:
لِم القلق وهُم قد عُذبوا بأيدي صديقة؟!
في ذكرى رحيل الرئيس بوش عن الرئاسة إن شاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
* أعتقد أغلبنا يذكر التعليق المُستفز الذي أخرجه لنا مطبخ ( الإدارة الأمريكية ) كتقليعة جديدة إبان غزوه الجائر للعراق الشقيق والذي تكرر أكثر من مرة, في أكثر من حادثة: نيران صديقة!
* حقيقة أذهلتني العبارة المبهرجة, ولكثرة ما سمعتها, كنت أنتظر كغيري من السيد "رامسفيلد" أن يخرج علينا بدهشة هوليودية متقنة التعبير ليقول هذه العبارة بعد فضيحة ( أبو غريب ) المدوية: لِم القلق وهُم قد عُذبوا بأيدي صديقة ؟! لكن, الرجل أخلف ظني ولم يقلها, فقلتها أنا بدلا عنه, وجعلتها عنوان مقالتي اليوم.
* ولابد أن هذا التعبير الفذ قد حاز على استحسان ضمائر رجال الإدارة الأمريكية, فعندما ماتت ( كلبة ) الرئيس لابد وأنه أحضر خبراء ولاياته كلها للتحقيق في موتها, من فريق الاستخبارات الى Fbi الى الاستعانة بمشورة وخبرة الأصدقاء في المخابرات البريطانية والإسرائيلية, وبالطبع مروراً بخبراء الطب البيطري, والطب النسائي, والطب البديل, فالمحروسة لم تكن ( أي كلبة ), كانت كلبة أمريكية, ولم تكن أي كلبة أمريكية, كانت كلبة الرئيس شخصياً, ولابد أن السيد الرئيس تنهد الصعداء عندما علم أنها ماتت ( بأيد صديقة )أي موته طبيعية, فلم يكن هناك اغتصاب ولا اعتداء من كلاب وحشية أو أدمية, ولا لحمة مسمومة التهمتها المسكينة, ولا ذُبحتْ بطريقة شرقية همجية, ولا حُرقت بصفيحة جاز ألقاها مراهق هستيري, ولا تعرضت لتيارات شديدة البرودة, ولا شديدة الحرارة أودت بتفتيت جهازها العصبي الرقيق, ثم اختلال عقلها, ثم انتهاء حياتها..
* تخيّلوا لو كان سبب موتها ( لحمة مسمومة ) ترجع في الأصل إلى فخذ ضأن جدّه التاسع تربت أمّه في إحدى الضِياع السورية,
أو ذبحَتْ بسكين صُنِّع وشُحذ نصله في إحدى القرى الحرفية بإيران,
أو أحرقت بجاز ترجع خامة مادته الى السعودية!
الحمد لله, الله لطف فماتت موته طبيعية وإلا لرأينا أقداما أمريكية وأوربية تجوس في طرقات البلاد العربية والإسلامية, خاصة الداخلة في نطاق الشرق الأوسط لمجرد هبوب ( ذرة ) شك على رادارات عقول الإدارة الأمريكية ذات الأجهزة مفرطة الحساسية من ناحيتنا.
* وعندما سقط الرئيس عن دراجته الهوائية لابد وأن أعوانه استنطقوا الجدار والشجر والحجر والنمل والجنادب في مزرعته لمعرفة سبب السقوط, وهل هي أسباب عدوة أم صديقة, والحمد لله كانت أسبابا صديقة.
* وعندما سقطت صاعقة النيران الأمريكية على ( عُرس ) ما بين الحدود العراقية والسورية, وزهقت ما فوق الأربعين نفسا, لابد وأنه كُتِب في التقرير الأمريكي: زُهقت بنيران صديقة .
* وعندما اغتصبت عشرات الأفغانيات والعراقيات بأيدي جنود الأمريكان والبريطانيين وقوى التحالف ( هل أعرج على أخواتنا الفلسطينيات؟ بالطبع لا فملفهم أضخم من أن يُكتب في مقال ), لابد وأنهم ختموا التقرير بما يرضي ضمائرهم الزكية: اغتصبوا بأيدي صديقة.
* وعندما هاجمت الكلاب الأمريكية المدربة السجناء العُزل في ( أبو غريب ) منتهكة آدميتهم, ناهشة ما تبقى من لحمهم ودمهم, لابد وأن التحقيق انتهى في هذه المسألة بما يرضي ضمير الإدارة الأمريكية : رُوّعوا على أيدي كلاب صديقة.
* شخصية الرئيس التي ماتت كلبته – ولله الحمد – موته طبيعية, تشبه تمام الشبه شخصية ( سي السيد ) التي جسدها الأديب "نجيب محفوظ" في ثلاثيته الشهيرة .. فـالرجل ظاهرهُ تقي نقي حازم, لا تُرد له كلمة, ( وابن أبوه ) من يُجادله في أمر .. مليء بالعَظَمَة التي تشي بها مشيته وعباءته المسدولة بوقار على كتفه, وطربوشه المائل بوقار الى اليمين, وعصاته التي تقرع القلوب والآذان قبل أن تقرع الأرض, أما باطنه فكان عكس ذلك بالتمام .
* صاحب هذه الشخصية له وصف جميل عندنا في الإسلام, وفي عصرنا المجنون يسمى بالدبلوماسي الناجح, والسياسي اللامع!
* هذا السياسي الفذ صنّفتهُ مع ( العظماااااء ) الذين قلبوا الدنيا وأقعدوها, والذي سيحتار التاريخ طويلا فيما سيأخذ وفيما سيترك من جوانب حياتهم وأعمالهم.
والعظماء في تصنيفي ثلاثة: ( عظماااااء, وعظماء وسط, وعظماء فقط ), وبالطبع تصدّر الرئيس بجدارة قائمة الصنف الأول مع مثيله العصري "شارون" والأقدم "هتلر" وقديماً "نيرون".
* ترى ماذا سيكتب ( التاريخ ) عن هذا الرئيس الذي غيّر كل ما هو متعارف عليه, ومعمول به – من متوارث وحديث – بما يناسب هواه وجنون عظمته؟
نشرت في جريدة البلاد السعودية, وفي شبكة المرايا الثقافية قبل ثلاثة أعوام.
المفضلات