أيها العرب.. أتدرون ما الخطب ..؟
إنه الغرب كان وما يزال يضرب..
" «التّعريب» من المشكلات الكبرى التي تجابه المثقفين في أقطارالمغرب العربي، وهم بين التحرروالتبعية ...
تردد وذبذبة في مسألة إحلال اللغة العربية المحل اللائق بها كلغة رسمية وقومية، وما زال التردد والنقاش قائمين في هذه المسألة حتى بعد التحرر السياسي بسنوات عديدة... سنحاول في هذا المقال السريع إعطاء فكرة عن موقف بعض المثقفين المغاربة من هذه المسألة التي اعتبرت عندهم مشكلة عسيرة الحل...
هناك خطأ وقع فيه بعض المثقفين المغاربة، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب العربي المعاصر وهو فهمهم الخاطئ لمفهوم السيادة والاستقلال.
فالاستعمار ـ عند هؤلاء ـ يعني: الشرطي، والجندي والمراقب العام، والعلم الفرنسي، والاستقلال هو تطهير البلاد من هؤلاء الجنود والشرطة والحكام الفرنسيين وإنزال العلم الفرنسي، وإحلال العلم الوطني محله.
والسيادة، في نظرهم، هي تعويض أسماء جان وبول وجاك بأسماء علي ومحمّد وخالد من الأسماء الإسلامية.«إن هذا الفهم خاطئ من الأساس، كما أكد ذلك عثمان السعدي في كتابه:«قضيّة التعريب في الجزائر» فالجندي والحاكم والعلم، في رأيه، هي أشكال الاستعمار. أما مضمونه وجوهره وحقيقته فهي الثقافة وطريقة التفكير وطريقة الحياة» التي خلقها الاستعمار، مدة إقامته في ربوعنا، وهذه الأمور هي أخطر ألوان الاستعمار على الإطلاق.
إن عدم تطبيق التعريب، معناه وجود الجريدة اليومية الفرنسية المطبوعة في باريس عند باعتنا على الساعة العاشرة من كل يوم. ومعناه أيضا، أن يوزع الكتاب الفرنسي على المكتبات المغربية في نفس الوقت الذي يوزع فيه على المكتبات الفرنسية...
إن المبالغة في انفتاح مغربنا على فرنسا واقتصاره على اللغة والثقافة الفرنسية، سيبقى نقطة الضعف في نهضتنا المعاصرة.
أن التفاعل و التلاقح بين اللغات والحضارات، هو في حدّ ذاته أمر طبيعي، لكن على شرط أن يكون على أساس الاعتزاز باللغة والأصالة القومية.
إن تفضيل لغة على أخرى اعتباطا أو إهمال تعلم اللغة القومية وعدم استخدامها في جميع المجالات التعليمية والإدارية والحياتية، هو تبعية ثقافية تؤول في آخر الأمر، إلى تبعية سياسية واقتصادية، وانحراف خطير يؤدي إلى نسف مقومات شخصيتنا وقواعد مجتمعنا العربي الإسلامي.
ـ فالموظف أو الأستاذ المغربي أو الجزائري أو التونسي يقضي، في أغلب الأحيان، إجازاته في فرنسا أي ينفق جل ما ادخر في سنة، في المدن، والمصائف الفرنسية، ويعني ذلك في لغة الاقتصاد، إصابة اقتصاد بلادنا بالنزيف الدائم... وذلك على الرغم من جمال مصائفنا، وشواطئنا، ومناخ بلادنا، وشمس مغربنا. إن جل المثقفين والأساتذة المغاربة مع الأسف، أثناء العطل والإجازات، تراهم يعيشون قاعدين في المقاهي وعلب الليل في فرنسا، وفي باريس بالخصوص، تاركين بلادهم تتخبط في مشاكل التخلف والأمية. فلو اقبل هؤلاء على التعرف على المناطق المجهولة من بلادهم، ولو اقبلوا على فهم وتحليل مشاكلها، وإيجاد حلول لها، لكان أجدى وانفع لنهضتنا الثقافية والاجتماعية.
ـ فالانفتاح على الثقافات، في رأينا، يجب أن يلعب دور المكمل والمنمي لثقافتنا ولغتنا، وإلا أصبح خطرا يهدد سيادتنا وكياننا. إننا من أشد الناس حماسة لسياسة الأبواب المفتوحة في مضمار الثقافات التقدمية وتعلم اللغات الحية بدقة وإتقان، إذا أمكن، إلا أننا، في الآن نفسه من أشد الناس تمسكا بشخصيتنا القومية حيث تكون اللغة عنصرا من عناصرها الأساسية...
ـ هذا هو الانفتاح المنشود، أما أن يقرأ التونسي أو المغربي أو الجزائري، كل يوم الجريدة اليومية الفرنسية وأن يتابع برامج الإذاعة الفرنسية والتلفزة الفرنسية، فهذا، في رأينا، ليس انفتاحا ولكنه التقليد والذوبان، وإفساح المجال، أكثر فأكثر، للغزو الثقافي الفرنسي الذي يهدد كياننا وسيادتنا ويجعل عملية توجيه شعوبنا وتربيتها، عملية عقيمة وفاشلة.
ـ إن الإعراض عن هذه الأشياء مثل قراءة الجريدة الفرنسية، ومنع دخولها. هو في حدّ ذاته لا يحل المشكلة، مشكلة القضاء على التبعية الثقافية واللغوية وإحلال التعاون والاحترام المتبادل بين اللغات والثقافات محلها، وإنما الذي يحل المشكلة هو تطبيق التعريب وإفهام كل مغربي أن لا حياة له في بلاده إذا لم يتعلم لغته القومية ويتعلم بها الثقافة والعلم... ويأكل بها الخبز...
ـ لقد غفل بعض المثقفين والسياسيين المغاربة، عن أخطار الاستعمار الحرجة من تاريخ الأمة العربية، عن أخطار الاستعمار الجديد، وهو الاستعمار الثقافي واللغوي، وهو أخطر ألوان الاستعمار على الإطلاق.
ـ ويقول الدكتور أحمد زكي في هذا المعنى: خرج المستعمر من المغرب العربي «هو يضحك في أكمامه... وهو يقول: لأن كنت خرجت من ديارهم، أنا المستعمر، فقد خلفت فيهم لغتي، وستقوم نيابة عني، تستعمر. لقد ربطتهم بها ربطا لا ينفصم على الدهر أبدا، فأنا دائما أمشي، وهم دائما ورائي، على السلم يسيرون ويتبعون، الدراسة بها، فالدرس درسي، والقراءة بها فالغداء غذائي والكتب كتبي، وإذن فالفكر فكري وعلى الزمن المجد مجدي وينسى مجدهم. والتاريخ تاريخي، وينسى تاريخهم، ولن يرتفعوا إلى مرتبتي أبدا فالدماء كالوجوه، لن تتغير، فدماؤهم ستبقى دائما سمراء أو سوداء».
ـ لسنا في حاجة إلى التنويه بدور اللغة في المجتمع وقدرتها على صوغ طبقات الشعب في قالب واحد لأنها أداة التفاهم الوحيدة، والحافز الأكبر الذي يدفعهم إلى النضال والعمل... فاللغة العربية، على ما هي من الأهمية في مجتمعنا، هي لغة يحاول بعض أبنائها، بكل ما أوتوا من قوة، أن يخنقوها.
ولكن، كما أكد أنور الجندي، «من خنق لغته، فقد خنق نفسه، لأن اللغة هي أداة التنفس الوحيدة للأدمغة».
ـ هناك في أعمال الصهاينة، في إسرائيل، ما يصلح أن يكون محل نظر أبناء المغرب العربي، في موقفهم من أنفسهم ومن لغتهم. إن إسرائيل تحاول اليوم، بواسطة عملائها، إثبات وجودها لا عن طريق العدوان على البلاد العربية، ولا عن طريق الاقتصاد والسياسة والتعصب الديني فحسب بل عن طريق تعزيزها للغة التوراة، رغم معرفة أبنائها معرفة جيدة بلغات العالم. بفضل هذه الإرادة، تمكنت إسرائيل، في وقت قصير من إحياء تلك اللغة العبرية الميتة التي أصبحت لغة التعلم والعلم والثقافة والعمل، والتكنولوجيا، والفيزياء النووية، في نفس الوقت.
على الرغم من قدرات لغتنا العربية وأصالتنا الثقافية على الثبات والصمود ذاتيا أمام جميع التحديات الاستعمارية، إلا انه لا يجوز أن نبقى هكذا مكتوفي الأيدي، أمام أخطار حقيقية تهدّد كياننا.
هناك فعلا أعداء حقيقيون للغتنا القومية وثقافتنا العربية، وهم يعملون جهارا وفي الظلام، فلا بد من فضح مخططاتهم الجهنمية الهدامة...
صحيح أن أعداء امتنا العربية قد توافروا في جميع مراحل تاريخنا لكنهم، في الماضي، لم يكونوا يجرؤون على رفع أصواتهم خوفا من قوتنا، في عهود عزنا ومجدنا. أما اليوم، وفي عهود ضعفنا وتخلفنا، فإن أعداء قوميتنا قد تكاثروا، وهم لا يتركون فرصة دون النيل منا، واستنقاص لغتنا، وحضارتنا وهم واحد من ثلاثة:
ـ إما صهيوني يكره العرب، ويعمل على تثبيت قدميه في فلسطين العربية. وتوطيد أركان دولة إسرائيل التي أخرجت العرب من ديارهم، بتحالف مع الامبريالية، واحتلت جزءا كبيرا من أراضيهم، وانتهكت حرماتهم، وداست مقدساتهم، حتى وصل بها الأمر ـ بعد هزيمة 5 حزيران 1967 ـ إلى احتلال القدس والمسجد الأقصى، وإحراق هذا المعبد الإسلامي المقدّس، وأدّى بها الأمر أيضا في القدس المحتلة إلى فرض تعليم اللغة العبرية على أبناء العربية من مسيحيين ومسلمين.
ـ أو عميل من عملاء الأجانب وجواسيس الاستعمار، ممّن لهم مصالح اقتصادية في بلادنا، أو ممن يطمعون في إبقائنا ضمن مناطق نفوذهم الثقافية والاقتصادية.
ـ وأما شعوبي قد ملأ الحقد صدره، فطفق يلصق التهم بالعرب وبحضارتهم، ولغتهم، وينقب عن العيوب والمأخذ ـ وفي كل أمة ولغة، عيوب ومساوئ ـ ويعمل على نشرها بين الناس لبث الفساد وإيقاع الفتنة.
إن هؤلاء جميعا قد غرّروا وما يزالون يغررون ببعض شبابنا الذين أصبحوا يكرهون شعبهم وحضارتهم ولغتهم. لقد اضروا بلادهم وما يزالون يلحقون الأضرار الجسيمة بأمتهم لأنهم اتبعوا أهواء أساتذتهم وضلوا ضلالهم مستغلين حرية الفكر وغيرها من الحريات الأساسية للإنسان! إنهم يعملون وإياهم، كما أكد ذلك الدكتور أسعد طلس، على هدم قواعد الوحدة القومية عن طريق استنقاص لغتهم والطعن في حضارتهم ومقدساتهم، وهم يظنون أنهم يحسنون بذلك صنعا.
إن هؤلاء جميعا هم شعوبيو اليوم وأعداء اللغة والحضارة العربية والأمة العربية، وهؤلاء جميعا يمثلهم نفر من الكتاب الغربيين والمستشرقين، ونفر من أساتذة اللغة العربية من الأقارجة والدكاترة ونفر من الكتاب العرب ورجال الصحافة والثقافة والأدب وبعض الشبان الذين استهوتهم أباطيل هؤلاء جميعا.
مما يؤلم ويحزّ في النفس حقا أن عدد هؤلاء الشبان يزداد يوما بعد يوم، نتيجة لغزو المؤلفات الغربية الخليعة لمجتمعنا، ونتيجة للانحطاط الأخلاقي والإنساني لضعف الوازع الحضاري وتغلغل نزعات الوجودية والفوضوية، ونتيجة للسيطرة الرجعية العقلية.
ومن مظاهر ذلك، أن جانبا من طلابنا الذين رجعوا من البلاد الأجنبية، بعد إتمام الدراسة، أخذوا في ترديد ما ابتلعوه في الخارج من غير هضم، ونسوا أو تناسوا أن واجبهم هو خدمة شعبهم، وثقافتهم وذلك ببعث التراث القديم الحافز وربطه بالحركات الفكرية والعلمية في العالم، وخلق الجديد أيضا. إنهم بالعكس من ذلك، أصبحوا، بعد رجوعهم إلى ارض الوطن، أشبه بمونوغراف، ضاربين عرض الحائط، بمبدأ علمي أساسي في العصر الذرّي، وهو محاولة ملائمة النظريات العلمية للواقع القومي.
ومن الملاحظ، أن هذا التحليل المنهجي ينطبق إلى حد بعيد، على موقف بعض المثقفين، في تونس والمغرب الأقصى، من عملية «التعريب».... لكن الجزائر، قد قطعت خطوات طيبة، نرجو أن تكون مركزة ودون ردّة، وذلك في تعريب التعليم الثانوي والعالي وفي تعريب بعض برامج الإذاعة والتلفزة رغم قلة إمكانياتها العربية غداة الاستقلال.
نقلا عن " الصحافة التونسية "ضاد ووكالة " واتا " للأنباء
وهنا تجدون صورا وملامح مقاومة لا تقبل مساومة.
http://www.wata.cc/forums/showthread.php?t=13959
المفضلات