بسم الله الرحمن الرحيم
في ذكرى العبور العظيم,وتبرير الخيانة والتآمر وتفتيت الأمة وإفلاسها,أود أن أتقاسم و أبناء الأمة الشرفاء مقالا للأستاذ عبد الحليم قنديل,مع جزيل الشكر والتقدير,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثلاثون سنة خطيئة من السادات الى مبارك
عبد الحليم قنديل
لم تكن خطيئة السادات ـ فقط ـ أنه ذهب لإسرائيل قبل ثلاثين سنة، بل الخطيئة ـ التي استمرت مع مبارك بعد السادات ـ أنه خرج بمصر من سباق التاريخ، وربما في ذات اللحظة التي ذهب فيها لإسرائيل في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1977
كانت حوادث انتفاضة كانون الثاني (يناير) 1977 لا تزال ساخنة، فقد ثار الشعب وقتها ضد الرئيس الذي كان مولعا بالظهور ببذلة عسكرية ألمانية الطراز وبعصا الماريشالية، وبدت قيادة الجيش مترددة في النزول للشارع لحفظ الأمن، واشترط المشير عبد الغني الجمسي ـ وزير الدفاع وقتها ـ أن تلغي قرارات رفع الأسعار قبل نزول الجيش، وكان له ما أراد، كانت الحوادث قد هدأت، وطلب المشير الجمسي من قائد المنطقة الجنوبية أن يذهب للسادات الهارب في أسوان، وأن يبلغه بإمكانية العودة إلي قصر الرئاسة في القاهـــرة، وحين التقى السادات بالجنرال، تصور أن أمره قد انتهى، وأنه قد أزيح عن منصب الرئاسة، وســـــارع يقول للجنرال: لا أريد غير ضمان الخروج الآمن ـ مع عائلتي ـ من مصر. كان السادات ـ على طريقته ـ قد فهم مغزى ما جرى، وأدرك أن إقامته في قصر الرئاسة لــــــم تعد مريحة، وأن توازنات مصر الداخلية قد تنــــقلب عليه، وهو ما تأكدت حدوسه ـ فيما بعد ـ باغتيـــاله الدرامي على منصة العرض العسكري في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1981
كان السادات في عجلة من أمره، وانتهى ـ فيما يبدو ـ إلى القرار الذي ظنه مريحا، وهو أن يهرب ـ بالسياسة ـ إلى أمريكا وإسرائيل عوضا عن خذلان الشعب الذي تنكر له، ورفع صور عبد الناصر في انتفاضة الغضب، كان السادات قد استنفد لعبة الأقنعة، استنفد قدراته التمثيلية، وحانت له لحظة الحقيقة، كان قد انتهى من تمثيل فيلمين سياسيين دون أن يصله ثواب الأجر، الفيلم الأول جرت وقائعه منذ وفاة عبد الناصر أواخر 1970 وحتي نهاية حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وفيه بدى السادات كأنه مجرد ظل لعبد الناصر، يركع أمام تمثاله في قاعة مجلس الأمة، ويهاجم أمريكا لأنها
تريد تصفية تجربة عبد الناصر، ويناور ويداور لتجنب الحرب الموعودة، لكن الطريق أمامه بدى مغلقا، فالمظاهرات تضغط من أجل الحرب، والجيش جاهز تماما، كان الجيش قد خاض حرب الاستنزاف التي بدأت يوم 28 ايلول (سبتمبر) 1968، وتظاهرت مصر عبد الناصر بقبول مبادرة روجرز في 23 تموز (يوليو) 1970، كان القرار عسكريا وليس سياسيا، وقصد به اقتطاع وقت لثلاثة شهور، يتوقف فيها إطلاق النيران، ويجري بناء حائط صواريخ يصد غارات إسرائيل عن العمق المصري، وانتهى بناء حائط الصواريخ العظيم غرب قناة السويس في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1970، وكانت خطط الحرب موضوعة للتنفيذ،
وماطل السادات بقصص من نوع عام الضباب، لكنه في النهاية خضع، وأصدر أمر الحرب الموروث عن عبد الناصر، وجرت معجزة العبور واقتحام خط بارليف بعد ظهر 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وفي وهج النصر الباهر، كان السادات جاهزا لتمثيل فيلم من تأليفه ـ هذه المرة ـ لا من تأليف عبد الناصر، كان السيناريو مزدوجا، في الظاهر ولاء لتجربة عبد الناصر، وفي الباطن ذهاب لأمريكا من أقصر طريق، كان قد قرر أن يمشي على طريق عبد الناصر بأستيكة على حد التعبير الشعبي الذائع وقتها، فلم تكد تمر 24 ساعة على بدء الحرب، حتى سارع السادات لطمأنة أمريكا بأنه لا يريد حرب تحرير،
فقد تلقي هنري كيسنجر ـ مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي وقتها ـ برقية من حافظ اسماعيل مستشار الأمن القومي المصري وقتها، التاريخ: 7 تشرين الاول (اكتوبر)، والرسالة الظاهرة قول الرئيس السادات بالنص بأنه لن يعمق مدى الاشتباكات ، وبعد وقف إطلاق النار في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، جاء كيسنجر بمكوكياته بين القاهرة وأسوان وتل أبيب، وجرى عقد اتفاق فض الاشتباك الأول في 17 كانون الثاني (يناير) 1974، واتفاق فض الاشتباك الثاني في أول ايلول (سبتمبر) 1975، وجرى خفض القوات المصرية شرق قناة السويس من 77 ألفا إلي سبعة آلاف فقط، وخفض الدبابات
من ألف إلي 30 دبابة لا غير، كانت تنازلات السادات مؤلمة لقادة السلاح، وبكي المشير الجمسي ـ رئيس الأركان وقتها ـ على جهد الدم الذي جري تضييعه، فقد بدت التنازلات بلا منطق، ولا تتناسب مع حقائق القوة في معركة حقق فيها الجيش المصري نصرا استراتيجيا، بدت التنازلات مثيرة لدهشة كيسنجر الذي فوجيء بالصيد السهل، لكن دهشته ربما زالت بعد ما سمعه من السادات نفسه في لقاء خاص، القصة رواها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه (أكتوبر 1973 ـ السلاح والسياسة)، وسجل محضر حوار جري بينه وبين كيسنجر في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1973، أي بعد مرور شهر بالكاد على بدء
الحرب التي انتهت لتوها، نقل كيسنجر لهيكل عن السادات أنه قال,,,إذا جاءتكم فكرة أو خطرت لكم مبادرة، فاعطوها لي، وأنا أقوم بطرحها باعتبارها اقتراحا أو مبادرة مصرية (...)، لأن شعوب المنطقة تسرب لديها شك كبير في أي شيء تتقدمون به، أو تتقدم به إسرائيل، إذا تقدمت إسرائيل باقتراح، وقبلته أنا، فسوف أجد من يصيح في وجهي بأن القبول باقتراح إسرائيل خيانة، وإذا تقـــــدمتم أنتم ـ أمريكا ـ باقتراح أو مبادرة، وقبلته أنا، فســـــوف أجد من يصيح في وجهي بأن هذه تبعية (...) أما إذا تقدمت أنا باقتراح وقبلته إسرائيل، فإن هذا القبول سوف يبين أن رأينا هو
الذي ساد، وهذا في حد ذاته يعــــطي المصريين نوعا من الرضا كفــــيل بتهدئة المشاعر وتجــــاوز الشكوك ، انتهي النص، وبقي المعنى، فالرئيــــس السادات الذي ورث نظاما معاديا لأمريكا التي تحالف إسرائـــــيل، الرئيس نفسه يقدم نفسه كمقاول ســـــياسي من الباطن لدى الخارجية الأمريــــكية .. وربما لدى المخابرات.
وهكذا بدأ قرار السادات بالذهاب إلي القدس المحتلة,كأنه مغامرة مفاجئة، بينما الترتيبات جارية في الظل، وكان الفيلم السياسي الثاني للرئيس السادات ـ بعد حرب 1973 وإلى دراما 1977 ـ تتكشف مراميه، فقد وجه كيسنجر ـ في لقاء 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1973 ـ سؤالا مفاجئا لهيكل، سأل كيسنجر: ما هي سلطة الرئيس السادات في إحداث تغييرات أساسية في النظام الاجتماعي في مصر؟ ، ولم يتأخر رد السادات كثيرا، وصدر قانون استثمار رأس المال العربي والأجنبي ـ أول عناوين الانقلاب بالاقتصاد ـ في أواسط 1974، وجري تزيين أمريكا للمصريين بترتيبات زيارة الرئيس نيكسون،
وأكثر الرئيس السادات من ذكر المدائح بحق صديقه كيسنجر، وهي المدائح ذاتها التي ذهبت فيما بعد إلي صديقه مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، فقد قرر الرئيس السادات ـ بعد انتفاضة كانون الثاني (يناير) 1977 ـ أن يدعم بقاءه في منصبه بضمانة أمريكا وإسرائيل، وليس بضمانة المصريين، كان إلغاء قرارات رفع الأسعار آخر تنازلاته للمصريين، وكان ذهابه للقدس أظهر تنازلاته التي بدت بلا نهاية للأمريكيين والإسرائيليين.
دان بيتر ـ وكان مستشارا إعلاميا لبيغن ـ كتب مقالا في صحيفة يديعوت أحرنوت قبل أيام، المقال بتاريخ 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007،
عنوان المقال,لنصنع السلام بدون تخطيط ، وينقل بيتر عن بطرس غالي ـ وزير الشؤون الخارجية المصري الأسبق ـ حكاية ذات مغزى، فقد عرض بطرس على السادات في طائرة الذهاب إلي القدس كراس تفاوض من ثلاث نقاط عن القدس والحدود واللاجئين، فبدى السادات ضجرا، وأشاح بيده لبطرس، وقال له في وضوح جدول أعمالي الوحيد لمحادثاتي في القدس هو مجرد وصولي إلى القدس (!)، فالسادات كان يعرف هدفه، ومستعد لتقبل خطط أمريكا وإسرائيل وكأنها خططه الشخصية، ويوافق عليها في الحال كأنها من بنات أفكاره، والمقايضة عنده مفهومة، ومن غير وجع قلب، التنازلات جاهزة مقابل دعم
مرغوب، وهو ما تأكد بعدها في مفاوضات كامب ديفيد، فقد كان بيغن يتصور أن السادات لن يفي بالمطلوب وبسهولة، وعبر عن خشيتة لدان بيتر في رحلة الذهاب للمفاوضات، والتي بدأت أوائل ايلول (سبتمبر) 1978 برعاية جيمي كارتر الرئيس الأمريكي وقتها، قال بيغن لبيتر: سنتحدث ليومين أو ثلاثة، وربما نخرج ببيان نوايا ، لكن ماجري فاجأ بيغن، فقد ضرب السادات بنصائح وغضب مستشاريه المصريين عرض الحائط، ووقع إطار اتفاق كامب ديفيد في 17 ايلول (سبتمبر) 1978، وبعد 13 يوما من التفاوض، وكان إطار كامب ديفيد أساسا لمعاهدة السلام التي جري توقيعها في 26 آذار (مارس) 1979، ووضع
مقدرات مصر تحت رحمة أمريكا وإسرائيل بغير إبطاء ولا تحسب، وجري تضييع أبسط معاني الاستقلال والسيادة الوطنية في أقل من عام ونصف عام بعد زيارة القدس، فلم يعد مهما أن تبقي سيادة للوطن، بل أن تبقي السيادة للرئيس.
[color="blue"]فقد جرى ـ بتنازلات السادات المفزعة ـ سلب مصر حقها في وضع قواتها علي أراضيها حيث تشاء، وجرى نزع سلاح سيناء في غالبها، فقد نص الملحق الأمني للمعاهدة على منع مصر من إنشاء مطارات حربية في أي مكان من سيناء (المادة 2 فقرة 5)، ومنعها من استعمال المطارات التي تخليها إسرائيل في أغراض حربية (المادة 5 فقرة 3)، ومنعها من إنشاء أية موانيء عسكرية في أي موقع علي شواطيء سيناء (المادة 4 فقرة 1)، وجري تقسيم سيناء إلي ثلاث مناطق، المنطقة الأولي شرق قناة السويس إلى مدى 58 كيلومترا تقريبا، وتوضع فيها فرقة مشاة ميكانيكية واحدة لا يزيد مجموع أفرادها عن 22
ألفا، ولا تزيد أسلحتها عن 126 قطعة مدفعية، و 126 مدفعا مضادا للطائرات عيار 37 مم، و 230 دبابة و 48 عربة مدرعة من جميع الأنواع (المادة الثانية فقرة 2 بند 2 و 3 من الملحق الأمني)، المنطقة الثانية تلي الأولى شرقا وإلى خط يبدأ من قرية الشيخ زويد على البحر الأبيض المتوسط (شرق العريش)، وينتهي عند رأس محمد (غرب شرم الشيخ)، ويبعد عن حدود مصر الشرقية بحوالي 33 كيلومترا، وفيها يسمح الملحق الأمني للمعاهدة بقوات شرطة مدنية وقوة حرس حدود لا تزيد عن أربع كتائب وبأسلحة خفيفة (المادة 2 فقرة أ بند ب)، وفي المنطقة الثالثة شرق سيناء، وتضم شرم الشيخ ومضايق تيران
وشواطيء خليج العقبة، لا يسمح لمصر بغير الشرطة المدنية [/color](المادة 5 فقرة 2 من الملحق الأمني)، وربما يصح أن نتذكر هنا أن هذه الشروط ليست سرية، وأن المعاهدة بملاحقها قد نشرت في وثائق صدرت عن وزارة الخارجية المصرية وعن هيئة الكتاب الرسمية، وهي ـ بالطبع ـ لا تنتقص من عظيم الاحترام والتقدير للجيش المصري القادر علي ردع أي عدوان، وليس هذا موضوعنا علي أي حال، المهم أن الترتيبات المؤذية لم يتغير فيها شيء إلى الآن، ربما باستثناء متواضع جرى مؤخرا، فقد جرى اتفاق بين مصر وإسرائيل على وضع 750 جنديا حرس حدود عند محور صلاح الدين،بهدف مكافحة تهريب
السلاح للفلسطينيين عبر أنفاق الحدود، وترغب مصر بزيادة العدد إلى 3500 جندي، لكن إسرائيل ترفض إلى الآن، وموافقة إسرائيل شرط جوهري بنص المعاهدة المضمونة أمريكيا، فقد نصت المعاهدة (المادة 6 فقرة 2 بند أ من الملحق الأمني) على تمركز قوات أجنبية شرق سيناء شكلتها أمريكا، وهدفها هو التفتيش والرقابة والاستطلاع والتحقيق، وليس لمصر حق طلب سحبها في أي وقت، وخلاصة الترتيبات ـ بالتعبير النافذ للمفكر القومي الراحل د. عصمت سيف الدولة في كتابه هذه المعاهدة ـ أن تبقي سيناء مرهونة رهنا رسميا (تحت يد صاحبها ولكن لا يستطيع التصرف فيها).
إنه القيد
الحديدي الذي وضع على يد مصر إن أرادت يوما ـ بتغير الظروف ـ استعادة حقوقها واستقلال قرارها، وقد زيد القيد غلظة بـ (مذكرة تفاهم) أكدت بالنص على حق الولايات المتحدة في اتخاذ ما تعتبره ملائما من إجراءات، في حالة حدوث انتهاك لمعاهدة السلام أو تهديد بالانتهاك، بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ، وتضيف المذكرة بالنص تقدم الولايات المتحدة ما تراه لازما من مساندة لما تقوم به إسرائيل من أعمال لمواجهة هذه الانتهاكات خاصة إذا ما رُِئي أن الانتهاك يهدد أمن إسرائيل بما في ذلك علي سبيل المثال تعرض إسرائيل لحصار يمنعها
من استخدام الممرات المائية، أو انتهاك بنود معاهدة السلام بشأن الحد من القوات، أو شن هجوم مسلح على إسرائيل ، وقد تحررت هذه المذكرة، وأبلغتها واشنطن لمصر يوم 25 آذار (مارس) 1979، أي قبل توقيع ما سمي بمعاهدة السلام بيوم واحد، والمعنى:
إكراه مصر ـ في الحال وفي الاستقبال ـ على الإذعان لحد السلاح المشترك للتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي
ولم تنته الخطيئة ـ بنص المعاهدة المشؤومة ـ عند حدود سيناء، فقد عادت سيناء ـ بمقتضي المعاهدة ـ وكأنها لم تعد، عادت إلى مصر على طريقة الذي أعادوا له قدما وأخذوا عينيه، نزع سلاح سيناء انتهى ـ بتطبيق المعاهدة وبتوابعها ـ إلى نزع سيادة القرار في القاهرة، أو قل ـ بالدقة ـ انه انتهى إلى احتلال قرار مصر في السياسة والاقتصاد والثقافة، فالمعاهدة ألزمت مصر بالاعتراف الكامل بإسرائيل، وبتبادل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية (المادة الثالثه فقرة 3 من الوثيقة الرئيسية)، وألزمت مصر بأن تنشيء خطوط طيران واتصالات وسككا حديدية مع
إسرائيل (المادة 6 فقرات 2 و 4 و 5 و 6 من البروتوكول الاقتصادي)، وأن تبيع مصر بترولها لإسرائيل (المحضر الملحق بالبروتوكول)، أي أنه جرى إكراه مصر على ما هو أبعد من إنهاء حالة الحرب، جرى إكراهها على الاعتراف والتطبيع، وجرى ـ أيضا ـ وضع المعاهدة مع إسرائيل فوق كل التزام آخر لمصر، فقد نصت المادة السادسة من الوثيقة الرئيسية على أنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتها الأخرى، فإن الإلتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة هي التي تكون ملزمة ونافذة ، والمعنى ظاهر يصدم العين، فالمعاهدة مع إسرائيل توقف
الالتزام العملي لمصر بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، والتي وقعت في حزيران (يونيو) 1950، وبدأ سريانها منذ 22 آب (أغسطس) 1952، فالمعاهدة تخرج مصر ـ بثقلها العربي الحاسم ـ من ميدان المواجهة مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وهو ما التزم به السادات ومبارك حرفيا فيما بعد، فقد بدت مصر عاجزة مع قصف إسرائيل لمفاعل تموز العراقي سنة 1980، وبدت عاجزة أكثر مع اجتياح إسرائيل لبيروت سنة 1982، ومع وثوق وترابط الالتزام تجاه أمريكا وإسرائيل، كان التطور إلى الخطايا الأفدح، وشاركت مصر في حرب الكويت ضد العراق تحت القيادة الأمريكية، وشاركت بدعم المجهود الحربي
الأمريكي لغزو العراق سنة 2003، وصارت أولويات الأجندة المصرية هي ذاتها أولويات الأجندة الأمريكية ـ الإسرائيلية، وسرت القاعدة في تصرفات الداخل كما في تصرفات الخارج، فلم تكتف إسرائيل بإلزام مصر بتوريد 14 مليون برميل بترول سنويا، بل جري إلزام مصر بتوقيع اتفاق كويز النسيج في 14 كانون الأول (ديسمبر) 2004، ثم إلزامها بتوقيع اتفاق تصدير الغاز المصري لإسرائيل ولمدة 20 سنة مقبلة، وهو ما يعني تزايدا متصلا بتأثير المكون الإسرائيلي في الاقتصاد المصري، وبالتوازي .. توحش تأثير المكون الأمريكي في الاقتصاد والسياسة المصرية، فقد جرى تصنيع النواة
الأولى لمليارديرات جماعة البيزنس بأفران صهر المعونة الأمريكية، وجري التحول إلي التكييف الهيكلي والخصخصة ـ أو المصمصة بمعني أدق ـ بوصاية واشنطن عبر صندوق النقد والبنك الدوليين، وانتهينا ـ حيث لم نحارب إسرائيل ـ إلى حرب شفط الثروة المصريه، وتجريف قواعدها الانتاجيه، ونزلت مصر من قمة التنافس مع كوريا الجنوبية إلي قاع التنافس مع بوركينا فاسو ، كانت مصر ـ إلى ما بعد حرب 1973 ـ رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التنمية والتقدم والاختراق التكنولوجي، ونزلنا ـ بانزلاقات الثلاثين سنة ـ إلى مقام التنافس مع بوركينا فاسو على مؤشر
الفساد الدولي، وكما انتهينا إلى تفكيك نهضة مصر الحديثة الأولى ـ نهضة محمد علي ـ باتفاق لندن سنة 1840، فقد انتهينا إلى تفكيك نهضة مصر الثانية ـ نهضة عبد الناصر ـ باتفاق كامب ديفيد وما أعقبه، ورغم أن مصر تدفقت اليها ـ في سنوات الخطيئة ذاتها ـ موارد مالية خارجية غير مسبوقة بلغت في جملتها ما يزيد عن 200 مليار دولار
لقد أفلت السادات ـ بأقدار الاغتيال ـ من أن يري بأم عينيه نتائج ما فعلت يداه، وتركنا للمأساة نعيشها ونراها ـ حتى إشعار آخر ـ مع خلفه وتابعه حسني مبارك.
مقال للكاتب عبد الحليم قنديل
صحيفة القدس العربي اللندنية
المفضلات