وداعاً للشاعر البرادعي
د. شاكر مطلق
عندما لبّيت دعوته ,قبل حوالي ربع قرن ,لأزوره في بلدته الجميلة "يبرود ",التي غنّاها كثيراً في شعره , قال لي : اِسأل عن "بيت الشاعر " ستجدني ,وهذا ما كان.
لقد نقل الصّديق الشّاعر المرحوم "د.خالد محيي الدين البرادعي" بلدته الجميلة ومسقط رأسه "يبرود" معه إلى كل مكان عاش وعمل فيه من أرجاء الوطن العربي ,من الماء حتى الماء , وظل وفياً له حتى آ خر أيامه.
الشاعر المرحوم "د.خالد محيي الدين البرادعي" انتقل بإبداعه, متعدد الجوانب من مجموعات شعرية وعدد كبير من المسرحيات الشعرية وأعمال نقدية وإبداعية أخرى ,من المحلية إلى فضاء الوطن العربي ونال عن العديد منها جوائز هامة , كما قدمت حولها العديد من الدراسات والأبحاث الجامعية , وبخاصة في المغرب العربي .
لقد عرفت حمص وأوساطها الثقافية ومنابرها وجامعتها الصديق المرحوم د. البرادعي منذ زمن طويل وظل لعقود عديدة وفياً لها ولأصدقائه وزملائه من أدبائها حتى وفاته المؤلمة بحادث سير وهو عائد ظهراً من اتحاد الكتاب العرب في دمشق إلى بيته في يبرود يوم الأحد بتاريخ14/12/2008,وشاركنا ,ضمن وفد من فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص في تشييع جثمانه في مسقط رأسه إلى جانب ممثل رئاسة الاتحاد ووفد الاتحاد في ريف دمشق .
وداعاً للصديق الشاعر المرحوم "د.خالد محيي الدين البرادعي"الذي سيظل في القلب والذاكرة ,رمزاً لإبداع أدبي مميَّز ولصديق وفي وإنسان نقي عصامي أحب وطنه وبلده وأصدقائه واتحاده فبادلوه الحب والوفاء.
===================
-نشرت في جريدة العروبة حمص-سورية بتاريخ 18-12-2008.
( كلمةٌ كنت قد ألقيتها في حفل تكريم الصديق المرحوم ) :
الشاعر د. خالد محيي الدين البرادعي
د. شاكر مطلق
تربطني بالشـاعر الدكتور خالـد محيي الدين البرادعـي ، صداقةٌ قديمة أتاحَت لي التّعرفَ على نتاجه الأدبي المتنوّع عن قربٍ وملامسةِ أجواءِ وخلفيّاتِ العديدِ من نصوصه الإبداعية ، وبخاصّةٍ الشّعريّةِ منها ، وإلى الاستماع إلى بعضها ، وهو لا يزال مخطوطاً وربما مناقشة هذا النص أو ذاك مع الشاعر، في جلسات خاصّةٍ حميمة وصريحة ، وإلى التّعرف أحياناً على الدّوافع التي دفعته إلى كتابة عمل ما، والاطلاع منه على خفايا الكواليس ، الأمر الذي يُوسّع من مَنظور الرّؤية إلى وفي النّص ، وهذا غير متاحٍ طبعاً للقارئ البعيد ، وغير ممكنٍ أو مطلوب على ما أظن ، إنما هي مجرد شارات إلى معرفتي بتجربته الإبداعية ، وبخاصّة الشعرية منها، كـما ذكرتُ ، مستثنِياً الجانبَ الآخر ، من نتاجه المتنوّع ، وأعني به مسرح البرادعي الشعري ، الذي يحتوي على كمٍّ غزير ونوعيّ أحياناً ، يتفاوت طبعاً في أهميته وتألّقه ، شأنُه شأن كل الأعمال الإبداعية في الأدب والفن والموسيقى وغير ذلك .
عرَف الشاعر البرادعي مدناً عديدةً ، عاش فيها أو عايشها إبان فترة ما من تنقّله وابتعاده عن بلدته الجميلة ومسقطِ رأسه ( يبرود ) القابعة في سلسلة جبلية ( جبال القلَمون ) مُذهلة الأشكال والألوان ، إبان اليوم الواحد وعبْر الفصول ، والـمُطلة على وادٍ خِصبٍ وسيع وعريق ( وادي إسكيفتا ) عرف الإنسانُ الاستفادةَ منه ومن السّكن في مغائرِ جباله العديدةِ منذ أكثر من مئة وخمسين ألف عام ، هذه البلدةُ وسَمتْ طبيعتُها الجميلةُ نفسيةَ الشاعر الذي ظلّ وفيّاً لها ولذاكرة المكان المُميَّز فيها ، كما عرف البرادعي الاستفادة من موقعها الموحي الجميل في صياغة العديد من أعماله الإبداعية ، مثل ديوانه المُميّز المعروف " حكايات إلى امرأة من يبرود " الصادر في الكويت عن دار الرسالة عام 1974 .
الشاعر، د. خالد محيي الدين البرادعي ، شاعرٌ مسرحي أيضاً ، متمرسٌ في تقنيات بناء المشهد المسرحي الشعري ، وبخاصة تقنيات وآليّات بناء اللحظة الدرامية في مجريات الأحداث التي تتأرجح بين العادي واللاعادي ، بين العابر والثابت ، بين اللهو والجِد ، وغالباً ما تستند إلى التراث التاريخي العربي.
في عام 1992 كنت قد أصدرتُ للأديبة المغربية الشابة ( فطيمة وهّابي ) – عن دار الذاكرة – حمص / سورية – كتاباً نقدياً وهو مشروع لنيل درجة أكاديمية من إحدى جامعات المغرب الشقيق – وذلك ضمن سِلسلة الدراسات الأدبية والّغوية يحمل الرقم 6 - وعنوانه : صورة المرأة في المسرح العربي " تطرقتْ فيه ، من خلال دراسة أكاديمية جادّة ، إلى العديد من الجوانب المميِّزة لتجربة البرادعي في المسرح الشعري ، ولهذا فإن التطرّقَ إلى هذا الجانب ، ما كان ضمن دراستي المطولة لديوانه المميَّز فعلاً الموسوم بـ : ( الصعود إلى عرش فاطمة ) ، وبخاصة قراءتي فيه للكشف الثالث ، المثقلِ باللحظة الدرامية في هذا المشهد الكاشف ، لأنك تقرأه وتستمع فيه إلى الشاعر بمتعةٍ ، بل وتكاد تراه واقفاً على خشبة المسرح ، بوجهه الحزين وبشعر رأسه الكثيف الأبيض ُمـطرقاً ، على غرار أبطال " شكسبير " في " الملك لير " أو " هاملت " مشاركاً في درامية المشهد غيرِ المنظور .
نالَ البرادعي ، كما نعرف جميعاً ، العديدَ من الجوائز الأدبية المحليّةِ والعربية ، والتي تتفاوت ،طبعاً ، في أهميتها وفي قيمتها الأدبية الفعلية، ولكن يبدو لي أنّها جميعاً أسهمتْ بإعطاء صديقنا الشاعر شعوراً بالرضا والمَزيدِ من الاعتداد بالذات ، الأمر الذي يبدو لي جميلاً ومفرِحاً أيضاً بشرط ألاَّ يحجبَ عن عين الشاعر البصيرةِ أفقَ الإبداعِ المُنتَظرِ المختَرِقِ للمَألوفِ ، وقد يكون من المفيد في هذا السياق ، أن أوردَ عبارةً للألماني " بيتر هينتريدر " _ رئيس تحرير مجلة " دويتشلاند " أي ألمانيا في العدد الخامس للمجلة الصادرة في تشرين الثاني من العام 2004 ، يقول فيها : " عندما يقابل المرءُ أناساً يَشيعُ عنهم أنهم مبدعون فإنه غالباً ما يصادف فيهم إعجابَهم المتحمّس بمنتجات عملهم . وهذا ينطبق على العلماء تماماً كما ينطبق على الفنانين والمدراءَ والأطباء والسياسيين ، كما أودّ أن أوردَ في نفس السياق ومن العدد نفسه عبارة لرئيس ألمانيا الاتحادية الجديد "هورست كولر " عبارةً يقول فيها : " يجب أن تصبح ألمانيا موطن الأفكار . وهذا حسب رأيي _ أي رأي كولر _ يتضمن حبَّ الفضول والتجربة . إنه الشجاعة والإبداعُ وحبُّ الشيءَ الجديدَ في كافة نواحي الحياة ، دون نِسيان القديم والماضي "
الحديثُ عن وفي الجانب الإبداعي للصديق خالد محيي الدين البرادعي ، حديثٌ يطول لا مكان له الآن في هذه الكلمةِ القصيرة في حفل تكريمه مِن قِبل اتحاد الكتاب العرب في دمشق ، اتحادُنا العتيد الذي يقوم ، مشكوراً ، بتكريم أدبائه المتميّزين وهم مازالوا أحياءً يُبدعون .
تحيةً إلى اتحاد الكتاب العرب ، تحيةً إلى المشاركين بكلماتهم في حفل التكريم وإلى الجمهور الكريم ، وتبقى التحية الكبرى لهذا الشاعر الجميل ابن يبرودَ المبدع والمُتميز والصديق الحميم د. خالد محيي البرادعي .
حمص -رية د. شاكر مطلق
E-Mail:mutlak@scs-net.org
================================================== ====
* ألقيتْ هذه الكلمة في حفل تكريم الدكتور محيي الدين البرادعي في مقر اتحاد الكتاب العرب بدمشق بتاريخ 23/11/2004 .
المفضلات