عودةُ " ماركس "د. شاكر مطلق
عندما أصدرَ "كارل ليفي ماركس " , المفكر الاشتراكي الكبير , في العام 1867 كتاب " رأس المال " , أثار بذلك عاصفة في الوسط الاجتماعي الذي كان يحيا في النظام الرأسمالي , والذي برغم كل سلبياته , كان لا يزال يحتفظ بشيءٍ من الرفق في التعامل مع الطبقة العاملة , من حيث تقديم المسكن و الطَّبابة وحتى الضمان الصحي لاحقاً , على يد المستشار الألماني الحديدي الأمير " أوتّو فون بيسمارك " , الذي استبق بقراراته الأحزاب اليسارية من شيوعية واشتراكية , بأن حقق مسبقاً مطالب الطبقة العاملة بهذا الشأن , الذي لا يزال قائماً وساري المفعول في ألمانيا حتى اليوم .
قامت الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق وفي العديد من بلدان شرق أوروبا , وكذلك – ببعد الحرب الكونية الثانية – على أرض ألمانيا الشرقية ( جمهورية ألمانيا الديمقراطية المرحومة ) .
ما تلا ذلك من انهيار شامل للمنظومة الاشتراكية , لألف سببٍ وسببٍ , لا مجال الآن للتفصيل فيه , وإن كان سوء التطبيق على أرض الواقع , وبخاصة الطريقة التي تعاملت معها الأحزاب الاشتراكية مع المواطن , وحتى مع الطبقة العاملة , تعد من أهم الأسباب التي حملت جرثومة الانهيار في المجتمع , وبالطبع عبادة الفرد والتخلي عن مبدأ النقد والنقد الذاتي الخ... –حسب ما أرى - .
الآن , وبعد أن ظن الجميع أن " ماركس " ونظريته الاقتصادية قد أصبحت في متحف التاريخ , ولا سيما بعد أن قاموا في ألمانيا , بعد توحدها من جديد , بإزالة تماثيله , ومنها ما هي أعمال فنية مميزة , دفعت بإحدى جامعات هولندا – على ما أذكر – بشراء بعضها ووضعها في أروقة الجامعة , الآن إذن , وبعد أن أخذت الرأسمالية الجديدة المتوحشة , المنفلتة من كل ضابط أخلاقي , تأكل نفسها وبنوكها واقتصاد شركاتها بسبب انهيار الاقتصاد العالمي , المنطلق من الولايات المتحدة الأمريكية , في مؤامرة عالمية , لا أبرِّءُ الصهيونية منها , ولاسيما أنها انطلقت من بنك " الإخوة ليمان " – اليهودي , ألألماني الأصل – الذي سبب انهياره , استناداً إلى نظرية " كيسنجر " – وزير خارجية أميركا السابق , يهودي الأصل الألماني – القائل بتتالي الانهيارات ( نظرية الدُّومينو ) انهيار الاقتصاد العالمي بكامله , واختفاء أموال خيالية من السوق الاقتصادي والمالي , والعجيب الغريب – بالنسبة لي – أن ما سمعته حول الموضوع هذا من مناقشات لرجال اقتصاد وعلم , لم يتطرق إلى موضوع مصير تلك الأموال الخيالية وأين أصبحت ؟! ...
المهم الآن أن حكومات أوروبا المتحدة أخذت تتحدث علانية عما كان من المحرمات قبل حين في اقتصاد السوق الرأسمالي , من حيث تأميم المصارف , بعد أن ضخوا لإنقاذها مبالغ خيالية أيضاً , بحجة الحيلولة دون انهيار الاقتصاد بالكامل والحفاظ على الوظائف , هذا إلى جانب تشديد المراقبة على الضاربات المالية في البورصات المتوحشة التي لا تعرف إلا الربح المفرط , وبأية وسيلة كانت .
كتاب " رأس المال " , في معرض الكتب العالمي الشهير في مدينة فرانكفورت الألمانية - الواقعة على نهر الماين , حيث ولد شاعر ألمانيا العظيم " وولفغانغ يوهان فون غوتِه " , وحيث تتجمع البنوك الألمانية والعالمية فيها – كان من أكثر الكتب رواجاً و مبيعاً لأن الجيل الجديد من رجال الاقتصاد والأعمال والمال , الذين يجهلون أو لا يعرفون الكثير عن آراء ماركس الاشتراكية , يرغبون الآن بالاطلاع عليها بحثاً عن مخرج من مأساة انهيار الاقتصاد العالمي .
كلُّ الدلائل تشير إلى عودة بعض تلك الأفكار الاشتراكية , على الأقل ‘ إلى العَوْلمة المتوحشة , علَّها تعالج بعض أمراض الرأسمالية المعاصرة , وما أكثرهم ! .
الشارع الأوروبي يغلي الآن , وبخاصة بعد أن وصلت أعداد العاطلين عن العمل إلى أرقام غير مسبوقة حتى في أحلك أيام الحرب وما تلاها من أزمان عصيبة .
ربما يكمن هنا الأمل في الحد من جشع رأسمالية العولَمة المتوحشة , وربما يبزغُ ، ليس على أوروبا فحسب , وإنما على العالم أجمع، عصرٌ أكثر عدالة وإنسانية ونوراً.
=========
حمص - سورية 26/3/2009
E-Mail:Mutlak@scs-net.org
المفضلات