المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي الحليم
بينما أنا أجول في بساتين " واتا " الوارفة الظلال ، المتمايلِ أيكُها في دلال ، حيث تنشر أزاهيرُها العيقَ الطيبَ فى كل مكان ، فى الشرقِ و الغربِ ، و فى الجنوبِ و الشمال ...
أتنسم عبق الفكر الراقي ، من فنٍ و أدب ، نثرٍ يطاول في جماله الشعر ، وشعر ترى من عذوبته أعجبَ العجب ... أستعرضُ المشاركاتِ و المواضيع ، التي أدلى بها ذوو الذوق الرفيع ، الزملاءُ و الأصدقاء ، في "واتا" الغراء ، حماها الله من كل شرٍ و بلاء ،
و سوَّرَها من كل إساءةٍ و أذيَّة ...
بينما أنا كذلك ، و إذا بـ ( " الرشيد" عبد الرشيد حاجب ) ، يفجؤني بإعلان خطير ينبئ عن أسر "ياسر طويش" شاعرِنا الكبير ، عند أهل المغرب دون إنذار و لا تحذير ، فطاش في رأسيَ الدمّ ، و ملأتني صنوفٌ من الهم و الغمّ .. و كادت تأخذني نخوةُ الجاهليَّة !
و طَفِقْتُ – ساعةَ الغضبِ - أحدّثُ نفسي ، قبل أن أسحبَ فأسي ، كي أريَهم – أنا ابن الشآم- شدةَ بأسي :
" ماذا سوف يفعلون بهذا البلبلِ الغرّيد ، الذي مامر يومٌ إلا و أتحفنا بلحنٍ جديد ؟؟ ...
كيف لطيرٍ خُلِقَ للبهجة والفرح ، أن يوضع في قفص و يقدرَ على الغناء و المرح؟؟ ..
ماذا سيفعلون برجلٍ ، هو في رهافته كميزان الحرارة ، يتفجَّر عند أدنى شرارة ، ألحاناً عذبةً
و أغنياتٍ شجيَّة ؟؟ " .
و تابعت الحديث مع نفسي :
" ... و لكني ما عرفت عن أهل المغرب أيةَ إساءة ، فسرائرهم لا تنطوي إلا على النقاءِ و البراءة ، وشهامتهم تأبى إلا أن تنصفَ الرجل ...
و أكاد أحلف بالرحمن ، أنهم لن يتعاملوا مع أسيرهم بغير أخلاق الفرسان ، و لن تكون إقامتُه لديهم إلا رحلة وُدٍّ هنية!! " .
و قلت لنفسي :
" .. اهدأ يا رجل و انظر – بهدوء - في المسألة ، كي لا يذهبَ بك تهورٌ أو مرجلة ! ".
و نظرت في الأمْرْ ،
"عبد الرشيد حاجب" ، فارسُ الكلمةِ الغاضب ، يلقي باللَّغَم ، و جاهدا يشحذ الهمم ، ويستنفر الصحبَ في إباء و شمم ... فينهضون ، و من لذيذِ فكرِهم يغرفون :
فجاءت رولا حسين من القدس الشريف ، بنفسها النظيف ، و حسها الرهيف .....
وخميس لطفي من الرياض ، ليحرِّضَ المخاض ..
و سليمان السلمي من المحروسة مصر ، بما أوتي من حصافة و نظافة فكر ...
و مالكة العسال ، هي مالكةٌ و ابنةٌ للعسال:
مالكةٌ صهوةَ الحرف ، و حائزة مخازنَ اللطفِ و الظرف... و ابنة لأولئك الذين امتهنوا التعامل مع العسل ، لما له من مقام جلل ، وشفاء لكل عليل و أمل ... فكان قولها حلوا ، ما قرأت له صنوا ، انبرت من الدار البيضاء ، بكل وقار و بهاء !!
و من المغرب الحبيب أيضا المصطفى فرحات ، صاحب أجمل الأفكار و المفردات ، في " لغزة حالات " ، و في " شذرات "! ،
و الناقد الرائع مسلك ميمون ، الذي من أكادير حضر شاهرا يراعه ، في خفر كي يريَنا الرسمَ بالكلمات كيف يكون ، مفندا لعبد الرشيد بعض الظنون .
و من الجزائر العظيمة الرائع جدا عبد القادر بو ميدونة ، العازف على أوتار الحرف ، فإذا اللفظة أنيقة أنيقة ، و المشاعر رقيقة رقيقة ، و الفكرة بائنة ، طريفة رشيقة !
و منى حسن محمد الحاج ، التي تجمع بين الهندسة و الشعر ، من السودان المثقفِ جاءت ، لتضمِّخ المجلسَ بأفخر عطر
و من نشامى إربد أحمد نمر الخطيب ، الناقد و الأديب الأريب ، ليحذر من كل أمر رهيب ، في أسلوب ٍ أدبيٍ أردنيٍ مهيب .
و من سوريا العروبة محمد إبراهيم الحريري ، الشاعر العظيم ، و الأديب الفهيم ... هو القائل:
((أنا ابـن آدم مـن قابيـل، أمسيتـي = منها الأصيل بكف النـذر يختضـبُ
الأرض أمي ، وترياقـي ، وعاقلتـي =والداء منهـا إذا مـا عقَّهـا نَسَـبُ))
أما عامر العظم فقد كان مسرورا و لكنه خشى الرتابة ، فكان يطلق بين الفينة و الفينة همسة رقيقة أو دعابة ، فيسخن الأمور ، مما كان يبعث في الأنفس السرور .
و بعد هذا كله ، بورده و فلّه , و بعد أن جئت – في البداية - من بصرى الشام هائما مغموما ، يحركني " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ، متوهما أن ياسر طويش يخصني وحدي، فإذا بي أكتشف أن أهل المغرب , و كل العرب أقرب إليه مني إلى جلدي ..
رحم الله فخري البارودي الذي أنشد ذات يوم :
بلادُ العُربِ أوطاني =منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ =إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا=ولا ديـنٌ يفـرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا=بغـسَّانٍ وعـدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ=سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ=دهاةُ الإنسِ و الجانِ
فهبوا يا بني قومي=إلى العـلياءِ بالعلمِ
و غنوا يا بني أمّي=بلادُ العُربِ أوطاني
المفضلات