سلام الله عليكم أحبتي الأفاضل وللأمانة فلقد عدتُ إلى رأس الموضوع وكاتبه بعد تعقيبه الآنف وسأصوّب سنان يراعي على مداخله ومخارجه ومن ثمّ سوف أعرّج على بعض الردود ( الغريبة ) و ( العجيبة ) والتي تنم عن استعجالٍ في التدبر وسوء اطلاعٍ مستغربٍ في خِضم العالم الرقمي والمكتبي هذا الزمان ..
أبدأ وعلى الله التكلان
أخي الكريم
فراس
قلت في معرض كلامك الأول :
(( ومنذ أن صدمتني فكرة تعدد الزوجات بما أخذته من جذب ورد، وأنا مغتاظ من أسلوب التفكير في قضية العدل، فالعدل مطلوب من الناس حتى مع أنفسهم، مثلما هو مطلوب تحقيقه مع جميع المشتركين في صفة واحدة، لماذا لا تطرح قضية العدل إلا في سياق تعدد الزوجات، وننسى مجالاته الأخرى. ؟))
بعد أن قمت بسرد الأمثلة وأتبعتها بهذه الخلاصة في الأعلى تبادر إلى ذهني المثل المشهور (( مالي أرى جعجعةً ولا أرى طحنا )) .. ومن قال لك يا سيدي الفاضل أن قضية العدل لا تُطرح إلا في سياق تعدد الزوجات؟!
قال عزوجل (( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) وقال أيضاً : (( اعدلوا هو أقرب للتقوى )) وقال سبحانه (( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) وقال العلي القدير (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )) .
ولأهمية العدل في الإسلام وردت مادة (العدل) في القرآن الكريم (28) مرة، وردت كلمة (القسط) المرادفة لها (25) مرة.
وفي واقعنا المعاش لا يتطرق الناس للعدل بشكلٍ عام ويكون الجوهر هو العدل في قضية التعدد إلا إذا كنت تعيش في مجتمع من صنفٍ مختلف وحتى لو سلّمنا بذلك المجتمع الذي تعيشه فالمنتديات الثقافية التي تتطرق لموضوع العدل لا تجعل الشمّاعة الإعتيادية لموضوعها شرط العدل في موضوع تعدد الزوجات .
أرى أن صراعك الفكر مبالغٌ فيه في قضية تحييز العدل فقط لهذا الموضوع في المجتمع دون النظر إلى عدل الحاكم والفرد وبقية الناس في شتى مجالات حياتهم بل العكس أصبحت عقدة الحاكم والرئيس العادل مناط النقاش وسحبت البساط عن بقية الجوانب الأخرى في حياتنا اليومية هذه الأيام.
النقطة الأخرى التي لاحظتها إيرادك جملة (( فكرة تعدد الزوجات )) وهي ليست فكرة يا سيدي الفاضل بل هو تشريع رباني قائمٌ إلى يوم الدين وإن كنت قصدت ب (( الفكرة )) في عقلية المسلم اليوم فهي فكرة إيجابية مع توفر الشروط الموجبة وليست القضية عبثية المنطق في التفكير بالزواج الثاني .
وقلت أيه العزيز :
إن دور الثقافة كبير وخطير في النفور أو الإقبال على هذه الفكرة أو تلك، وما يدل على ذلك أن فكرة تعدد الزوجات ما زالت في بعض المجتمعات الإسلامية عربية وغير عربية مقبولة وعادية جدا، لأن الفكرة لم تهاجم، ولم يبث في تلك المجتمعات ما ينفر منها، فالصورتان موجودتان متجاورتان في المجتمعات، بعيدا عن هوى النفس في التحليل، أو التفسير غير السوي لموضوع التعدد، وبغض النظر عن الظروف التاريخية والاقتصادية أو السياقات الاجتماعية التي قد يسوقها بعض فلاسفة الكلام، ذلك الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع الرجال شيئا!!
وهنا صدقتَ وأجدتَ أيضاً فالعوامل المحيطة بالمجتمع من ثقافات داخلية متبقة وعالقة ومن ما هو مستوردٌ ممجوج سواءً عبر التلفاز أو وسائل النشر المختلف له تأثير واضح وجلي في قضية التقلبات والصراع بين الجذب والطرد في قضية تعدد الزوجات , ولو تبصّر العقل المسلم الواعي لوجد أن حلول جميع مشاكلنا الدنيوية موجودة بين دفتي المصحف الكريم والسنة المطهرة مع الأخذ بالإجتهادات المتّبعة للبراهين والحجج والتي توافق متطلبات العصر .
إنّ العدل في قضية تعدد الزوجات ليس على الإطلاق التام وإنما جاء في المسكن والملبس والمبيت ومحاولة المساواة في عدم غلو المشاعر فإن حصل فالعدل في عدم الإظهار (( أي للمشاعر )) حتى لا يُظن الحيف والجور وورود شرط العدل هنا بكل وضوح في القرآن في هذه المسألة لأن الظلم حاصل وبالذات في النفسية البشرية والمتمثلة في المرأة الأولى أو الثانية فهي إن لم تُضبط بالعدل أدت إلا كارثة اجتماعية وهذا هو الحاصل في كثير من القضايا والأمثلة المطروحة من قبل الإخوات مع العلم أنّ العدل هنا ليس بالمستحيل وإنما يتطلب الخوف من الله عزوجل قبل الخوف من أي كائنٍ آخر فالظلم ظلمات يوم القيامة .
هذا بإيجازٍ شديد على موضوعك المهم القيّم .
والآن سأرد على بعض الردود من بعض الأخوات والتي وجدتها تناقش بعضاً من ردي السابق فتُورد :
في تعليق سابق .. ذكر فيه أن سيدنا محمد تزوج على السيدة عائشة العديد من الزيجات ، وبالتالي فرسولنا الكريم قدوة يجب الإقتداء بها .
وللرد على ذلك فسيدنا محمد تزوج السيدة خديجة في مطلع شبابه ، وقضى معها سنوات عديدة دون أن يتزوج عليها وهي التي كانت تكبره بخمسة عشر عاما .. والرسول الكريم الذي خلق الكون من أجله ، لو تزوج نساء العالمين لكان هذا شرف وأي شرف .
أولاً : الله تعالى لم يخلق الكون لأجل محمد صلى الله عليه وسلم بل خلق محمد عليه السلام والبشرية جمعاء والإنس والجن لعبادته وحده فوجب التنبيه لذلك .
ثانياً : لا اختلاف على المثال المذكور أعلاه و لا اختلاف على شرف النبي الكريم عليه السلام وعدله إنما ما أوردته ( هناك ) كان المقصود شعور أمهات المؤمنين وإن حصلت الغيرة فهي طبعٌ إنساني ولكن كانت المحبة والمودة والإحترام متبادل بينهن .. إذاً لماذا أنتنّ النساء ( بعضكنّ ) ترينه ظلماً وجورا أو لا يحصل إلا لخللٍ في المرأة ؟
الرسول كان له صحابة يتحدثون عنه ، وكانت حياته وكل حركة يقوم بها تروى عنه ، وسيدة واحدة لن تغطي كل سكناته وحركاته في بيته وأيضا كلامه ومعاملاته معهن .. لذا مع الحياة في المدينة وما صحبها من تغييرات كان لازما له أن يكون له صاحبيات وهن زوجاته .. فقد كن بمثابة الصاحبيات له .
اعذريني يا أخيتي فحجتكِ ضعيفةٌ جداً ولم أسمع بها قط إلا هنا .. بل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يتزوج النساء كأي رجل سواءً لتلبية احتياجاته الخاصة أو لحب الألفة وهو القائل عليه السلام في الحديث المشهور : ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"، فقد رواه: [أحمد والنسائي والبيهقي والطبراني وأبو يعلى وعبد الرزاق والحاكم وغيرهم وهو صحيح].
ثم سيدنا عمر عبد العزيز .. وما أدراك ماهو الرجل الخاشع المتبتل .. الذي كانت حياته للأمة .. فمن تتزوجه سوف تفني حياتها من أجل خدمة العباد .
أعلم سيرة الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى جيداً ولكنّ الله تعالى لم يقتصرها على الصحابة والأتقياء وجعل التعدد سنةً إسلامية باقية إلى يوم الدين وأولئك الأفذاذ سطّروا بمدادٍ من نور تطبيق هذه الشريعة والفضيلة التي ضجّت منها أفئدة نساء اليوم بل صار الأمر لإنكار المعروف أقرب والله المستعان .
فهؤلاء الرجال عندما تزوجوا وعددوا كان من أجل رفع راية الإسلام .. وأتمنى أن أرى أو أعرف رجلا تزوج من أجل هذا .. وطالما هو يريد وجه الله تعالى وشديد الخشية فليختار الدميمة والتى فاتها الزواج والأرملة والتي تعاني إعاقة فهي بشرا تحمل مشاعر .. عند ذلك سنقول ونعم الرجل .
هذا خطأٌ فاحش فليست الحكمة من رب العالمين لتعدد الزواج هو رفعة دين الإسلام وما عداها لرعاية النساء المعاقات ولتزويج الدميمة .. لا يا رعاكِ الله فمشروعية الزواج بثانية هي نفس مشروعية الزواج بأولى لا تقصرها شيء وإن كان يريد ستر المتضررات فجزاه الله خيراً لكن ليس ذلك بأصل .
أما أن يقال الرجال يخشون الله لذا يتزوجون فهذا والله يجعلني أضحك رغما عني .. وكل من توافق على زواج زوجها .. فلتهبه هدية لأخرى كي تحب الله .. ولتذهب هي إلي الجحيم ويأكل أولادها من خشاش الأرض .. كي تثبت أنها تحب الله ورسوله وأنها من المرابطين الصابرين .
وأنا أضحكني ردك أكثر .. ومن أين أتيتِ أنني قلت هذا القول ؟! ومن قال أن الزواج بثانية هو ( الجحيم ) ويؤدي إلى تشرد الأطفال .. إذاً كيف يشرع الله أمراً فيه هلاك الأمة وضياع لبنات المجتمع المنتج ! ( حاشاه سبحانه ) إنما كان قولي أن الرجل العاقل الواعي إن كان يريد أن يتزوج الثانية وامرأته مؤمنة صالحة فلن تحدث كل أفلام الرعب من جحيم وتشرد وضياع ..
إنني أعمل في الضمان الاجتماعي ، وأرى النسوة اللاتي تزوج عليهن أزواجهن .. وقد آل أولادهن إلى التشرد ، والمرأة ذهبت للعمل خادمة في البيوت ومدت يدها بعد أن أعوذتها الحاجة .. وهذه السيدة مرابطة دفعت زوجها للجهاد مع أخرى .. والله يكون في عون الرجال وهم يجاهدون مع النساء الجميلات !
نعم ولا شك أنّكِ صادقةٌ في كلامك لكن أين أنتِ من الزيجات الناجحة بكل معنى النجاح الأسري والحب والسكينة , هناك أمثلة كثيرة واقعية لو أردتُ سردها لما كفّت الصفحات لذلك لكن مثالك الأعلى كان عن بعض الرجال الظلمة هداهم الله وما يقومون به من ممارسات أضرّت صورة التعدد الجميلة.
ويصدق قول الشاعر إذ قال :
وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةً
ولكنّ عينَ السخطِ تبدي المساويا
ثم أن مصر كانت مهبطا للدين فقد ولد فيها موسى وترعرع ، ودعى قومه للإسلام بأن يسلموا وجههم لله وحده .. فلم يذكر القرآن في كتابه العزيز دين مسيحي أو يهودي .. فالانبياء جاءوا بالإسلام ليتمم نبينا محمد الرسالة .. ثم جاءت السيدة مريم عبر سيناء ومعها سيدنا المسيح وهو طفل وظلا عدة سنوات بها ، ولا ننسى أن سيدنا إبراهيم دعى المصريين وملكها لتوحيد الله .. وأن النبي أدريس وهو أول من خط الكتابة كان مصريا .. فمصر القبطية إذن هي مهبط للرسل .
أحب أن أنوّه أن بعض الأمور المذكورة نحتاج أحياناً أن نسأل أصحابها عن الدليل إذا كانت المعلومة السائدة خلاف ذلك لكي نتبيّن أصل المعلومة.
أختي الكريمة .. قلتِ أنّ مصر مهبط الديانات السماوية وذكرتِ أن موسى ولد فيها وترعرع ولكن .. هل موسى مصري ؟!!
موسي هو أحد أفراد بني اسرائيل , تلك السلالة التي نتجت من أبناء يوسف عليه السلام وإخوته وكانت اثنتا عشرة قبيلة ترجع في أصولها إلى النبي يعقوب عليه السلام وهو من بيت المقدس فكيف يكون موسى مصري المنشأ ؟
ومتى عبرة السيدة مريم سيناء ولبثت فيها وعيسى عليه السلام وهو طفل لسنوات .. أنّى لكي هذا؟ وأين مرجعك ودليلك على ذلك؟
ومن أين أتيتِ بأن النبي الكريم إدريس عليه السلام أول من خط الكتابة المصري؟!!! نريد دليلاً على ذلك .
وإلى أن يأتي الدليل أكون تشرفتُ بالرد على أختنا الفاضلة التي لمستُ فيها غيرةً على أوضاع الزوجات المتضررات لكن الخلل والداء في الرجال والنساء أمّا الأصل في التعدد الخيرية إن توفر العدل الذي يستطيع أي فرد مسلم قادر على أن يتصدّى للموضوع ولديه الإمكانية المالية والنفسية والإيمانبة على ذلك
والله المستعان.
المفضلات