[justify]يقول الأستاذ الدكتور إلياس عطا الله :
((علينا أن نتيقّظ ونتنبّه صونا لفصحانا، على مناعتها وحصانتها، وعلينا أن نصون محكيّتنا، لغة الأمّ، فانفتاحها على الدخيل واسع لا ضابط له، وتغلغلُها لغةَ تدريس بدلا من الفصيحة القياسيّة المعياريّة يزداد اتّساعا وعمقًا، حتّى غدا نهجا مرضيّا عنه مبرّرا بالجهل والانفتاح... أنا لست ضدّ المحكيّة في شيء، فهي أمّي وأهلي وحارتي وبلدي، وهي الوعاء الحافظ لكثير من أسرار فصحاي، ولكنّ هذا لا يعني تبادلَ الأدوار بين وجهي اللغة الواحدة، فلكلٍّ جماليّتُه ومهمّتُه.))
و يقول أيضا :
((أمّا أنا، ورغم تجذّر لغتي، فلا أريد احتلالا... غاية ما أريد انقلاع الاحتلال عنّي، وتورّد خدّي لغتي، وعنفوان أمّتي، وإن كانت العروبة وشيجةً مرعبةً مَحُولاً دونها في توحيد العرب هُويّة وانتماءً، فلتكن العربيّةُ... وهذا أضعف الإيمان. ))
إشكالية " العامية و الفصحى " محور لا بد من النظر فيه ، و من أجل هذا أرى من المفيد التنويه إلى كتاب الأستاذ الدكتور إلياس عطا الله (( و إذا الموؤودة سئلت )) ، الصادر عن (( جمعية الثقافة العربية ومؤسسة المواكب في مدينة الناصرة ))
ضمّن المؤلف الكتاب ، و على امتداد مئتين و ثمان و أربعين صفحة ، مجموعة من مقالاته التي سبق له نشرها ، كما ضمنه مسردا للكلمات العامية الفصيحة وفق ورودها في المقالات .
يقول الدكتور عطا الله في تقديمه للكتاب :
"قضيت عام 2005 وأنا أكتب هذه المقالات في أسبوعية فصل المقال، وبعدها في موقع عــ48ـرب، وقدر الله أن تلقى قبولاً عند كل من يعشق العربية بمستوييها العامي والفصيح، ولما كانت غايتي التقريب بين غاليتين رضعتا لباناً واحداً، فهأنا أجمعها دون أن أجري فيها تعديلاً، مبقياً على أسلوبها الصحفي.. ولأن هذه المقالات أذاقتني شهد وجع الإرهاق، ولأن فيها قداسة رسالة أعيش لها، أضمها في هذا الكتاب، علنا نعيد إلى خدي لغتنا تورداً، ونبعث في أوصالها دفقات حياة".
كما كتب في تقديم الكتاب الأديب الأستاذ حنا أبو حنا تحت عنوان "على العتبة"، فقال:
"تمتعت بقراءة هذه الفصول مرات.
قرأتها منفردة محتفلاً بولادتها الأسبوعية، مستهلاً بها قراءة ما في الصحيفة، مستمتعاً بالإطلالة من روزنتها على الطريف وبما تتكشف عنه الطيات الطيعة لليد الخبيرة. وقرأتها مجتمعة متحفزة للظهور عقداً سوياً في كتاب رشيق رصيف تتضافر فيه الفائدة والمتعة جديلة فاتنة.
وأبحث عن السر وكيف يتحقق هذا الإبداع؟
من النعم أن تجتمع المواهب في واحد. (أهذا صدى البيت الذي صدره: ليس على الله بمستكثر..؟(
لقد التقى هنا:
علامة اللسانيات البحر الذي ذوت خرائط اللغة فكان الخبير بمسالكها، سهلها، ووعرها، بواديها وحواضرها.
والأديب الذي تنطلق من قلمه- بل من حاسوبه- الحواريات الحوريات بما فيهن المهجنات، ويخترع "جنساً أدبياً جديداً" وتميس اللغة بين يديه في "تورق" موسيقي حنون يذكر بـ"العربسك".
والناقد المتمرس الذي يهتدي ببوصلة فراسة الذواقة إلى مواطن البأس والبؤس في الأثر المعالج.
والمربي الذي تحضن غيرته الإنسانية والوطنية الأجيال، تغرس فيها بالمحبة عشق العربية الكريمة، والكرامة، وتشع روح العالم المدقق الذي يقلب كل صرارة.
وعاشق الطرب الذي يدهشك بتبحره في فنون الغناء الأصيل- مطربين وموسيقيين وناسجي برود الشعر.
وخدن الفولكلور الرحيب- أمثاله وأغانيه وحدائه وحكاياته. أما أنا القروي المنقوع في هذا الفولكلور فقد وجدتني أتعلم من جدة المؤلف، ربيبة "علما الشعب" أمثالاً جديدة طريقة.
وفوق هذا كله:
الوطني الذي هاجسه الدائم الكامن وراء كل جهد هو رفعة هذا الشعب وصون كرامته وحماية نسيج وحدته، مؤمناً أن كرامة المرء من كرامة لغته وأن الدفاع عن الكرامة يفضي ما يلي في ساحات الدفاع والتصدي.
افتخر الشاعر الفحل الفرزدق (658 - 728) بجده صعصعة الذي اقترن اسمه بالنعت الجميل "محيي المؤؤودات"، فقال:
وجدي الذي منع الوائدات= وأحيا الوليد فلم يوأدوتروي الحكاية أنه كان يفدي بماله كل طفلة يبلغه أن أهلها ينوون وأدها، وتكثر الحكايات عن ذلك وكيف أن بعض الآباء يبتزونه للحصول على ثمن مزيد.
ونحن هنا مع "صعصعة البيان" الذي استند إلى الآية الكريمة
"وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت".
فنظر في لغتنا المحكية وقد حفلت بكلمات "فصيحة ظلمت.. وغدرتها الأقلام" فانبرى يفتديها، يبحث عن نسبها، وعن أصلها وفصلها بعدة العالم حتى يهتف "ما أفصح عاميتنا وما أجهلنا" ويلخص جهده قائلاً: "لسنة كاملة وأنا أرش الطيوب على جثث المفردات رغبة في إحيائهن ورؤيتهن نابضات مختالات على الأوراق والألسنة".
هذا الكتاب رحلة جميلة حافلة بالمفاجآت والظرف وانفتاح آفاق معرفة ثرية. [/justify]
المفضلات