئين والمخالفين، بل قد تكون هناك وسائل عقاب عديدة، كالطعن والتشهير في المخالفين أو نعتهم بأبشع الصفات ظلما وعدوانا، فكل ما تحتاجه عصابة للتنكيل بشخص ما هو القول بأن ذاك الشخص ليس من العصابة وإنما من الآخرين. ومفهوم العصابة هنا لا ينحصر في المفهوم التقليدي للعصابة التي تعتمد في عملها على ما تملكه من قوة جسدية أو مادية، فقد تكون هذه العصابات كيانات غريبة وشاذة أفرادها نكرات تستمد قوتها من انتماء حزبي وهمي أو من الانتساب إلى معان دينية مقدسة أو غير ذلك من الأساليب والوسائل الشائعة في عالمنا الذي يشهد الشباب فيه اهتماما محموما بتطبيقات الإنترنت المختلفة.
هذه العصابات تمجد ذاتها وكيانها وتستحل من أجل الحفاظ على وجودها حقوق الآخرين، إلى درجة تقديم القرابين الإنسانية وإهراق كرامة الإنسان إرضاء لما تمثله تلك العصابة من رمزية أو رموز دينية أو سياسية أو اجتماعية لأفرادها أو مبادئها. وإذا ما أرادت تلك العصابة أن تذبح شخصا لتقدمه قربانا إلى رمزيتها الدينية والسياسية والاجتماعية، فإن الخطوة الأولى التي يقوم بها أفراد تلك العصابة الادعاء بأن ذاك الشخص لا ينتمي إلى كيان العصابة، وعندها تحل عليه اللعنات، ويصبح مستباح الكرامة والدماء.
أنا لا أتحدث هنا عن ظاهرة محلية أو بسيطة الأثر والفعالية، بل أتحدث عن واقع مؤلم أوجدته تطبيقات الإنترنت، إنه عالم اللامسؤولية والتجرد من القيم الدينية والإنسانية والمبادئ والأخلاق، فما تعارف عليه الناس في مجتمعاتنا من شرائع وأعراف وقيم ومبادئ وأخلاق غير ساري المفعول في عرف تلك العصابات، وهنا يكمن الخطر الفادح على مجتمعاتنا، لأن ذلك يمثل انقلابا للشر على الخير. وأتوقع أن تنتشر هذه العصابات في المستقبل القريب وينتشر نفوذها وتزيد قوتها إلى درجة خطيرة جدا لا ينجو من خطرها لا جامعات ولا مؤسسات مدينة أو دينية ولا أشخاص لهم مكاناتهم الإجتماعية والعلمية والسياسية والدينية... نحن في خطر شديد أمام ظاهرة العصابات التي ستغرس في الشباب ثقافة مدمرة وهدامة، مما ينذر بحروب أهلية وجرائم سياسية وانحطاط قيمي في مجتمعاتنا.
تحدثت بالأمس مع أحد التربويين وهو برتبة بروفيسور وعميد كلية التربية في جامعة ما عن هذا الموضوع، فعبر عن سعادته من تنبيهي له بهذه المشكلة، ووعد بأن يدرج هذا الموضوع على قائمة أولويات اهتمامه، ووعد بأن يكتب بحثا عن سلوكيات أفراد تلك العصابات وأثرها الهدام على مجتمعاتنا. وتحدثت مع خطيب الجمعة، فجعل خطبة الجمعة حول هذا الموضوع، وحذر المصلين من خطر تلك العصابات، وسيكرر ذلك. والحمد لله، هذه بشائر النجاح في تنبيه الناس وتداركهم لتك الظواهر السيئة الهدامة التي بدأت تنتشر في مجتمعاتنا، فقد نجحت بفضل الله عز وجل في نشر ثقافة مضادة لثقافة العنف التي تؤمن بها تلك العصابات، ورحلة الألف ميل تبدأ خطوة واحدة، وأقول لمن سيتخذ هذه النصيحة سببا للتشهير بي ما قاله سيدنا يوسف عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام لإخوته الذين تآمروا عليه:
{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ }يوسف77
تحية ربانية!
المفضلات