اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورا سعيد سليم مشاهدة المشاركة
أحببت أن أسأل إن كان أحد يعرف السعر المعقول لترجمة صفحة. وما هو تعريف الصفحة عند المترجمين. لأني عندما طلبت سعراً أظنه مناسبا فوجئت بالزبونة تقول لي إنها حصلت على نصف سعري. ولكن اليوم زبونة أخرى قالت إنها حصلت على خمس سعري إذا كانت الترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وعلى عشر سعري إن كانت الترجمة من الإنجليزية إلى العربية. فما هو السعر المعقول عالمياً، وهل يختلف السعر حسب نوع الترجمة: علمية، قانونية، أدبية، طبية... الخ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


لا يخفي من تنوعِ الردود ودَسَمِها وجِدِّيَّتِها وحِرَفيَّةِ مِمَّن تَفَضَّلوا وقاموا بالرد على المداخلة التي نحنُ بصددها أن الأخت الكريمة قد طرحت موضوعاً أبعدُ ما يكونُ عن التقنين، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو مستوى العالم العربي، فما بالك ونحن نتحدثُ عن تقنينِ المسألةِ على المستوى العالمي وكما هو واقع حال الترجمة؟

كلنا تساءلنا في أوقاتٍ كثيرة عن إمكانيةِ وجودِ تسعيرةٍ مناسبةٍ للترجمة، وكلنا أحترنا بالمبلغ أو السعر الذي ينبغي علينا تقاضيهِ أو التفاوض بخصوصه، وكُلُّنا رَفَضَ عُروضاً ورُفِضَت له شُروط فيما يتعلق بالترجمة، ولأسبابٍ مختلفةٍ ربما كان لها علاقةٌ بنوعية الترجمة أو سِعرُها. كل ذلكَ يعودُ إلى رغبة المترجم المُلتزم الذي يحترِمُ ما يقومُ به من عملٍ، وإلى مشروعية تقاضي ما يكفيهِ للعيشِ الكريمِ ويعادلُ ما يومُ بهِ من جهدٍ وما يجودُ به من وقتهِ وفِكرِهِ وقُدراتِهِ.

لقد لاحظتُ أن كافة الأخوة قد أصابوا كبد الحقيقة في كل ما أدلوا بهِ حول جوانب الموضوع المختلفة. فعلى سبيلِ المثال بدأ الأخ عامر حديثهُ بالتنويه بأهمية الجودة والسعي للوصولِ لأسعارٍ دولية تحكمُ الجميع؛ أمْرٌ بدا بعيد المنال من خلالِ التعقيبات المختلفة التي تفضَّلَت بها الزميلات والزملاء الأفاضل.

ثم جاء الأخ شريف إسماعيل وتحدث عن الأسعار في مصر والأردن وعن التباين في الأسعار ما بين الوثائق "الحكومية" والأدبية وغير الحكومية. ليأتي بعد ذلك الزميل الفاضل معتصم الحارث الضوي ليذكِّرَ بأن ما ينبغي أن يؤخذُ كمقياس هو سعر الترجمة من اللغة الأجنبية إلى لغة الأم، واقترَحَ بأن يكون السعر عالمياً هو خمسة سنتات للكلمة الواحدة؛ أي أن سعر الصفحة التي تتكون من حوالي 300 كلمة (بفراغ مُفرد بين الأسطر وحجم خط 14 للغة الإنجليزية 16 للعربية وفراغ مُزدَوج بين الفقرات) سيكونُ في حدود 15 دولاراً أو 54 ريالاً قطرياً.

أعتقدُ بأن من شأنِ مثل هذه التسعيرة أن تُرضي غالبية المترجمين، وربما أصحاب العمل. غير أنه يبقى هنالك مسألة نوعية هذه الصفحات المترجمة وعددها وجودة الترجمة والعلاقة بين المُتَرجمْ وصاحب الترجمة واستمراريتها مهنياً. وهذا ما تعرَّضَ لهُ الأستاذ محمود الحيمي ليُعيدنا إلى المربع الأول وهو استحالة وضع تسعيرة موحدة للمترجمين محلياً، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار حاجة المترجم للعمل ورغبة "دكاكين الترجمة" وبعض المترجمين في تحقيق الربح والمردود على حساب الجودة، وأحياناً بدون أيِّ معرفةٍ حقيقيةٍ لما تعنيهِ الترجمةُ وما تقتضيهِ من دِقَّةٍ وأمانةٍ والتزامٍ وما تتطلبهُ من جهدٍ وتعبٍ وفِكرٍٍ وتفانٍ.

من كل ما سبق يستطيعُ الأخوة ملاحظة أن أمر تحديد سعر موحد للترجمة أمرٌ ليس بالميسور، إن لم يكن بالمستحيل، وكما سبق وأن ذكر الأستاذ الحيمي في مداخلته. على أية حال قد أرى لي رأياً هنا جَرَّبتُهُ وكان فيه بعض المنطقِ بالنسبةِ لي وهو أن يكون المعيار لتقاضي الأجر عما نُتَرجِم، وفي حال غياب تسعيرةٍ مقبولةٍ من الطرفين، هو ما يلي:

أن يَأخذَ المترجمُ مقدار راتبه عن يومٍ عملٍ رسميٍّ واحد ثم يقسمه على عدد الصفحات التي يمكنُ أن يُنجِزَها (آخذين بالاعتبار نوعيتها أو مجالها) والذي ستَتَراوح، في تقديري، بين 5 – 7 صفحات بالمواصفات. فإن كان راتب المترجم الشهري المثال 8 آلاف ريال قطري على سبيل المثال، نقسمهُ على 30 يوماً وهو عدد أيام الشهر ثم على 8 ساعات العمل اليومية، لنخرج بعد ذلك بأجرةِ ما ينبغي له تقاضيه عن ترجمتهِ من الوثيقة في ذلك اليوم، وليكن 6 صفحات مثلاً.
وبالأرقام: 8000 ريال راتب شهري ÷ 30 يوم عمل = 266 ريال قطري راتب ذلك المترجم عن يوم عمل واحد. ثم 266 ÷ 6 صفحات من الإنجاز = 44 ريال سعر الصفحة بالنسبة لمثل ذلك المترجم ولمثل تلك الوثيقة.


بمعنى آخر فإن سعر الصفحة على هذا الأساس يقلُّ عن السعر المُقتَرَح مِن قبَل الأخ الأستاذ معتصم الحارث الضوي على أساس 5 سنتات للكلمة بـِ 10 ريالات أو 3 دولارات للصفحة. ميزةُ هذا النظام هي أنه كلما ازداد المترجِمُ حِرَفيَّةً وراتباً، فإن سعر ترجمة الصفحة سيزدادُ أيضاً، وفي هذا منطق سليم ومبررٌ لأن يكون هنالك فرقٌ بين مترجمٍ ومترجم، والأمرُ في النهايةِ يعود للمُترجمِ وظروفِهِ وشُهرتِهِ.

في النهاية لا يسعني إلا أن أشكرَ الأخت نورا سعيد سليم على طرحها لهذا الموضوع المهم، وبارك الله فيكم جميعاً لما أفَدْتُمونا به من أفكار.

جهاد الجيوسي
6/3/2009