نقلا عن جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?Cu...3.htm&DID=9859
الترجمة الآلية وتأثيرها
بقلم : د. علاء عبدالهادي
يعد الاتساع الهائل لشعبية الممارسة اللغوية اللصيقة بالنشر الالكتروني ـ في عصر الشبكات, التي باتت تعتمد علي نحو متزايد علي برامج الترجمة الآلية, بين اللغات الأوروبية بخاصة, من أهم العوامل التي تسهم في إضعاف سلطة المترجم البشري في ظرفنا الحضاري المعيش, الأمر الذي خلق شروطا مشروعية جديدة, وعممها لصالح تواصل انساني, لا يخضع إلي شروط الانتاج القديمة, ولا ينتمي إلي تقاليد الكتابة المعتادة, فنحن شهود الآن علي ثورة اتصالات ستتغير من خلالها البني الثقافية الصورية للعالم, القومية بخاصة, علي نحو متسارع, تأثرا بمن كان يسمي يوما ما بالآخر, وتأثيرا فيه.
وقد كانت الأوضاع العسكرية والاقتصادية التنافسية من جهة, فضلا عن الرغبة في تسهيل التواصل بين الهويات اللغوية المتعددة في الوطن الواحد من جهة أخري, من الأسباب الأساسية التي دفعت دول العالم المتقدم إلي الاهتمام المبكر بالترجمة الآلية, التي لعبت دورا مهما في مساعدة الشركات الكبري علي متابعة أسواقها عابرة الحدود, ويسرت لها سرعة الترجمات الخاصة بالتجسس الصناعي, فضلا عن ترجمات البحوث العلمية, والتقنية, وذلك من أجل استباق ما قد يبدعه الخصم, وهي حوافز شجعت علي تقدم هذه النظم, وتطويرها, ثم امتد مجالها فيما بعد ليشمل مجالات أهلية, واستعمالات شخصية, واستخدامات سلمية غير تنافسية.
كما تجدر الاشارة, علي مستوي تاريخي آخر, إلي أن خوف الولايات المتحدة الأمريكية في أثناء الحرب الباردة, من التطور العلمي السوفياتي في الخمسينيات, ساعد علي دعم برامج الترجمة الآلية, وذلك بعد أن تيقن الأمريكيون من أن ترجمة الوثائق العلمية الروسية ستمكن خبراءهم, وحلفاءهم من استباق تقدم الروس, والحد من قدراتهم, فانصب اهتمامهم علي ترجمة الوثائق المرتبطة بالتقنيات العسكرية بخاصة, فضلا عن البحوث الروسية النووية والفضائية. ولم يكن من الممكن ترجمة هذا الكم الهائل من الوثائق علي نحو سريع ومؤثر دون توافر آلة مترجمة, وفي خضم الصراع علي السبق الفضائي بين القطبين لم تعد ترجمة الوثائق الروسية قضية علمية فحسب, بل أضحت مسألة مصير أيضا, وهذا ما صبغ برامج الترجمة الآلية وبحوثها, بالصبغة السياسية, الأمر الذي يشد انتباهنا إلي علاقة الترجمة بالمجالات التجسسية. وقد خصص عدد من الحكومات, وعدد آخر من الشركات الكبري مبالغ ضخمة للتجارب في الترجمة الآلية. وكانت جامعة جورج تاون بواشنطن هي أولي الجامعات التي دخلت هذا الميدان, حيث بدأ طاقمها في اللسانيات بترميز المعارف اللسانية, وقد أثمرت تلك المجهودات
عن منظومات ترجمة روسية/ انجليزية استفاد منها سلاح الجو الأمريكي, وتجدر الاشارة إلي غياب برنامج مترجم كامل الفعالية حتي الآن.
ربما كان برنامج سيسترانsystRan)) هو أهم برنامج واسع الانتشار للترجمة الآلية اليوم وقد لاقي هذا البرنامج نجاحا إلي حد بعيد, ولفظة سيستران هي اختزال للعبارة الانجليزية ترجمة النظام, وبالرغم مما يعاب عليه من حيث المستوي الجمالي, أو اللساني, فإنه أكثر البرامج التي توفر متطلبات الترجمة الآلية علي المستوي العملي, ويمكنه ان يقدم ترجمة صالحة مباشرة دون حاجة إلي تدقيق, وان كانت النصوص المنتجة غير صحيحة تماما علي المستويين التركيبي والنحوي, وهو نظام بالغ الاتساع, فهو يتعامل مع اللغات الانجليزية, والفرنسية, والألمانية, والصينية, والروسية, والأسبانية, والصربكرواتية, والسويدية, والفارسية, والبولندية, والبرتغالية, والأوكرانية, والأردية, والكورية, والنرويجية, واليابانية, والايطالية, والهندية واليونانية, والدانماركية, وغيرها. ومعظم هذه اللغات مصممة للتحويل إلي واحدة من اللغتين: الانجليزية أو الفرنسية, أو إلي كلتيهما, وتنتمي غالبية هذه اللغات إلي ثلاث أسر لغوية هي الرومانية, والجرمانية, والسلافية, وتجدر الاشارة إلي أن هناك محاولات لتطوير نظام عربي أيضا.
قدم بيتر توما عام1968 نظام سيستران في لاجولا, بكاليفورنيا, وتعاقد عليه سلاح الجو الأمريكي في1969, واستخدمته وكالة الفضاء الأمريكية في مشروع اتصالات سيوز ـ أبولو, ثم توجه البحث في اتجاه الزوج اللغوي: الانجليزية ـ الفرنسية عام1974, وذلك بتشجيع من مكتب الترجمات الرسمية بكندا, وشركات فورد وجنرال موتورز, وتجدر الاشارة إلي أن هذه البرامج في بداياتها كانت تهدف إلي التجسس العسكري. وقد اعتمدت المفوضية الأوروبية هذا البرنامج منذ عام1975, وطورته لأغراضها, وصدرته للأسواق, وفي عام1995, انطلق أول برنامج سيستران صالح للاستخدام مع برنامج نوافذ, وفي عام1997 قدمته شبكة ألتافيستا من أجل الترجمة المجانية علي موقعها باسم سمكة بابل, فعلي سبيل المثال يقوم موقع سمكة بابل بترجمة صفحات الانترنت الكاملة آليا بين تسعة عشر زوجا من اللغات.
أما برنامج الترجمة الآلية الثاني فهو برناج يوروتراEurotra)), وهو برنامج طموح, مولته اللجنة الأوروبية من عام1977 إلي عام1994, ويوروترا اختزال لعبارة الترجمة وأوروبا. ويعد هذا البرنامج انتاجا أوروبيا خالصا, بدأ التفكير فيه علي المستوي الأكاديمي من أجل تشجيع برامج المجموعة الأوروبية في الترجمة الآلية بين لغاتها المختلفة. وكان الهدف محاولة ايجاد مترجم آلي يتعامل مع كل اللغات الرسمية في المجموعة الأوروبية. وقد مهد هذا البرنامج السبيل لبرامج أخري ناجحة بين دول أوروبية مثل اليونان والبرتغال, وأسبانيا, وايطاليا, فيما بعد, فلم يكن تحقيق طموح هذا البرنامج سهل التحقيق علي نحو ناجح, علي أية حال, أما القفزة الحقيقية في برامج الترجمة الآلية فتتمثل في أنظمة الترجمة الآلية المتزامنة التي سيكون لها في العقد القادم آثار بعيدة المدي علي المستويات الثقافية والاتصالية كافة, وذلك بعد أن أضحت الترجمة الآلية ضرورة من ضرورات العصر, من هنا قامت حاجة المجتمع الغربي إلي تطوير تكنولوجيا لغوية جديدة, ولكن هل يستطيع المترجم الآلي أن يحقق ما طلبه الجاحظ بخصوص بيان المترجم البشري حين قال: لابد للترجمان من
أن يكون بيانه في نفس الترجمة, في وزن علمه في نفس المعرفة!
المفضلات